العودة   منتدى زين فور يو > ღ◐ منتديات زين فور يو العامة ◑ღ > منتدى خاص بالاثرم
 
 
إنشاء موضوع جديد إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-05-2020, 06:58 PM   #1
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي معجزة القرآن ..

بسم الله الرحمن الرحيم

ما هي معجزة القرآن ..

القران الكريم هو كلام الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم والمتعبد بتلاوته والمتحدی به الأنس والجن والعالمين .. ولم يتحد الله الملائكة .. لأن الملائكة ليس لهم اختیارات يعملون بها .. انما هم يفعلون ما يؤمرون... ومن هنا فان القرآن يتحدى كل القوى المختارة .. أو التي لها اختیار... أو التي ميزها الله بقدرة العقل والفكر والاختيار .. على أننا قبل أن نتحدث عن معجزة القرآن .. فاننا يجب أولا أن نحدد المعجزة ؟.. المعجزة هي خرق لنواميس الكونى.. أو لقوانين الكون .. يعطيها الله سبحانه وتعالى لرسله ليدل على منهجه .. ويثبتهم به .. ويؤكد للناس انهم رسله تؤيدهم السماء وتنصرهم.. والسماء حين تؤيد وتنصر .. تقف قوانين البشر عاجزة لا تستطيع أن تفعل شيئا ..

ولكننا حين يأتي انسان ويقول انه رسول من عند الله جاء ليبلغ منهجه .. أنصدقه ؟ .. أم أننا نطالبه باثبات ما يقول ؟ اذن كان لا بد أن تجيء مع كل رسول معجزة تثبت صدقه في رسالته وفي بلاغه عن الله ..

ومعجزات الله تتميز عن اية معجزات اخرى تمييزاً واضحا قادراً .. فهي اولا تأتي وتتحدى من أرسل فيهم الرسول فيما نبغوا فيه .. لماذا ؟ لأن التحدي فيما لا ينبغ فيه القوم لا يعتبر تحديا .. فمثلا اذا جئنا ببطل العالم في رفع الأثقال.. وتحدینا به رجلا عاديا .. لا يكون هناك مجالا للتحدي .. لماذا؟ لان المتحدي لم ينبغ في نفس جنس العمل الذي أريد أن يتم فيه التحدي .. ولكننا اذا جئنا ببطلين من أبطال العالم.. فان التحدي يكون بينهما واضحا .. ويكون له معني فيمن يثبت أنه هو الأقوى ..

واذ جئنا بانسان نبغ في الطب مثلا.. وأرسلناه إلى بلد ليس فيه طبيب .. فلا يعتبر هذا تحديا ... لأنه لا يمكن أن يجد هذا الطبيب من ينافسه بحيث يكون هناك مجال للتحدي .. ولكننا اذا جئنا بهذا الطبيب وارسلناه إلى أكبر عواصم الطب في العالم .. هنا يكون تحديا لهذا الطبيب .. هو تحد بقوة العقل حيث اننا وضعناه في اختبار مع اكبر ما في عصره من قوة يمكن أن تواجهه ..

نكون بذلك قد وصلنا الى نقطتين .. النقطة الأولى .. أن المعجزة يجب أن تكون خرقا لقوانين البشر ولا يقدر عليه الى الله سبحانه وتعالى الذي وضع هذه القوانين .. وثانيتهما أن المعجزة معجزة كل نبي يجب أن تكون مما نبغ فيه قومه حتى يكون التحدي نابغا وقويا .. واثباتا على قدرة الله سبحانه وتعالى .. فلا آتي بقوم قد نبغوا في الطب مثلا وأرسل لهم معجزة في البلاغة... أو آتي بقوم نبغوا في البلاغة وأرسل لهم معجزة في الطب .. هنا الاحساس بالمعجزة لا يكون فيه التحدي القوي للانسان .. فالتحدي يجب أن يكون في أمر نبغ القوم فيه حتى لا يتحدى الله قوما بأمر لا يعرفونه .. ولا موهبة لهم فيه .. وحتى يكون للتحدي قيمة .. ومن هنا كانت معجزة كل رسول فيما نبغ فيه قومه ..

على أن المعجزة لا تأتي فقط بخرق القوانين.. والتحدي .. وانما توفر أسباب هذا التحدي .. بمعنى أن القوم الذين يريد الله أن يتحداهم يمكنهم من الأسباب كلها.. ثم بعد ذلك يعطل الأسباب .. فلا يتم الفعل .. ولنعط أمثلة سريعة على ذلك .. مثلا معجزة نجاة ابراهيم عليه السلام .. ومعجزة نجاة موسی عليه السلام .. كلتاهما معجزة.. وضعت فيها الأسباب .. ثم عطلت.. معجزة ابراهيم جاءت تحديا في قوم يعبدون الأصنام .. ويسجدون لها ويقدسونها.. ولذلك عندما أرادوا احراق ابراهيم كانوا يريدون أن ينتقموا لآلهتهم وهي الأصنام .. وكان الانتقام معداً بالشكل الذي يمجد هذه الأصنام.. ويجعل ابراهيم عبرة لكل انسان تسول له نفسه أن يهينها أو يكفر بها..

وجاء ابراهيم ولم يحترق ..


جاءوا بابراهيم .. وأمام آلهتهم وفي حمايتها.. أوقدوا ناراً هائلة ليحرقوه .. والحرق هنا أمام الآلهة وعلى مشهد منها ليكون الانتقام من ابراهيم انتقاماً تبارکه الآلهة مصدر قوتهم .. وأوقدوا النار الهائلة .. كل شيء هنا لتمجيد آلهة غير الله سبحانه وتعالى .. وأتوا بابراهيم ... والسؤال هنا لماذا جعلهم الله يأتون بابراهيم ليحرقوه في النار أمام آلهتهم .. كان من الممكن أن يختفي ابراهیم في أي مكان .. ولا يظهر.. وكانت هذه مسألة ممكنة تقي ابراهيم الحرق وتجعلهم لا يعثرون عليه .. ولكنه لو حدث هذا لقالوا لو أننا قبضنا على ابراهيم لاحرقناه .. وكانت ستظل قوة الآلهة المزيفة التي يعبدونها مسيطرة عليهم في أن لها قدرة النفع والضر.. وأنها تنفع من يعبدها ... وتضر من يؤذيها .. وأنه لولا هرب ابراهيم لاحرق في النار ودمرته آلهتهم وهي الاصنام تدميراً .. ولذلك كان لا بد ألا يهرب ابراهيم بل يقع في أيديهم ليشهد القوم جميعا سفاهة معتقداتهم وعجزها أمام قدرة الله ..

وكان من الممكن أن تنطفىء النار لأي سبب من الأسباب .. كأن ينزل المطر من السماء فتنطفىء النار .. ولكن هذا لم يحدث .. لماذا ؟ .. لنفس السبب .. لأنه لو انطفأت النار لقال الكفار أن آلهتنا كانت قادرة على أن تحرق ابراهيم .. ولكن السماء أمطرت .. ولو أن السماء لم تمطر لانتقمت آلهتنا منه بالحرق ..

فابراهيم لم يهرب .. بل وقع في أيديهم .. والنار لم تنطفىء .. بل ازدادت اشتعالا ثم ألقوا بابراهيم في النار .. فاذا الله سبحانه وتعالى يبطل خاصية الإحراق في النار .. وتكون برداً وسلاماً على ابراهيم ..

اذن فمعجزة ابراهيم ليست أن ينجو من النار .. ولو أراد الله أن ينجيه من النار ما أمكنهم القبض عليه .. أو لنزلت الأمطار لتطفيء النار .. ولكن الله شاء أن تظل النار متأججة محرقة قوية .. وأن يؤخذ ابراهيم عياناً أمام الناس ويرمى في النار .. ثم يعطل الله ناموس أو قانون احراقها ..

" قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) " سورة الأنبياء.

فتعطل ارادة الله خاصية احراق النار .. وتقف آلهتهم تلك التي حطمها ابراهيم والنار متأججة .. وابراهيم ملقى في النار .. تقف آلهتهم التي أرادوا الانتقام لها أمام الملأ أجمع .. تقف عاجزة عن أن تجعل ابراهيم يحترق أو تناله بأي سوء ..


وموسی علیه السلام أوحى الله إلى أمه أن تلقيه في اليم لينجو .. وآخر شيء يمكن أن يقوم به أب وأم حين يريد أن ينجي طفله هو أن يلقيه في الماء ..

فالطفل عاجز صغير وليد .. والقاؤه في الماء يعرضه لطير جارح يقتله أو يهاجمه وهو لا يملك لنفسه دفاعاً ولا بأساً فيقتله .. وقد تأتي موجة صغيرة من الماء فتطيح

بالسلة التي فيها موسى فينقلب في الماء فيغرق في الحال .. فهو لا يعرف شيئا عن العوم ولا يستطيع أن يفعل شيئا اذا سقط في الماء .. واذا لم يسقط في الماء فقد تأتي الأمطار لتملأ السلة التي هو بها.. فيختنق ويغرق.. وقد تأتي ريح تقلب هذه السلة في الماء فيموت .. اذن فكل الاخطار موجودة في القاء موسى في اليم ما عدا فرصة الحياة ... والمنطق والأسباب والعقل كلها تقول انه اذا أرادت أم أن تنجيه فلتفعل أي شيء في العالم إلا ان تلقيه في الماء ..

كان يمكنها أن تأخذه إلى مكان بعيد يختفي فيه .. وكان يمكنها أن تهاجر بابنها إلى خارج مصر .. وكان يمكنها أن تخفيه في منزلها في مكان حصين لا يصل إليه جنود فرعون .. ولكن الله أمرها بماذا .. بأن تلقيه في اليم .. حيث يواجه خطر الموت أكثر مما يواجه احتمال الحياة .. وجعل في هذا الخطر خطر موت موسی غرقاً .. أو بطير جارح .. أو بريح قوية .. جعل هذه الأخطار كلها الطريق الوحيد المضمون لنجاة موسی .. لماذا ؟ .. لأن الله الفاعل .. وهنا تتعطل الاسباب .. ويصبح الالقاء نفسه هو النجاة والامان والاطمئنان ..

وللحديث بقية ..

احوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-18-2020, 01:48 PM   #2
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي


لماذا سجد السحرة ؟

نعود مرة أخرى إلى المعجزة .. لقد جاء كل نبي إلى قومه بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه .. قوم موسی نبغوا في السحر فجاء موسی عليه السلام بمعجزة السحر.. وتحدى قومه.. فكان أول من آمن به هم السحرة .. لماذا ؟

لأنهم هم الذين يرهبون عيون الناس ويسحرونها.. فلما رأوا معجزة موسی كانوا أقدر الناس على فهمها .. والسجود لها نظرا لما رأوه من الفرق الهائل بين قدرة الله .. وقدرة البشر .. ولما أحسوه برهبة وهو يقابل ما نبغوا فيه من السحر بما أعطاه الله له ..

﴿ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) ﴾ سورة الأعراف.

هكذا كان أول من آمن هم اولئك الذين نبغوا في المعجزة .. وهم أولئك الذين أراد الله سبحانه وتعالى أن يتحداهم فيما نبغوا فيه .. فلما رأوا عظمة التحدي خروا ساجدين .. لماذا ؟ لأن لديهم جزءاً من العلم الارضي في السحر ..

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) ﴾ سورة فاطر.

فلما رأوا المعجزة أحسوا بروعتها .. أحسوا بجلالها .. أحسوا بأنها من عند الله سبحانه وتعالى .. فنسوا فرعون ووعوده .. ونسوا الذهب والفضة وجاه الدنيا الذي ينتظرهم.. بل نسوا أن فرعون سيسومهم سوء العذاب .. وأنه جبار في الأرض ... تلاشی كل هذا عندما رأوا المعجزة .. وخروا ساجدين لله .. وكانوا هم الذين أراد فرعون أن يتحدى بهم .. دين الله فاذا بهم أول من يسجد لهذا الدين ..

تلك روعة المعجزة .. تستطيع أن تتبينها اذا عرفت ان السحرة كانوا موعودين بالجاه والسلطان والمال .. وكانوا هم اعوان فرعون الذين يروجون له وكان في أيديهم حكم الدنيا اذا غلبوا .. أو اذا اتهموا موسى بأي إتهام باطل يروج له فرعون وجنوده .. ولكنهم بهتوا وذهلوا أمام معجزة فخروا ساجدين .. وتركوا كل هذا مضافاً اليه عذاب فرعون عندما رأوا آية من آيات الله ..

وعيسى جاء إلى قومه وقد نبغوا في الطب فأبرأ الأكمة والأبرص .. وزاد على ذلك بأنه احيا الموتى باذن الله .. اذن عیسی تحدي قومه في شيء نبغوا فيه .. فجاء لهم بما تجاوز علمهم .. وزاد علیه باحياء الموتى باذن الله .. فكان التحدي من جنس ما نبغ فيه قومه ..

ومحمد عليه الصلاة والسلام جاء والعرب قوم بلاغة وفصاحة .. فجاء لهم بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه .. وهو بلاغة القرآن التي تحدتهم وأعجزتهم .. فقالوا ساحر.. وقالوا مجنون .. حيث أن اعجاز القرآن ليس لغويا فقط .. ولكن له جوانب كثيرة من الاعجاز الذي يتحدى به الله سبحانه وتعالى الانس والجن إلى يوم القيامة .. والقرآن له عطاء يتجدد مع كل جيل من الأجيال ..

واذ كانت المعجزة هي خرقا للعادة مقرونة بالتحدي .. ولا يستطيع أحد معارضتها.. فقد تأتي المعجزة خرقا للعادة .. ولكنها ليست مقرونة بالتحدي .. أي أن الله سبحانه وتعالى لا يتحدى بها البشر ولا يطالبهم أن يأتوا بمثلها .. بل أن هذه المعجزة تأتي لاثبات طلاقة قدرة الله في كونه .. بحيث لا يخضع الانسان كل الأشياء للأسباب والمسبات .. بل أن الانسان المؤمن يجب أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى فيما تعجز عنه الأسباب .. فالله قادر قاهر ليس لقدرته قيود ولا حدود ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-09-2020, 09:58 PM   #3
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


قدرة الله ..

والقرآن يعرض مسألة المعجزة لاثبات طلاقة القدرة الإلهية في سورة مريم يأتي ليثبت قضية من القضايا التي اعتاد فيها الناس الاسباب والمسببات .. وهي مسألة بقاء النوع .. وبقاء النوع مشروط بالتقاء رجولة وانوثة

لينشأ اخصاب وحمل .. ولا بد أن تكون الرجولة مكتملة .. والأنوثة غير ناقصة ليتم ذلك ..

فيأتي الله سبحانه وتعالى ليثبت لنا طلاقة قدرته الالهية بلا حدود ولا قيود.. حتی لا يفهم الإنسان أن الخلق مقرون بأسباب ومسببات لا بد من وجودها.. ومن هنا فان الله في قضية الخلق يريد المسألة من زواياها الأربع .. فليس بقاء النوع او ايجاد النوع رهنا بوجود ذكر وانثي .. بل هو رهن بمشيئة الله سبحانه وتعالى يخلق رجلا بلا ذكر ولا انثي .. ويخلق من رجل بلا أنثي .. ويخلق من رجل وأنثي .. ويخلق من أنثى بلا رجل.. وبذلك تكون أركان الخلق الأربعة قد اكتملت ..

ولنشرح ذلك قليلا .. الله خلق آدم أول الخلق من لا ذكر ولا أنثي فآدم لم يكن له أب ولا أم وانما خلقه الله سبحانه وتعالى .. ونفخ فيه من روحه .. هذه واحدة .. خلق من لا ذكر ولا أنثى .. وخلق الله حواء على الأرجح من الذكر دون الانثى .. ثم خلق البشرية كلها من الذكر والانثى .. بقي شيء في الخلق أن يخلق الله الأنثى بلا ذکر... فتأتي مسألة عیسی عليه السلام .. وتأتي بقية الكون كله من البشر ويأتي عیسی علیه السلام من أنثى لم يمسسها رجل .. ومن هنا تكون القسمة للخلق أربعة .. ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يكون النشأ من غير وجودهما معا .. فخلق آدم.. ومن وجود الرجل وحده .. فخلق حواء آدم .. ومن وجودهما معا فخلق الكون كله .. وجعله يتناسل ..
ومن وجود الأنثى دون الرجل .. فخلق عیسی .. وبذلك تكون أوجه الخلق كلها اكتملت ..

الا اننا يجب أن ننتبه إلى شيء هام .. خلق الانسان .. بدون ذكر أو انثى .. معجزة تخضع لله سبحانه وتعالى .. خلق الانثى من الرجل وحده معجزة تخضع لارادة الله سبحانه وتعالى .. خلق الرجل من الانثى وحدها دون أن يمسسها رجل .. معجزة من الله سبحانه وتعالى .. خلق الانسان من ذكر وانثي .. معجزة جعلها الله تمضي في الدنيا بالأسباب والمسببات .. ولكنه لم

يطلقها لتتم بالأسباب والمسببات وحدها .. فأدخل فيها المشيئة .. وقال سبحانه وتعالى :

﴿ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا (50) ﴾ سورة الشورى

اذن كل معجزة الخلق التي تمت أنها تخضع لمشيئة الله سبحانه وتعالى .. فلیس وجود النوعين موجبا لأن يوجد الخلق ..

﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ .. يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا .. وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا .. وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا (50) ﴾ سورة الشورى ..

المسألة ليست وجود مسببات.. بل أن الله سبحانه وتعالى حين يريد للأسباب أن تفعل .. تفعل.. وحين يريدها أن تتعطل تتعطل .. وحين يريد أن تأتي بالعلل دون الأسباب يأتي بها فلا قيود ولا حدود لقدرة الله سبحانه وتعالى ..

وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم


التعديل الأخير تم بواسطة AL-ATHRAM ; 10-09-2020 الساعة 10:00 PM
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-05-2020, 08:41 PM   #4
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


** واذا تعطلت الأسباب ..

هذه قضية في أصل الكون .. وهي قضية طرحها الله سبحانه وتعالى للبشر ليدخل الإيمان إلى قلب المؤمن فيضع فيه السكينة .. فالله سبحانه وتعالى يقول للمؤمن إذا ضاعت الأسباب فلا تيأس .. فأنا الذي خلقت الأسباب .. وانا القادر على ايجاد المسببات دون القانون.. فلا تيأس أن عزت الأسباب ومن هنا يأوي المؤمن إلى ركن شديد .. ويحس بالطمأنينة تملأ قلبه .. ولا يمزقه الفزع خوفا أو رعبا .. حينما يفقد أي شيء.. ذلك أنه يأخذ بالأسباب أولا.. اذا عزت الأسباب أو تعذرت ووجد كل الطرق مغلقة في وجهه .. اتجه إلى الله سبحانه وتعالى .. فالمؤمن لا ييأس من روح الله ابدا .. ولا تنهار نفسه .. ويضيع أمنه عندما يرى انهيار الأسباب ..

وتعرض لنا هذه القصة في سورة مريم .. میلاد مریم عليها السلام له ضجة .. يحكي ذلك القرآن الكريم :

﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى (36) ﴾ سورة آل عمران .


كلمة اني وضعتها انثى التي قالتها امرأة عمران .. تحسر على أنها لم تضع ذكرا ... أي أن الوليد الذي جاء لا يؤدي الغرض الذي وهب من أجله لأن امرأة عمران نذرت ما في بطنها لله سبحانه وتعالى .. وكيف تستطيع مریم أن تؤدي الخدمة في المعبد وهي أنثي .. وامرأة عمران تقول أن الرجل أفضل من الأنثى في ذلك .. فيقول لها الله سبحانه وتعالى انك ما زلت تحسبين أن الذكر أحسن من الانثى .. هذه العملية التي تفكرين فيها هي منطق الدنيا الخائب .. ويضيف الله سبحانه وتعالى :

﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى (36) ﴾ سورة آل عمران .

أي أن الأنثى التي جاءت أفضل من الذكر الذي تمنيته .. وكأنما الانثى لها مكانة اكثر مما تظنين .. فلا تقولي أن الله قد اعطاني انثى ولم يعطني ذكرا .. لأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق .. ولأنه يعرف أن هذه الانثي سيصبح لها شأن آخر.. وبعد ذلك نعرف أن والد مریم متوفي .. حيث انها حين ولدت ارادوا أن يكفلوها .. وكلمة من يكفلها دليل على أن وليها الطبيعي وهو الوالد غير موجود ..

ويكفلها زکریا .. ومعنى أن يكفلها زكريا وفيه نبوة أنه يأتي اليها بكل مقومات حياتها .. فعندما يدخل عليها المحراب يجد عندها رزقا ومعنى أن زكريا يجد عندها الرزق عند دخوله المحراب او المكان الذي تصلي فيه مریم وتسجد .. معناه انه لم يأت بهذا الرزق .. وانما الذي اتي به هو الله سبحانه وتعالى .. بدليل آن زكريا يسألها :

﴿ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّه (37) ﴾ سورة آل عمران.

وابتدأت الصغيرة المكفولة مريم بفطرتها تفهم أن الله سبحانه وتعالى ليس له قانون يحكمه .. وأنه يرزق من يشاء بغير حساب .. وهنا نتوقف قليلا لنعرف أن الله سبحانه وتعالى حين اعد مريم للمهمة التي ستقوم بها جعلها أولا منذورة لله سبحانه وتعالى ولعبادته .. ثم جعل من يكفلها نبيا هو زکریا .. ثم بعد ذلك اراد الله سبحانه وتعالى أن يمهد لها فبين لها أن لكل شيء في الكون سببا .. الا أن هناك اشياء تحدث بلا أسباب .. أو يعطل الله فيها الأسباب .. وبدأ بمسألة الرزق الذي يرزقها به .. فاكهة في غير أوانها .. ورزق ليس موجودا في الأرض .. تمهيدا لما هو قادم .. اعلانا لها بأن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء .. ثم بعد ذلك أتى الله سبحانه وتعالى بقضية أخرى هي دعاء زكريا بالولد .. عندما رأى الرزق بلا حساب عند مريم .. هنالك دعا زکریا ربه .. وطلب زكريا ولدا فاستجاب الله لدعائه .. وبشره بالغلام .. هنا تذكر زكريا عند هذه البشرى .. انهيار الاسباب عنده .. فقال ربي انني رجل عجوز .. وامرأتي عاقر.. أي أن الأسباب الكونية لامكان الانجاب غير موجودة .. فكيف استطيع أن أنجب طفلا .. فقال الله سبحانه وتعالى :

﴿ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) ﴾ سورة مريم.

فاذا كان الله سبحانه وتعالى قد خلق زكريا .. ولم يك شيئا يذكر فهو يستطيع أن يعطيه الغلام دون التقيد بالاسباب .. هنا تذکیر مرة أخرى لمریم بان الله سبحانه وتعالى اذا أراد فانه يوجد الأشياء بدون الاسباب نفسها .. أولا .. أعطاها الرزق بلا أسباب للرزق .. ثم استجاب لدعوة زكريا التي دعاها في المحراب .. فقال الله سبحانه وتعالى :

﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ (38) ﴾ سورة آل عمرن.

وكلمه هنالك أن الدعاء تم في المحراب عند مريم لتشهد مرة اخرى ما يثبت فؤادها فيما أعده الله لها .. فترى الخلق يتم بدون اسباب الخلق .. فزکریا عجوز .. وامرأته عاقر .. ومع ذلك فان الله قادر على أن يرزقه بولد .. وكل هذا هدفه الا تهتز مریم مما ستتعرض له من ولادة دون ذکر .. ومع ذلك .. ومع كل هذه المقدمات اهتزت مریم حين رأت جبريل عليه السلام ..

﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) ﴾ سورة مريم.

أي أنه بعد كل هذه المقدمات من رزق بلا اسباب .. ومن ولد لزكريا مع انتفاء الأسباب.. مع كل هذه المقدمات اهتزت مریم عندما رأت جبريل حتى أن الله سبحانه وتعالى ليثبتها قال لها :

﴿ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ ﴾ سورة مريم.

والله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لمريم بعد كل هذه المقدمات من رزق بلا أسباب .. ومن خلق مع اختفاء الأسباب تتعجبين ما يحدث .. لقد قلت یا مریم :

﴿ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ سورة آل عمران.

شهدت یا مريم أن الله سبحانه وتعالى حين يريد تعطيل نوامیس الكون .. وايجاد المسببات بلا أسباب .. يستطيع أن يفعل ذلك .. شهدته في زکریا .. ومع ذلك تعجين ..

** معجزة ولكن ليست للتحدي ..

على أن هذه المعجزة .. معجزة خلق عيسى عليه السلام .. لم يكن مقصودا بها التحدي .. فالله سبحانه وتعالى لم يتحد بها أحدا .. لكن المقصود بها هو طلاقة القدرة .. أي أن الله يفعل ما يشاء .. ومقصود به استكمال الخلق بحيث يصبح الخلق بدون ذكر أو أنثي .. ومن ذکر بلا أنثي .. ثم من ذكر وانثي لمن شاء الله .. ثم من أنثي بلا ذکر .. وبذلك تكتمل مراحل الخلق ..

ومعجزة أخرى لم يتحد بها الله بشرا.. وهي معجزة شق موسى للبحر بعصاه .. فعندما طارد فرعون وجنوده موسى عليه السلام .. ووصل أتباع موسی إلى البحر.. والبحر أمامهم .. وجنود فرعون وراءهم .. قال قومه انا المدركون .. وهذه مسألة طبيعية في قوانين ومسببات البشر .. فجنود فرعون على بعد قريب .. والبحر أمام قوم موسی .. فهم لا يستطيعون مواصلة الفرار او الهرب .. وحينئذ رفع موسى الأمر إلى الله سبحانه وتعالى .. لم يقل سنصعد إلى جبل ليحمينا من فرعون وجنوده .. ولم يقل سنستقل سفينة ضخمة نهرب بها من فرعون وجنوده .. ولم يقل اننا سننجو بطريقة كذا وكذا .. وانما حينما قال له قومه انا المغرقون .. رد الامر الى الله سبحانه وتعالى .. وقال بملء فيه ..

﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ سورة الشعراء.


ومن هنا فانه نقل المسألة من قانون الانسان .. أو البشر.. إلى قانون الله سبحانه وتعالى .. فكأنه قد نقل القدرة من القدرة البشرية المحدودة .. إلى قدرة الله سبحانه وتعالى التي ليس لها حدود ولا قيود .. والتي تتم بكلمة كن .. وما دام قد نقل القدرة منه هو الى قدرة الله سبحانه وتعالى فقد أصبحت هذه القدرة ينطبق عليها لفظ سبحان الله وليس كمثله شيء.. أي أنه لا عجب فيما سيحدث ولو خالف كل قوانين البشر .. لأن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى .. فأصبحت النجاة نابعة من قدرة الله وليس من قدرة البشر .. فقال الله سبحانه وتعالى له :

﴿ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ ﴾ سورة الشعراء.

والمعروف أن الماء لا ينفلق لأن قوانين الماء هي الاستطراق .. أي لا يكون عاليا في مكان ومنخفضا في مكان آخر .. لا بد أن يتساوى سطحه .. فاذا ضرب موسی بعصاه البحر فهو لا يستخدم قوانين الأرض .. ولا قوانين الماء .. ولا قدرات البشر.. لأنه رفع الأمر إلى الله سبحانه وتعالى .. ومن هنا تكون القدرة والفعل لله فينشق البحر .. وينجو موسى وقومه ..

هذا هو معنى المعجزة في انجاز بالغ .. فالمعجزة هي خرق لنواميس الكون .. تتحدى .. ولا يستطيع احد معارضتها .. والمعجزات نوعان .. معجزات أعطاها الله سبحانه وتعالى لرسله ليتحدوا بها قومهم .. ويثبتوا أنهم جاءوا بالهدى وبالرسالات من عند الله .. ويثبتوا الايمان في قلوب الناس .. ويبينوا لهم الطريق المستقيم المؤدي إلى الحياة السليمة .. وهو قوانين الله في الارض ... وليعرف الجميع أن هؤلاء رسل جاءوا من عند الله .. بمنهج وضعه الله للانسان .. وهناك معجزات أخرى في الكون .. لم يرد الله بها التحدي .. ولكنه اراد اثبات طلاقته في الكون في انه هو الخالق .. وانه هو الموجد للاسباب والمسببات .. وانه يقول كن فيكون بلا مسببات ... ما دام الأمر قد رفع إلى الله سبحانه وتعالى بعيدا عن قدرات البشر وقوتهم ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم






AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-22-2020, 10:48 PM   #5
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

معجزة القران مستمرة ..

على انه يلاحظ أن معجزة القرآن تختلف عن معجزات الرسل السابقين ..

معجزات الرسل خرقت قوانين الكون .. وتحدت وأثبتت أن الذي جاءت على يديه رسول صادق من الله .. ولكنها معجزات کونية من رآها فقد آمن بها .. ومن لم يرها صارت عنده خبرا ان شاء صدقه .. وان شاء لم يصدقه .. ولو لم ترد في القرآن لكان من الممكن أن يقال انها لم تحدث ..

اذن فالمعجزة الكونية المحسة .. أي التي يحس بها الانسان ويراها تقع مرة واحدة .. من رآها فقد آمن بها .. ومن لم يرها تصبح خبرا بعد ذلك .. على أن هذه المعجزات لا تتكرر أبدا .. هناك رأي يقول ان معجزات الرسل مع تقدم العلم يمكن أن يصل اليها البشر.. وهذا الرأي غير صحيح على الاطلاق ..

فالمعجزة تبقى معجزة الى يوم القيامة .. قد يقول واحد اننا قد نصل إلى قانون أو اختراع يشق الماء .. وحتى أن حدث هذا فان المعجزة تبقى خالدة .. لأنه لا يمكن أن يأتي انسان يضرب البحر بعصاه فينشق الماء الا موسىى عليه السلام ... وقد يقول بعض الناس ان عیسی عليه السلام كان پیریء الاكمه والابرص .. وأن هناك دواء الآن لبعض .. او لكل هذه الداءات .. ولكننا نقول له أن المعجزة ستبقى هي المعجزة .. فلن يستطيع بشر أن يشفي انسانا مريضا بمجرد لمسه .. أو الاشارة اليه الا عيسى عليه السلام .. قد يقول بعض الناس اننا نستطيع ان نذهب من مكة إلى بيت المقدس ونعود عدة مرات كل يوم وهذا رد على معجزة الاسراء .. فنقول ابدا .. لن يستطيع انسان آن يذهب بغير طائرة في الجو الا محمد عليه السلام .. فضلا عن الصعود الى السماء السابعة .. ذلك أن المعجزة تظل خالدة في نوعها وأدائها مهما طال الزمن .. وهي معجزة أساسها الاعجاز بالطريقة التي تمت بها .. ولا تصل اليها القوانين التي يكشف عنها الله سبحانه وتعالى من علمه للبشر.. بل تظل المعجزة معجزة .. على أننا اذا نظرنا إلى المعجزات السابقة وجدنا هذه المعجزات فعلا من أفعال الله .. وفعل الله من الممكن أن ينتهي بعد ان يفعله الله سبحانه وتعالى .. البحر انشق لموسى .. ثم عاد إلى طبيعته .. النار لم تحرق ابراهيم .. ولكنها عادت الى خاصيتها في الاحراق .. ولكن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم صفة من صفات الله وهي كلامه .. والفعل باق بأبقاء الفاعل له .. والصفة باقية ببقاء الفاعل نفسه ..

على أن معجزات الله سبحانه وتعالى التي يؤيد بها رسله .. أو يريدها آية من آیاته .. تختلف عن معجزات البشر في أن الله سبحانه وتعالى يجعل من يقوم بالمعجزة يملك خاصية هذه المعجزة وقتها .. أي أن الله سبحانه وتعالى يجعل الضعيف قويا .. وغير القادر قادرا .. والذي لا يستطيع شيئا أن يفعله ..

فمعجزة عام الفيل مثلا التي ارسل فيها الله سبحانه وتعالى طيرا أبابيل .. أفنت جيش أبرهه عندما جاء ليحطم الكعبة .. جعل الله المعجزة في أن الطير الضعيف يستطيع أن يهزم فيلا جبارا قويا .. ويستطيع أن يفني جيوش من اقوى جيوشا العالم .. ان لم يكن اقواها في ذلك الوقت .. ولقد أثير حول هذه المعجزة حديث طويل في انه كيف تستطيع الطير وهي تمسك بحجارة صغيرة جدا أن تفني جيشا من الأفيال.. ولوهدمت فوقه عمارة لخرج سالما معافي .. ووجد بعض العلماء في هذا الكلام تجاوزا لحدود العقل .. فبدأوا يحاولون تخريجها تخريجا عقليا بأن يقولوا أن هذه الطير كانت تحمل جراثيم فتكت بهذه الفيلة إلى آخر هذا الكلام الذي يحاولون به تبرير المعجزة ..

والمعجزة لا تبرر أبدا لماذا ؟ لأنها لا تخضع لقوانين البشر .. فالفاعل هو الله سبحانه وتعالى .. ومعجزة الفيل حدثت کما رواها القرآن تماما من ناحية الطير .. ومن ناحية الحجارة .. ذلك أن هذه المعجزة وقعت في العام الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم .. ورسول الله بعث في الأربعين من عمره .. اي انه عندما نزلت هذه الآية كان هناك من شهدوا عام الفيل .. ممن أعمارهم قد بلغت الخامسة والخمسين.. والستين .. والخامسة والستين .. والسبعين .. وما فوق ذلك .. فلو ان القرآن جاء برواية منافية أو مخالفة لما شهدوه لقالوا أن هذا لم يحدث .. وأن طيرا لم تأت .. وأن حجارة لم تستخدم .. ولكن كون القرآن جاء بهذا.. وهناك شهود .. وشهود من الكفار الذين يهمهم الطعن في الدين .. ويهمهم أن يشككوا فيه .. ولم يستطيعوا

عندما أن يجادلوا في هذه الآية ... أذن فالطير قد جاءت.. والحجارة قد استخدمت وهذه معجزة من معجزات الله تحمل سمة المعجزات وهي أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يحقق المعجزة يعطي القوة او القدرة لمن يختاره لتحقيقها.. فهنا أعطى القوة للطير لتغلب الفيل .. عكس المنطق تماما .. وأعطى قدرة السحر لموسى فغلب السحرة واعطاه قدرة شق البحر فضرب الأرض بعصاه فشق البحر... كل هذا باذن الله.. وهنا الاختلاف بين الاعجاز الالهي .. وأي اعجاز آخر.. فأنت حين تريد أن تجعل رجلا ضعيفا يحمل حملا ثقيلا لا تستطيع أن تنقل اليه قوتك ليحمل هذا الحمل ولكنك تستطيع أن تحمله عنه .. وأي اختراع جديد يخدم الانسان لا يستطيع أن يعطي الانسان قدرة خارقة ولكنه يساعده باستخدام شيء خارجي .. أما الله سبحانه وتعالى ... فأنه هو وحده المستطيع أن يجعل الضعيف قويا ... والعاجز قادرا .. والقوي لا حول له ولا قوة .. ومن هنا فاذا انتصر رجل ضعيف على رجل قوي .. فأنك تعلم أن الضعيف قد نصره الله سبحانه وتعالى .. الله اعطى لابراهيم مثلا قدرة الخلق حينما طلب منه أن يأتي بالطير ويقطعها.. ثم يضع على كل جبل جزءا ثم يدعوها فتأتي له سعيا .. أي أن ابراهيم هو الذي دعا.. والله هو الذي أذن .. وشاء .. على أن معجزة القرآن تختلف في أوجه كثيرة عن المعجزات الاخرى ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-07-2020, 08:30 PM   #6
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

معجزة القرآن وكيف تختلف ..

معجزة القرآن تختلف عن معجزات الرسل السابقين في كثير من زوايا الاعجاز .. وفي القرآن اعجاز لا يتنبه اليه العقل الا بعد ان ينشط ويكتشف المستور عنه من حقائق الكون واسراره .. حينئذ يتبين أن للقرآن وجوه اعجاز اخرى او جديدة تزيد في معنى الاعجاز .. او تعطي ابعادا جديدة لما يقال ..
بل ان اعجاز القرآن موجودة احيانا في حرف .. حرف من القرآن يحمل اعجازا رهيبا .. ولكن الذي يجب ان نعرفه الآن .. أن للقرآن عطاء لكل جيل يختلف عن عطائه للجيل السابق .. ذلك أن القرآن للعالمين .. أي الدنيا كلها .. لا يقتصر على أمة بعينها .. وانما هو الدين الكامل لكل البشر .. ومن هنا فانه يجب أن يكون له عطاء لكل جيل .. والا لو أفرغ القرآن عطاءه الاعجازي في قرن من الزمان مثلا لاستقبل القرون الأخرى بلا عطاء .. وبذلك يكون قد جمد .. والقرآن متجدد لا يحمد ابدا .. سخي يعطي دائما .. قادر على العطاء لكل جيل بما يختلف عن الجيل الذي قبله .. وبنفس الآية ... أي أن هناك آيات من القرآن تعطينا الآن عمقا جديدا في معناها .. ذلك العمق لم يكن أحد يصل اليه بالفهم الدقيق في اول وقت نزول القرآن ..

ولكي تكون هذه النقطة واضحة يجب أن نفرق بين شيئين اثنين .. في القرآن الكريم .. الأحكام الخاصة بمنهج العبادة .. او ما يحدده الله للبشر ليقوموا بعبادته بالطريقة التي حددها الله سبحانه وتعالى ليعبد في الأرض .. كلمة افعل .. ولا تفعل.. هذا حلال.. وهذا حرام ... هذه الأحكام التكليفية لا تغيير فيها ولا تبدیل .. وانما کما فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. او کما فسرت في عهد نزول القرآن .. الصلاة خمس مرات .. لا اجتهاد في هذا ..

شهادة أن لا اله الا الله .. الزكاة .. ما حرم على الانسان وما أحل له .. الزواج والطلاق ... كل ما شرعه الله من احکام بينه الرسول صلى الله عليه وسلم وفسره .. ولا اجتهاد فيه .. لا يستطيع أحد أن يأتي ويقول لنا أن الصلوات اربع مرات في اليوم .. ويفسر هذا بأي وجه من التفسير .. هذا غير مقبول.. وليس مجال المناقشة ... افعل ولا تفعل .. الأحكام التي اذا فعلتها نجوت ... واذا لم تفعلها عوقبت .. هذه لا تبديل فيها ولا اجتهاد .. لان الله سبحانه وتعالى هو الذي يحدد لنا كيف نعبده .. وهو الذي يختار لنا الطريق ..

نأتي بعد ذلك الى الاشياء المتصلة بقوانين الكون والخلق .. تلك الأشياء التي لم يكن للعقل البشري الاستعداد العلمي وقت نزولها ليفهمها تماما ... مثلا كروية الأرض .. احدى الحقائق التي تحدث عنها القرآن .. علم الأجنة تناوله القرآن .. دوران الارض حول نفسها .. الزمن .. ونسبية الزمن .. وعدد من حقائق الكون الأساسية .. نجد أن الآيات التي تتناول هذه الاشياء مر الرسول صلى الله عليه وسلم عليها مرورا وترك للعقل في كل جيل أن يأخذ قدر حجمه .. والمعجزة هنا في القرآن انه يعطي لكل عقل قدر حجمه .. ويعطي لكل عقل ما يعجبه ويرضيه فترى غير المتعلم يطرب للقرآن ويجد فيه ما يرضيه .. ونصف المتعلم يجد في القرآن ما يرضيه .. والمتبحر في العلم يجد في القرآن اعجازا يرضيه .. هذه واحدة .. من اعجاز القرآن الكريم .. أنه يقدم لكل نفس باستخدام الآيات والألفاظ التي تؤدي إلى المعنى .. فاذا ما كشف الله للبشر عن سر من اسرار کونه .. ورجعنا إلى الآية نجدها تؤدي نفس المعنى ..

ولنضرب مثلا يوضح ذلك .. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ..


" رب المشرق والمغرب "

" رب المشرقين ورب المغربين "

" رب المشارق والمغارب "


لو أخذنا كل آية من هذه الآيات وقت نزول القرآن الكريم على حجم تفكير العقل البشري في ذلك الوقت .. نجد أن مفهوم المشرق هو جهة شروق الشمس.. ومفهوم المغرب هو جهة غروب الشمس .. فعندما يقول الله سبحانه وتعالى " رب المشرق والمغرب " .. فليس هناك تعارض بين العقل والآية في ذلك ..

نأتي بعد ذلك للآية الكريمة " رب المشرقين ورب المغربین " نقول اذا كان المشرق هو جهة الشرق... فان رب المشرقين معناها انها تجمع بين عمومية الجهة .. وهي الشرق.. وبين المكان المحدد لشروق الشمس .. بمعنى أنك تقول هذا هو الشرق.. وهذا هو الغرب .. وتشير بيدك الى جهة المشرق او المغرب .. فاذا اردت ان تحدد مکان شروق الشمس . فانك تقول ان الشمس تشرق من هنا... وتحدد المكان بالضبط ... هذا هو التفسير في وقت نزول الآية .. ثم نأتي بعد ذلك إلى " رب المشارق والمغارب " .. التفسير وقت نزول الآية هو أن كل بلد له مشرق وله مغرب .. ومن هنا فإن الله سبحانه وتعالى هو رب المشارق كلها والمغارب كلها ..

فإذا جئنا إلى هذه الآيات اليوم لوجدنا تفسيرها يختلف... رب المشرق والمغرب ... هذه قالوا عنها عمومية .. ولكن الله سبحانه وتعالى قرن كلمة المشرق بالمغرب لأنه لا يوجد مشرق بدون مغرب .. كروية الأرض تحتم هذا .. ففي الوقت الذي تغرب فيه الشمس على جهة .. في نفس الوقت .. وفي نفس اللحظة تشرق على جهة اخرى .. اذن قول الله سبحانه وتعالى رب المشرق والمغرب .. ولم يقل رب المشرق ورب المغرب .. أو لله المشرق .. أو لله المغرب ... حيث كان المعتقد وقت نزول القرآن انها جهتان مختلفتان تماما .. متقابلتان بالنسبة للعين المجردة .. ولكن قول الله سبحانه وتعالى " رب المشرق والمغرب " . . معناها ان الشروق والغروب يتم في وقت واحد .. أي أن الشمس تغرب على بلد في نفس الوقت تشرق فيه على بلد آخر ..

نأتي بعد ذلك للآية الكريمة ..

" رب المشرقين ورب المغربين "

لماذا قال المشرقين بالذات والمغربين .. اذا نظرنا إلى الكرة الأرضية نجد انها مقسمة إلى جزئين .. نصف مضيء.. ونصف معتم ... والنصف المضيء له مشرق ومغرب .. بينما النصف المعتم يسبح في ظلام دامس .. فاذا استدارت الكرة تماما يواجه النصف المظلم الشمس والنصف المضيء يصبح ظلاماً ..

اصبح نصف الكرة الذي كان مظلما له مشرق .. ونصف الكرة الذي كان مضيئا يسبح في ظلام .. اذن فالكرة الأرضية في عموميتها لها مشرقان... مشرق تضيء منه الشمس نصف الكرة ومغرب .. ثم تستدير الكرة كلها .. فيأتي نصف الكرة الآخر فيكون له مشرق ومغرب .. اذن فآية " رب المشرقين ورب المغربين " تعرض لنا بان نصف الكرة يكون ظلاما ليس له مشرق و مغرب .. والنصف الآخر يكون مضيئا له مشرق ومغرب .. وعندما ينعكس الوضع يصبح هذا النصف له مشرق ومغرب .. وهذا النصف لا مشرق له ولا مغرب .. هكذا في عمومية الكرة الأرضية .. هناك مشرقان ومغربان .. فاذا انتقلنا إلى ..

" رب المشارق والمغارب "

نجد انه بعد أن تقدم علم الفلك لا يوجد مشرق واحد.. ومغرب واحد لأي دولة في العالم .. وانما هي مشارق ومغارب ..

اذن فزاوية الشروق تتغير.. وزاوية الغروب تتغير.. ولكن الحس لا يدرك ذلك.. بل انه اذا نظرنا إلى الكرة الأرضية نجد انه في كل جزء من الثانية مشرق تشرق الشمس فيه على مدينة وتغيب عن مدينة اخرى .. أي أن هناك ملايين المشارق والمغارب لكل بقعة من الأرض.. المشرق والمغرب للبلدة الواحدة لا يتكرر طوال أيام السنة.. لا تشرق الشمس على بلدة من نفس مكانها الذي اشرقت منه في الأمس .. أو تغرب على بلد من نفس مكانها الذي غربت منه بالأمس .. وان كانت جهة الشرق واحدة .. الا أن المشرق تختلف زاویته كل يوم .. وكذلك المغرب .. وتختلف في فصول السنة .. وفي ايام الصيف عن الشتاء عن الخريف عن الربيع .. وهذا لا يمكن أن يحدث الا من حركة دوران الارض حول الشمس مرة كل عام .. فان هذه الحركة هي التي تجعل لكل يوم مشرقا ومغربا بزاوية مختلفة .. بل بتوقيت مختلف عن اليوم الآخر.. وأبسط شيء لتدرك هذا بدلا من الدخول في التعقيدات الفلكية هو صيام شهر رمضان ... ففي كل يوم تفطر في مغرب مختلف عن المغرب الآخر في الوقت .. وكذلك تمتنع عن الطعام في مشرق مختلف عن المشرق الآخر في الوقت ... وأوقات الصلاة تختلف كل يوم من أيام العام .. تبعا لحركة الارض حول الشمس ..

واختلاف المشارق والمغارب يبين بخلاف أن الأرض تدور حول الشمس.. أن الأرض كروية .. فلو كانت الأرض مسطحة.. كان لا بد ان تطلع الشمس من مشرق واحد.. وتغيب من مغرب واحد... حينئذ لا يكون هناك مشارق ومغارب .... ولكن كونها كروية .. وكونها تدور حول نفسها وحول الشمس هو الذي يجعل هناك مشارق ومغارب ..

والذي اريد ان اقوله ان عطاء القرآن في الأولى .. " رب المشرق والمغرب " لم يلغ عطاءه في الثانية وهو رب المشرقين ورب المغربين .. وهو لا يلغي عطاءه في الثالثة وهو " رب المشارق والمغارب " ..

بل ان التقدم العلمي الذي غير كثيراً من مفاهيم الكون لم يستطع أن يغير معنى الآيات الكريمة .. بل انسجم معها .. ويحضرني قول قرأته في أحد المخطوطات القديمة يقول كاتبه " یا زمن وفيك كل الزمن " .. ومعنى هذا القول .. ان الزمن نسبي في الكون . فمثلا عندما أؤدي أنا الظهر هناك أناس في مكان آخر يصلون العصر.. وأناس في مكان ثالث يصلون المغرب ... وأناس في مكان رابع يصلون العشاء .. وأناس في مكان خامس يصلون الفجر .. اي انه في الوقت الواحد يؤذن لله على ظهر الأرض الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر .. اذن فالله مذكور في كل زمن وبجميع أوقات الزمن ..

هذه آية من آيات القرآن الكريم اتضحت دقة معناها عندما تقدم العلم .. كان لها عطاء وقت نزول القرآن .. ولها عطاء مختلف الآن .. وربما يكون لها عطاء آخر في الأزمنة القادمة بعد أن يتقدم العلم .. والاعجاز هنا أن القرآن يعطي لكل جيل عطاءه .. ويعطي لكل عقل حاجته دون أن يتناقض مع الحقيقة العلمية آو يتصادم مع حقائق الكون .. فهو متجدد العطاء دائما .. وحقائق الكون لا يمكن أن تتصادم أبداً مع القرآن .. لأن الله هو الفاعل .. والله هو الخالق .. والله هو القائل ..

هذه احدى نواحي اختلاف القرآن الكريم في معجزاته عن الكتب السماوية الأخرى ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم





AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-17-2021, 09:09 PM   #7
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

حفظ القرآن وتطبيق القرآن ..

على أن هناك ناحية ثانية وهي إن معجزة القرآن تختلف عن معجزات الرسل اختلافاً آخر .. فكل رسول كانت له معجزة وكتاب ومنهج .. معجزة موسى عليه الصلاة والسلام العصا .. ومنهجه التوراة .. معجزة عيسى عليه الصلاة والسلام الطب .. ومنهجه الإنجيل ..

لكن رسول الله عليه الصلاة والسلام معجزته هي عين منهجه .. ليظل المنهج محروساً بالمعجزة وتظل المعجزة محروسة بالمنهج .. وهنا فقد كانت الكتب السابقة في نطاق التكليف .. بمعنى أن الله سبحانه وتعالى يكلف عباده بالمحافظة على هذه الكتابة ..

ماذا حدث عندما كلف الله عباده بالمحافظة على هذه الكتب ؟ .. نسوا حظاً مما ذكروا به .. أي أنهم نسوا ما ذكرهم الله سبحانه وتعالى به .. وما لم ينسوه حرقوهه .. ولووا ألسنتهم به .. وما لم يلووا ألسنتهم به زادوا عليه وجاءوا بأشياء من عندهم وقالوا إنها من عند الله ليشتروا بها ثمناً قليلاً ..

إذن فتكليف الله سبحانه وتعالى لعباده أن يحافظوا على الكتب السابقة .. ادخلوا فيها هوى النفس وأخضعوها للتحريف ..

لكن عندما أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن قال :

" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) " سورة الحجر

لماذا .. أولا : لأن القرآن معجزة .. وكونه معجزة لا بد أن يبقى بهذا النص وإلا ضاع الإعجاز ..

وثانياً : لأن الله جرب عباده في الحفاظ على الكتب السابقة فلم يحفظوها وحرفوها ..

وهنا نلاحظ شيئاً هاماً يبين لنا أن معجزة القرآن محفوظة من الله سبحانه وتعالى .. لو أخذنا خطين .. خط تطبيق القرآن والعمل بتعاليمه .. وخط المحافظة علي القرآن ..

نرى أن تطبيق القرآن والعمل به كلما مر الزمن قل وضعف .. أما المحافظة على القرآن .. فكلما مر الزمن زاد بشكل عجيب ..

حتى أنك ترى القرآن الآن في كل مكتب .. وفي السيارة .. وعلى صدور السيدات .. وفي المنازل .. وفي كل مكان .. وتجد تجميلاً في القرآن من أناس لا يؤمنون به .. فترى رجلاً ألمانياً .. مثلا يكتب القرآن كله في صفحة واحدة .. ويخرجه بشكل جميل وهو ربما لم يقرأن القرآن في حياته .. وتجد اليابان مثلاُ تتفنن في طبع المصاحف الجميلة .. فإذا سألت لماذا لا يفعلون ذلك في الكتب الأخرى ؟

نقول لك أنهم مسخرون لذلك .. لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يحفظ القرآن .. وكل هذا الحفظ الذي تراه هو من عمل الله .. وليس من عمل الإنسان .. وأنت حين ترى القرآن في مكتب أو سيارة أو منزل وتسأل صاحب المنزل أو السيارة .. او المكتب هل تعمل بهذا القرآن .. هل تؤدي الصلاة كما يجب ؟ يقول لك لا ؟ ..

إذن لماذا تحتفظ بالقرآن في منزلك دون أن تعمل به ؟.. فلا يستيطع أن يجيب أو يقول لك أنه بركة ..

ومن هنا فإن غفلتنا عن تعاليم القرآن كسلوك في الحياة لا تتمشى مع ازدياد الحفاظ على القرآن الكريم .. أحياناً تجد غير المسلم يحافظ على القرآن ويحمله .. وأحياناً تجد من لا يطبق القرآن يقتني أكبر عدد من المصاحف ..

ومن هنا فإن الله سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا ان الذي يحفظ القرآن هو الله .. وأنه كلما نقص خط العمل بالقرآن ازداد خط الحفاظ عليه لأن العباد هم المكلفون بالعمل .. ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي يحفظه ..


ننتقل بعد ذلك إلى نقطة ثانية وهي أن القرآن نزل رحمة للعالمين أو للعالم أجمع .. وهذه إحدى معجزات القرآن .. فقد كان الله سبحانه وتعالى يرسل الرسل المتلفة إلى المجتمعات المختلفة لتعالج الداءات وتهدي الناس إلى سبيل الله ...

وكان لكل مجمع داء يختص به دون سائر المجتمعات البشرية .. لذلك اقتضى الأمر أن يأتي رسول ليعالج داءات هذا المجتمع .. بل أن الله سبحانه وتعالى أرسل أكثر من رسول في وقت واحد لمعالجة داءات مختلفة .. فإبراهيم عليه الصلاة والسلام .. ولوط رسلاً في وقت واحد .. لماذا ؟

لأن المجتمعات في ذلك الوقت كانت مجتمعات منعزلة لا يعرف بعضها عن بعض شيئاً .. وذلك بسبب سوء المواصلات وعدم وجود التقدم العملي الذي يتيح سرعة الاتصال بين هذه المجتمعات ..

بل أن هذه المجتمعات كانت تعيش وتفني دون أن يدري مجتمع منها عن الآخر شيئاً .. كما أن الداءات في هذه المجتمعات كانت مختلفة .. فمنهم كان لا يوفي الكيل والميزان .. ومنهم من كان يعبد الأصنام .. ومنهم من كان يفسد في الأرض ..

ولكن بعد أن تقدم العمل أصبح العالم كله مجتمعاً واحداً .. يحدث شيء في أمريكا .. وبعد دقائق تجده في مصر .. ويحدث شيء في اليابان .. وبعد ساعات تجده في أوروبا ..

إذن الاتصالات أصبحت سهلة وميسرة .. والعالم كله اقترب من أن يصبح وحدة واحدة .. ومع تعدد الاتصالات وسهولتها توحدت الدائات .. فأصبح ما يشكو منه بلد تشكو منه معظم البلاد الأخرى .. فكان لا بد من وحدة العلاج ..


فمثلاُ الدعاية للكفر والشيوعية داء استشرى في كل أنحاء العالم .. ولم يترك دولة دون أخرى .. النظام المالي والربا تجده في الدنيا كلها .. أكل المال بالباطل والسرقة داء استشرى في معظم دول العالم .. إذن الداءات أصحبت واحدة .. وهذا يقتضي وحدة العلاج ..

ومن هنا جاء الدين الإسلامي للعالمين .. أي للدنيا كلها ... لأن وحدة الداء تقتضي وحدة العلاج .. وهذا من معجزات القرآن الكريم ..

فإن الله وضع وحدة العلاج قبل أن تتحقق وحدة الداء فسبق بذلك علم البشر ..



وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2021, 09:02 PM   #8
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


القرآن حدد مصدر العلم للبشر ..

فرق آخر بين معجزة القرآن والمعجزات الأخرى .. هو أنه حدد مصدر العلم البشري .. وروى لنا كيف يتعلم الإنسان .. فقال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز .. في سورة البقرة :

" وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا (31) . "

ومن هنا حدد مداخل العلم إلى البشر .. فأنت حين تريد أن تعمل طفلك .. تبدأ بتعليمه الأسماء .. فاللغة هي وسيلة للتفاهم بين البشر .. فهذا الإنسان الذي خلقه الله .. والذي عمر الأرض .. وأقام كل ما نشاهده من مدنية وحضارة ...

كان يجب أن تكون هناك وسيلة للتفاهم بين البشر .. فبدون وجود وسيلة لا يمكن أن تقوم حضارة أو يتم تعايش حقيقي .. أو ينتقل العلم من جيل إلى جيل ليتقدم كل جيل ويأخذ حظه من المعرفة عن الجيل الذي سبقه .. ويضيف إليه .. وكانت هذه الوسيلة هي اللغة أو الكلمة التي تسمعها الآن ويتكلم بها اللسان ..


وإذا ولد الإنسان أصم لا يسمع فانه لا ينطق .. وأمامنا الأمثلة في العالم أجمع .. على أن أي إنسان لا يسمع لا يستطيع أن ينطق .. إذن فليست اللغة هي فصيلة دم ولا بيئة .. ولا جنساُ .. ولا وراثة .. ولا تعتمد على بشر معين ..وإنما ما نسمعه نتكلم به ..

فلو انني أتيت بإنسان فرنسي أو هولندي .. أو إفريقي .. أو من أي جنسية في العالم .. أتيت به كطفل رضيع .. وتركته في بيئة لا تتكلم إلا اللغة العربية .. فإنه سيتكلم لغة البيئة التي عاشها .. بصرف النظر عن جنسيتة ..

ولو انني أتيت بإنسان عربي ووضعته في بيئة لا تتكلم العربية لصعب عليه بعد ذلك أن يتحدث باللغة العربية ..

إذن ما تسمعه الإذن يحكيه اللسان .. فلا جدوى من النطق بألفاظ إلا إذا كانت معانيها قد شرحت أولا والأصل ان يوجد الشيء ثم يوضع له اسم .. فأنت مثلاُ لا تستطيع أن تطلق لقب كوب إلا إذا وجد الكوب أولا .. وإلا فالكلمة ليس لها معنى ..

نعود إلى معجزة القرآن .. والقرآن كلام الله .. والكلام هو أساس الحضارة .. وأساس العلم الذي نزل من الله إلى الإنسان .. فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز ..

" وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا (31) . "


ونحن الآن حين نريد أن نعلم طفلاً أن يتكلم فلا بد أن نبدأ بأن نعلمه الأسماء أولا .. ولا نبدأ بأن نعلمه الأحداث .. بل نبدأ ونقول له هذا قلم .. وهذه كراسة .. وهذا أسد .. وهذا كوب .. وهذا طعام .. وهذا طريق .. وهذا نور .... وهذا ظلام ..

إذن نحن نعلمه الأسماء أولا .. فإذا ما تعلم الأسماء أصبح يستطيع بعد ذلك أن يتعلم وأن يتكلم ذلك لأننا لا نعلم الطفل الأسماء في المدرسة فقط .. بل نحن نعمله بالفطرة ..

الطفل المتعلم والجاهل يتعلم الأسماء .. فالأم تعلم الطفل الذي لا يذهب إلى المدرسة .. والمدرسة تعلم الطفل الذي يذهب المدرسة .. ولكن الاثنين لكي يستطيعا التفاهم في الحياة يجب أن يتعلما الأسماء أولا ..

فنجد أن الطفل الجاهل والمتعلم يعلم معنى الأسماء .. فهو يعلم معنى كلمة طريق .. أو كوب .. أو أسد .. أو نعامة أو إلى آخره .. لا فرق بين جاهل ومتعلم .. لأن هذا هو مدخل التفاهم بين البشر .. وأساس هذا التفاهم كما وضعه الله سبحانه وتعالى حين

" وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء "

فأصبحت هي الأساس في العالم أجمع ..

والآن وبعد أربعة عشر قرناً نجد أن أساس العلم في الدول المتقدمة .. والدول غير المتقدمة هو الأسماء .. بل ان الدول المتقدمة لسرعة تعليم الأسماء باعتبارها أساس التفاهم في الحياة .. تأتي بصور لتعلم الأطفال الأسماء دون أن تضيع الوقت بتعليم الحروف الأبجدية ... ويستطيع الطفل أن يتعلم أي شيء آخر .. بعد ذلك ..




وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-06-2021, 08:48 PM   #9
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


القرآن منهج الحياة ..

معجزة القرآن تختلف أيضاً عن معجزات الرسل الأخرى .. أنه لا توجد قضية تمس حياة البشر إلا ويوجد في منهج الله سبحانه وتعالى ما يعالج هذه القضية .. نحن نقول يعالج .. لأن التشريعات عندما تأتي تعالج واقعاً موجوداً في المجتمع وفساداً انتشر ..


ومن هنا فإن القرآن قد تعرض لقضايا الكون جميعها وأوجد لها العلاج .. وأوجد لها الشفاء والذي يدعيه البعض أن منهج الله لا يعالج قضايا العصر .. دليل على أنهم لم يدرسوا هذا المنهج .. ولم يتعمقوا فيه .. فما من قضية أساسية في المجتمع إلا وعالجها القرآن الكريم .. ولكن هنا يقع بعضاً للبس ..

فقد يقول بعض الناس : أن القرآن مثلاً لا يعالج قضايا زيادة إنتاج الأرض أو الاختراعات الحديثة إلى آخر هذا الكلام .. والذي يجب أن يعرفه الناس جمعياً أن القرآن هو منهج عبادة .. ولكنه حينما يأتي ليعالج .. لا يعالج الخصوصيات .. وإنما يضع المبدأ ..

فهو حين يطلب منا أن ننقب الأرض ونبحث عن آيات الله .. وأن نتعلم في أمور الدنيا وأن نعمل وننتج .. ونعمر الأرض انما هو يطلب منا لو اتبعناه لاستطعنا أن نصل إلى أكبر تقدم يمكن أن يحققه البشر..

إذن المبدأ موجود في ضرورة البحث في الكون .. ومواصلة البحث والدراسة .. ومن يبحث ويدرس وفي قلبه إيمان بالله . وشعور بعظمة الله وقدرته يستطيع أن يحقق الكثير .. والكثير جداً ..

المبدأ هو أن نزرع ونعمر ونكشف عن آيات الله فيها .. فإذا تقاعسنا عن هذا كله .. وإذا لم نفعل ذلك فلا يمكن أن نستغرب .. أو أن نتعجب لأن غيرنا من الأمم قد تقدم علينا .. فنحن تركنا منهج الله في العمل .. فلا بد أن يتركنا قانون الله في النتيجة .. وهذا هو جمال الله في الحياة . فلا يمكن أبداً أن يكون هناك جمال في الحياة ..

إذا كان هناك الطالب المتعلم .. والطالب الذي لا يقرا كتاباً في حياته كلاهما ينجح .. ولا يمكن أن يكون هناك جمال في الحياة إذا كان الإنسان الذي يحرث الأرض ويعتني بها ويسقيها ويعالجها من الآفات .. والإنسان الذي يترك الأرض ولا يعمل فيها شيئاً بل يهملها تماماً .. كلاهما يجني نفس المحصول ..

إذا حدث هذا فإن الجمال في الحياة نختفي ويصبح كل شيء قبيحاً فلا تجد طالباً ينبغ ولا عالماً يخترع .. ولا إنساناً يضيف إلى الحياة شيئاً .. ولا مدينة تبني ما دام من يعمل ومن لا يعمل سيحصلان على نفس النتيجة .. ويحققان نفس الشيء .. ولكن الجمال في الحياة في تناسب النتيجة مع العمل .. وعن هذا يتحدث القرآن في الدنيا والآخرة ..

وبذلك نكون قد عددنا أوجه الخلاف في معجزة القرآن عن معجزات الرسل الأخرى .. فالقرآن عطاء لكل جيل يختلف عن عطائه للجيل السابق .. والقرآن للعالمين .. أي للدنيا كلها .. وليس لقوم محددين والقرآن يحوي الحقائق الأساسية في الكون كله .. ويأتي بها واضحة في الفاظ تنسجم مع قدرة العقول التي عاشت وقت نزول القرآن .. وقدرة العقول في كل جيل بعد ذلك .. فالقرآن يعطي لكل عقل حجمه ..

ومعجزة القرآن تختلف أيضاً في أن الله يحفظ كتابه .. أما معجزات الرسل السابقة .. فقد كلف الله البشر بحفظها فحرفوها ونسوا ما ذكروا به .. واضافوا اليها .. ولكن الله سبحانه وتعالى حفظ القرآن من أن يحدث فيه أي تبديل أو تغيير .. كما أن القرآن كلام الله الذي بدأه مع آدم .. والذي هو أساس العلم البشري كله ..

ولكن القرآن جاء يتحدى العرب في اللغة ..وفي البلاغة ..وذلك ما سنتحدث عنه فيما بعد ...




وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-21-2021, 08:37 PM   #10
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


المعجزة اللغوية في القرآن الكريم


القرآن كلام الله سبحانه وتعالى .. وما دام كلام الله فيجب أن يكون معجزاً .. لأن قائله وهو الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء .. ولقد أذهلت بلاغة القرآن عند نزوله .. العرب .. وهم أساتذة البلاغة في ذلك الوقت .. وبهتوا لما فيه ما إعجاز .. ومن بلاغة ..

وقال بعض العرب في ذلك الوقت أن أساتذة البلاغة قادرون أن يأتوا بمثل هذا الأسلوب .. ولكنهم صرفوا من الله على أن يأتوا به .. وهذا القول هو إثبات بأن القرآن هو كلام الله سبحانه وتعالى ..

فلو أنه ليس كلام الله لما صرف الله العرب عنه أن يأتوا بمثله .. وأثبتوا أن إعجاز القرآن الكريم موجود .. ولكنهم جعلوا هذا الإعجاز بالقدرة .. أي أن قدرة الله سبحانه وتعالى قد صرفتهم عن أن يأتوا بمثله .. وكان هدفهم أن ينفوا الإعجاز عن ذاتية القرآن .. في أن بشراً لا يستطيع أن يأتي بمثله .. وبهذا النقي الذي أرادوه أعطوا للقرآن معجزة أخرى .. وهي معجزة القدرة ..


على إن إعجاز القرآن يجب أن ننظر إليه من الدائرة الاولى التي استقبلته ... وهي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فالمنطقي والطبيعي ما دام القرآن كلام الله سبحانه وتعالى .. يكون أبلغ الكلام ويكون فيه معجزة .. وبلاغة القرآن لها عناصر لا بد أن تتوافر فيها .. فالبلاغة هي مطابقة الكلام بمقتضى الحال .. ومقتضى حال المخاطب بالذات ..

ولكن العجيب أن القرآن في هذه الناحية .. وهي مطابقة الكلام بمقتضى الحال .. فيه معجزة كبرى .. فأحوال الناس متعددة .. متغيرة .. وأنت حين تخاطب إنساناً إذا لم تعرف ما في نسفه .. فإنك لا تستطيع أن تصل إلى أعماقه .. ومخاطبتك لرئيس الدولة .. مثلاً .. أو الأمير .. تختلف في أسلوبها عن مخاطبتك لزوجتك وأولادك .. وكل ذلك يختلف عن مخاطبتك لرئيسك في العمل .. أو لمرؤوسيك .. إلى آخر النوعيات التي تخاطبها ..

بل أن الأمر يمتد أكثر من ذلك إلى الحالة النفسية التي فيها المخاطب .. فإنسان غاضب في قمة غضبه لا يمكن أن تخاطبه بنفس الأسلوب .. وبنفس الطريقة التي تخاطب هذا الشخص ذاته بها عندما يكون في حالة نفسية سعيدة .. هذا له كلام .. وهذا له كلام آخر .. مخاطبة الإنسان الغاضب لها طريقة .. ومخاطبة الإنسان الذي هو في حالة نفسية سعيدة لها طريقة أخرى ..

ولكن إعجاز القرآن يأتي في أنه يحيط بالحالات النفسية للمخاطبين جميعاً.. الغني منهم والفقير .. التعيس منهم والسعيد .. الخادم منهم والسيد .. أنه يخاطبهم جميعاً .. ويخاطبهم في حالاتهم النفسية كلها ..

فالإنسان الغاضب إذا سمع القرآن هدأت نفسه .. والإنسان السعيد إذا سمع القرآن اهتز في داخل نفسه .. وزادت سعادته .. والأمير .. والخادم .. والمثقف .. وغير المتعلم .. وهؤلاء جميعاً الذي لا يمكن أن يجتمعوا على أي مستوى .. ولا أن تتوحد عقلياتهم .. بحيث يكلمهم متحدث واحد .. وفي نفس الموضوع فيفهمونه ..

تراهم في الصلاة .. وقد اجتمعوا في المسجد .. وجلسوا معاً .. ويتلى القرآن فيهز قلوبهم جميعاً .. رغم اختلاف الثقافة والبيئة والحالة النفسية .. والحالة الاجتماعية وكل شيء اختلافاً بيناً ..


ومن هنا كان الإعجاز الأول في بلاغة القرآن .. أنه يحيط بعلم حالات أفراد متعددين .. من أجناس مختلفة .. وشعوب مختلفة .. ثقافات مختلفة . ولغات مختلفة .. وبيئات مختلفة .. لم يخاطبهم بما يهز وجدانهم ومشاعرهم .. ويؤثر في عواطفهم ..


فإذا سألت أحدهم ما الذي أعجبك في القرآن .. فإنه غالباً لا يستطيع أن يعطيك جواباً شافياً .. وإنما سيعطيك كل واجد منهم جواباً مختلفاً .. وذلك يدل على أن الإعجاز واصل إلى قلبه .. متغلغل في نفسه .. بما لا يستطيع هو أن يصفه الوصف الكامل ..


أي أن القرآن يخاطب في النفس البشرية أحاسيس وملكات لا يعلمها إلا خالقه .. وهذه الملكات لو عرفناها لعرفنا لماذا نتأثر بأسلوب القرآن .. ولكننا نظل نبحث ونحوم حول الآيات التي أعطيت القرآن هذه البلاغة .. ثم يعد ذلك لا نجد جواباً شافياً ..

إذ أن الله سبحانه وتعالى يخاطب في النفس البشرية ملكات هو خالقها .. وأن هذه الملكات تتأثر بكلام الله سبحانه وتعالى .. وتهتز له دون فارق من فوارق الدنيا .. أو من الفوارق التي وضعتها الحياة الدنيا بين الناس ..


ولذلك كان أخشى ما يخشاه الكفار أن يستمع الناس إلى القرآن .. ولو كانوا غير مؤمنين .. فقد كان القرآن بمخاطبته لملكات كل نفس يهزها هزاً عنيفاً .. ويجعلها تتأثر به .. حتى أن الوليد بن المغيرة حين استمع إلى القرآن قال :

" إن له لحلاوة .. وإن عليه لطلاوة .. وإن أعلاه لمثمر .. وإن أسفله لمغدق .. وأنه يعلوا ولا يعلى عليه . "


وهكذا تأثر به دون إيمان .. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين دخل بيت صهره بعد أن علم بإسلام اخته وزوجها كان ناويا الشر .. وما أن استمع إلى آيات من القرآن حتى هدأت نفسه وانشرح صدره للإسلام .... لماذا ؟ ..

لأن كلام الله سبحانه وتعالى قد خاطب ملكة في نفسه .. وهو في غاية الضيق والحمق .. وينوي الشر ... وخاطب هذه النفس .. نفس عمر بن الخطاب وهي في هذه الحالة من الغضب الشديد بنفس الكلام الذي يخاطب به المؤمنين .. وهم في حالة انسجام وسعادة شديدة لقربهم إلى الله سبحانه وتعالى ...

وإذا بالآيات .. نفس الآيات التي تدخل السعادة إلى نفس قريبة من الله قد أدخلت الهدوء والانسجام على نفس لم تكن قد آمنت .. وأصابت في نفس الوقت نفوساً سعيدة وهي نفوس المؤمنين .. فجعلتها تزداد سعادة ... وتنشرح للإسلام ..
ونفساً غاضبة تنوي الشر لم تصل إلى الإيمان بعد .. فهدأتها وجعلتها سعيدة .. وانشرح الصدر للإيمان ... مع أن الكلام واحد ... وفرق كبير بين حالة المخاطب في الحالتين .. ومع ذلك ولأن القائل هو الله سبحانه وتعالى .. وهو العالم بالنفس البشرية التي خلقها .. فقد كان كلامه مناسباً لكل حالات المخاطب مهما اختلفت هذه الحالات .. مع أنه نفس الكلام .


إذن فهناك في النفس ملكات خفية عن الإنسان ... لا يعرف سرها إلا الله سبحانه وتعالى ... ويقوم الله بمخاطبة البر على اختلاف أحوالهم .. فتهتز هذه الملكات .. وتتأثر وينسجم الإنسان معها دون أن يعرف السر ...


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:18 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir