|
||||||||||
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
10-16-2021, 11:23 PM | #1 |
Senior Member
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 7,151
|
كانت أمي تصلي وأنا أجلس بجانبها في شرفة منزلنا الأرضية وحينما سلمت وجدت بقربها صحن
قانون الندرة قانون الجوع*
كانت أمي تصلي ذات مساء وأنا أجلس بجانبها في شرفة منزلنا الأرضية وحينما سلمت وجدت بقربها صحن فاكهة صغيراً خالياً إلا من تفاحة واحدة حمراء وسكين تناولت أمي التفاحة قطعتها أرباعاً أزالت قشورها ثم ناولتني ربعاً فأكلته وأكلت هي الربع الثاني ثم أعطتني الربع الثالث فأكلته وأكلت هي الربع الرابع والأخير. منذ ذلك الحين وحتى اليوم لم أذق في حياتي ما هو أطيب مذاقاً من تلك التفاحة ولم أفهم لماذا؟. ظننت أنه طعم الحنان في تفاحة أمي لكنني اليوم أستعيد تعليق أمي يومها على طعم التفاحة اللذيذ حين قالت: "لهذا كان لكل شيء طعمه في زماننا". حين كبرت عرفت معنى ما قالته. كان الشعور بأن تلك التفاحة هي الأخيرة في الصحن وربما في البيت والحصول على نصفها فقط دون الشعور بالشبع هو السبب الذي جعل لمذاقها طعماً طيباً إنه قانون الندرة كما هو قانون الجوع في حكاية قريبي الذي قال: "نزلنا ضيوفاً عند وجيه كبير من اصدقائنا في طريق عودتنا من رحلة قنص طويلة وكنا طوال اليوم على قهوة وتمر الصباح وما أن وصلنا وبانتظار إعداد وليمتنا قدم المضيف لنا تمراً ولبناً نتصبر به فأخذنا نأكله بنهم وتلذذ ولم تبقَ قصيدة مدح لم نقلها بحق التمر وبحق البلد التي جاء منه وشددنا على مضيفنا بألا يتركنا دون هذا التمر النادر المذاق وان يبعث لنا الى الرياض من هذا التمر الطيب عدة تنكات. وبعد شهرين وفي رمضان بعث لنا الرجل من التمر الذي طلبناه فإذا به تمر رديء على قوله "لا يصلح الا للبهائم" ورفعت هاتفاً لصديقنا أعاتبه لكنه ضحك واقسم انه نفس التمر الذي اكلت منه لكنه الجوع جعل منه أطيب التمر عندك. وها أنت عدت تأكل من التمور الطيبة حتى صار عندك تمرك القديم سيء المذاق. ولم يكذب الرجل فيما قال". على ما يبدو أن هذا هو سر الحنين الذي نلمسه في حديث آبائنا وأمهاتنا ونلمسه نحن في مذاق طفولتنا حين كانت أسوأ حلوى معجونة من السكر والماء أطيب ما ذقناه. واليوم حين أتذوق حلوى كنت آكلها وانا طفلة اقول لنفسي "كيف كنا نأكل هذه الحلوى المخيسة" طبعاً لقد أفسدت حلوى سويسرا وبلجيكا مذاق حلوى الأمس بل ان شراب التوت المخلوط بنصف وزنه سكر والمثلج كان أطيب أنواع الآيسكريم واليوم لا تسمع غير نبرة التذمر والتبرم والأطفال الذين يقومون من طاولة الأكل لا يعجبهم الأكل ويصرون على طلب الطعام الجاهز من الخارج. أرجو ان لا تفهموا أن هذه أعراض شيخوخة بدأت تدركني لكنك اليوم وأنت تتأمل طاولة طعامك عليك ان تعد الأماكن التي جاءت منها الصين ايران ايطاليا الولايات المتحدة حتى القشطة التي كانت تصنعها بقرة الجيران وجدتها مرة مكتوب عليها قيمر ومصنوعة ومجلوبة من الكويت ثم بعد كل هذا لا تعرف تفسيراً لتأفف الناس سماع ذلك التعليق المكرر "بأن كل شيء فسد" وهو في الحقيقة لم يفسد لكن غياب قانون الندرة وقانون الجوع هو الذي افسد ذائقتهم للاشياء.. حتى المعرفة اكتسحها قانون الندرة والجوع كانت قصة أو كتاب منذ عشرين عاما له طعمه، اليوم تستطيع ان تقرأ ما تشاء وأن تطلب المعلومة التي تريد من شبكة المعلومات الالكترونية وتصلك في نفس الساعة. كان لمذاق الكتب الصعب الوصول اليها مذاق مختلف، حسناً يبدو انني أُعاني من اعراض الشيخوخة بحق! |
|
|