العودة   منتدى زين فور يو > ღ◐ منتديات زين فور يو العامة ◑ღ > منتدى خاص بالاثرم
 
 
إنشاء موضوع جديد إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-18-2020, 08:05 PM   #1
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي قصة العذراء والمسيح عليهم السلام في القرآن الكريم ( عند أعدائكم )




هل العذراء في الكتاب المقدس فعلا عذارء أم والعياذ بالله ..

http://zain4u.com/vb/showthread.php?t=2673



والآن نرى قصة العذراء والمسيح عليهم السلام في القرآن الكريم ..


يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران :


" إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {35} "


أي إن امرأة عمران حينما حملت .. وقبل أن تلد .. أو كانت تعرف أنها ستلد ذكراُ أو أنثى .. نذرت ما في بطنها لله سبحانه وتعالى ولعبادته .. وكان هذا النذر لمحة إيمانية من امرأة مؤمنة أرادت أن تهب الله ذريتها تقربً منه ..


" فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {36} "


فوجئت امرأة عمران عندما وضعت .. أنها لم تضع ولداً ولكنها وضعت أنثى .. وفي هذه الحالة انتابتها الحيرة .. فقد كانت تريد ولداً يدعو إلى منهج الله وينشأ في عبادته .. ولكنها وضعت بدلا من ذلك أنثى ..فاتجهت إلى الله سبحانه وتعالى :


" رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى .. 35 "


أي أن الذكر أو الولد له قدرات على المشاق من الحياة .. وعلى الدعوة لدين الله لا تملكها الأنثى ..


ورد الله سبحانه وتعالى ليذكّرها (((( بطلاقة القدرة )))) ..


فقال يا امرأة عمران انني أعلم بما وضعت .. وأنا الذي أخلق ما في الأرحام ولست اخلقه فقط بل أعلم كل شيء عنه من يوم مولده إلى يوم وفاته .. كم عمره .. وكم رزقه .. هل هو شقي أم سعيد .. مرزوق أن مقتر عليه في الرزق .. ماذا يحدث له من أحداث ويصيبه من أمراض .. في كل رحلة حياته .. واعلم كل صغيرة وكبيرة عما يواجهه في الحياة .. وليس هذا فقط بل انني أخلق صورته وأعلم هذه الصورة قبل أن يعرفها أحد من العالمين ..


ومن هنا فإن علمي بما جاء في الأرحام يتجاوز علم الدنيا كلها .. والله سبحانه وتعالى لو شاء أن تضع امرأة عمران ولداً لأعطاها ولداً ولكن الطلاقة الكبرى بدأت منذ اللحظة الأولى لخلق مريم في رحم أمها فجعلها الله أنثى وحينئذ اتجهت أمها إلى السماء وقالت يا ربي :

" وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {36} "

.. أي يا ربي لا تجعل للشيطان كيداً ولا سيطرة على مريم وعلى ذريتها ..



وللحديث بقية ...


اخوك / الاثرم

التعديل الأخير تم بواسطة AL-ATHRAM ; 11-18-2020 الساعة 08:07 PM
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-24-2020, 07:14 PM   #2
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

لقاء مع القدرة ..

وهنا يأتي سؤال هام .. من أين عرفت امرأة عمران أن مريم ستكون لها ذرية _ هل أنبأها الله سبحانه وتعالى بما هو قادم .. أم دعاء كل أم لابنتها حسب ما هو متبع .. ولا أحد يعلم إذا كان الله قد أنبأ أمها بما أعده لمريم .. فلم يخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه أنبأها .. ولكنه في الغالب دعاء كل أم ..

هنا بدأت الخطوة الأولى لالتقاء مريم مع طلاقة القدرة .. فتقبلها الله سبحانه وتعالى كنذر نُذر لله قبولا حسناً _ وهذا القبول غير الاصطفاء الذي سنتحدث عنه فيما هو قادم .. ولكنها الخطوة الأولى على الطريق إلى المعجزة الكبرى لطلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى .. وما يعده لبني اسرائيل من نبي يفيقهم بطلاقة القدرة عن عبادة الأسباب والماديات وأنبتها نباتً حسناً .. وذهبت مريم إلى مكان تنقطع فيه إلى العبادة .. وتنافس الأحبار ورجال الدين أيهم يكفلها ..فقد كانت من طيب المنبت والخشوع إلى الله سبحانه وتعالى بحيث رغب كل منهم في أن يكون له شرف كفالتها .. والقوا أقلامهم .. وقسم الله سبحانه وتعالى أن يكفلها زكريا .. ودخلت مريم وانقطعت لعبادة الله ..

كان زكريا يدخل على مريم المحراب ليحضر لها طعامها وشرابها ويطمئن عليها بينما انقطعت هي إلى عبادة الله سبحانه وتعالى .. ولكن زكريا فوجئ بشيء غريب .. ذلك أنه كلما دخل على مريم وجد عندها رزقاً .. وأي رزق ذلك الذي وجده .. رزق عجيب .. فاكهة الصيف في الشتاء .. وفاكهة الشتاء في الصيف .. ورزق لا ينفذ مهما أكلت منه مريم .. ولا يتلف أو يتعفن .

كان هذا شيئاً عجيباً أثار انتباه زكريا .. وكان هذا أول اصطفاء لمريم بأن اختصها ربها بطلاقة القدرة .. فأراها أنه يعطي ما يشاء لمن يشاء دون أسباب .. حتى إذا وقعت المعجزة .. ووضعت مريم عليها السلام عيسى .. بدون الأسباب البشرية .. لم تهتز اهتزازاً يذهب نفسها .. ولم تشك في أن ما حدث ربما كان فيه خدعة .. بل انها رأت بعينها في الاصطفاء الأول بطلاقة القدرة .. ما يبرر ويسهل عليها فهم الاصطفاء الثاني على نساء العالمين .. بأن تضع بدون رجل .. ودون أن يمسها انسان .. ولذلك كانت طلاقة القدرة في رزق مريم عن غير طريق الاسباب بداية تمهيدية من الله سبحانه وتعالى ..

ولكن زكريا النبي الحريص على مريم دخل الشك إلى قلبه .. ورغم علمه بأن مريم متفرغة تماماً للعبادة .. وأنها لا تغادر غرفتها وتقضي الليل والنهار في الركوع والسجود لله سبحانه وتعالى .. إلا أنه ببشريته أراد أن يتأكد فسألها :

" أَنَّى لَكِ هَـذَ {37} سورة آل عمران

أي من أين ذلك يا مريم .

والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا هنا لفتة كريمة فيها صلاح الكون كله .. فلو أن كل رب لأسرة .. أو راع لمجموعة من الناس . عندما وجد مظهراً من النعم لا يتناسب مع القدرات البشرية .. فقال من أي لك هذا ؟ لصلح الكون كله .. ولأصبح كل انسان رقيباً حقيقياً على أسرته .. ولكن الذي يحدث أن الأب أو المسئول عن الأسرة .. يجد من بناته وأولاده ما لا يتناسب مع قدراته المادية .. كفستان مرتفع الثمن .. أو مال كثير .. أو أي شيْ غال لا يستطيعون شراءه .. لو أنه وقف وقال من أين لكم هذا .. لعرف كل واحد منهم أنه إذا انحرف .. فأنه سيحاسب .. ولعلم قبل أن يمد يده إلى الحرام .. أن الحرام سيكشفه .. ويجعله موضع مساءلة .. ولكنه حين يغمض الأب عينيه ويرى مع بناته وأولاده ما لا يتناسب مع دخولهم فلا يسألهم من أين لكم هذا .. يشيع الفساد في الكون .. وتلك الآية ترينا مدى حرص زكريا على مريم وسلوكها .. مع أنها عابدة متعبدة .. منقطعة لعبادة الله سبحانه وتعالى .. إلا أن ذلك لم يعفها من المساءلة من زكريا .. ولم يقل زكريا لنفسه أن مريم امرأة عابدة متعبدة لا يمكن أن يأتيها هذا إلا من طريق سليم .. ولكنه وضع المساءلة أولا .. ليكون متأكداً مائة في المائة من مصدر هذا الرزق .. حينئذ قالت مريم :

" قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {37} " آل عمران .

وكان الرد مفاجأة لزكريا .. فقد التقى وجها لوجه مع طلاقة قدرة الله التي تهب ما تشاء لمن تشاء دون اللجوء إلى الأسباب .. وإنما تقول للشيء كن فيكون .. وهنا ثارت في نفس زكريا قضية قديمة .. فهو ليس له ذرية وامرأته عاقر .. وهو كنبي يخاف على أتباعه بعد موته أن يتفرقوا أو يضلوا .. ويريد لهم قدوة سلوكية تحفظهم من بعده ..

وثارت في نفس زكريا مسألة طلاقة القدرة .. فما دام الله سبحانه وتعالى يرزق من يشاء بغير حساب فلماذا لا يدعوه ليرزقه بولد .. وما دامت الأسباب لا تقيد قدرة الله سبحانه وتعالى .. فإنه قادر على أن يهب زكريا ما يريد ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

التعديل الأخير تم بواسطة AL-ATHRAM ; 11-24-2020 الساعة 07:28 PM
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-05-2020, 06:52 PM   #3
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

إعجاز الخالق ..

وهنالك .. وفي محراب مريم :

" هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء {38}" سورة آل عمران.

رفع زكريا يده إلى السماء .. وهو في محراب مريم .. وقال يا ربي لقد تجلت طلاقة قدرتك في هذا المكان فرزقت مريم فاكهة وطعاماً ليسا موجودين في الدنيا .. فبحق طلاقة القدرة هذه .. هب لي ذرية طيبة واسمع دعائي .. ولم تمض إلا لحظات وزكريا قائم يصلي في المحراب عند مريم حتى نزلت الملائكة وقالت له :

" أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ {39} " سورة آل عمران.

.. نزلت الملائكة على زكريا تبشره بالغلام .. ليس بهذا فقط .. بل تقول له ما هو مستقبله .. وإلى ماذا سيصير .. فلم تكتف الملائكة بإبلاغ زكريا بأن الله سيهب له غلاماً .. بل أنه سيكون سيداً ونبياً من الصالحين .. وهكذا كان الإبلاغ فيه إعجاز .. إعجاز بعلم الخالق قبل أن يخلق .. وقبل أن تحمل زوجة زكريا .. فقال له أن زوجتك ستحمل .. وستأتي بولد .. ولن أخبرك بهذا فقط .. بل إن هذا الغلام سيشب ويكبر .. ويكون سيداً في قومه .. ونبياً من الصالحين .. وهكذا نرى مدى التفسير الصحيح لقول الله سبحانه وتعالى :

" ويعلم ما في الأرحام (34) " سورة لقمان.

وهو لم ينبئ زكريا بأن امرأته ستلد ولداً .. وهي قد حملت به .. أو قد مضى عليها في الحمل عدة شهور .. بل قال له وأنبأه بذلك قبل أن تحمل .. وقبل أن يحدث أي اتصال بين زكريا وزوجته .. وأنبأه بالمستقبل الذي ينتظر هذا الطفل بعد سنوات طويلة ..

هنا اهتز زكريا .. اهتز من اللقاء بطلاقة القدرة .. وتذكر الأسباب التي تعطي .. واعتقد أنه قد فهم خطأ .. فأراد أن يتأكد .. فرفع يده إلى السماء مرة أخرى .. وقال :

" قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ {40}. سورة آل عمران.

رفع زكريا يده إلى السماء وقال يا ربي لقد التبس علي الأمر فأنا أريد أن أتأكد أنني لم أسيء الفهم .. أنا يا ربي رجل عجوز .. وامرأتي عاقر لا تلد .. الأسباب هنا ممتنعة من الناحيتين .. ناحية زكريا الذي بلغ من الكبر عتيا .. ولم يعد بالأسباب صالحاً لإنجاب الولد .. وحتى هب أن زكريا صالح لذلك فامرأته عاقر .. لم تلد طوال حياتها .. ولم تلد في شبابها .. فهل يا ربي إذا كانت زوجتي عاقراً لم تحمل طوال حياتها .. أتأتي الآن وهي عجوز لتحمل .. وآتي الآن أنا وأنا شيخ كبير لأفعل ما عجزت عن افعله في شبابي .. هنا اهتز زكريا بالأسباب .. وكان لقاؤه مع طلاقة القدرة .. وكان أول لقاء له .. لقاء قويا هزه من أعماقه فاعتقد أنه قد فهم خطأ قول الملائكة أو أن هناك لبسا ما .. حينئذ يقول له الله سبحانه وتعالى :

" قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً {9} ." سورة مريم .

وفي سورة آل عمرا ن .

" كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {40} "

هنا يُذكّر الله سبحانه وتعالى زكريا بحقيقتين هامتين حول طلاقة القدرة فيقول له أن الله يفعل ما يشاء .. أي ليس هناك قيود على إرادة الله سبحانه وتعالى .. وإذا كانت هناك الأسباب في الدنيا فالله هو الذي خلق الأسباب .. ولا يمكن أن يكون المخلوق قيداً على الخالق ..

إن الله سبحانه وتعالى خالق الأسباب لا تقيده هذه الأسباب وتحد من قدرته .. بل إنه يفعل ما يشاء دون أن تكون هناك في الكون كله قدرة مانعة لهذا الفعل .. أو موقفة له .. ولو كانت هي الأسباب التي خلقها الله سبحانه وتعال لنظام الحياة في الكون ..

ثم يلفت الله سبحانه وتعالى زكريا إلى الحقيقة الثانية .. فيقول له إنك تتعجب مما أبلغتك الملائكة وأخبرتك به .. ولكنك يجب إلا تتعجب لأن الذي تحسبه صعباً ومستحيلاً هو هين .. انه أمر بسيط جداً بالنسبة لي .. أنا الذي خلقت هذا الكون كله بما فيه ومن فيه .. هل يستعصي علي أن أخلق لك غلاماً .. ذلك أمر هين وبسيط أمام قدرة الله سبحانه وتعالى .. وإذا كنت تتعجب من ذلك فانظر إلى نفسك حتى يزول العجب فقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا .. أوجدتك من العدم .. فلماذا تتعجب أن أخلق لك ابناً .. إذا كنت أنا قد أتيت بك من العدم .. وخلقتك ووهبت لك الحياة .. فمن السهل علي أن أهب لك الولد .



وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-15-2020, 07:09 PM   #4
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


العطاء بلا أسباب ..

وكانت هذه إفاقة لزكريا وهو واقف في محراب مريم .. وأول ما رآه من طلاقة قدرة الله التي جعلته بعد ذلك لا يشك في مريم أبداً إذا وجد عندها أشياء عجيبة .. بل يعلم أن طلاقة القدرة تستطيع أن تعطي بلا أسباب .. بدليل أنها أعطت زكريا الولد بلا أسباب .. وكان هذا من الله سبحانه وتعالى تطيراً لمريم من أي شك يمكن أن يقع في أي نفس بشرية .. ذلك أن المعجزة التي تمت مع زكريا وفي المحراب عند مريم .. جعلته يعرف يقيناً أن الله يرزق من يشاء بغير حساب .. ولا يتساءل هو أو غيره عما يكون عند مريم من رزق يهبه الله لها ..

ويمضي القرآن الكريم ليروي قصة مريم :

" وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ {42} يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ {43} "

هنا نزلت الملائكة إلى مريم لتنبئها أن الله قد اصطفاها وطهرها ثم اصطفاها على نساء العالمين .. الاصطفاء الأول هو بالعيش مع طلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى .. والله تقبل مريم عند ولادتها كنذر لله ..
ثم اصطفاها بأن جعلها دون خلقه تعيش دائما مع طلاقة القدرة استعداداً لما سيحدث من ولادة المسيح عليه السلام ثم طهرها بعد ذلك بأن منع عنها الشياطين وجعلها تتطهر بالعبادة الدائمة له والركوع والسجود لله سبحانه وتعالى ..

ثم حدث الاصطفاء الثاني وهو اختيارها دون نساء العالمين كلهن .. أن تضع مولوداً دون أن يمسها رجل .. وكان الاصطفاء الثاني هو اصطفاء لمريم بالذات .. ولذلك نلاحظ في القرآن الكريم أنه حين تأتي أنباء المعجزات والقصص الإيمانية لا يذكر الله سبحانه وتعالى الاسم كاملاً .. لماذا ؟ ..

لأن هذه لمحات إيمانية مقصود أن يقتدي بها الناس ... ولو أنهم ذكروا بأسمائهم كاملة . لكانت هذه المعجزات خاصة بهم لا تتكرر لغيرهم .. إلا مريم .. فكلما ذكرت في القرآن .. قال الله سبحانه وتعالى مريم ابنة عمران ... لأن معجزة الميلاد من أنثى بلا ذكر لن تتكرر بالنسبة لنساء العالمين كلهن إلى يوم القيامة .. فهذا اصطفاء لمريم أو اختيار لها لهذه المعجزة دون نساء العالمين ..

ويلاحظ هنا أن الله سبحانه وتعالى لم يستخدم لفظ نساء الأرض .. ولكنه استخدم لفظ نساء العالمين .. أي نساء الإنس والجن وكل مخلوقات الله .. لن توجد أنثى يتكرر لها ما حدث لمريم ممن اصطفاء الله سبحانه وتعالى به وهي معجزة الميلاد من انثى بدون ذكر ..

تم الاصطفاء الأول .. ثم بعد ذلك قضت مريم سنوات في العبادة حتى تطهرت .. والتقت بطلاقة القدرة وألفتها فأصبح الله يرزقها بغير حساب ويطهرها ويحفظها من شياطين الإنس والجن .. ثم جاء الاختيار الثاني ونزلت الملائكة على مريم لتقول لها :

" إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ .. {45} ".

كانت هذه أول بشارة لمريم ومحاولة لإعدادها لما سيتم من ولادة عيسى بن مريم عليه السلام ..

وأخذت مريم بهذه البشارة .. فرغم التقائها مع طلاقة القدرة .. وتعودها عليها في الرزق من الله بغير حساب .. ورغم أنها قضت فترة طويلة تتعبد وتتطهر .. وحفظها الله من كل الشياطين .. فان نفسها اهتزت من وقع الخبر .. واتجهت إلى السماء وقالت :

" رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ .. {47}

اتجهت هي الأخرى كما اتجه زكريا إلى الأسباب .. ومع عيشها في ظل طلاقة القدرة في المحراب فإنها لم تستطع أن تستوعب تماماً طلاقة القدرة في الخلق .. فقالت يا ربي كيف ألد ولم يمسسني بشر .. لم يقربين رجل .. فكيف أضع غلاماً .. وهنا جاء رد الله سبحانه وتعالى :

" قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ {47}."

لم يقل الله سبحانه وتعالى لها كيف سيتم ذلك .. ذلك أن الخلق مما احتفظ الله به لنفسه .. ولم يطلع عليه أحداً من خلقه .. حتى أن إبراهيم عليه السلام حينما سأل الله :

" رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى .. {260}." ( سورة البقرة )

لم يقل الله سبحانه وتعالى كيف يحي الموتى .. ولم يطلعه على سر الحياة والموت وإنما أدخله في تجربة رأى فيها إحياء الموتى بقدرة الله .. فجاء بالطير وقطعه ثم وضع كل جزء على جبل ثم دعاهم فجاءوا إليه أحياء ..كانت هذه تجربة عملية على إحياء الموتى .. ولكنها لم تكن إخباراً من الله سبحانه وتعالى لإبراهيم عن سر الحياة والموت ..

كذلك مريم .. حين سألت الله سبحانه وتعالى .. كيف سيكون لي ولد ولم يمسسني بشر لم يعطها سر الخلق .. ولكنه قال لها :

" كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ .. {47}."

أي لم تتعجبين إن الله قادر على أن يخلق ما يشاء .. وقد أراك طلاقة القدرة في الرزق .. وسيريك طلاقة القدرة في الاصطفاء .. لم تتعجبين يا مريم .. ألم يخلق الله سبحانه وتعالى آدم بدون ذكر أو أنثى .. ألم يخلق حواء من ذكر بدون أنثى .. فالله سبحانه وتعالى ليس لقدرته حدود .. إنه قادر أن يخلق بدون ذكر أو أنثى كخلق آدم .. وقادر أن يخلق بدون أنثى كخلق حواء .. وقادر أن يخلق من أنثى بدون ذكر كعيسى بن مريم .. وقادر أن يخلق من ذكر أو أنثى وهو خلق الأسباب .. إذن فلا عجب هنا لأن الله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء وإذا أراد أمراً فأنه لا يلجأ إلى الأسباب .. وإنما بطلاقة قدرته يقول له كن فيكون .. إذن فلا تتعجبين مما بشرتك به الملائكة .. لأن الله قادر على أن يخلق عيسى دون أن يمسك بشر ..



وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-04-2021, 09:11 PM   #5
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


لماذا جاء الملك ..

وجاء الملك المكلف بالمهمة إلى مريم .. فظهر لها على هيئة بشر .. وقد يقول بعض الناس ما دامت الملائكة قد بشّرت مريم بالغلام .. وما دام الله سبحانه وتعالى قد لفتها إلى طلاقة القدرة في أنه يقول للشيء كن فيكون .. فلماذا جاء الملك إلى مريم وتمثل لها في صورة إنسان ..

نقول أن في ذلك حكمة كبرى أن الملك لم يأت إلى مريم ولم يتمثل لها في صورة إنسان .. ويقول لها أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا .. ثم يختفي فجأة دون أن يمسها لو لم يحدث ذلك لريما دخل الشك إلى قلب مريم .. واعتقدت أن بشراً قد مسها بأن خدرها أو وهي نائمة .. وعلى العموم لم يكن الأمر يدخل يقيناً إلى نفسها .. ولكن كون الملك جاء .. وكنه تمثل لها بشراً سوياً .. وكونه قال لها إني رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيا .. وكونه اختفى دون أن يمسها .. أدخل اليقين في قلب مريم في أن ما حدث لها .. هو من طلاقة قدرة الله وليس لبشر دخل فيه .. ولذلك أراد الله سبحانه وتعالى أن يُثبّت فؤادها مرة أخرى بعد أن اهتزت نفسها .. من تبشير الملائكة لها .. وتعجبت أن تلد بدون أن يمسها ذكر ..

وهنا .. ومع هذا التثبيت من الله سبحانه وتعالى لمريم .. لأنها تجربة سيكذبها فيها اليهود .. ولو لم تكن على يقين مما حدث ... وأنه من طلاقة قدرة الله فإن نفسها قد تهتز وتضعف .. ذلك لأنه أمر غير مألوف في تاريخ البشر كلهم .. وأنه يصطدم بأسباب العقل .. وأنه لا يتمشى مع المنطق البشري ..

ومن هنا كان لا بد من تثبيت مريم تثبيت اليقين .. حتى لا تهتز نفسها أبداً لما سيقابلها أهلها وعشيرتها من إنكار وعدم تصديق لما حدث .. وكان لا بد أن تكون مريم على يقين كامل من أن مشيئة الله سبحانه وتعالى هي التي أعطتها عيسى عليه السلام .. ومن هنا كان التثبيت بالتعرف على طلاقة القدرة .. في أمور مادية محسة كالرزق .. ثم التطهير بالعبادة حتى تشف النفس البشرية .. وتستطيع أن ترى ما لا يراه غيرها .. ثم بالاخبار من الملائكة .. ثم بعد ذلك باليقين من الروح أو الملك الذي أرسله الله له على صورة انسان .. والذي اختفى من أمامها دون أن يمسها .. ومع ذلك قالت مريم :

" أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً {20}". ( سورة مريم )

فرد الله :

" هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً {21}." ( سورة مريم )

هنا حسم الله سبحانه وتعالى المسألة مع مريم تماماً في رده عليها هذه المرة فقال إن ذلك على هين وبسيط أن أهبك غلاماً بدون بشر .. وسيكون هذا الغلام آية للناس .. أي معجزة من الله سبحانه وتعالى لخلقه يفيقهم من الماديات التي عبدوها من دون الله .. ورحمة منا .. أي أنه سيكون رحمة لمن يتبعه ..

يقودهم إلى الطريق .. ويرشدهم إلى المنهج .. ويكون قدوة لهم .. وينقذهم من ضلال بني إسرائيل وماديتهم ...

" وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً {21} " سورة مريم.

هنا الحسم .. أي أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يقول لمريم أن هذا الأمر قد قضى وانتهى .. ولم يعد لك خيار فيه .. وأنه بعد هذا الاعداد كله فلا بد أن يدخل اليقين قلبك على أن الله سبحانه وتعالى يقول للشيء كن فيكون فيما يريد أن يفعله .. ولقد قضى الأمر وانتهى .. ولم يعد موضع أخذ ورد ..

وحملت مريم بطلاقة القدر .. وذهبت إلى مكان بعيد عن الناس .. فقد كانت تخشى أن تواجههم .. فهي تعلم يقينا أن هذا آية من آيات الله .. ولكن ماذا ستقول لهم .. وكيف تشرح لهم طلاقة القدرة .. وهم لا يعرفون عنها شيئاً .. إن بني إسرائيل أناس ماديون والمادة تبعد الشفافية عن الجسم وتجعله معتما .. لا يرى إلا ما هو مادي صرف .. معزول تماماً عن الغيبيات فكيف ستأتي إلى هؤلاء القوم .. لتقول لهم كلاماً عن طلاقة قدرة الله .. وكيف سيصدقونه وهم على غير علم .. وكان هذا يخيف مريم ..



وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-14-2021, 08:08 PM   #6
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


كان هذا هو الذي يخيف مريم عليها السلام .. وهو الذي جعلها تبتعد عن الناس إلى مكان قصي بعيد تضع فيه طفلها .. لأنها لم تكن تستطيع أن تواجه وحدها قوما لا يعلمون شيئاً عن طلاقة القدرة .. بمعجزة من معجزات طلاقة القدرة .. مريم نفسها كانت على يقين مما حدث .. وبعد الآيات البينات التي أراها لها الله سبحانه وتعالى .. وتبشير الملائكة لها .. ثم الملك الذي ظهر ليجعلها تتأكد يقيناً أنه لم يمسسها بشر .. ثم قول الله سبحانه وتعالى :

" وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً {21} "

كل ذلك قد جعل مريم لا تهتز ولا تظن بنفسها السوء .. بل هي على يقين من المعجزة .. ولكن ماذا تقول للناس .. وكيف تفسر لهم ما حدث.. وكيف تجعلهم يصدقون ؟

ولكن الله سبحانه وتعالى لم يكن غافلا عن هذا .. كان يعلم هذا كله .. وهو العليم بخلقه .. وكان يعرف أن مريم إذا واجهت بني إسرائيل وقالت لهم أنه طلاقة قدرة الله فلن يصدقوها .. ولن يستمعوا إليها .. وسيفترون عليها مختلف الافتراءات .. حينئذ جاء الحل من السماء .. قال لها الله سبحانه وتعالى أنت لن تتكلمي يا مريم ولا أريد لك أن تتكلمي .. ذلك أنك مهما قلت فإن كلامك قد يؤخذ وينسج على افتراءات ضدك .. ولكن الذي سيتكلم هو هذا الطفل الرضيع الذي يبلغ من العمر ساعات فقد .. سأجعله ينطق أمامهم لأريهم طلاقة القدرة .. فإذا ما رأوا آمنوا ..

لا يوجد طفل في العالم يتكلم بعد ولادته بساعات .. ولا يستطيع لفترة قد تزيد إلى العام .. ولكني سأجعل عيسى بن مريم يتكلم بعد ولادته بساعات .. لماذا .. لمجرد الإعجاز .. لا .. فالله سبحانه وتعالى أعلى وأكبر من أن يريد شهادة من خلقه على إعجاز ... أو أن يريد شهادة من خلقه على أي شيء .. ولكن حتى إذا كذبوا بطلاقة القدرة التي فعلت كل هذا وجاءت بعيسى بن مريم .. أريهم طلاقة القدرة على الطفل الصغير علها تفيقهم من غيهم وتجعلهم يحسون أنه من الجرم والاثم الكبير الافتراء على مريم .. من هنا فإن عيسى بن مريم تكلم ساعة ولادته .. بل انظر إلى دقة تعبير القرآن الكريم ..

" فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً {24} " ( سورة مريم ).

أي أن عيسى بن مريم عليه السلام تكلم لحظة ولادته وعمره دقائق فقط .. وقبل أن تمتد يد أمه لتلتقطه من تحتها .. لا تحزني فقد جعل الله تحتك نوراً منه يهدي إلى الحق .. وكان قول عيسى عليه السلام رداً على مريم التي كانت تفكر .. كيف ستلاقي قومها به .. وماذا ستقول لهم .. وكان الموقف بالنسبة لها عصيباً .. حتى أنها قالت :

" يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً {23} " ( سورة مريم ).

وهي في لحظة تمنيها الموت لأنها تعرف ما ستقابله من بني إسرائيل .. وكيف سيقابلونها بالنكران والافتراءات .. والموقف العصيب الذي ستمر به ..

وهي في قمة هذا .. تكلم عيسى بن مريم وقال لأمه :

" أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً {24} " ( سورة مريم ).

ثم نبهها الطفل الذي ولد منذ دقائق فقط أنها في حاجة إلى الطعام والشراب .. لتقوي وتشتد وتستطيع أن تواجه ما هو قادم .. فقال لها :

" وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً {25} فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً ... {26} ( سورة مريم ) .


تعليق ..

انكم تحتفلون بيوم الميلاد بتقليد تزينون فيه شجرة الصنوبر وتعلقون عليها الأنوار والهدايا والزينات والألوان المختلفة .. .. الخ . لماذا الشجرة .. مع ان المسيح ولد في مذود للحيوانات .. ألا يدل هذا على أن المسيح ولد تحت شجرة كما ذكر القرآن الكريم ..

ثم جاءت الآية الكبرى من الله سبحانه وتعالى :

" فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً {26} " ( سورة مريم ) .

هكذا قال عيسى بن مريم لأمه مؤيداً بروح القدس .. ومؤيداً بنور من الله سبحانه وتعالى .. قال لها أن أحداً لا يطلب منك أن تتكلمي فمهما قلت في هذه الحالة فلن يفيد .. ولن يقنع أحداً .. ذلك أنهم معزولون عن طلاقة القدرة .. وقد جئت لهم لأخرجهم بطلاقة القدرة من المادة التي يعبدونها .. فمهما قلت يا مريم فقولك لن يقنع أحداً .. وفي مثل هذه الحالة قول الأم لا يفيد .. فاصمتي أنت تماما .. وقولي :

" إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً {26} ( سورة مريم ).

أي قررت أن أصوم لله تعالى .. فكان الصوم عن الكلام .. قولي لهم إنني لن أكلم إنساناً اليوم لأنني صائمة عن الكلام .. ولكن الذي سيكلمكم .. ويناقشكم .. ويرد على حججكم .. هو هذا الطفل الصغير الذي عمره ساعات .. انه هو الذي سيرد ليكون دليلاُ مادياً ملموساً أمامكم على طلاقة قدرة الله التي جاءت به .. وما دمتم لا تعبدون إلا المادة ولا تثقون إلا في الماديات .. فقد اختار الله سبحانه وتعالى لكم معجزة من جنس ما تثقون فيه .. ليرد كيدكم .. ويكون آية من الله لكم لا تستطيعون إنكارها .. ولا تقدرون على إخفائها ..

عند هذه النقطة اطمأن قلب مريم .. وعرفت أن الله سبحانه وتعالى الذي اصطفاها على نساء العالمين لن يتركها .. وأنه سيرسل معها من يدل على صدقها وطهرها .. وأن هذا الطفل الصغير الضعيف سيكون الدليل على قدرة وعظمة الله سبحانه وتعالى وعلى صدق مريم .



وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-30-2021, 09:05 PM   #7
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


المواجهة .. بالمعجزة ..

وحين اطمأنت مريم عليها السلام إلى أن الله سبحانه وتعالى سيرسل معها الدليل المادي الذي لا يحمل الشك على صدقها .. اطمأن قلبها .. وحملت ابنها وذهبت إلى قومها .. ويقول القرآن الكريم :

" فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً {27} يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً {28} ( سورة مريم ) .

وهكذا نجد أن المواجهة التي توقعتها مريم قد حدثت .. وأن بني إسرائيل قد واجهوا مريم بالسوء قبل أن يسمعوا منها كلمة واحدة .. وهم كقوم ماديين عبدوا الأسباب .. لم ينتظروا حتى تتكلم مريم لتروي لهم ما حدث وهو المنطق الطبيعي في هذه الأشياء .. فقد كان من الممكن أن يسألوها عن هذا الطفل .. ربما ليس طفلها .. ربما وجدته في مكان يواجه خطراً فجاءت به .. وربما ماتت أمه وهي تلده فحملته مريم إلى قومها .. ولكن كل هذه الافتراضات التي تحتم الأخذ بحسن النية أولا لم ترد على خاطر بني إسرائيل .. بل افترضوا السوء من أول وهلة وأخذوا يعيرونها وأنها ارتكبت إثماً كبيراً ويذكرونها بطيب أصلها وصلاح أبويها وأخيها هارون .. وكيف أن هذا السلاح والتقوى كان يجب أن ينتقل إليها .. وأن تكون هي قدوة سلوكية حسنة .. واتهموا قبل أن يسألوا وقبل أن يعرفوا الحقيقة .. وفي هذا يبن لنا القرآن الكريم سوء أخلاقيات بني اسرائيل وإسراعهم إلى الظن بالسوء والافتراء في الاتهام .. وكيف أنهم وقد عصوا الله وقتلوا أنبيائهم .. إنما ذلك عن خلق سيء لا يعرف للعمل الطيب مكاناً .

حينئذ ماذا فعلت مريم .. أشارت إلى عيسى عليه السلام وهي تحمله فبهت القوم لأنهم لم يتوقعوا منها ذلك .. كانوا يتوقعون أن تتحدث هي معهم .. أو أن تقول لهم شيئاً يبرئها .. أو تحاول تبرير ما حدث .. ذلك كان ظنهم ولكنهم فوجئوا بها وهي تشير إلى الطفل الصغير .. ولم يفهموا لأن طلاقة القدرة غابت عنهم وهم لا يتعاملون إلا بالأسباب .. فأبدوا عجبهم مما فعلته مريم فقالوا :

" كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً {29}

أي يا مريم أنت تستخفين بعقولنا فهذا طفل صغير عمره ساعات .. أو يوم أو بعض يوم .. فكيف تطلبين منا أن نتحدث معه .. وهل ينطق مثل هذا الطفل .. إن الأسباب كلها تقول لا .. أنه عاجز عن النطق ..

ولكن الله سبحانه وتعالى أنطق عيسى بن مريم .. أنطقه وهو طفل صغير .. أنطقه ليثبت لهم طلاقة القدرة .. وأن الله سبحانه وتعالى الذي لا يجعل طفلاً ينطق إلا بعد عام أو أكثر من عام من عمره .. يستطيع أن يجعل طفلاً عمره يوم أو أكثر بعض يوم أن يتحدث .. ولا يجعله يتحدث حديث الأطفال .. بل يجعله يتحدث حديث الرجال راجحي العقل والمنطق .. وأن يناقش ويرد بالحجة عليهم .. وأن يكلمهم وكأنه قد بلغ مبلغ الرجولة .. وعقل كل شيء ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-26-2021, 08:39 PM   #8
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


المعجزة .. والحكمة

لماذا وقعت هذه المعجزة .. ولماذا أتمها الله سبحانه وتعالى .. ليجعل هؤلاء القوم الماديين يوقنون بما حدث لمريم .. فلو أنها رزقت طفلا عن طريق عادي كما تلد النساء لما استطاع هذا الطفل أن يتكلم أن ينطق حرفاً واحدا .. وحتى ولو كانوا قد انتظروا عليه حتى يكبر .. ليتعلم النطق لكان حديثه حديث الأطفال .. فيه سذاجتهم وافتقارهم على المنطق والحجة والفهم .. ولكن كون عيسى بن مريم نطق بعد ولادته بيوم أو بعض يوم فإن ذلك معناه يقيناً أن ذلك الطفل لم يأت بالطريق العادي وهو الذكر والانثى .. ولكن معجزة كلامه تدل على طلاقة القدرة في مولده .. وأن مريم لم يمسسها بشر .. وإنما عيسى بن مريم جاء بكلمة


" كن فيكون " ..


وإلا إذا كانت مريم قد مسها أي بشر لجاءت بطفل عادي مما تلد النساء .. كان يجب على بني إسرائيل أن يفيقوا ساعة نطق عيسى بن مريم .. وأن يعلموا أنهم أمام معجزة خارقة لله سبحانه وتعالى . وأن يؤمنوا بكل ما تقوله مريم .. ويؤمنا بعيسى رسولاً ونبياً ..

ماذا قال عيسى بن مريم .. كان أول ما قاله :

" قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً {30} ( سورة مريم )

أي أن أول ما بشر به هو رسالته .. قال إني عبد الله حتى لا يفتن الناس بمولده .. فيحملوا الأشياء أكثر مما تحتمل .. فحسم الموقف بأنه عبد من عباد الله وبشر ورسول .. ثم بعد ذلك قال :

" آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً {30}

أي جعل لي كتاباً سأبلغه إليكم .. ورسالة من السماء لكم .. وهكذا كانت أولى معجزات عيسى عليه السلام في أولى كلمات نطقها .. ( على عكس الكتاب المقدس ) فقد أبلغهم بالمستقبل وهو ما زال في المهد صبياً .. فقال لهم إني قد جئتكم بكتاب من الله سبحانه وتعالى .. لأهديكم إلى صراطه المستقيم .. والله جعلني لكم نبياً .. وفوق ذلك آتاني الحكمة .. وأنتم ترون هذه الحكمة .. وأنا أتحدث إليكم .. فليس حديثي هذا حديث طفل رضيع .. ولكنه حديث رجل أوتي الحكمة يستطيع أن يجادلكم فيما تقولون .. وكان هذه معجزة ثانية بطلاقة القدرة .. انباء بغيب قادم ونبوة ورسالة .. وما زال عيسى بن مريم في المهد صبياً .. وانباء بأنه وهو طفل رضيع لم يعط نعمة الكلام فقط من الله سبحانه وتعالى بل أعطي نعمة الحكمة أيضاً ..

" وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً {31} ( سورة مريم ).

ومضى عيسى بن مريم في كلامه ليقول أن الله سبحانه وتعالى قد أحاطني ببركته أينما أكن .. فما من مكان أذهب إليه .. إلا حلت فيه البركة .. وملأه الرزق .. كما أوصاني الله سبحانه وتعالى أن أعبده حق عبادته ما دمت حيا .. والعبادة واجبة على الإنسان في فترة الحياة التي تتصل فيه الروح بالمادة .. تلك الفترة هي التي يكون فيها الإنسان مختاراً أن يفعل أولاً يفعل .. أن يعبد الله أو أن يعصيه .. فقبل الحياة .. وبعد الموت لا يكون هناك اختار .. بل هو قهر .. والله سبحانه وتعالى قال في قرآنه الكريم :

" لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً {70}‏ " ( سورة يس )

أي إن القرآن الكريم للأحياء وليس للأموات .. ولا يستطيع واحد عصى الله في حياته الدنيوية أن يقول بعد أن يموت .. أنني سأعبد الله حق عبادته بعد الموت ليكفر عني ما فعلته وارتكبته من معاص .. فبعد الموت ينقطع عمل ابن آدم .. ويعرف جزاءه أو مصيره .. بل أنه في ساعة ( الغرغرة ) .. وهي ساعة خروج الروح من الجسد .. تعرض أعمال ابن آدم عليه .. فإن كانت طيبة انفرج وجهه وظهر السرور عليه .. وعندما تنظر إليه بعد الموت .. تقول إن نهايته أو خاتمته كانت طيبة .. وان كان عمله سيئاً .. انقبضت أساريره واكفهر وجهه .. وحاول أن ينطق بالشهادتين فخانه لسانه .. وفي هذه اللحظة يعرف أن مصيره هو النار .. والذي يصل إلى حالة الغرغرة يعرف يقيناً أنه ميت .. ويبدأ أولى دقائق حياته في العالم الآخر .. وهكذا جاء قول عيسى بن مريم مؤكداً أنه كنبي لم يعف من التكليف .. فقد طلب منه الله سبحانه وتعالى وأوصاه بأن يعبده حق عبادته ما دام حيا ..

ويمضي عيسى بن مريم عليه السلام .. ليكمل ما أوصاه الله به فيقول :

" وَبَرّاً بِوَالِدَتِي {32} " ( سورة مريم ).

ولم يقل برا بوالدي .. وهذه تأتي لتؤكد لبني إسرائيل مرة آخرى معجزة الله في مريم.. فلو أن عيسى جاء من ذكر وأنثى .. لقال وبرا بوالدي .. ولكنه قال وبرا بوالدتي ليكون شاهد صدق على طريقة خلقه .. وأنه لم يأت من ذكر وأنثى .. بل أتى بطلاقة القدرة من مريم عليها السلام دون أن يمسسها رجل ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-22-2021, 11:06 PM   #9
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


وكانت معجزة كافية ..

وهنا يجب أن يكون لنا وقفة .. لقد أتت مريم قومها وهي تحمل عيسى عليه السلام .. ونطق عيسى وهو في المهد .. وكانت هذه معجزة كافية لتقنع بني اسرائيل بأن ما حدث ليس شيئاً عادياً .. ولا نطبق عليه أسباب الدنيا التي يعرفها الناس .. ولكن الله سبحانه وتعالى يعرف عناد بني إسرائيل .. ومكابرتهم في الحق .. وإمعانهم في الباطل .. ولذلك فقد أراد أن يأتي بأكثر من آية .. تأكيداً لصدق مريم عليها السلام في كل ما تقول .. ولم يجعل الطفل ينطق فقط .. ولكنه جعله يؤكد لهؤلاء القوم بأنه جاء من امرأة دون أن يمسسها رجل .. ويؤكد لهم هذا بكلامه هو .. وهو رسول ونبي .. مؤيداً من الله بمعجزة منذ لحظة ولادته .. ومبلغاً عن الله سبحانه وتعالى برسالة ومنهج .. ومن هنا .. فإنه صادق أمين فيما يقوله .. فإذا قال وبراً بوالدتي ولم يقل وبراً بوالدي .. فإن ذلك معناه صدق معجزة مريم .. وهكذا يسوق الله سبحانه وتعالى الدليل تلو الدليل لبني إسرائيل على طلاقة القدرة .. وصدق رسالة عيسى عليه السلام .. ورغم ذلك فقد كابروا ولم يؤمنوا ..

ويمضي عيسى عليه السلام ليقول :

" وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً {32} " ( سورة مريم ).

أي أنني لم آت إليكم كجبار يفسد في الأرض ويقهر الناس ويجبرهم على الأشياء .. وينشر الرعب وسفك الدماء .. بل جئتكم رحمة من الله سبحانه وتعالى .. رحمة منه لاعيدكم إلى المنهج الذي تركتموه واتخذتموه ورائكم ظهريا .. أي وضعتموه وراء ظهوركم حتى لا تلتفتوا إليه ولا ترجعوا إليه أبداً وجئتكم كرحمة لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم .. وفي هذا رحمة من الله وفضل .. إنه يرفع العنت عنكم .. ويزيل عنكم بعض المشاق التي فرضت عليكم بعصيانكم للمنهج ولأوامر الله ..

أنا قد جئت لأرفع عنكم كل هذا برحمة من الله سبحانه وتعالى .. فكأنني رحمة في أن أعيدكم إلى المنهج .. لتعودا إلى طريق الله السوي .. وأجنبكم عذابه وغضبه .. وجئت إليكم لأيسر لكم حياتكم فأحل لكم بعض ما حرم عليكم .. وجئتكم برحمة أخرى .. هي أنني أخرجكم من الماديات التي غرقتم فيها .. وألفتكم إلى الغيب وإلى الله سبحانه وتعالى .. علكم ترعون الله وتهتدون .. وتعرفون أنه بجانب ماديات الدنيا .. فهناك الغيب والروح .. وهناك غير المادة التي تعبدونها وتتخذونها إلها .. وهناك الله سبحانه وتعالى الذي هو بطلاقة قدرته يستطيع أن يحقق لكم كل ما تريدون .. فلا تتخذوا منهج الله وراء ظهوركم وتنبذوه .. وتعبدوا ماد الدنيا وحدها .

لم يجعلني الله جباراً .. ولكنه سبحانه وتعالى جعلني رحمة .. ولم يجعلني شقياً محكوماً عليه بالشقاء والعذاب .. بل جعلني مرضياً عنه منه .. أي أن الله قد رضي عني في الدنيا والآخرة .. ولم يجعلني من زمرة الأشقياء الذين يشقون بغضب الله في الحياة الدينا وعذابه في الآخرة .

ثم يمضى عيسى بن مريم عليه السلام :

" وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً {33}
( سورة مريم ).

وهذه الآية تحمل معاني عميقة .. فما من شيء أحدث جدلاً في الدنيا مثل ثلاثة أشياء .. يوم ولادته وطريقة هذا المولد .. ويوم وفاته ورفعه إلى السماء .. ويوم يبعث حياً .. أي بعثه في آخر الزمان ليهدي الناس .. أو بعثه ليوم القيامة .. وهذه النقط الثلاث ما زالت موضع جدل كبير حتى يوما هذا .. وستظل كذلك حتى قيام الساعة .. فما زال مولد عيسى بن مريم موضع جدل بين اليهود والنصارى .. وما زال كل فريق منهما يتحدث عن هذا المولد بطريقة تختلف عن طريقة الفرق الآخر .. ما زالت النظريات الفلسفية تقوم .. والفلاسفة والذين يكتبون عن الدين يحاولون وضع الروايات المختلفة والنظريات الفلسفية المتناقشة عن مولد المسيح عليه السلام .. ورغم أن القرآن الكريم قد حسم الموقف تماماً .. وروى عن الله سبحانه وتعالى قول الحق الذي فيه يختلفون .. إلا أنه ما زالت هناك فلسفات تقوم ونظريات بعد نظريات ..

ولقد كان يكفي ما أراه الله لعباده من طلاقة القدرة في مولد المسيح عليه السلام .. وحديثه وهو طفل .. والمعجزات التي أيده بها .. فقد كان جبريل لا يفارق عيسى عليه السلام ليثبته أمام الجدل والاتهام اللذين واجهه بهما بنو إسرائيل .. ولكن رغم كل هذه المعجزات والتحضير الإلهي لمولد عيسى .. واللفتة إلى الروحانيات .. أو إلى الغيب وطلاقة القدرة التي جاء بها عيسى عليه السلام .. فإن الجدل ما زال يثور .. ولكم أن تطلعوا على الكتب التي تصدر حتى في هذه الأيام فتجدوا أنها تحمل صور هذا الجدل .. ودليلاً يهدمه دليل .. ولكن رغم هذا الجدل فإن عيسى عليه السلام .. أعطى السلام والأمن من الله يوم مولده وبدأه الله سبحانه وتعالى من كل جدل يحدث بعد ذلك ..

ويدور الجدل حول وفاة عيسى عليه السلام .. والقرآن الكريم يقول لنا إن عيسى لم يصلب وإن الله قد رفعه إليه .. ولا شك ان مسألة الرفع إلى السماء يجب ألا نتوقف عندها .. ذلك لأن عيسى عليه السلام من مولده إلى وفاته مؤيد بقدرة الله سبحانه وتعالى .. وإذا كان ميلاده معجزة .. وحديثه وهو طفل معجزة .. والأشياء التي قام بها وهو نبي والتي سنتناولها معجزات .. وكلها مؤيدة بطلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى .. لا تخضع لأسباب الكون .. فلماذا نريد أن نخرج عن هذا كله في رفعه إلى السماء .. ولماذا نصدق طلاقة القدرة في مولده ومعجزاته .. ثم بعد ذلك نأتي إلى وفاته ورفعه إلى السماء ونجادل في الأسباب .. ما دامت الرسالة كلها مؤيدة بطلاقة القدرة .. فيجب أن نأخذ كل الأحداث فيها بمنطق طلاق قدرة الله .. وليس بمنطق الأسباب .. فلا نطبق على جزء من حياة عيسى عليه السلام طلاقة القدرة .. وعلى جزء آخر منها الأسباب .. وإلا نكون قد ناقضنا أنفسنا .. وهدمنا المنطق .. بل إننا يجب أن نأخذ رسالة عيسى منذ مولده حتى رفعه إلى السماء بطلاقة القدرة وحدها التي تقول للشيء كن فيكون ولا نأخذها بالأسباب والمسببات التي نعرفها ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-30-2021, 09:40 PM   #10
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


لماذا الجدل ؟

ثم لماذا الجدل عن رفع عيسى عليه الصلاة والسلام إلى السماء بالجسد أو الروح فلقد حدثت هذه المعجزة لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وأسرى به الله بالجسد إلى سدرة المنتهى .. ثم أعاده إلى الأرض مرة أخرى .. وهذا ثابت ويقيني مما أخبرنا به القرآن الكريم صدقاً من الله سبحانه وتعالى .. فهل تقف طلاقة قدرة الله عن أن يرفع عيسى إلى السماء بالجسد ..

ان الذي يؤمن بطلاقة القدرة يعلم يقيناً أنه لا شيء يستطيع أن يحدها .. ولا قيود ولا حدود على قدرة الله سبحانه وتعالى ولا أسباب ولا مسببات .. ومادام الفعل قد نسب إلى الله سبحانه وتعالى فهو الذي عرج إلى السماء بمحمد عليه الصلاة والسلام وهو الذي رفع عيسى إلى السماء .. فإن العمل يجب أن ينسب إلى قدرة الفاعل الذي ليس كمثله شيء .. فإذا كان الفاعل وهو الله سبحانه وتعالى يكون الفعل بلا قيود ولا زمان ولا مكان .. ويكون مصدقاً لأن الفاعل هو الله الذي خلق كل شيء والذي يقول كن فيكون .

إذن فلا محل للجدل هنا .. لأن الجدل يمكن أن يثار إذا كان الفاعل إنساناً .. أو محدود القدرة .. ولكن إذا كان الفاعل هو الله فلا جدال .. أما بقاء عيسى عليه الصلاة السلام ليبعث في أخر الزمن أو يوم القيامة فلا يثير جدلاُ هو الآخر .. ذلك أنه في الحالة الأولى .. فإن الفرق بين معجزة محمد عليه الصلاة والسلام ومعجزة عيسى عليه الصلاة والسلام هو فرق الزمن الأرضي أو الوقت .. فمحمد عليه السلام عرج إلى السماء ثم أعيد إلى الأرض في فترة زمنية قصيرة .. وعيسى عليه السلام سيأخذ فترة زمنية أطول ولا زمن عند الله سبحانه وتعالى .

على اننا في كل هذا .. وأعود فاكرر مرة أخرى يجب أن ننسب الفعل إلى الفاعل .. وإذا كنا في الأشياء الأرضية ننسب الفعل إلى الفاعل .. فحفل يقيمه وزير أو حاكم لا نتقبله بعقولنا كما نتقبل بنفس المقاييس حفلاً يقيمه رجل فقير بسيط .. فإذا قيل لي أن حاكماً أو وزيراً قد أقام حفلا .. وان رجلا بسيطاً قد أقام حفلا .. فأنني بعقلي ودون أن يخبرني أحد أعرف أنه يجب أن أنسب الفعل إلى الفاعل .. فأعرف أن الحفل الذي يقيمه الوزير أو الحاكم يقام في مكان فاخر .. يحضره عدد كبير من الناس وعلية القوم .. بينما حفل الرجل الفقير يقام في مكان بسيط ويحضره عدد قليل من عبادة الله البسطاء .. إذن ففي الحالتين قد نسبت الفعل إلى الفاعل .. وفرقت فرقاً هائلاً بين إمكانيات الفاعل في حدث واحد وهو الحفل .. وإذا كانت هذه هي المقاييس فإننا يجب أن نفرق بين قدرة الفاعل وهو الله .. وبين قدرة البشر .. وان ننسب الحدث لقدرة فاعله الذي ليس كمثله شيء .

على أن الله سبحانه وتعالى قد أخبرنا في كتابه العزيز أن هذه المسائل الثلاث _ مولد عيسى ورفعه إلى السماء وبعثه _ ستكون مثار جدل حتى قيام الساعة .. وأن الله سبحانه وتعالى قد برأ عيسى عليه الصلاة والسلام من هذا الجدل .. ومن كل ما قيل ويقال بعد رفعه إلى السماء .

على أننا حين نتحدث عن معجزات عيسى عليه الصلاة والسلام .. فيجب أن نلاحظ شيئاً هاماً .. هو أن الله سبحانه وتعالى فرق بين هذه المعجزات رغم أن عيسى عليه عليه الصلاة والسلام رسول مؤيد من الله .. فقال الله سبحانه وتعالى على لسان عيسى ..

" قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {49} " سورة آل عمران .

نلاحظ هنا .. أن الله سبحانه وتعالى قد فرق بين المعجزات .. فجعل بعضها تتبعه عبارة ( بإذن الله ) .. والبعض الآخر لم يذكر فيه شيئاً عن هذه العبارة .. ورغم أن عيسى عليه السلام رسول مؤيد من ربه بالمعجزات .. إلا أن الله سبحانه وتعالى قد فرق بين المعجزات التي هي بإذنه والمعجزات التي أيد بها رسوله .. فمعجزة الخلق وان عيسى عليه الصلاة والسلام يخلق من الطين كهيئة الطير وينفخ فيه فيكون طيراً .. ذكر الله سبحانه وتعالى أن الحياة تدب في هذا الطير بإذن الله .. ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد احتفظ بسر خلق الحياة لنفسه .. لم يعطه لعبد من عبادة .. ومن هنا كان لزاماً أن تأتي كلمة بإذن الله بمعنى أن الخلق يتم لا بمعجزة ذاتية ولكن بإذن الله سبحانه وتعالى .


ثم تمضي السورة الكريمة ..

" .... وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ .. {49} سورة آل عمران .

ذلك أن الشافي هو الله سبحانه وتعالى الذي يحي ويميت .. وهكذا كانت هذه المعجزات إعلاناً من الله سبحانه وتعالى بأنه هو الفاعل وحده .. لا يشرك أحداً معه في ذلك .. أنه إذا كانت هذه المعجزات قد تمت على يد رسول فإنها تتم بإذن الله فأنه هو الذي يحي ويميت وهو الذي يشفي من المرض .

ثم تأتي بعد ذلك المعجزات الأخرى " وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ {49}. ( سورة آل عمران ).

تلك آية من الله سبحانه وتعالى إلى عيسى عليه السلام .. مكنه الله منها فاستطاع أن يقوم بها بذاتيته .. وهي وان كانت تأييداً من الله .. إلا إنها تأييد لرسوله .. كدليل على صدق الرسالة .. وإن الله سبحانه وتعالى لم يحتفظ بسر هذه الأشياء لنفسه .. بل اطلع عليها عيسى عليه السلام ومكنه منها .. ومن هنا فإن هناك معجزات احتفظ الله بسرها لنفسه ومكن عيسى من القيام بها .. ومعجزات اطلع الله عيسى على سرها ومكنه منها وسر الخلق والموت وإحياء الموتى احتفظ به الله لنفسه ولم يطلع رسولا من رسله على الكيفية التي يتم بها ذلك .

على إنه رغم طلاقة القدرة التي لازمت عيسى منذ ساعة مولده حتى رفعه الله إلى السماء .. تلك الطلاقة التي أعطته من ساعة ولادته حتى ساعة رفعه على السماء معجزات بينات .. فإن ذلك لم يقنع بني اسرائيل .. ولم يجعلهم يؤمنون به .. بل على العكس جعلهم يتمسكون بالماديات وهم يرون الغيبيات وطلاقة القدرة .. وبدأوا يتآمرون عليه ويكذبون رسالته .. وكلما جاءهم بمعجزة أنكروها ولم يلتفتوا إليها .. ذلك هو طبع بني اسرائيل .. فقد جاءهم موسى بمعجزات لا تعد ولا تحصى .. وكلما حدثت أمامهم معجزة .. بقوا فترة وجيزة على الإيمان .. ثم عادوا إلى الكفر مرة أخرى .. ولم تجعلهم كل المعجزات يبتعدون عن الماديات ويتجهون إلى الله سبحانه وتعالى .. بل كان ولاؤهم دائما للذهب والمال حتى يومنا هذا .. ولقد لعنهم الله بكفرهم ..


ولم يؤمنوا !

وعيسى عليه الصلاة والسلام بعد كل ما أراه لهم رؤيا العين .. ويقين المشاهدة .. أحس أنهم لم يؤمنوا .. وأحس أنهم يبتعدون عن الله سبحانه وتعالى .. ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى :

" فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {52}‏. ( سورة آل عمران )

أي أن عيسى عليه الصلاة والسلام حين أحس من هؤلاء اليهود بكفرهم وعنادهم .. وعدم طاعتهم أو اقتناعهم رغم كل ما أرسله الله على يديه من آيات بينات .. أحس عيسى منهم الكفر .. فبدأ يبحث عن رجال أمناء مؤمنين .. يبلغون رسالته من بعده ويحملون منهج الله إلى عباد الله في الأرض .. كان ذلك يقيناً من عيسى عليه الصلاة والسلام أن بني إسرائيل لن يؤمنوا له رغم كل البينات التي جاء بها .. ورغم أنه قد جاء إليهم رحمة من الله سبحانه وتعالى ليحل لهم بعض ما حرم عليهم .. ليدلهم على منهج الله الذي ينجيهم من عذاب أليم .. ورغم كل هذا الذي يعتبر في مصلحة بني اسرائيل .. فقد أحس عيسى منهم بالكفر وعدم الإيمان .. فبدأ يلتجئ إلى الحواريين ومريديه ليلقنهم الرسالة الصحيحة .. ويخبرهم بما أنزله الله عليه .. حتى يكونوا من بعده دعاة مخلصين لهذا الدين الذي كان واثقاً أن بني اسرائيل سيحاولون تشويهه ومحاربته ونشر الأكاذيب عن رسالته ولقد قام الحواريون بتلقي منهج الله ثم نقلوه بعد ذلك إلى أقطار الأرض .. وهكذا كان عيسى عليه السلام حريصاً في حياته على أن يبلغ الرسالة التي كلفه الله بها .. فلما لم يفلح مع بني اسرائيل اتجه إلى تلاميذه وحوارييه .. وأعطاهم التعاليم التي نزلت عليه من السماء .. وأخذ عهداً منهم أن يقوموا بإبلاغها إلى الناس حتى يفوت على بني اسرائيل فرصة القضاء على هذا الدين وهو ما كانوا يبيتونه وأحسه عيسى عليه الصلاة والسلام في حياته .


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir