آلام العمود الفقري… «طعنات» في الظَهر

قصّة «مُسلسل» في جسمك…  (1 من 3) 

هو «مسلسل» يوجد فعليا في جسمك، ويتألف من 33 «حلقة» متواصلة، ولا تستطيع النهوض أو الوقوف أو السير

منتصب القامة من دونه، ويمتد على خط غير مستقيم ابتداء من قاعدة مخك وصولا إلى أقصى أسفل ظهرك مرورا برقبتك.

إنه… عمودك الفقري، الذي يتحول لدى كثيرين إلى «مسلسل تراجيدي» ينغص عليهم حياتهم عندما يصيبه أي التهابات أو

تهتكات أو انزلاقات غضروفية تثير آلاما حادة تكون أشبه ما تكون بـ «طعنات في الظهر»… بالمعنى الحرفي للعبارة.

فوفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، تنتشر مشاكل وآلام العمود الفقري على نطاق واسع حول العالم وبمعدلات مرتفعة

بين من تجاوزوا الأربعين تحديدا، وتتباين حدتها ما بين أوجاع طفيفة وآلام مبرحة قد تصل إلى درجة تعجيز المريض عن ممارسة

أنشطة حياته اليومية بشكل طبيعي.

في هذه السلسة المؤلفة من 3 حلقات، نسلط ضوءا تثقيفيا وتوعويا على العمود الفقري وفقراته من جوانب عدة، وذلك لتوضيح آليات نشوء آلام الرقبة والظهر، كي يتسنى للقارئ – في ذلك الضوء – أن يقوم بتعديل نمط حياته وحركته وجلوسه كنوع من الوقاية ضد تلك الآلام.

في حلقة اليوم (الأولى) من السلسلة، نستعرض «سيناريو المسلسل»، أي الوصف التشريحي والتركيبي للعمود الفقري البشري.

فالعمود الفِقْرِي لدى الإنسان هو عبارة عن سلسلة تتألف من 33 فِقْرات عظمية مفرغة تحفظ النخاع الشوكي الممتد داخلها داخل ما يسمى «النفق الفِقْري».

وعظام فقرات العمود الفقري غير منتظمة الأشكال والأحجام، فهي تختلف عن بعضها البعض حسب ترتيب وجودها في السلسلة، ولكل مجموعة منها مسمى تشريحي معين وطبيعة خاصة بها من حيث الحركة والقدرة على الالتفاف والانثناء.

وعند ولادة الإنسان، يكون لعموده الفقري تحَدُّبان إلى الخلف في المنطقة الصدرية والمنطقة العَجَزِيّة العصعصية (منطقة الحوض)، وهذان يسميان بالانحناء الابتدائي. وبعد أن يبدأ الطفل برفع رأسه من دون مساعدة يبدأ تحَدُّب المنطقة العنقية في الاتجاه نحو الأمام، ثم عندما يبدأ بالجلوس والوقوف يبدأ التحَدُّب القطني بالظهور للأمام ويسميان بالتحَدُّبين الثانويين. ويظهر هذان التحَدُّبان لإحداث توازن مع الانحناءات الابتدائية. وتصبح هذه الانحناءات أكثر وضوحاً عندما يبدأ الطفل في الوقوف.

وتكتمل تحَدُّبات العمود الفقري بين الشهرين الثاني عشر والثامن عشر من عمر الطفل، حيث يتماسك بعضها مع بعض بأربطة قوية ومرنة بدرجة كافية تمنحه الصلابة وفي الوقت ذاته تسمح له بالحركات السلسة الاعتيادية التي تسمح بنقل وتوزيع ثقل الجسم الى الأطراف السفلى عن طريق الحوض. كما يكتسب العمود الفقري صلابة ويعمل كدرع واقية للحبل الشوكي الممتد في داخله، وكذا لجذور الأعصاب التي تخرج متشعبة من الحبل الشوكي. وعلاوة على ذلك، يمنح العمود الفقري جسم الطفل القدرة على انتصاب قامته.

ويكون التحرك بين كل فقرتين متجاورتين قليلا نسبيا، لكن إجمالي ذلك التحرك ينتج عنه تغير إجمالي بدرجة كافية في المحور الطولي للعمود الفقري. لذا فإنه يحصل انثناء للأمام وللخلف في مختلف أقسام العمود الفقري بالدرجة نفسها. فالانثناء إلى الأمام والانبساط إلى الخلف يكون لهما مدى واسع في القسم العنقي، وهما الأمران اللذان يتجليان في طبيعة حركة الرأس. أما أقل درجة انثناء وانبساط فتحدث بين قسم الفقرات الصدرية، وذلك كي تساعد على الحركات التنفسية. لذا فإن انحناء العمود الفقري إلى الأمام أو الخلف يكون مداه ضيقاً في المنطقة الصدرية وواسعاً في المنطقة العنقية والقَطَنيّة.

ومن حيث الشكل، تتشابه فقرات كل مجموعة في مظهرها العام، ولكنها تختلف من حيث الحجم وبعض التفاصيل التشريحية الأخرى لدى الانتقال من قسم إلى آخر على امتداد العمود الفقري. فمثلاً تختلف الفقرات العنقية عن نظيراتها القَطَنيّة اختلافاً كبيراً في الحجم والشكل وطبيعة الحركة.

ووفقا لزيادة الثقل الذي تتحمله كل مجموعة من الفقرات، يزداد حجمها وتزداد قوتها من أعلى العمود الفقري إلى أسفله. وتبدأ هذه الزيادة من الفقرة العنقية الثانية (فقرة «المحور») وصولا إلى الفقرة الصدرية الأولى، حيث يصغر حجم الفقرات الصدرية الثانية والثالثة والرابعة وأحياناً وصولا الى السادسة، ثم تبدأ في الزيادة التدريجية مرة ثانية حتى تبلغ أقصاها عند الفقرة القَطَنيّة الخامسة. وبعد ذلك تبدأ الفقرات بالتناقص من حيث الحجم ابتداء من الزاوية القَطَنيّة العَجَزِيّة حتى نهاية العصعص.

وهكذا يتضح أن الفقرات القَطَنيّة السفلى – وبخاصة الفقرة الخامسة – هي أكبر فقرات العمود الفقري وأكثرها قوة.

ومن جهة الخلف، تمتد على العمود الفقري سلسلة من النتوءات الشوكية على طول الخط المنصف الوسطي من الفقرة العنقية الثانية وحتى الفقرة العَجَزِيّة الرابعة. وهذه النتوءات الشوكية تكون مقسومة الى شطرين باستثناء النتوء الشوكي للفقرة العنقية السابعة والقَطَنيّة. وهذه النتوءات مائلة للأسفل في جميع الفقرات العنقية، باستثناء الفقرة العنقية السابعة والفقرات الصدرية باستثناء الأولى و الحادية عشرة والثانية عشرة.

وعند عدم انشطارها، تكون نهايات النتوءات الشوكية مدورة كما هي الحالة في المنطقة العنقية والفقرات الصدرية. ويوجد على جانبي النتوء الشوكي من كل جهة عند السطح الخلفي للصفيحة أخدود يسمى «الأخدود الفقري»، وتستقر فيه عضلات الظهر العميقة الناصبة للفقرات.

وتشترك فقرات العمود الفقري في الصفات التشريحية، إذا تتكون كل فقرة من سويقة، وصفيحة، ونتوء شوكي، ونتوء المستعرض، ومفصل، وفتحة بين فقرية.

أما الحبل الشوكي فإنه يمتد في القناة الفقرية التي توجد داخل العمود الفقري، وهو ينتهي عند الحافة السفلية للفقرة القَطَنيّة الأولى. لذا فإن القسم المتبقى من القناة القفرية وأسفل الفقرة القطينة الأولى – والمتألف من الفقرات القَطَنيّة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة وعظم العَجَزِ – يكون مرصعا بالأعصاب الشوكية النازلة بصورة مائلة وتخرج من فتحات بين فقرية.

وبالإضافة الى احتوائها الحبل الشوكي، تحوي القناة الفقرية السحايا التي تحيط بالحبل الشوكي.

ويتمتع الحبل الشوكي بحماية بفضل وجودة داخل القناة الفقرية، حيث لا يلتوي ولا ينضغط ولا يتخصر خلال حركات وانثناءات العمود الفقري، إذ تحافظ عليه السحايا ثم الأربطة التي تربط جوانب القناة الفقرية وكذلك السائل المخي الشوكي الذي يحيط بالحبل الشوكي. ويتمتع الحبل الشوكي بالقدرة على امتصاص الهزات والرجات والصدمات، وذلك لأن السائل النخاعي يتحول الى المنطقة التي قد يتأثر بها الحبل الشوكي جراء حركات العمود الفقري لأنه محصور بمتانة ما بين الأم الحنون والأم العنكبوتية.

وتتباين مكونات الفقرات من حيث الشكل والحجم لدى الانتقال بين أقسام العمود الفقري العنقية والصدرية والقَطَنيّة. وهذا الاختلاف يؤثر على الارتباط والحركات في كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة. فمثلاً يكون الدوران حول المحور غير ممكن في المنطقة القَطَنيّة، وذلك لأن الوجه المفصلي للفقرات القَطَنيّة يمثل جزءاً من سطح إسطوانة ومتجه نحو الداخل والخارج بدلاً من اتجاهه نحو الامام والخلف كما في الفقرات العنقية التي تستطيع الدوران حول محورها بدرجة معينة.

أقسام عمودك الفقري

عمودك الفقري هو أشبه بالعمود المركزي للخيمة، إذ إنه العضو الحامل للجزء العلوي من جسمك كي يبقى منتصبا في وضع قائم لكنه يمنحك إلى جانب ذلك القدرة على الانحناء والانثناء والالتفات.

والأقراص التي تفصل بين الفقرات هي المسؤولة عن تسهيل حركة العمود الفقري وبعض القطاعات الأخرى. ولذلك، فإن أي تلفيات أو تهتكات تصيب العمود الفقري تسبب آلامًا مبرحة. ويرجع السبب الرئيسي لتلك الآلام إلى توترات تصيب العضلات، أو تآكل الأقراص الفقرية بشكل كبير، وهو التآكل المتعارف عليه بمصطلح «الانزلاق الغضروفي».

ويبلغ متوسط طول العمود الفقري 70 سنتيمترا لدى الشخص الطبيعي البالغ، لكنه يكون أطول لدى الرجال منه لدى النساء. وهو عمود غير مستقيم، بل به انحناءات وتقوسات بسيطة في أقسامه المختلفة، لكن خط الجاذبية الأرضية يتطابق تماما مع خط العمود الفقري.

وتشريحيا، يتألف العمود الفقري للإنسان من 33 فقرة مرتبة تسلسليا في أقسام خمسة من الأعلى إلى الأسفل على النحو التالي:

القسم الأول

– الفقرات الرقبية (أو العنقية): تتألف من 7 فقرات ذات أحجام صغيرة نسبيا، ويرمز اليها تشريحيا بالرموز من C1 إلى C7 حيث يُطلق على الفقرة C1 اسم «الأطلس» أو «الفهقة» وهي الفقرة التي تثبت الجمجمة، أما الفقرة C2 فتسمى «المحور».

القسم الثاني

– الفقرات الصدرية: تتألف من 12 فقرة، ويرمز اليها تشريحيا بالرموز من T1 إلى T12، وهي ملتحمة مع الأضلاع التي تمتد نحو الأمام مكونة ما يعرف بالقفص الصدري. وهذه الفقرات ذات أحجام متوسطة.

القسم الثالث

– الفقرات القَطَنيّة: قوامها 5 فقرات ويشار إليها تشريحيا بالرموز من L1 إلى L5. وتتميز الفقرات القطنية بكونها ذات أحجام كبيرة.

القسم الرابع

– الفقرات العَجَزِيّة: يبلغ عددها 5 فقرات، ويرمز إليها تشريحيا بالرموز من S1 إلى S5. وهذه الفقرات متلاحمة ومتلاصقة ببعضها البعض مكوِّنة تشكيلا عظميا واحدا يسمى «العَجَز».

القسم الخامس

– الفقرات العُصعُصِّية: تتألف من 4 فقرات (وأحيانا تكون 3 أو 5). وهي مجموعة فقرات صغيرة الحجم ملتصقة ببعضها لتكون ما يسمى تشريحيا «العصعص».

الرأي العام 

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*