تعقيبا على حادث هجوم نمر بنغالي على طفلة سعودية، تطالب الكاتبة الصحفية هالة القحطاني بمحاسبة الأب قانونيا وجنائيا لأنه المسؤول الأول عما وقع لطفلته،
بعدما أخذها لتلتقط بعض الصور في استراحة رجل أعمال، وهو يعرف أن لديه حيوانات مفترسة، وهو ما يعد مخالفة صريحة لنظام حماية الطفل، لافتة إلى أن هذا الأب
وغيره ممن يتركوا بناتهم وأطفالهم يقلدون عارضات الأزياء ويلطخون وجوههم بالمساحيق، ثم ينشرون كل هذا على مواقع التواصل، هؤلاء الآباء يستغلون أطفالهم أسوأ
استغلال، ولابد من إيقافهم.
أين والدها ؟
وفي مقالها ” الوجه القبيح للكبار” بصحيفة ” الوطن”، ترصد القحطاني مشاهد لا تليق بالفتيات وبالقاصرات منهن على مواقع التواصل، تتم وتنشر بدعم الآباء وتقول ” حين تخرج فتاة قاصر، لا تتجاوز الثامنة من العمر، على وسائل التواصل، تستعرض وجهها البريء، الملطخ بمساحيق الزينة. وتبث صوراً ومقاطع تتغنج فيها بطريقة مصطنعة، لا تليق بسنها، مقلدة محترفات (الفاشانيستا)، تجعلنا نتساءل أين والداها! .. فبعد أن انتشرت ظاهرة العارضات الخليجيات، اللاتي يقلدن شهيرات الغرب في نمط حياتهن، وتشبعن بيومياتهن لحد النخاع، حتى تفوقن عليهن في السطحية والخواء الفكري. أصبح أكبر همّ بعض الفتيات الجديدات الانتشار والشهرة، عن طريق نشر مقاطع، لإبراز جمالهن المُصنّع، من تعبئة شفاه، وإطالة ذقون ونفخ وجنات، ونحت أنوف وأجساد. وتعزيز ذلك بوضع طبقات من الأصباغ، والتباهي باستخدام منتجات مبالغ بها من الزينة، التي كان لا يُعرف منها سوى الكحل وأحمر الشفاه. ومع الوقت، استطاعت تلك الفئة من العارضات الخليجيات، إخفاء خوائهن الفكري، بصنع فلسفة كاذبة حول كل شيء، لإيهام أصحاب العقول الفارغة، بأن الحياة والسعادة تتوقفان عند إبراز الجمال والملابس ومساحيق الزينة. ليرسلن رسالة مشوهة إلى العالم عن المرأة الخليجية، بأن السطحية، هو ما جعلها من الشخصيات المؤثرة. وهي غير ذلك. وعادة ما يعتمد على استخدام هؤلاء التافهات، للتسويق لمنتجاتهم تجار ومحلات رخيصة للأسف”.
وماذا عن القاصرات ؟
وتضيف القحطاني ” إذا تجاهلنا أفعال الكبيرات، سنجد أنفسنا أمام سؤال يبحث عن إجابة، ويتطلب موقفا صارما من الجهات الأمنية، أين أهالي قاصرات وسائل التواصل، وما الدور التربوي الذي يقومون به، إزاء ما وصلت إليه بناتهن من عبث، وهم يعرفون أن صغارهم يقومون بمخالفة واضحة على وسائل التواصل، التي تفرض عمرا محددا لإنشاء حساب .. أصبح الأمر في منتهى الخطورة، ليس بسبب اختفاء النماذج المشرفة، بل بسبب ذلك الدعم الضخم، الذي تمنحه وسائل الإعلام المرئية، لتلك الفئة، وتركها تهيمن بتفاهتها على المادة المرئية، التي تؤثر سلباً على العقول الصغيرة، في رسالة مفادها أن التفاهة مفتاح النجاح الحقيقي. بينما أبطال العلم والاختراع الحقيقيون، الذين يفوزون في مسابقات عالمية تشرف الدولة، مهمشون وتمر أخبارهم على استحياء صدفة”.
وبمشاركة الآباء
ثم ترصد القحطاني مشاركة بعض الآباء في هذه المخالفات، وتقول ” الأمر المخيف الآن، هو مشاركة بعض الآباء رسمياً في عملية تسطيح الطفل وإيذائه، عن طريق استغلاله، سواء كان لموهبته أو جماله. فغالبية الحالات التي رأيناها، لا يرى فيها الأبوان أن ما يفعلاه فيه إيذاء للطفل أو مخالفة .. فحين ينشر بالغ عاقل، مقطعا لصغيرة من المفترض أن يحميها سواء كانت ابنته أو أخته، ليحصل فقط على الانتباه وملايين المشاهدات. ثم تتهافت عليهم الشركات والبرامج الإعلامية، لتصنع من ذلك المقطع مادة ضخمة، يغرون فيها الطفلة وأهلها، بهدايا ومميزات، لم تحدث لهم من قبل. ماذا نسمي هذا! وحين يخرج الأمر عن السيطرة، ويتم تلقف الصغيرة من كل جهة، يخرج نفس الشخص الذي ارتكب الخطأ الأول بنشر المقطع، ليحذر الناس ويطلب منهم الابتعاد عن حياتهم”.
واقعة هجوم النمر
ثم تعرض القحطاني واقعة هجوم النمر على طفلة، لافتة إلى مخالفات نظام حماية الطفل في تلك بالواقعة، وتقول ” عرّف نظام حماية الطفل من الإيذاء بأنه (كل شكل من أشكال الإساءة للطفل أو استغلاله). وورد تحت المادة الثالثة، (وجوده في بيئة قد يتعرض فيها للخطر)، وهذا يعني أن الطفلة المشهورة، التي أخذها والدها لتلتقط بعض الصور في استراحة رجل أعمال، وهو يعرف أن لديه حيوانات مفترسة، يعد مخالفة صريحة لنظام حماية الطفل. ناهيك عن ادعاءاته وتناقضاته التي ملأت البرامج، بأن ما تعرضت له طفلته بعد أن قضم رأسها نمر بنغالي ضخم أخافه شخصياً. فأي أب ذلك الذي يجازف بحياة ابنته، ويستخدم جمالها، من أجل دعايات، وحفنة من الصور ينشرها على برنامج السناب”.
حاسبوا مستغلي أطفالهم
وتضيف الكاتبة ” قدم ذلك الأب، شكوى رسمية للشرطة، يتهم فيها رجل الأعمال وابنه مدرب الحيوانات المفترسة، بالمسؤولية عن الأضرار التي لحقت بطفلته، لافتًا إلى أنها أصيبت بصدمة نفسية، كما تعطلت دراستها في الصف الأول المتوسط وأعمالها الفنية. هكذا عبّر بكل وقاحة، ودون خجل عن تعطل أعمالها الفنية، ودون أن يُحمل نفسه مسؤولية ما تعرضت له من إيذاء، ودون أن يتعرض للمساءلة القانونية. ثم ظهر أمام الكاميرات، بجوار الصغيرة التي تورم وجهها من تأثير الغُرز، ليقتات على حساب آلامها وأوجاعها، بشيء من الأضواء، ويَعِد المعجبين بها بعودتها سريعاً. فأي أب هذا الذي لم ير اللحظة التي هاجم فيها النمر ابنته، لأنه كان مشغولا بمشاهدة مقاطع سناب شات، ولا يهمه الآن سوى عودتها إلى الأضواء!”.
الكبار هم المشكلة
وتخلص القحطاني إلى أن ” مصيبتنا اليوم ليست في تنشئة الصغار، بل في مواجهة الوجه القبيح، الذي بدا عليه بعض الآباء مؤخراً، حين استغلوا أطفالهم، مالئين عقولهم بأن التفاهة والاستظراف مصدران للرزق المشروع. فبدلاً من تأهيلهم لفترة التحول التي تحدث الآن، وتحتاج التركيز على تعليم وتدريب الطفل، وتنمية مهارات الاكتشاف والاختراع لديه. اغتالوا براءته في جريمة علنية بحق الطفولة جمعاء، فحين يصل الطفل إلى مرحلة الوعي والإدراك، سيكتشف أن والديه استخدماه أسوأ استخدام، مستغلين صغر سنه وعدم خبرته. وإذا لم تحارب الجهات المختصة هذا الخلل بتجريم الآباء، سيخرج إلينا جيل هش لن يتحمل مسؤولية الحفاظ على قيم المجتمع، وبناء الدولة في المستقبل، خاصة حين يكبر وينطفئ جماله وشهرته”.
صحيفة سبق