انتشر خلال الأيام الأربعة الماضية مقطع فيديو يتضمن «هوشة» بين مجموعتين ضمن أرجاء المستشفى الأميري، وحسب ما فهمت من المقطع الذي
تضمن ألفاظاً خارجة، أن خلافاً بين فريقين اندلع خارج المستشفى ثم اكتملت فصوله داخل المبنى الحكومي الذي من المفترض أن يحظى بحماية أمنية
ورجال أمن لضبط السلوك غير المنضبط لمن قد يتغلب عليه الشيطان فيأتي للانتقام أو الأذى أو كما حصل في ذلك اليوم من معركة لم يراعِ أطرافها حرمة
المكان ولا حال المرضى وذويهم ممن لا علاقة لهم بالأمر من قريب أو بعيد.
هذه التجربة المؤلمة لها أبعاد كثيرة لا ينبغي تفويتها أو عدم الوقوف عندها والتنبيه عليها.
أول هذه الأبعاد القيمية أن من اشترك في «الهوشة» أو كان حاضراً المشهد له أسرة وأهل وامتداد عائلي، فليس من اللائق أو الأخلاق والدين أن يتم تصوير ما جرى وبثه في وسائل التواصل، إن لم يكن مراعاة للوضع الاجتماعي لأسرهم وعوائلهم ومن يرتبط معهم برابطة الدم والمصاهرة والنسب، فليكن استجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في الستر على المخطئ والأخذ بيده نحو الصواب ومنعه من الانزلاق أكثر في مصيدة الشيطان.
يا أكارم، لقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي أداة من أدوات التشهير وباباً من أبواب الشر الكثيرة التي فتحت على مصراعيها داخل المجتمعات المسلمة، ولأجل الشهرة وتحقيق أعداد متابعين أكثر لم يعد أكثرنا يقيم لأحكام الإسلام وزناً، وأصبح العرف في وسائل التواصل هو الحكم على الأفعال، حتى فجعنا بسلوكيات لا تمت إلى واقعنا الكويتي بصلة، وباتت الفضيحة هي المحببة إلى النفوس بدل الستر على الأخطاء، وأصبح الناس يتهاونون في أمر الغيبة والاعتداء على الأعراض وتجاوز حدود الله بالتعامل في ما بينهم.
يحزنني أن أرى بعض أبنائي من جيل الشباب وهم يسيرون في طريق الفضيحة تصويراً أو بثاً ونشراً لكل ما يقع بين أيديهم دون عابئين بمردود هذا الفعل على من تتضمنهم هذه الفيديوهات من أخطار أو تجاوزات أخلاقية كلنا معرض للسقوط فيها، فنحن بشر خطاؤون، وكم من أسرة ابتليت بواحد من أبنائها سار في طريق المعصية والخطأ، ثم ستره الله ووفقه للخير وعاد إلى طريق الصواب والحق والهداية وترك سبيل الغواية.
أستغرب حقاً كيف أن نفوس أهل الكويت الطيبين أصبحت مهيأة لاستقبال فيديوهات الفضائح، بل والمشاركة في بثها وكأن الفضيحة أصبحت باباً من أبواب المفاخرة يتم التباهي بنشرها على الملأ، ولا يعلم أحدنا فتاة كانت أم فتى أن الأيام دول، وأن من انتشى اليوم بفضيحة إنسان آخر قد يأتي عليه الدور فيشمت الآخرون به ويسعدون بنشر فضيحته «فالجزاء من جنس العمل» وقد حذرنا من قبل «لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك».
الأمر الثاني الذي وجب التنبه له وتسليط الضوء عليه، الأعداد المتزايدة من «الهوشات» في الأماكن العامة والأسواق بل وحتى المستشفيات لم تسلم هذه المرة!
المجتمع يا سادة يعاني من تراجع قيمي أخلاقي خطير، يجب على مراكز البحث والمسؤولين أن يوجدوا له حيزاً في خططهم التطويرية، فلا يمكن للعقل السوي أن يستوعب حجم التراجع القيمي في مجتمع مسالم متماسك صغير كالمجتمع الكويتي، العنف أصبح فيه سمة طاغية وعلامة بارزة، ولا يقتصر هذا العنف على المجتمع الذكوري بل تعداه ليقتحم عالم النساء وتتراجع فيه النعومة والرقة والضعف لمصلحة العنف والقسوة والأذى للغير.
أفهم تماماً أن الوتيرة السريعة للحياة والانفتاح غير المنضبط الذي ورطتنا به التكنولوجيا الحديثة واستعداد النشء النفسي لتجربة كل ما هو جديد مهما كانت نتائجه هي من سمات الشباب، لكن ما لا يمكنني فهمه هذا الحجم من الانعكاسات السلبية والارتدادات العنيفة على المجتمع بشكل عام، حتى أصبح صوت العقل والحكمة خافتاً لا يكاد يسمعه أحد أو محارباً من دعاة «الظلام التحرري» الذين يريدون خلق مجتمع منسلخ من المفاهيم الأخلاقية والقيم الإسلامية استجابة لدعوات الموتورين من منتكسي الفطرة وسماسرة الأعراض.
الكويت يا سادة أمانة في أعناقنا جميعاً، وشبابها أبناؤنا، والمحافظة على قيمنا وتراث أهلنا ومفاهيم ديننا وأوامر شرعنا واجب علينا.
أهل الكويت لا يستحقون إلا الأفضل، يجب ألا نسمح لمفاهيم دخيلة وأخلاقيات مستوردة أن تلوث مجتمعنا المجبول على الخير والأخلاق أو أن تعبث بمكوناته.
الرأي العام
شاهد المقطع على هذا الرابط
http://zain4u.com/vb/showthread.php?t=2010