العودة   منتدى زين فور يو > ღ◐ منتديات زين فور يو العامة ◑ღ > منتدى خاص بالاثرم
 
 
إنشاء موضوع جديد إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-17-2020, 11:06 PM   #1
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي أسئلة ذا شقين يدور الأول منها حول الديانة المسيحية ويدور الثاني حول الديانة الإسلامية



هذه أسئلة ذا شقين .. يدور الأول منها حول الديانة المسيحية .. ويدور الثاني حول الديانة الإسلامية وهذه هي الأسئلة الديانة المسيحية:


** الديانة المسيحية ..


1- هل يؤيد القرآن المسيح والإنجيل ؟


2- النسخ والتحريف في الإنجيل كيف تم كما يزعم المسلمون ؟ .. وهل يحتفظ المسلمون بأصل الإنجيل ؟


3- الخمر محرم في القرآن ولكنه غير محرم في الإنجيل فكيف تفسرون ذلك ؟ .. وهل هناك آية في القرآن الكريم تحرم الخمر ؟


4- هل يؤمن المسلمون برسل المسيح الذين اختارهم وأوكل إليهم مهمة التبشير لجميع الأمم كما ذكر في الإنجيل ؟


5- هل يؤيد القرآن الكريم الروح القدس ؟
6- حسب ما جاء في الإنجيل أن المسيح عليه الصلاة والسلام صلب ومات ودفن ثم قام من بين الأموات في اليوم الثالث .. فماذا جاء في القرآن فيما يختص بهذا القول ؟


7- ورد في الإنجيل أن المسيح ابن الله .. فما رأي القرآن الكريم ؟


8- هل يؤد القرآن الكريم الأقانيم الثلاثة .. الآب والابن والروح القدس حسب ما جاء في الإنجيل ؟


9- ما هي مكانة مريم العذراء لدى المسلمين كأم المسيح عليه الصلاة والسلام ؟



** الدين الإسلامي ..


1- محمد صلى الله عليه وسلم كيف كانت حياته ونزول القرآن عليه ؟


2- كيف نقنع المشككين بأنه خاتم الأنبياء كما جاء في القرآن الكريم فقط ؟
3- هل استعمل السيف في فجر الإسلام لإخضاع الكفار للدخول في الإسلام ؟ .. وهل كان ذلك في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أم في عهد الخلفاء الراشدين ؟


4- ما رأي المسلمين في إخوتهم العلماء الذي قاموا بتفسير القرآن حسب آرائهم مما أدي في ذلك إلى تكوين طوائف مختلفة .. وما حقيقة هذه الطوائف ؟

5- يتزوج المسلمون بأكثر من امرأة .. فهل هناك آية في القرآن توضح ذلك .. وما هي الأسباب التي دعت النبي عليه الصلاة والسلام يتزوج بأكثر من أربع ؟


6- لماذا يحرم القرآن لحم الخنزير ؟ .. وهل هناك آية تحرم ذلك ؟
7- هل يؤيد القرآن أن المسيح عليه السلام مرسل لبني إسرائيل فقط ؟


8- نلاحظ في القرآن أن هناك آيات تنسخ آيات مثل في سورة الكافرون :


" قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لا أعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} ولا أَنتُمْ عَابِدُونَ ما أَعْبُدُ {3} ولا أَنَا عَابِدٌ ما عَبَدتُّمْ {4} ولا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {5} لكُمْ دِينُكُمْ ولِيَ دِينِ {6} "


فما رأي المسلمين في هذا التناقض ؟

9- ما هي نظرة المسلم لغير المسلم فيما يختص بالمعاملات الاجتماعية المختلفة ؟
10- لماذا تمنع السلطات السعودية دخول المسحيين في الأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية





أعوذ بالله من الشيطان الرجيم


وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141) "


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-23-2020, 08:06 PM   #2
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

رأيت ان أعيد تنظيم الخريطة لتكون هي الخريطة التي تؤدي بنا إلى مجموعة من الدراسات لأننا لسنا في حاجة إلى مواعظ ولسنا في حاجة إلى خطب رنانة وعلى جيوش الخطباء أن يوفروا جهودهم إننا في حاجة إلى دراسة علمية موضوعية هادئة وهادفة نعرف فيها الحق ونعرف فيها الطريق المستقيم حتى نسلكه جمعيا صفاً واحدا .. وعليكم أن تصبروا علي لأن جهالات عصور كاملة ينبغي أن تمحى وهي ليست متعة صيد أو فسحة وإنما هي دارسة ديانات كاملة والديانات لا تدرس في رحلة ولا تدرس في جلسة واحدة وإنما تدرس دراسات متأنية عبر النصوص المقدسة عند الطرفين ولسوف يكون تنظيم خريطة العمل على الوجه التالي :


سيكون الحديث حول قضية قانونية الأناجيل .. ولقد جاء حولها أسئلة منها السؤال القائل بالنسخ والتحريف في الإنجيل كيف تم كما يزعم المسلمون ؟ .. وهل يحتفظ المسلمون بأصل الإنجيل ؟ أود ان أشير قبل أن أبدا إلى نقطتين الأولى : أن أبدأ بالإجابة على الأسئلة النصرانية أولا .. لأن دراسة النصرانية يجب أن تسبق دراسة الإسلام .. وأما الثانية : فهي ألا أكتفي على هذين السؤالين الخاصين بالنسخ والتحريف .. وإنما هناك موضوعات أخرى مرتبطة بهما يجب الاهتمام بها .. كقصة كتابة الأناجيل وكيف قبل بعضها وصار قانونياً مثل الأناجيل الأربعة وكيف رفض أكثريتها ولماذا ؟

وما هي موضوعات التآلف أو الاختلافات بين هذه الأناجيل القانونية ؟ .. ثم ما هو موقف بقية أسفار العهد الجديد وقيمتها العقائدية .. وكيف تكوَّن العهد الجديد القانوني ؟

كل هذا وما يرتبط به وهو كثير وكثير .. والله أسأل أن يهدينا إلى الحق فأنه لا يهدي إلى الحق إلا هو .. وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه .. وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ..

هذه الأسئلة والاستفسارات عما في المسيحية والإسلام من أمور يتفق عليها وأخرى يختلف فيها ولا تزال موضع جدل بين المسيحيين والمسلمين ..

** والسؤال البديهي .. من أين يستقي الناس عقائدهم ؟ من المتفق عليه أن العقائد الدينية تستقي من الكتب المقدسة من أجل ذلك فإن المنطق يقضي بدراسة الكتب المقدسة أولا قبل أن نناقش العقائد المستخرجة منها .. ولا شك أن من أهم الدراسات لتلك الكتب هي الدراسات التي يقوم بها علماء تلك الديانة ..


ولهذا أعرض الآن خلاصة لبعض ما انتهى إليه علماء النصرانية في دراستهم للأسفار المقدسة تحت عنوان ( حديث عن أسفار العهد الجديد ) وهو يماثل تماماً التقرير الذي يتلقاه من يهمه الأمر ..

بعد ذلك أعرض حديثاً بعنوان ( نظرة في أسفار العهد الجديد ) يسمح لكل قارئ مهما كانت ثقافته أن يطلع بنفسه على حقيقة ما في هذه الأسفار وعلى الأسباب التي جعلت كثيراً من علماء النصرانية يقررون ما سوف نعرضه عند الحديث عن أسفار العهد الجديد ..


*** وبهذا تكتمل الصورة اليقينية لكل باحث عن الحقيقة .. ومن حقه أن يطلب ذلك .. لأن لسان حال الإنسان الصادق مع نفسه دائماً يقول :

أريد أن أعرف .. وأن أتدبر .. وأتحقق .. ليطمئن قلبي ..

إذن أيها الأخوة والأخوات فإن النقاط المختصرة التي سأكتبها حالياً لا تمثل كلام مسلم في النصرانية .. وإنما تمثل خلاصة كلام علماء النصرانية ..
أما حديث المسلم .. فإنما سيكون في النهاية حين نصل إلى تعليق أو توضيح أو ربط ..

ومن المناسب هنا أن أذكر الأسماء العربية لأهم المراجع المسيحية ومؤلفيها .. ونبذة يسيرة للتعرف بهم .. بحيث لا نحتاج بعد ذلك إلا لذكر اسم المصدر ورقم الصفحة فقط ..


المراجع الأجنبية ..

1- اسم الكتاب الأناجيل ... المؤلف : الدراسات اللاهوتية بمعهد اللاهوت الاتحادي بنيويورك ..

2- اسم الكتاب إنجيل مرقس ... المؤلف : دنيس نينهام – أستاذ اللاهوت بجامعة لندن ورئيس تحرير سلسلة بليكان لتفسير الإنجيل .

3- اسم الكتاب : تفسير إنجيل متى .. المؤلف : جون فنتون – عميد كلية اللاهوت بانجلترا .

4- اسم الكتاب : تفسير إنجيل لوقا ... المؤلف جورج كيرد .

5- اسم الكتاب : تفسير إنجيل يوحنا ... المؤلف : جون مارش – عميد كلية مانسفيلد باكسفورد وعضو اللجنة المركزية لمجلس الكنائس العالمي ..

6- اسم الكتاب : تاريخ العقيدة .. المؤلف : أدولف هرنك – أستاذ تأريخ الكنيسة بجامعة برلين ..

7- اسم الكتاب : كتابات مقدسة .. المؤلف : جنتر لانسزكد منسكي – محاضر في تأريخ العقائد بجامعة هيدلبرج الألمانية ..

8- اسم الكتاب : دائرة المعارف الأمريكية .. طبعة سنة 1959م ..

9- اسم الكتاب : دائرة المعارف البريطانية .. طبعة سنة 1960م ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم


التعديل الأخير تم بواسطة AL-ATHRAM ; 01-23-2020 الساعة 08:10 PM
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-31-2020, 09:01 PM   #3
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


حديث عن أسفار العهد الجديد

قانونية الأناجيل




1ـ إن المسيحيين الأوائل لم يكونوا يعتقدون أن كتبهم المقدسة تكوّن عهداً جديداً يتميز عن العهد القديم .. وعندما ظهرت أولى الكتابات المسيحية .. فقد كان ينظر إليها جميعاً باعتبارها اضافات أو ملحق لما في أسفار الناموس والانبياء .. كانت تقرأ اسبوعياً في المعبد اليهودي والكنيسة المسيحية .. إن العهد الجديد كتاب غير متجانس .. ذلك أنه شتات مجمّع .. فهو لا يمثل وجهة نظر واحدة تسوده من أوله إلى آخره لكنه في الواقع يمثل وجهات نظر مختلفة (فريدريك جرانت ص 12 , 17)

2 - وفي فترة المائة والخمسين عاماً الأخيرة تحقق العلماء أن الأناجيل الثلاثة الأولى تختلف عن إنجيل يوحنا أسلوباً ومضموناً .. إن إنجيل يوحنا يختلف اختلافاً بيناً عن الثلاثة المتشابهة (متى ومرقس ولوقا) فهو لا يذكر أي شيء عن رواية الميلاد .. وبالنسبة للروايات التي تحكي نشاط يسوع الجماهيري فإنه توجد اختلافات في الزمان والمكان إذا قورنت بنظيرتها الأناجيل المتشابهة .. وان التاريخ المضبوط الذي تحددت فيه قانونية أسفار العهد الجديد غير مؤكد (جنتر لانسزكوفسكي ص 32-36) ..

3 ـ إن هناك مشكلة هامة وصعبة تنجم عن التناقض الذي يظهر في نواح كثيرة بين الإنجيل الرابع والثلاثة المتشابهة .. إن الاختلاف بينهم عظيم لدرجة أنه لو قبلت الأناجيل المتشابهة باعتبارها صحيحة وموثوقاً بها فإن ما يترتب على ذلك هو عدم صحة إنجيل يوحنا .. (دائرة المعارف الأمريكية : ج 13 - ص 73)

4 – " ليس لدينا أية معرفة مؤكدة بالنسبة للكيفية التي تشكلت بموجبها قانونية الأناجيل الأربعة .. ولا بالمكان الذي تقرر فيه ذلك ..

تحريف الأناجيل :

وبالنسبة لموضوع التحريف وإدخال كلمات في النص أو استخراجها منه نقرأ الآتي :

أما موقف الأناجيل فعلى العكس من رسائل بولس .. إذ ان التغييرات الهامة قد حدثت عن قصد .. مثل إدخال أو إضافة فقرات بأكملها .. " (دائرة المعارف البريطانية : ج 2 - ص 519-521) ..
5- إن نصوص جميع هذه المخطوطات (للعهد الجديد) تختلف اختلافاً كبيراً ولا يمكننا الاعتقاد بأن أياً منها قد نجا من الخطأ .. ومهما كان الناسخ حي الضمير فإنه ارتكب أخطاء .. وهذه الأخطاء بقيت في كل النسخ التي نقلت عن نسخته الأصلية .. إن أغلب النسخ الموجودة من جميع الأحجام قد تعرضت لتغييرات أخرى على أيدي المصححين الذين لم يكن عملهم دائماً إعادة القراءة الصحيحة . ( جورج كيرد : ص 32)


*** ونذهب الآن لدراسة الصورة العامة للأناجيل وهذا الذي أقوله لا يزال قول علماء المسيحية :

*** إن القول بأن متى ولوقا استخدما إنجيل مرقس أصبح على وجه العموم مسلماً به .. ولكن بجانب إنجيل مرقس فلا بد أنهما استخدما وثيقة أخرى يشار إليها الآن بالحرف q والذي يرمز إلى كلمة المصدر .. كما استخرجت من الكلمة الألمانية التي تعطي هذا المعنى (دائرة المعارف البريطانية ج 2 -ص 523) ..



1- إنجيل مرقس :

1- يقول بابياس (حوالي عام 135 م) : " في الواقع ان مرقس الذي كان ترجماناً لبطرس قد كتب بالقدر الكافي من الدقة التي سمحت بها ذاكرته ما قيل عن أعمال يسوع وأقواله ولكن دون مراعاة للنظام "

( ونلاحظ أن مرقس هذا هو كاتب أقدم الأناجيل الذي اعتمد عليه كل من متى ولوقا ) ولقد حدث ذلك لأن مرقس لم يكن قد سمع يسوع ولا كان تابعاً شخصياً له .. لكنه في مرحلة متأخرة كما قلت أنا ( بابياس ) من قبل قد تبع بطرس .. ويتفق مع قول بابياس هذا ما اقتبسه أيـرنيوس في قوله :

"بعد موت بطرس وبولس فإن مرقس تلميذ بطرس وترجمانه سلم إلينا كتابة ما صرح به بطرس " ( فريدريك جرانت : ص 73، 74)

2- لم يوجد أحد بهذا الاسم (مرقس) عرف أنه كان على صلة وثيقة وعلاقة خاصة ( بيسوع ) أو كانت له شهرة خاصة في الكنيسة الأولى .. ومن غير المؤكد صحة القول المأثور الذي يحدد مرقس كاتب الإنجيل بأنه يوحنا مرقس المذكور في ( أعمال الرسل 12: 12, 25 ) .. أو أنه مرقس المذكور في رسالة بطرس الأولى (5:13) أو أنه مرقس المذكور في رسائل بولس : كولوسي (10:4) 2 تيموثاوس (4: 11) , فليمون 24 ..

لقد كان من عادة الكنيسة الأولى أن تفترض أن جميع الأحداث التي ترتبط باسم فرد ورد ذكره في العهد الجديد إنما ترجع جميعها له لشخص واحد له هذا الاسم .. ولكن عندما نتذكر أن اسم مرقس كان أكثر الأسماء اللاتينية شيوعاً في الإمبراطورية الرومانية فعندئذ نتحقق من مقدار الشك في تحديد الشخصية في هذه الحالة " (دنيس نينهام : ص 39 )

3- بالنسبة لتاريخ كتابة هذا الإنجيل :

" فإنه غالباً ما يحدد في الجزء المبكر من الفترة (65- 75) .. وغالباً في عام 65 م أو عام 66 م .. ويعتقد كثير من العلماء أن ما كتبه مرقس في ( الإصحاح 13 ) .. قد سطر بعد عام 70م ) وأما عن مكان الكتابة : " فإن المأثورات المسيحية الأولى لا تسعفنا .. إن كليمنت السكندري وأوريجين يقولان روما بينما يقول آخرون مصر .. وفي غياب أي تحديد واضح تمدنا به هذه المأثورات لمعرفة مكان الكتابة فقد بحث العلماء داخل الإنجيل نفسه عما يمكن أن يمدنا به .. وعلى هذا الأساس طرحت بعض الأماكن المقترحة مثل أنطاكية .. لكن روما كانت هي الأكثر قبولا (دنيس نينهام : ص 42 ) ومن ذلك يتضح أن أحداً لا يعرف بالضبط من هو مرقس كاتب الإنجيل .. كذلك فإن أحداً لا يعرف بالضبط من أين جاء هذا الإنجيل ..

مشاكل إنجيل مرقس :

إن من مشاكل إنجيل مرقس : اختلاف النسخ على مر السنين .. ولقد أدى ذلك إلى قول علماء المسيحية إنه قد " زحفت تغييرات تعذر اجتنابها .. وهذه حدثت بقصد أو بدون قصد .. ومن بين مئات المخطوطات – أي النسخ التي عملت باليد – لإنجيل مرقس والتي عاشت إلى الآن فإننا لا نجد أي نسختين تفقان تماما "
كذلك من مشاكل إنجيل مرقس خاتمة هذا الإنجيل .. ذلك ان الاعداد من 9 إلى 20 .. ( التي تتحدث عن ظهور المسيح ودعوته التلاميذ لتبشير العالم بالآب والابن والروح القدس ) .. هذه تعتبر إلحاقية أي أنها أضيفت فيما بعد بحوالي 110 من السنين .. لم تظهر لأول مرة إلا حوالي سنة 180م ..


2 - إنجيل متى

ولا يزال من الواضح أن كلا من بولس الهلليني ومتى المبشر اليهودي له وجهة نظر تخالف الآخر تماماً فيما يتعلق بأعمال يسوع وتعاليمه " ( فريدريك جرانتفريدريك جرانت ص 141 )

وأما بالنسبة لتاريخ كتابة هذا الإنجيل فيمكن القول بأنه كتب في حوالي الفترة من 85 إلى 105م .. وعلى أية حال فيمكن القول بأنه كتب في الربع الأخير من القرن الأول أو في السنوات الأولى من القرن الثاني)" ( جون فتون ص 11 ) ..

وفيما يتعلق بمكان تأليفه : فإن شواهد قوية تشير إلى أنطاكية ولما كان من الصعب ربط الإنجيل بمدينة محددة فمن المناسب أن نقول أنه يأتي من مكان ما في المنطقة المحيطة بها أو أي مكان ما يقع شمال فلسطين " ( فريدريك جرانت : ص 140م ) ..


مشاكل إنجيل متى :

1- توقع نهاية العالم سريعاً :



ولو أن هذه الفكرة قد سيطرت على تفكير مؤلفي أسفار العهد الجديد .. إلا أن "متى" كان أكثرهم حرصا على تأكيد ذلك .. فهو قد توقع ان تأتي نهاية العالم في أيام المسيح : قبل أن يكون رسله قد أكملوا التبشير في مدن إسرائيل (10: 23 ) .. وقبل ان يدرك الموت بعض معاصري المسيح والذين استمعوا إلى تعاليمه ( 16: 28 ) وقبل ان يكون ذلك الجيل الذي عاصر المسيح وتلاميذه قد فني (24: 34 ) ..

ومن الواضح كما يقول جون فنتون في ص 21 " أن شيئاً من هذا لم يحدث كما توقعه "متى" ..

2 - ثم تأتي خاتمة الإنجيل التي يشك فيها العلماء ويعتبرونها دخيلة .. فهي تنسب للمسيح قوله لتلاميذه : و اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس ( 28: 19 ) ..

ويرجع هذا الشك ـ كما يقول " ادولف هرنك " - وهو من أكبر من علماء التاريخ الكنسي .. إلى الآتي :

أ- لم يرد إلا في الأطوار المتأخرة من التعاليم المسيحية ما يتكلم عن المسيح وهو يلقي مواعظ ويعطي تعليمات بعد أن أقيم من الأموات .. وأن بولس لا يعلم شيئاً عن هذا .

ب ـ " إن صيغة التثليث هذه غريب ذكرها على لسان المسيح .. ولم يكن لها نفوذ في عصر الرسل .. وهو الشيء الذي كانت تبقى جديرة به .. لو أنها صدرت عن المسيح شخصياً ( ادولف هرنك : ج 1 - ص 79) ..



3 - إنجيل لوقا:

يبدأ بمقدمة ألقت كثيراً من الضوء على ما كان يحدث في صدر المسيحية .. وخاصة فيما يتعلق بتأليف الأناجيل فهو يقول :

"وإذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدماً للكلمة رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمت به " ( 1: 1-4)

**ومن هذه المقدمة يتضح جملة أمور لا بد التسليم بها :

1- أن لوقا يكتب رسالة شخصية إلى ثاوفيلس .. وأن هذه الرسالة تكتب على التوالي حسبما تتوفر لها إمكانيات الكتابة من وقت ومعلومات .

2 - وأن هذا العمل قام به لوقا بدافع شخصي بحت بغية أن تصل المعلومات التي علم بها إلى صديقه .. ** ولم يدع الرجل في رسالته أنه كتبها بإلهام أو مسوقاً من الروح القدس .. ***بل إنه يقرر صراحة أن معلوماته جاءت نتيجة لاجتهاده الشخصي لأنه تتبع كل شيء من الأول بتدقيق ..

3 ـ كذلك يقرر لوقا أن كثيرين قد أخذوا{{ في تأليف أناجيل }} ..

4- وأخيراً يعترف لوقا {{ بأنه لم ير المسيح ولم يكن من تلاميذه }}.. لكنه كتب رسالته بناء على المعلومات التي تسلمها من الذين عاينوا المسيح وكانوا في خدمته .. ومن المعلوم أن سفر أعمال الرسل - وهو أطول أسفار العهد الجديد هو الجزء الثاني من رسالة لوقا إلى ثاوفيلس ..

ولقد حاول العلماء معرفة ثاوفيلس هذا .. لكن جهودهم لم تصل إلى نتيجة محددة ..

يقول فريدريك جرانت :

" لم نخطر بمن يكون ثاوفيلس هذا قد يمكن افتراضه موظفاً رومانياً .. كذلك لم نخطر بمن أولئك الكثيرين أخذوا في تأليف قصص مماثلة .. ورغم أن الموضوع لا يتعدى مجرد احتمالات غير مؤكدة فليس من المتعذر ان يكون مؤلف إنجيل لوقا قد جمع مادته في فلسطين أو سوريا مبكراً في 70 ـ 80م .. ثم ربطه بالجزء الأكبر من إنجيل مرقس في وقت ما من السبعينات ثم أصدر إنجيله حوالي عام 80 أو 85م .. وبعد ذلك بحوالي خمس سنوات فإنه ذيل كتابه الأصلي برسالة ثانية نعرفها الآن باسم أعمال الرسل ثم نشر مصنفه في حوالي عام 95م ". ( فريدريك جرانت ص 121 , 127, 128) ..

ومن أقوال العلماء في كتابات لوقا :

إن سفر أعمال الرسل يوجد به كثير من النقاط التي تتعارض تعارضاً تاماً مع التعاليم المذكورة في رسائل بولس .. ومن غير المعقول إذن أن تكون هذه قد سطرها شخص له معرفة مباشرة ببولس ورحلاته التبشيرية ومن النادر ذكر لوقا كشخصية بارزة في سجلات التاريخ للقرن الأول من المسيحية ( جورج كيرد ص 15,16,17) ..


مشاكل إنجيل لوقا :

1- يعاني نص إنجيل لوقا من التغييرات التى تعاني منها الكتب الأخرى للعهد الجديد .. إلا أن النص الغربي للإنجيل وسفر أعمال الرسل يعاني من اختلافات مثيرة بالإضافة أو الحذف ( جورج كيرد ص 32, 33 ) ..

2- " ثم هناك المشكلة الحادة التي نتجت عن اختلاف نسب المسيح كما ذكره لوقا عما جاء في نطيره في إنجيل متى .. وفي أسفار العهد القديم "..

وهذه واحدة من مشاكل الأناجيل التي سوف نبحثها فيما بعد ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-07-2020, 11:08 PM   #4
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم



4 إنجيل يوحنا :

لقد كان من المعتقد لفترة طويلة أن يوحنا كان على بينة من وجود الأناجيل الثلاثة المتشابهة .. وأنه قد كتب ليكملهم أو ليصحههم في حالة أو حالتين .. فقد جرى القول بأن حادثة تطهير الهيكل - على سبيل المثال قد وضعها يوحنا عم[COLOR="Red"][/COLOR]داً في بداية دعوة يسوع .. لأنه حسبما تذكَّرها يوحنا الذي تقدمت به السنون كان ذلك موضعها ..

كذلك فإنه صحح تاريخ الصلب .. حيث وضعه عشية الفصح في اليوم الذي تذبح فيه خراف الفصح .. ومن ناحية أخرى فإن لقب : ابن الإنسان الذي لم يستخدمه بولس قط قد أبقى عليه يوحنا ..

من هويوحنا .. لقد كان يوحنا مسيحياً وبجانب ذلك فإنه هللينياً ومن المحتمل الا يكون يهودياً ولكنه شرقي أو إغريقي .. ومن المحتمل أن يكون إنجيل يوحنا قد كتب في أنطاكية أو أفسس أو الإسكندرية أو حتى روما فإن كلا من هذه المدن كانت مركزا عالميا للدعاية العقائدية في القرنين الأول والثاني من الميلاد .. ( فريدريك جرانت : ص 156, 166, 174, 178 ) ..

ويقول جون مارش في مقدمته لتفسير إنجيل يوحنا تحت عنوان : (( استحالة التوكيد )) :

حين نأتي لمناقشة المشاكل الهامة والمعقدة التي تتعلق بالإنجيل الرابع وإنجيله .. نجد أنه من المناسب والمفيد ان نعترف مقدماً بأنه لا توجد مشكلة للتعريف (بالإنجيل وكاتبه) يمكن إيجاد حل لها ..

من كان يوحنا هذا الذي قيل إنه المؤلف؟ أين عاش ؟ لمن من الجمهور كان يكتب إنجيله؟ أي المصادر كان يعتمد عليها ؟ متى كتب مصنفه ؟ ..

حول كل هذه الأسئلة وحول كثير غيرها توجد أحكام متباينة .. احياناً تقرر تأكيدات قوية ومع ذلك فإن أياً منها لا يرقى إلى مرتبة اليقين .. (ثم يختتم جون مارش مقدمته بقوله ) :

وبعد أن نفرغ كل ما في جعبتنا نجد أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل تحقيق أي شيء أكثر من الاحتمال حول مشاكل إنجيل يوحنا ..
ويعتقد كاتب هذه السطور (جون مارش ) أنه ليس من المستحيل الاعتقاد أنه خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن الأول الميلادي قام شخص يدعى يوحنا .. من الممكن أن يكون يوحنا مرقس .. وقد تجمعت لديه معلومات وفيرة عن يسوع .. ومن المحتمل أنه كان على دراية بواحد أو أكثر من الأناجيل المتشابهة .. فقام عندئذ بتسجيل شكل جديد لقصة يسوع اختص بها طائفته الخاصة أو أكثر .. التي كانت تعتبر نفسها عالمية .. كما كانت متأثرة بوجود تلاميذ يوحنا المعمدان " ( جون مارش ص 20 , 80 ) ..

مشاكل إنجيل يوحنا:



تقول دائرة المعارف الأمريكية :

يوجد ذلك التضارب الصارخ بينه وبين الأناجيل المتشابهة .. فهذه الأخيرة تسير حسب رواية مرقس للتسلسل التاريخي للأحداث فتجعل منطقة الجليل هي المحل الرئيسي لرسالة يسوع .. بينما يقرر إنجيل يوحنا أن ولاية اليهودية كانت المركز الرئيسي وهناك مشكلة الإصحاح الأخير رقم (21 ) من الإنجيل .. إن القارئ العادى يستطيع أن يرى أن الإنجيل ينتهي بانسجام تام بانتهاء الإصحاح العشرين الذي يقول :

" وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِٱسْمِه " (20: 31) ..

إن هذا الإعلان يبين بوضوح الغرض الذي كتب من أجله هذا الكتاب ..

بعد ذلك يأتي الإصحاح الأخير (رقم 21 ) الذي يخبرنا أن يسوع ظهر كرب أقيم من الأموات لخمسة تلاميذ .. وأنه قال لبطرس : ارع خرافي .. وكذلك تعليق مبهم يقول :

هذا هو التلميذ الذي جاء عن طريق الجماعة التي تشير إلى نفسها بكلمة : نحن (نعلم ) .. وفي حقيقة الأمر فإن هؤلاء يصعب تحديدهم ..
( دائرة المعارف الأمريكية : ج ـ 16 ص 159 ) ..


وقد ظهر شيء من التآلف بين انجيلي لوقا ويوحنا مما ساعد على ظهور نظرية تقول بأن يوحنا استخدم إنجيل لوقا كأحد مصادره .. إلا أن هذه النظرية تجد معارضة بسبب الاختلاف الواضح بين الإنجيلين في المواضيع المشتركة ينهما ..

** فكلا الإنجيلين يتحدث عن بطرس وصيد السمك بمعجزة لكن احدهما (لوقا) يضع القصة مبكراً في رسالة يسوع في الجليل .. أما الآخر (يوحنا ) بعد قيامته من الأموات ، ( لوقا 5: 1-11) .. يوحنا (21: 1-14) ..

*** وكلاهما يتحدث بلغة مشتركة عن كيفية مسح يسوع ( بالطيب ) من امرأة .. لكنها في أحدهما (لوقا ) كانت زانية في بيت فريسي .. بينما هى في الآخر (يوحنا) كانت امرأة صديقة ليسوع .. وأن ذلك حدث في بيتها .. (لوقا 7: 36-38 ، يوحنا 12: 1-8) ( جورج كيرد ص 20 ) ..


إن النتيجة التي لا مفر من التسليم بها كما بينتها هذه الخلاصة .. إن الأناجيل القانونية ما هي إلا كتب مؤلفة - بكل معنى الكلمة - وهي تبعاً لذلك معرضة للصواب والخطأ .. لا يمكن الادعاء ولو للحظة واحدة أنها كتبت بإلهام .. كتبها أناس مجهولون .. في أماكن غير معلومة .. وفي تواريخ غير مؤكدة .. والشيء المؤكد .. الذي يلحظه القارئ البسيط هو أن هذه الأناجيل مختلفة غير متآلفة .. بل إنها متناقضة مع نفسها ومع حقائق العالم الخارجي ( حيث فشلت التنبؤات بنهاية العالم كما رأينا وكما سنرى فيها بعد ..

إن هذا القول قد يضايق المسيحي العادي .. بل إنه قد يصدمه ولكن بالنسبة للعالم المسيحي المدقق فقد أصبح هذا القول الذي يعني بوجود أخطاء في أسفار الكتاب المقدس حقيقة مسلماً بها ..


إن الكنيسة الكاثوليكية التي تتمسك بشدة بعقيدة الإلهام .. التي تأكد القول بها في مجمع الفاتيكان الذي عقد عام 69 – 1870م .. والذي تقرر فيه « أن الكتب القانونية لكل من العهدين القديم والجديد قد كتبت بإلهام من الروح القدس وقد أعطيت هكذا للكنيسة ».

لكنها عادت الآن - بعد نحو قرن من الزمان - لتواجه الحقائق وتعترف بها .. فلقد بحث المجمع المسكوني الثاني للفاتيكان (62 - 1965 م) المشكلة التي تتعلق بوجود أخطاء في بعض نصوص أسفار العهد القديم .. وقدمت له خمس صيغ مقترحة استغرق بحثها ثلاث سنوات من الجدل والمناقشة وأخيرا تم قبول صيغة حظيت بالأغلبية الساحقة .. إذ صوت إلى جانبها 2344 عالم ضد 6 .. وقد أدرجت في الوثيقة المسكونية الرابعة عن التنزيل فقرة تختص بالعهد القديم ( الفصل الرابع ، ص 53 ) تقول :

" بالنظر إلى الوضع الإنساني السابق على الخلاص الذي وضعه المسيح تسمح أسفار العهد القديم للكل بمعرفة من هو الله ومن هو الإنسان .. غير أن هذه الكتب تحتوي على شوائب وشيء من البطلان "

إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : كم من المؤمنين بقداسة هذه الأسفار واعتبارها تعليماً إلهياً موحى به من الله .. يعلم هذا الذي قررته الكنيسة بشأنها .. وما تحتويه من شوائب وبطلان ؟

وما لنا نذهب بعيداً ولدينا الكتاب المقدس - طبعة الكاثوليك 1960م۔ وهو يقدم لأسفار موسى الخمسة ( التوراة ) بقوله :

« كثير من علامات التقدم تظهر في روايات هذا الكتاب وشرائعه مما حمل المفسرين كاثوليك وغيرهم على التنقيب عن أصل هذه الأسفار الخمسة الأدبي . فما من عالم كاثوليكي في عصرنا يعتقد أن موسى ذاته قد كتب كل الأسفار الخمسة منذ قصة الخلق إلى قصة موته .. كما أنه لا يكفي أن يقال إن موسى أشرف على وضع النص الملهم الذي دوّنه كتبة عديدون في غضون أربعين سنة ..
كما يقول الكتاب المقدس في تقديمه لسفر راعوث :

"من المحتمل أن يكون الكاتب قد استعان في البدء بذكريات تقليدية غير واضحة الظروف تماماً .. ثم أضاف إليها عدداً من التفاصيل ليجعل الرواية أكثر حياة ويعطيها قيمة أدبية !! "

وها هي كتب التبشير التي توزع هنا بين المسلمين تعترف بتسرب أخطاء خطيرة إلى أسفار العهد الجديد .. لقد جاء في كتاب : «هل الكتاب المقدس حقاً كلمة الله ؟ .. في ص 160، ما يلي :

بمقارنة أعداد كبيرة من المخطوطات القديمة باعتناء يتمكن العلماء من اقتلاع أية أخطاء ربما تسللت إليها .. مثالا على ذلك الإدخال الزائف في رسالة يوحنا الأولى .. الإصحاح الخامس . فالجزء الأخير من العدد 7 .. والجزء الأول من العدد 8 .. يقول حسب الترجمة البروتستنتية العربية .. طبع الأمريكان في بيروت ـ ونقرأ في الترجمة اليسوعية العربية شيئاً مماثلاً هذا النص ..

" في السماء ... الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة ( الروح والماء والدم وهؤلاء الثلاثة في واحد "
..
ولكن طوال القرون الثلاثة عشر الأولى للميلاد لم تشتمل أية مخطوطات يونانية على هذه الكلمات . وترجمة "حريصا" العربية تحذف هذه الكلمات كلياً من المتن .. والترجمة البروتستنتية العربية ذات الشواهد تضعها بين هلالين موضحة في المقدمة أنه ليس لها وجود في أقدم النسخ وأصحها ) .

أعتقد أن أبسط تعليق هو التذكرة فقط بأن هذا النص الخطير الذي أدخل ابتداء من القرن الثالث عشر .. والذي يقتبس منه فكرة التثليث .. لم يكن له وجود طوال القرون السابقة .. وهذا شيء لا يمكن اعتباره تحريفا بسيطاً .. بل إنه تحريف خطير .. لأنه يمس أساس العقيدة .. وهكذا نجد أن نصوصاً وأفكاراً تتسرب إلى الكتابات التي اعتبرت مقدسة عبر القرون .. فكل ما يتعلق بتثليث أو ثالوث .. ما من شك في أنه دخيل على مسيحية المسيح الحقة التي لا تزال لها جذور ثابتة في الأناجيل الموجودة حالياً ..

ويكفي أنه عندما يأتي العلماء لتفسير صلاة المسيح الأخيرة في إنجيل ( يوحنا 17 : 3) التي يقول فيها :

"وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك .. ويسوع المسيح الذي أرسلته "

** فإنهم يقولون : إن هذا توحيد لا شك فيه ..

وطبعاً هذا الكلام معناه باللغة العربية المتداولة :

لا إله إلا الله .. المسيح رسول الله ..

"وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ..[COLOR="red"] ويسوع المسيح الذي أرسلته " ..

ومن هذه النقاط يمكن أن تلتقي النصرانية مع الإسلام ..

وفي فقرات أخرى وفي لقاءات أخرى مع الإسرائيليين كان قوله :

" اسمع يا إسرائيل : الرب إلهنا رب واحد " إنجيل مرقس ( 12 : 29 )

وهذه الفقرة تشير إلى ما في أسفار العهد القديم . (سفر التثنية 6 : 4)

وعندما تقدم إليه إسرائيلي ليسأله :

" أيها المعلم الصالح ، ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية ؟" ( إنجيل لوقا 18 : 18).

** ماذا قال المسيح ؟

لم يقل له افعل كذا أو كذا .. لكنه أولا نفي الصلاح عن نفسه فقال :

" كيف تدعوني صالحاً ؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله " ..

بعد ذلك بدأ المسيح يعلمه ما جاء في أسفار العهد القديم وما دعا إليه وهو التوحيد في العقيدة والتمسك بشريعة موسى والحفاظ عليها ..

أعتقد أنه بهذا نكون قد انتهينا من الحديث عن أسفار العهد الجديد ..

بعد ذلك ندخل للحديث عن " نظرة في أسفار العهد الجديد " بحيث يستطيع كل واحد مهما كان حظه من الثقافة والعلم أن يتأكد من صحة هذا الكلام ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-14-2020, 10:42 PM   #5
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

نظرة في أسفار العهد الجديد ..

١- مشكلة الاختلاف الكثير
:

يوجد اختلاف كثير بين الأناجيل : الواحد عن الآخر .. واختلاف داخل الإنجيل نفسه .. ومن الطبيعي أنه في أي دراسة سواء كانت دراسة دينية أو أي دراسة وخاصة ما يتعلق بالوحي والتنزيل والكتب المقدسة فإنه تحكمنا القاعدة الأساسية التي لا بد أن يقبلها الكل .. وهي أنه :

" ولَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) " سورة النساء " ..


(1) - اختلاف متى ولوقا في نسب المسيح :

لقد جرت التقاليد المسيحية في نسبة المسيح ليوسف النجار خطيب مريم" .. *** اتهام مخزي ، نسبوه إلى هذا النبي الكريم وهو بريء منه أشد البراءة واتهام لأمه مريم البتول العفة الحصان .. وقد قص الله تعالى علينا أمرها وابنها في سورة مريم .. قالت تعالى :

" وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) "

وقال تعالى في سورة التحريم :

" وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) "

فها هو لوقا يقول : « ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة .. وهو على ما كان يظن أنه ابن يوسف ( النجار) بن هالي بن ......) (3 : 23) ..

ولقد اختلف متى مع لوقا في نسب المسيح هذا .. إذ جعله "متى" يأتي من نسل سليمان بن داود .. بينما جعله لوقا يأتي من نسل ابن آخر لداود هو ناثان ..

ويتضح الموقف بعمل جدول يبين الأنساب التي ذكرها كل من متى ولوقا مقارنة بأنساب الآباء التي وردت في أسفار العهد القديم وخاصة سفر أخبار الأيام وذلك كالأتي :









يلاحظ في هذا الجدول - أنه تبسيطاً للدراسة - فقد اكتفينا بتتبع نسب سليمان بن داود كما جاء في سفر أخبار الأيام حتى المسلسل رقم (23) فقط ..وصرفنا النظر عن تتبع نسب ناثان بن داود . كما أن الأنساب التي وضع مكانها (-) تحت إنجيل متى إنما تعني أسماء آباء سقطت خطأ من القائمة التي كتبها متى ..

إن الجدول السابق يكشف عن عدد من الملاحظات التي لا تخفى على أحد .. ولقد تحدث مفسرو الأناجيل في هذه الملاحظات فكان مما قالوه الآتي :


يقول جون فنتون : « من المحتمل أن يكون متى قد استمر في الاعتماد على سفر أخبار الأيام الأول (3 : 5 ، 10-16 ) إلا أنه حذف ثلاثة أجيال بين يورام ويوثام .. كما حذف يوهاقيم بعد يوشيا .. أما تسلسل النسب في لوقا فإنه يسير خلال ابن آخر لداود وهو ناثان ..

ولقد استطاع متي أن يأخذ الأسماء الثلاثة : يكنيا .. وشالتيئيل .. وزربابا من ( أخبار الأيام الأول 3: 16) وما يليها .. أما بالنسبة لبقية الأسماء المذكورة في قائمته فلم يكن لديه أي مصدر مكتوب حسبما نعلم .

كذلك فإن لوقا أورد في قائمته : شألتيئيل وزربابل .. لكنه لم يذكر أحداً من الأخرين ( المذكورين في متي ) ..

ويشير متى إلى أنه في كل من العصور الثلاثة يوجد أربعة عشر جيلاً .. رغم أنه في الحقيقة لم يذكر سوى ثلاثة عشر اسماً في الجيل الأخير ابتداء من الاصحاح ( 1 : 12-16) ( تفسير انجيل متى ص 39-40)

ويقول جورج كيرد :

"في منتصف قائمة لوقا نجد هذه الأسماء : يوحنا بن ريسا بن زربابل .. لكن يوحنا هي صيغة أخرى لاسم حننيا الذي كان ابناً لزربابل .. إن هذا الشخص ريسا لم يذكر البتة في ( سفر أخبار الأيام الأول (13 : 19) .. لكن ريسا هي كلمة آرامية تعني أمير ..

إن الخطأ الذي لحق بقائمة لوقا يمكن إرجاعه إلى أن القائمة الأصلية ( التي نقل عنها ) كانت مصنفة بترتيب عكس هذا : زربابل الأمير ولد يوحنا " ( تفسير انجيل لوقا ص 19 ) ..

وخلاصة القول في نسب المسيح أننا إذا اعتبرنا سفر أخبار الأيام الاول المرجع الرئيسي لأنساب الآباء نجد الأتي :


1 - أخطا مني في سلسة نسب المسيح حين اسقط منها في الواقع خمسة أسماء ( المسلسلات 9، 10, 11. 18, 21 ) ..

2- أخطأ لوقا حين أضاف ريسا ( المسلسل رقم 24 ) بين زربابل ويوحنا ..

3- اختلف لوقا مع متى اختلافاً جوهرياً حين جعل يوسف خطيب مريم ينحدر من نسل ناثان بن داود .. بينما جعله متى ينحدر من نسل سليمان بن داود ..

** طبعا لما كان كل واحد ينقل ويكتب من قوائم مختلفة قديمة متناثرة تراكمت الأخطاء فوجدنا أن عدد الأجيال من داود إلى يوسف حسب لوقا 42 جيلا .. وحسب متى 23 جيلا ..

ومنذ قرون مضت بذل نفر من المدافعين عن الأناجيل - باعتبراها وحياً من الله - محاولات مضنية للتوفيق بين ( لوقا ومتى ) .. اعتماداً على التقاليد الإسرائيلية .. لكن محاولاتهم باءت جميعها بالفشل
..

اختلاف الأناجيل في أسماء التلاميذ :

يقول متى في إنجيله :

" أما أسماء الاثنى عشر رسولاً فهي هذه . الأول سمعان الذي يقال له بطرس ، وأندراوس أخوه. يعقوب بن زبدي. ويوحنا أخوه. فيلبس ، وبرثولماوس . توما ومتى العشار. يعقوب بن حلفي ن ولباوس الملقب تداوس . سمعان القانوني ، ويهوذا الأسخريوطي . ( 10 : 2 – 4 ).

لكن لوقا يقول :

" لما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سماهم أيضاً رسلاً . سمعان الذي سماه أيضاً بطرس ، وأندراوس أخاه . يعقوب ، يوحنا . فيلبس وبرثولماوس . متى وتوما. يعقوب بن حلفي، وسمعان الذي يدعى الغيور . يهوذا أخا يعقوب ويهوذا الأسخريوطي . ( 6 : 13 – 16 ).

ويذكر يوحنا أسماء بعض التلاميذ من بينهم يهوذا آخر غير الخائن وهو الذي يقول عنه : " يهوذا الأسخريوطي " ( 14 : 22 ) .

من الواضح أن هناك اختلافاً بين ما ذكره متى ومرقس ( 3: 16 – 19 ) من جانب وبين لوقا ويوحنا من جانب آخر .. ولهذا يقول جورج كيرد:

" عندما كتبت الأناجيل لم يكن هناك مجرد التحقق من شخصية التلاميذ .. أن يهوذا بن يعقوب لا يظهر في القائمة المذكورة في كل من متى ومرقس .. بينما شغل مكانه لباوس الملقب تداوس ".

*** وهنا لابد أن نلفت النظر إلى أن محمداً ظهر تحت شمس التاريخ وقد بلغ صحابته مائة ألف أو يزيدون .. وقد عرفت أسماوهم وأخبارهم .. فكيف بكتبة الأناجيل يعجزون عن التحقق من الأثني عشر تلميذاً ... ؟


ج ـ اختلاف متى ومرقس في قصة تطهير الهيكل وشجرة التين :

لنقرأ النص الانجيلي لنعرف الاسلوب الممكن يكلم فيه " إله " مع شجرة .. هو الانجيل يقول ان المسيح خاطب شجرة ..

يقول إنجيل متى :

" دخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل .. وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص ... ثم تركهم وخرج خارج المدينة إلى بيت عنيا وبات هناك (( وفي الصباح )) إذ كان راجعاً إلى المدينة جاع . فنظر إلى شجرة تين على الطريق وجاء إليها فلم يجد فيها شيئاً إلا ورقا فقط فقال لها لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد .. فيبست التينة في الحال ... " (21: 12-21 ) ..


*** نأخذ الخلاصة من هنا .. ان حادثة لعن شجرة التين حدثت بعد عودته من تطيهر الهيكل .. اذن وقت الحادثة بعد تطهير الهيكل

لكن إنجيل مرقس يقول في هذا الحادث :

" وفي الغد لما خرجوا من بيت عنيا جاع . فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق وجاء لعله يجد فيها شيئاً فلما جاء إليها لم يجد شيئاً إلا ورقاً. لأنه لم يكن وقت التين . فأجاب يسوع وقال لها لا يأكل أحد منك ثمراً بعد إلى الأبد. وكان تلاميذه يسمعون . وجاءوا إلى أورشليم . ولما دخل يسوع الهيكل ابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام .. وكان يعلم قائلاً لهم أليس مكتوباً بيتي بيت صلاة يدعى .. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص .. ولما صار المساء خرج إلى خارج المدينة .... " (مرقس 11: 12-24 ) ..


واضح .. في انجيل متى انه لعن شجرة التين بعد ما خلص على تطيهر الهيكل .. لكن هنا في مرقس الحادثة تمت الأول وهو ذاهب .. فطبعا ان المفروض حسب متى ان جميع أحداثها تقع في نفس اليوم .. لكن في مرقس لفت نظره لها في اليوم التالي في روايتين مختلفتين ..


إن إحدى الروايات تقول إن الوقت لم يكن وقت تين .. وهذا يعني أن معلومات المسيح الذي قيل إنه الله أو إنه ابن الله لم تصل إلى مستوى معلومات الفلاح العادي الذي يعلم إن كان الوقت وقت تين أم لا .. ولم يعلم إن كانت الشجرة التي يراها على مد البصر بها تين أم لا .. وتقول الروايتان إن هذا الإله الجائع ذهب إلى الشجرة ولما لم يجد بها تيناً فإنه لعنها ..

*** الم يكن من منطق الشجرة انت تقول له ربي انت خلقتني بدون تين .. لماذا تلعني ..


2- مشكلة التنبؤات التي استحال تحقيقها ..

بعد ذلك نأتي لموضوع خطير هو مشكلة التنبؤات التي استحال تحقيقها .. إن المتفق عليه بين علماء الديانات وخاصة ديانات الكتب المقدسة.. هو أن أحد تعاريف النبي بأنه الشخص المرسل من عند الله سبحانه وتعالى أو الذي يتكلم بوحي من خالقه ولا يدخل الخلف في أخباره ..

فمن المؤكد أن النبي الذي يصدقك فيما حدث في الدنيا .. لابد ان يصدقك ما وعد به في الآخرة .. لكن عندما تنسب نبوءة لنبي ما .. بل وأكثر من نبوءة تثبت أن الحياة الدنيا التي نعيشها قد انتهت .. فماذا يكون المصير بالنسبة لتنبوءات الحياة الأخرى ؟

من المؤكد أن ما وعد به لن يتحقق أيضاً .. أعتقد أن هذه قاعدة متفق عليها ..

وبالنسبة لموضوع التنبؤات في الأناجيل نجد الأتي :

أ- التنبؤ بأن نهاية العالم تحدث في القرن الأول الميلادي :

تقول الأناجيل إن السيد المسيح :

" دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض .. وأوصاهم قائلاً .. ها أنا أرسلكم كغنم وسط ذئاب فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام .. ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى . فإني الحق أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان ( المسيح) " متى 10: 1-23) ..

** أي أن عودة المسيح ثانية إلى الأرض تحدث قبل أن يكمل تلاميذه التبشير في مدن إسرائيل ..

*** وهي كذلك تحدث قبل أن يكون معاصري المسيح الذين عاشوا في النصف الأول من القرن الأول الميلادي ـ قد ماتوا :

" إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله . الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوم لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته " (متى 16: 27-28) ..

وبصورة أخرى تؤكد ما سبق فإن نهاية العالم وعودة المسيح ثانية إلى الأرض لا بد أن تحدث قبل أن يفنى ذلك الجيل الذي عاش في القرن الأول من الميلاد :

" بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات السماء تتزعزع . وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء .. ويبصرون ابن الانسان على سحاب السماء بقوة ومجد كثير ..الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله " ( متى 24: 29-34) ..


ويتفق كل من إنجيلي (مرقس 13: 24-30 ) و (لوقا 21: 25-32 ) .. مع ذلك التقرير الخطير الذي قرره متى ..

هذا ومن الواضح - كما يقول جون فنتون - :

" إن شيئاً من هذا لم يحدث كما توقعه متى .. " ( تفسير انجيل متى ص 21)

وعلى ذلك تكون التنبؤات التي نسبتها الأناجيل للمسيح عن حدوث نهاية العالم في القرن الأول الميلادي استحال تحقيقها ولا يمكن لأحد الدفاع عنها ..


(ب) التنبؤ باصطحاب يهوذا الخائن للمسيح في العالم الآخر :

في حوار جرى بين المسيح وتلاميذه عمن تكون له النجاة في العالم الآخر .. سأل بطرس معلمه عن أجر المؤمنين به فقال :

" هانحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا ؟، فأجابه المسيح متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر ، ( متى 19: 27-29 ) ..

** لقد كان يهوذا الاسخريوطي أحد التلاميذ الاثني عشر الذين قيلت لهم هذه النبوءة وبعد خيانته أصبح يعرف ( بابن الهلاك ) لأنه طرد من صحبة المسيح في الدينا والآخرة . وبهذا استحال تحقيق هذه النبوءة ..

وإذا رجعنا إلى نظير هذه الفقرة في إنجيل لوقا لوجدنا - كما يقول جون فنتون ** أنه حذف العدد الاثنى عشر ولعل ذلك يرجع إلى أنه كان يفكر في يهوذا الاسخريوطي .. ( تفسير انجيل متى ص 317 ) ...

ج- التنبؤ بدفن المسيح في الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال :

حاول قوم من اليهود تعجيز المسيح فقالوا له :

" يا معلم نريد أن نرى منك آية . فأجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال يكون هكذا ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال " ( متى 12: 38-40 ) ..

إن هذا القول شائع في الأناجيل وتكرر ذكره في أغلبها وفي أكثر من موضع . وقد ذكر في إنجيل مرقس في ( 8: 31 , 9: 31 , 10: 34 ) ..

وذكر في إنجيل لوقا مع اختلاف هام يلحظه القارئ ، وذلك في قوله :

"هذا الجيل شرير يطلب آية ولا تعطى له إلا آية يونان النبي .. لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل ( 11: 29-30 ) ..

*** لوقا هنا تخصل من حكاية ثلاث أيام وثلاث ليال ..

وذكرت الأيام الثلاثة في إنجيل يوحنا ( 2: 19 ) .. ونقرأ في سفر يونان ( يونس عليه الصلاة والسلام ) ما حدث له:

" فقد " أعد ( الرب ) حوتاً عظيماً ليبتلع يونان فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال .. فصلي يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت .. وأمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر " (1: 17 , 2: 1-10 ) ..

ومن الواضح إذن أنه لكي تتحقق هذه النبوءة فيجب أن يبقى المصلوب في بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال ..

ولكن إذا رجعنا إلى ما تذكره الأناجيل عن أحداث الصلب والقيامة لوجدنا أن المصلوب أنزل من على الصليب مساء الجمعة (يوم الصلب) :

" ولما كان المساء إذ كان الاستعداد أي ما قبل السبت جاء يوسف الذي من الرامة .. ودخل إلى بيلاطس ( الحاكم ) وطلب جسد يسوع .. فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات . ولما عرف من قائد المئة وهب الجسد ليوسف . فاشترى كتاناً فأنزله وكفنه بالكتان ووضعه في قبر كان منحوتاً في صخرة ودحرج حجراً على باب القبر (مرقس 15: 42-46 ) ..

ولقد اكتشف تلاميذ المسيح وتابعيه أن ذلك القبر كان خالياً من الميت في الساعات الأولى من فجر يوم الأحد .. وفي هذا يقول إنجيل متى :

" وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر .. فأجاب الملاك وقال للمرأتين .. ليس هو ههنا لأنه قام كما قال " ( 28: 1-6 ) ..

كذلك يقول إنجيل يوحنا :

" في أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر ( 20: 1 )

وبعملية حسابية بسيطة نجد أن :

عدد الأيام التي قضاها الميت في بطن الأرض ( في القبر ) = 1 يوماً (يوم السبت).

عدد الليالي التي قضاها الميت في بطن الأرض ( في القبر ) = 2 ليلة .. ( ليلة السبت وجزء من ليلة الأحد على أحسن الفروض ) ..

*** وبذلك استحال تحقيق هذه النبوءة التي قالت ببقاء الميت في بطن الأرض ثلاث أيام وثلاث ليال ..



وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

التعديل الأخير تم بواسطة AL-ATHRAM ; 02-14-2020 الساعة 10:44 PM
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-22-2020, 11:23 PM   #6
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


** قضية الصلب ..

ننتقل الآن لمناقشة قضية هامة وخطيرة هي قضية الصلب ... وأقولها الآن - بأمانة - إن من أكبر معجزات القرآن أنه نفي نفيا قاطعاَ القول بصلب المسيح .. لقد قالها في آية واحدة .. هي الآية رقم (157) من سورة النساء ..


" وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا "

لكن قضايا أخرى مثل القول بأن الله هو المسيح أو أن المسيح ابن الله ، ذكرها القرآن في مواضع كثيرة وتكفل بالرد عليها باعتبارها كفراً صريحاً .. ولقد استغرق الحديث عن قضية التوحيد وما يرتبط بها نحو ثلث الكتاب الكريم .. ومن المعلوم أن سورة الإخلاص التي تقول :


" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) "

تعدل ثلث القرآن ..

ويحق لنا أن نقول : لو أن القران كان من عند غير الله وأن بشراً من الأرض قد افتراه كذبا على الله وادعى أنه أوحي إليه .. أما كان الأولى به والأيسر لرواج دعوته أن يقول بصلب المسيح .. باعتبار ذلك شائعاً ومعروفاً بين الناس .. وفي تلك الحال فإنه يستميل النصارى إليه ويقلل من المشاكل والعقبات التي تعترض قبولهم الإسلام .


إن الشواهد القريبة تبين أن تحول المسيحي من طائفة مسيحية إلى أخرى يمكن أن يحدث دون ضجة .. وذلك لاشتراك تلك الطوائف في أصول عقائدية كثيرة .. لقد بينت الشواهد البعيدة - في الزمن - أن تحول أصحاب العقائد التي شاعت في العالم الروماني الوثني إلى المسيحية كان يرجع بالدرجة الأولى إلى التشابه الكبير بين أصول تلك العقائد والعقيدة المسيحية التي شاركتها فكرة الإله المتجسد وأفكاراً وطقوسا أخرى سوف نتحدث عنها بشيء من التفصيلفيما بعد ..

** أما تحول المسيحي إلى الإسلام فإنه يعتبر انقلاباً في حياته ومعتقداته لأنه غير مفاهيم وعقائد كثيرة ترسبت في عقله ووجدانه ..

لكن القرآن - کتاب الإسلام - لم يجار النصارى على معتقداتهم وما تعارفوا عليه .. لكنه حدد المواقف تحديدا واضحا فجعل القول بأن { الله هو المسيح } أو أن { المسيح ابن الله } كفراً لا يقبل المغفرة .. حتى إذا جاء الحديث عن قتل المسيح - وكم قتل اليهود من أنبياء قبله - نجد القرآن ينفي قتل المسيح وينفي صلبه نفيا قاطعا لا لشيء إلا لأن ذلك ما حدث فعلا ..

فالقرآن لا يقول إلا الحق بصرف النظر عما إذا كان ذلك الحق يتفق وما شاع بين الناس وصار من المسلمات بينهم أم أنه جاء مخالفاً لما توارثوه عبر قرون عديدة ..

وبما أن الصلب قضية .. وما نناقشه هنا عبارة عن مجموعة من القضايا .. فالأولى بنا أن نذكر بقاعدة بسيطة متفق عليها تحكم أحكام الناس في مختلف القضايا على مختلف المستويات - وهذه القاعدة تقول :

** كل ما تسرب إليه الاحتمال سقط به الاستدلال ..

فحين تختلف شهادة شاهدين أمام قاض في محكمة .. فإن ما تفرضه عدالة المحكمة هو عدم الاعتداد بأي من الشهادتين إلى أن يأتي شاهد ثالث يؤيد شهادة أحد الشاهدين .. وإلا امتنع صدور حكم عادل ..

والآن نذهب لمناقشة قضية الصلب كما تعرضها الأناجيل ، وهي التي تبدأ بمجموعة من الأحداث الخاصة بمحاولة قتل المسيح إلى أن تنتهي بتعليق شخص يصرخ يائساً على الصليب .. وما أعقب ذلك من تكفينه ودفنه ..

1- مسح جسد المسيح بالطيب :

لقد اختلفت الأناجيل في هذه الحادثة البسيطة التي تعتبر مقدمة لأحداث الصلب .. يقول إنجيل مرقس :

" كان الفصح وأيام الفطير بعد يومين وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه .. وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص وهو متكئ جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن فكسرت القارورة وسكبته على رأسه . وكان قوم مغتاظين في أنفسهم فقالوا لماذا كان تلف الطيب هذا. لأنه كان يمكن أن يباع هذا بأكثر من ثلاثمائة دينار ويعطى للفقراء وكانوا يؤنبونها " (14: 1-5)

وقد ذكر متى هذه الحادثة في (26: 6-9 ) .. ولوقا في (7: 36-39) .. ويوحنا في (12: 1-6) .. مع اختلافات بينهم في توقيتاتها وعناصرها الرئيسية ..

يقول نينهام في هذه القصة :

** نجد القديس يوحنا يذكرها مبكراً عما أورده القديس مرقس ببضعة أيام .. وكذلك يضعها القديس لوقا في موقع مختلف تماما من سيرة يسوع .. فبينما نجدها في إنجيل مرقس قد حدثت في منزل سمعان الأبرص من قرية بيت عنيا .. نجدها في إنجيل يوحنا قد حدثت في بيت مريم ومرثا ولعازر ( تفسير انجيل مرقس ص 370) ..

ويمكن تلخيص اختلاف الأناجيل في هذه القصة كالآتي :

مكان الحادث :

في بيت سمعان الأبرص ( مرقس ومتي ) - ( في بيت فريسي (لوقا) - في بيت الإخوة لعازر ومريم ومرثا ( يوحنا ) .

شخصية المرأة :

مجهولة ( مرقس ومتي ) - خاطئة (لوقا) - امرأة صديقة هي مريم أخت العازر (يوحنا).

ماذا فعلت :

دهنت رأس يسوع بالطيب ( مرقس ومتي ) - دهنت رجليه بالطيب (لوقا ويوحنا ).

رد الفعل عند المشاهدين :

اغتاظ قوم لإسرافها (مرقس) - اغتاظ التلاميذ ( متي) - كان تساؤل الفريسي مع نفسه حول معرفة يسوع لشخصية المرأة (لوقا) - اغتاظ يهوذا الاسخريوطي لإسرافها ( يوحنا ).

۲ـ التحضير للعشاء الأخير :

يقول مرقس :

" وفي اليوم الأول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح قال له تلاميذه أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح. فأرسل { اثنين من تلاميذه } وقال لهما اذهبا إلى المدينة فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء اتبعاه . وحيثما يدخل فقولا لرب البيت إن المعلم يقول أين المنزل حيث اكل الفصح مع تلاميذي فهو يريكما علية كبيرة مفروشة معدة . هناك أعدا لنا . فخرج تلميذاه وأتيا إلى المدينة ووجدا كما قال لهما . فأعدا الفصح. ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر» (14: 12-17) ..

ويقول نينهام :

** إن أغلب المفسرين يعتقدون أن هذه الفقرة بأعدادها من رقم (12-16) إنما كانت في الواقع إضافة أدخلت فيما بعد إلى الرواية التي يتبعها القديس مرقس في هذا الجزء من إنجيله . ومن بين الأسباب لذلك الاعتقاد ما يأتي :

1- وصف اليوم الذي قيل : إن القصة حدثت فيه بأسلوب لا يستخدمه اليهودي العادي الذي كان معاصراً لها.

2- وصف أتباع يسوع في كل فقرة من هذا الإصحاح ( الرابع عشر) بأنهم تلاميذه بينما أشير إليهم بإصرار في هذه الفقرة بأنهم الاثنا عشر .

3- أن كاتب العدد (17) الذي يقول :

" ولما كان المساء جاء مع { الاثني عشر } "

لا يعلم شيئاً عن رحلة التلميذين التي ذكرت في العدد 13 .. فلو كان كاتب العدد 17 يعلم محتويات تلك الفقرة لكان عليه أن يتحدث عن : { العشرة وليس الاثني عشر } أي أن العدد 17 كان يجب أن يقرأ هكذا :

" ولما كان المساء جاء مع العشرة " .. ( تفسير إنجيل مرقس : ص ۳۷۹ )

ويختلف متى مع مرقس في قصة الإعداد للعشاء .. إذ أنه يجعل التلاميذ جميعاً - كما يقول جون فنتون في ص 414 من تفسيره ـ يشتركون في هذا
الإعداد .. فهو يقول :

" قال يسوع { لتلاميذه اذهبوا } إلى المدينة إلى فلان وقولوا له . المعلم يقول إن وقتي قريب . عندك أصنع الفصح مع تلاميذي. { ففعل التلاميذ } كما أمرهم يسوع وأعدوا الفصح ، ( 26: 17-19) ..

3 - توقيت العشاء الأخير وأثره على قضية الصلب :

يقول جون فنتون : « يتفق متى ( 26: 17-19 ) .. مع مرقس ( 14: 12-17 ) .. وكذلك لوقا ( 22: 8) في أن العشاء الأخير كان هو الفصح .. وعلى العكس من ذلك نجد الإنجيل الرابع يجعل الفصح يؤكل في المساء بعد موت يسوع " . ( يوحنا 18 : 28 ) كما يقول جون فتون ) ..

ويرى أغلب العلماء أن توقيت كل من متى ومرقس ( ولوقا ) صحيح وأن يوحنا قد غير ذلك لأسباب عقائدية .( تفسير انجيل متى ص 415)

ذلك أن يوحنا يقرر أن العشاء الأخير الذي حضره يسوع مع تلاميذه كان قبل الفصح .. فهو يقول :

" أما يسوع قبل عيد الفصح فحين كان العشاء .. قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها ، ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ، ( 13: 1-5)

وكذلك يقرر يوحنا أنهم قبضوا على يسوع في مساء اليوم السابق لأكل الفصح .. وذلك في قوله :

" ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية وكان صبح ، ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح " (18: 28) ..

*** إن اختلاف الأناجيل في العشاء الأخير وتوقيته ترتب عليه اختلافهم في نقطة جوهرية تعتبر واحدة من أهم عناصر قضية الصلب .. ألا وهي تحديد يوم الصلب ..

فإذا أخذنا برواية مرقس ومتى ولوقا لكان يسوع قد أكل الفصح مع تلاميذه مساء الخميس .. ثم كان القبض بعد ذلك بقليل في مساء الخميس ذاته .. وبذلك يكون الصلب قد حدث يوم الجمعة ..

أما الأخذ برواية يوحنا فإنه يعني أن القبض كان مساء الأربعاء .. وأن الصلب حدث يوم الخميس ..

*** هل حدث الصلب يوم الخميس أم يوم الجمعة ؟!!


4 - العشاء الأخير والتلميذ الخائن :

يقول مرقس :

" ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر وفيما هم متكئون يأكلون قال يسوع الحق أقول لكم إن واحداً منكم يسلمني . الآكل معي فابتدأوا يحزنون ويقولون له واحداً فواحداً هل أنا ؟ وآخر هل أنا ؟ فأجاب وقال لهم . هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة . إن ابر الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه . ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان . كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد " ( 14: 17-21) ..

ولقد أدخل "متى" بعض التغييرات على رواية مرقس ..

ويقول لوقا:

" اقدخل الشيطان في يهوذا الذي يدعي الاسخريوطي وهو من جملة الاثني عشر. فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد الجند كيف يسلمه إليهم .. وكان يطلب فرصة ليسلمه إليهم خلواً من جمع . ولما كانت الساعة اتكأوا الاثني عشر رسولا معه .. وقال لهم شهوة اشتهيت أن آكل الفصح معكم .. ولكن هو ذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة .. فابتدأوا يتساءلون فيما بينهم من ترى منهم هو المزمع أن يفعل هذا " ( 22: 3-23) ..

أما رواية يوحنا ففيها اختلاف يسهل ملاحظته ـ عما روته الأناجيل الثلاثة الآخر .. فهو يقول :

" لما قال يسوع : هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم إن واحداً منكم سيسلمني ، فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض
وهم محتارون من قال عنه .. أجاب يسوع هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه .. فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الاسخريوطي . فبعد اللقمة
دخله الشيطان . فقال له يسوع : ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت وكان ليلا " ( 13: 21-30) ..

وبصرف النظر عن اختلاف الأناجيل في إجابة المسيح لتلاميذه عمن يكون الخائن .. إذ قال إنجيل لوقا :

" الذي يغمس في الصحفة "

بينما قال إنجيل يوحنا :

" الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه "

لكن النقطة الهامة التي تتعلق بخيانة يهوذا هي اختلاف الأناجيل في حادثة دخول الشيطان فيه .. فها هو يقرر أن الشيطان دخل يهوذا قبل العشاء الأخير بيوم على الأقل ( 22: 3-7 ) ..

بينما يقرر يوحنا أن الشيطان دخل يهوذا بعد أن أعطاه يسوع اللقمة ( يوحنا 13: 27 ) .. أثناء العشاء الأخير ..


هذا .. ونكتفي بهذا القدر الذي عرضنا فيه بعض عناصر قضية الصلب وهي :

مسح جسد المسيح بالطيب .. ثم التحضير للعشاء الأخير - ثم توقيت العشاء الأخير وأثره على قضية الصلب - وأخيراً ما قيل عن العشاء الأخير والتلميذ الخائن ..

ونستأنف فيما بعد .. إن شاء الله تعالى .. استكمال بحث قضية الصلب .


وللحديث بقية ...

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-2020, 08:51 PM   #7
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم



وبعد .. هل يمكن للباحث العلمي أن يقطع أن هناك الآن إنجيلاً ينسب إلى المسيح ؟

أن هذه المتناقضات الموجودة في الأناجيل على رغم قلة حجمها .. لأن الأناجيل قليلة جداً في الحجم .. فهذا هو حجم الأناجيل كلها ..

فإذا ثبت أن هذه الأناجيل تحتوي على بعض التناقضات ولو تناقضاً واحداً .. لا مائة تناقض .. فإن ذلك يبطل كونها وحياً من عند الله سبحانه وتعالى .. لأن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن الذي نزل على رسول أمي وعلى أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب قال :

" وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) "

يعني لو أن القرآن كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً .. ولذلك فإن كل مسلم يعلن صراحة .. أخرجوا لنا تناقضاً واحداً من القرآن الكريم بأياته التي بلغت 6236 آية .. إن أحداً لا يجرؤ أن يقول إن في القرآن تناقضاً واحداً .. ونحن بين أيديكم نستطيع أن نواجه أي اتهام أو شك أو ريب ثبت أن في القرآن تناقضاً واحداً .. أما الأناجيل فقد رأيتم أنه على قلة حجمها فهي متناقضة .. بل إن هناك تناقضاً في الصفحة الواحدة .. وأضرب لكم مثلاً لشيء من هذا التناقض في صفحة واحدة ..

في إنجيل متى مثلاً نجد عشرات من هذه التناقضات ويمكن أن نشير إلى بعض منها من غير تحيز .. يقول السيد المسيح لبطرس :

" وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقدر عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحله في الأرض يكون محلولا في السماء "

إذن - بطرس قال له المسيح .. أنت صخرة .. وأنت قوي .. وأن الشياطين لا تستطيع أن تدخل في خلالك ولا أبواب الجحيم ، وأن عليك أبني كنيستي ، ثم أعطاه وعداً أو عهداً عجيباً أن :

" ما حللته في الأرض أحله في السماء .. وما ربطته في الأرض أربطه في السماء .. ما تفعله أنا أفعله وما تريده أنا أريده .. "

أي أن إرادة الله تابعة لإرادة بطرس . وهذا هو الذي جاء في القرآن الكريم حيث قال الله سبحانه وتعالى :

" وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ (31)" سورة التوبة ..


فقال عدي بن حاتم الطائي وكان نصرانياً وأسلم .. يا رسول الله ما كنا نعبدهم .. على أساس فهمه أن العبادة تعني الركوع على رجليه أو الصلاة له .. فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام .. " ألم يكونوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بكلامهم ؟ قال بلى . قال : فتلك عبادتهم من دون الله "

* إذن ـ أن يكون هناك حق التحليل والتحريم لغير الله وحده فهذا هو الشرك .. ولذلك نجد الإسلام ينفي أن تكون سلطة التحليل والتحريم إلا الله ..
فلا تكون حتى للرسول محمد عليه الصلاة والسلام .. فالرسول لا يملك حق التحليل والتحريم إلا بوحي من الله .. والله عتب عليه حينما حرم على نفسه شيئاً فقال له :

" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ (1) " سورة التحريم ..

في هذا النص الإنجيلي أعلاه .. نجد مكانة بطرس عالية .. ولكن انظر في آخر الصفحة ماذا يقول؟

في أول الصفحة نجد بطرس - كما يقول الإنجيل على لسان المسيح - هو الصخرة التي سيقيم عليها المسيح بناء دعوته .. ويشدها إليه .. وهو صخرة راسخة لا تنال أبواب الجحيم منها .. وأن بيده مفاتيح ملكوت السموات .. ثم لا تكاد العين تتملى هذه الصورة العظيمة لبطرس حتى تلقاها صورة أخرى مضادة تماماً تمسخ هذا الحواري مسخاً وتحيله من إنسان إلهي إلى شيطان مريد .. هكذا فجاة .. وأين ذلك ؟ .. في إنجيل متى نفسه وفي نفس الإصحاح رقم 16 وبعد عددين اثنين - أي حوالي سطرين فقط من كلمات السيد المسيح المبشرة له ..

يقول متى : « من ذلك الوقت ابتدا يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم .. فأخذه بطرس إليه وابتداء بنتهره قائلاً حاشاك يارب .. لا يكون لك هذا .. فالتفت وقال لبطرس : اذهب عني با شيطان أنت معثرة لى لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس " ( 16: 21-23) ..

** فانظر كيف كان بطرس في أول الصفحة يقول له المسيح : ما حللته في الأرض احله في السماء .. ثم في آخر الصفحة يقول له : أنت شيطان .. إن التناقضات كثيرة جداً في الأناجيل ....


الأستاذ إبراهيم خليل أحمد .. كان قسيساً وأستاذ العقيدة واللاهوت في كلية اللاهوت .. رئيس كنائس الصعيد كلها في مصر .. يقول ..

الحقيقة أن عملنا كمبشرين كان يستند إلى سند جاء في رسالة بطرس الثانية لنؤكد أن التوراة والإنجيل كُتُب موحى بها من الله .. فكنا نقول :

" لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان .. بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" ..

طبعاً هذا النص الذي جاء على لسان بطرس كما جاء في رسالته الثانية .. سوف يوهم هذا النص أن الكتاب المقدس الموجود حالياً كتاب موحى به من الله .. كذلك يتناول القسيس في عمله بين المسلمين آية من آيات القرآن الكريم في سورة آل عمران تقول:

" نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) من قبل هدى للناس "

إن القرآن دقيق كل الدقة فهو لم يذكر العهد الجديد ولا العهد القديم ولكنه ذكر التوراة والإنجيل .. ولما جاء القرآن ليذكر العهد القديم والعهد الجديد بالكتاب ماذا قال ؟ .. قال في سورة آل عمران :


" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ " (64).


إذن عندما ذكر الكتاب كله بدأ القرآن يوجه التوجيه السليم والصحيح .. وكذلك في سورة النساء .. يقول الحق سبحانه وتعالى :

" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا " (171) " ..


وجاء في سورة المائدة أيضاً عن أهل الكتاب يقول الله سبحانه وتعالى:


" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ " (15) سورة المائدة .


** إذن .. لما جاءت الإشارة إلى الكتاب ، جاءت الإشارة بالتنويه إلى التصحيح. لكن لما جاءت الإشارة إلى التوراة والإنجيل جاءت الإشارة بالتصديق دون أن يذكر لا العهد القديم ولا العهد الجديد ..

نخرج من هذا إلى الأناجيل ذاتها .. ولنتدبر إنجيل لوقا ذاته .. هل كان موحى به من الله ؟ أم كان تحت تأثير وحى الله سبحانه وتعالى ؟ .. يقول لوقا (1: 1-4) :


" إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة : رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمت به " ..

*** فهو قال : كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء .. ولم يقل موحى بها من الروح القدس ..

* إن لوقا لم يكن من الاثني عشر تلميذا الذين كانوا مع المسيح .. وهذه نقطة لها وزنها في تقييم الموقف ..

ثم عندما نأتي لشاول الذي أصبح يعرف ببولس فيما بعد نجد في ( الإصحاح 7: 8) من الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ) يقول في فقرة 8 :

" أقول لغير المتزوجين وللأرامل إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا "

فهذا الكلام من بولس شخصياً .. وهو يريد الناس أن يبقوا مثله بلا زواج .. ثم يقول :

" 10- أما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب ألا تفارق المرأة رجلها "

وهذا هو الانفصال دون الطلاق .. وعندما تتقدم قليلاً نجده يقول :

" 12- وأما الباقون فأقول لهم أنا لا الرب "

فهو مرة يقول ربنا قال ومرة يقول أنا أقول . فكأنه على مستوى الله - سبحانه وتعالى - في الكتاب ..

وأكثر من هذا فإنه يجعل المرأة المؤمنة لا مانع من أن تتزوج مشركاً .. وهذا خطر كبير على الحياة الزوجية بين امرأة مؤمنة ورجل مشرك فهو يقول:

" 13- والمرأة التي لها رجل غير مؤمن وهو يرتضي أن يسكن معها فلا تتركه "

هذا كلام بولس ..

هل كان هذا الإنسان متيقظاً عندما جاء ليصحح الوضع ؟ .. لكنه عندما أفاق نجده يقول :

" لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين لأنه أية خلطة للبر والإثم واية شركة للنور مع الظلمة ، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال وأي نصيب للمؤمن من غير المؤمن ، وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان ، لأنكم أنتم هيكل الله الحي .. كما قال الله : إني سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهاً وهم ليكونون لي شعباً . لذلك أخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب"

لقد جاء هذا الكلام في الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس وجاء في ( الإصحاح 6: 14-18) ..

* إذن هو في الرسالة الأولى يقول .. والمرأة التي لها رجل غير مؤمن وهي ترتضي أن يسكن معها فلا تتركه .. أما في الرسالة الثانية فإنه يقول ..

" اعتزلوا "

هذا ولا شك ذبذبة في الكلام في كتب مقدسة من المفروض تصديقها تصديقاً مطلقاً ؟

نأتي إلى بولس والعذارى فتجده يقول أيضاً في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس :

" وأما العذاري فليس عندي أمر من الرب فيهن ولكنني أعطي رأياً كمن رحمه الرب أن يكون أميناً .. فأظن أن هذا حسن بسبب الضيق الحادث أنه حسن للإنسان أن يكون هكذا " ..

وأعتقد أن الظنية في الكتب المقدسة شيء رهيب جداً لا يمكن لإنسان الاعتماد عليها .. وأكثر من هذا فإن الزواج في النصرانية لا انفصام له إلا بالموت .. فإذا حدث أن تزوجت امرأة برجل وكرهت الرجل وأرادت أن تتخلص منه بأي كيفية من الكيفيات الشريفة ، تقول : لما يموت تستطيع أن تتزوج . فالإنسانة تبقى منتظرة ساعة الوفاة حتى تتخلص من الرجل الشؤم الذي كان كابوساً على حياتها .. فماذا يقول بولس :

" المرأة مرتبطة بالناموس ما دام رجلها حياً ولكن إن مات رجلها فهي حرة لكي تزوج بمن تريد في الرب فقط .. ولكنها أكثر دقة إن
لبثت هكذا بحسب رأيي .. وأظن أني أنا أيضاً عندي روح الله ( 1 كورنثوس 7: 39-40) ..

فهو لا يصدق نفسه إن كان عنده روح الله أم لا .. عندما يصدر كلام كهذا من رجل مثل بولس فإنه يعطينا تشككاً رهيباً فيما جاء في العهد الجديد ..



وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-2020, 01:10 AM   #8
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


وعندما نأتي إلى العهد القديم ونرى الألاعيب التي حدثت في العهد الجديد .. نجد أن التوراة وهي الأسفار الخمسة الأولى التي أعطاها موسى للاويين نجد الآتي :

فعندما كمَّل موسي كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلاً خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إليكم ليكون هناك شاهداً عليكم لأني أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبة . هو ذا وأنا بعد حي معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحرى بعد موتي ، ( تثنية : 31: 24-27 ) ..

فهذا سيدنا موسى يؤكد للأجيال أن اليهود شعب متمرد ليس على موسى فقط ولكنه متمرد على الله خالق شعب إسرائيل ..

ففي سفر التثنية قبل الختام نجد كلاماً غريباً يقول في ( الإصحاح 34) :

" فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب ودفنه في الجواء في أرض موآب " ( 5-7) ..

* هل يستطيع الميت أن يكتب ؟

** إذا كان موسى قد مات فكيف يستطيع أن يكتب هذه الأسفار ويقول أنا مت وحدث كذا وكذا ..

*** إذن هذا الكلام ولا شك أنه قد زيد وأن التوراة قد كتبت في غير أيام موسى وحدث لها ما حدث ..

هذا بالإضافة إلى أنه بدراسة التوراة والإنجيل دراسة تاريخية سنطمئن كل الاطمئنان إلى أن التوراة عموماً قد أبيدت .. وفي تاريخ إسرائيل نجد أن نبوخذنصر دخل بجيشه إلى الهيكل ودمره وأخذ كل المقتنيات ومن ضمنها الكتب المقدسة والأواني وذهب بها إلى بابل .. إذن ثابت تاريخياً أن التوراة التي كتبها موسى قد فقدت نهائياً .. فلما أمر كورش ملك الفرس بإرجاع بني إسرائيل إلى فلسطين أخذ عزرا ونحميا بإعادة تدوين التوراة من ذاكرتهما ..

** إننا لا نسطيع أن نصدق التوراة والإنجيل كلها .. ولا نستطيع أن نكذبها كلها .. لأن العامل الإنساني موجود في هذه الكتب .

لكني كإنسان ( ابراهيم خليل أحمد ) هداني الله للإسلام .. فلقد كنت قسيساً ولم أهتد إلى الإسلام بسهولة .. فلا بد أن يكون لدي حجة قوية .. وأن الكتب من موسى إلى عيسى تنبأت بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

ونجد في سورة النساء الآية (82) يقول الله سبحانه وتعالى :

" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا "

ليس المفروض أن يكون كل الناس علماء وأن يفرغوا وقتهم للدراسة والمقارنة .. ولكني أعتقد أن ما كتبته لكم من رسائل بولس إلى أهل كورنثوس يبين وجود العنصر البشري في العهد الجديد ..

هذا ونجد الرسول صلى الله عليه وسلم .. يقول إنما أنا بشر .. ولم يقل أنا إله .. فالقرآن يقول :

" قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ (110) " ( سورة الكهف )

ويتحدى القرآن كل المخلوقات فيقول :

" قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) " ( سورة الإسراء)

*** إذن نستطيع أن نقطع بأن إنجيل المسيح غير موجود ؟ .. هذا مؤكد ..

وهنا نسأل .. فكيف يقول القرآن الكريم :

"وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ (47) " ؟ سورة المائدة ..

ويقول :

" إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا (44) " ( المائدة) ..

ويقول الله تعالى :

" قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) " ( آل عمران ) ..

فأي توراة يقصد .. وأي إنجيل ؟

أن التوراة الموجودة مدبجة بكلام ينسب لموسى وليس كل ما فيها كلام موسي .. وكذلك الإنجيل مدبج بكلام ينسب للمسيح ولكن ليس كل ما فيه كلام المسيح ..

نستطيع أن نجمل الإجابة في أن الله سبحانه وتعالى لما قال :

" إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ "

وقال :

" وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ "

بين ربنا سبحانه وتعالى في قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم ..

" أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ (48) " سورة المائدة.

إذن المرجع الوحيد لما صح من الإنجيل .. ولما صح من التوراة .. ولما رضيه الله .. هو القرآن الكريم .. فما أثبته القرآن وأقره فهو حق .. وما نسخه القرآن فقد انتسخ .. وما رد عليه القرآن الكريم فهو باطل

..
وللحديث بقية ..

احوكم / الاثرم

AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-15-2020, 01:11 AM   #9
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

نبدا باستكمال عناصر قضية الصلب .. وكنا قد انتهينا ..عند مناقشة تهمة الخيانة ( 4- العشاء الأخير والتلميذ الخائن ) .. ورأينا أن الشيطان دخل يهوذا قبل العشاء الأخير حسب رواية لوقا .. لكنه حسب رواية يوحنا دخل يهوذا بعد أن أعطاه المسيح اللقمة أثناء العشاء الأخير فخرج ليتآمرعليه ..

ونبدأ الآن بعنصر معروف تحت عنوان .. المعاناة في الحديقة أو آلام المسيح ومتاعبه في الحديقة .. وسوف نقرأ النص .. ودائماً أبدأ بإنجيل مرقس باعتباره أقدم الأناجيل .. ولكن أرجو أن نركز ونحن نقرأ النص الذي يصف هذه الفترة الهامة والحاسمة من حياة المسيح .. عما إذا كانت الصورة التي رسمها كتبة الأناجيل للمسيح هنا تبين أنه جاء ليبذل دمه فدية عن كثيرين .. ومن ثم كان الصلب وسفك دمه هدفاً رئيسياً لرسالته .. كما يقولون .. أم أن المسيح فوجئ بقوة الظلم تكاد تطبق عليه .. وأن حياته باتت مهددة بالخطر بشكل لم يكن يتوقعه .. ولذلك أصابته حالة من الرعب القاتل كان يود في كل لحظة من لحظاتها أن ينجو من الخطر وينقذ نفسه من الموت ..

5- آلام المسيح :

ويقول مرقس : « وجاءوا إلى ضيعة اسمها جثسيماني فقال لتلاميذه اجلسوا ههنا حتى أصلي .. ثم أخذ معه بطرس ويعقوب وابتدأ يدهش ويكتئب . وقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت . امكثوا ههنا واسهروا .. ثم تقدم قليلاً وخر على الأرض وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة ان أمكن وقال يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك . فاجز عني هذه الكأس . ولكن ليكن لا ما أريد أنا ، بل ما تريد أنت ثم جاء ووجدهم نياماً . فقال لبطرس با سمعان أنت نائم . أما قدرت أن تسهر ساعة واحدة ؟ أسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة . أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف . ومضى أيضاً وصلى قائلاً ذلك الكلام بعينه . ثم رجع ووجدهم نياماً إذ كانت أعينهم ثقيلة فلم يعلموا بماذا يجيبونه . ثم جاء ثالثة وقال لهم الآن استريحوا يكفي ، قد أتت الساعة ، هو ذا ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطاة ، قوموا لنذهب ، هو ذا الذي يسلمني قد اقترب » (14: 32-42 ).


إن أبسط تعليق على هذا الكلام هو أنه واضح تماماً أن المسيح لم يكن يتوقع هذه المفاجأة المذهلة وهي أن أعداءه سيقتنصونه .. وطبعاً هو يعلم أنهم عندما يمسكونه فلسوف يقتلونه .. ولذلك كان يصلي في كل وقت لكي تعبر عنه هذه الساعة أو هذه المحنة أو هذه الكأس .. حتى ينجو ..

** إذن نستطيع أن نقرر - مبدئياً ـ بأن أي قول يقول أنه جاء ليبذل نفسه فدية عن كثيرين .. أو أن سفك دمه كان ضرورياً للتكفير عن خطيئة آدم أو خطايا البشر .. كل ذلك لا يمكن قبوله .

*** وإذا كان عصيان آدم .. يكون تكفيره بقتل ابن الإله غصباً عن ابن الإله نفسه .. فهذه كارثة أكبر .. لأن الخطيئة تتضاعف تماماً بهذه الصورة ..


بعد ذلك نذهب لمعرفة آراء العلماء ومفسرو الأناجيل يقول دنيس نينهام :

لقد انقسمت الآراء بعنف حول القيمة التاريخية لهذا الجزء وجرى تساؤل عما إذا كان يعتبر في الحقيقة جزءاً من المصدر الذي روى عنه القديس مرقس ..

ويؤكد آخرون أنه لم يكن في مقدور أحد أن يكون شاهداً لأغلب الحوادث المذكورة هنا .. كما لم يكن في مقدوره أن يعلم ما هي الصلاة التي صلاها يسوع وحيداً .. ولذلك فإنهم يعتبرون أن الصلاة النموذجية ( في العدد 36 ) وتكرارها ثلاث مرات إنما هي شيء مصطنع مثل القول بإنكار بطرس ثلاث مرات ..

إن القرار الموثوق منه (حول حقيقة ما جرى في الحديقة ( مستحيل) .. ( تفسير انجيل مرقس ص 389-390)

أما رواية لوقا عن آلام المسيح فنجد فيها ما يجعلنا نعرضها .. إذ أنها تقول :

" وخرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون وتبعه أيضاً تلاميذه .. ولما صار إلى المكان قال لهم صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة . وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى قائلاً يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس ، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك . وظهر له ملاك من السماء يقويه . وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض . ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياماً من الحزن .. فقال لهم لماذا أنتم نيام قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة » ( 22: 39-46 ).

ويقول جورج كيرد في تفسيره لهذه الفقرات : حسب رواية مرقس ( الذي كان مصدراً للوقا ) نجد أن يسوع بدأ يكتنفه الآن الفزع والذهول وقد تحدت إلى تلاميذه عن الحزن الذي صحب استنزاف حياته وتلاشيها .. ولما كان غير قادر على رفقة أعز أصحابه ( تلاميذه ) فإنه قضى الليل في تشنجات متتالية من صلاة المكروب .. ولكن رواية لوقا المختصرة ( بالنسبة لرواية مرقس) تعطينا بقدر الإمكان انطباعاً أقوى من حالة الاضطراب التي حلت بيسوع .. فلقد أخبرنا أن يسوع هو الذي انتزع نفسه بعيداً عن أصحابه .. وأنه كان في ألم مبرح وأن عرقه صار مثل قطرات الدم .. وعندما نتذكر الشجاعة والثبات التي واجه بها الموت رجال آخرون شجعان بكل أشكاله البربرية وما كان يصحب ذلك من تعذيب مفرط .. فلا يسعنا إلا أن نتساءل عن ما هي الكأس التي كان يسوع يرجو الله - في صلاته - أن يجيزها عنه ..

إن صلاة يسوع ترينا أن عذاب الشك كان أحد عناصر محنته المعقدة ..

فلكم تنبأ بآلامه لكنه الآن عشية حدوثها نجده ينكص على عقبيه .. هذا .. ولما كانت بعض المراجع القديمة تحذف العددين ( 43 ، 44 ) .. اللذين يقولان :

" وظهر له ملاك من السماء يقويه . وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض "

ورغم وجودهما في أغلب النسخ وإلمام علماء المسيحية في القرن الثاني بهما « فإن هذا الحذف يمكن إرجاع سببه (كما يقول جورج كيرد) إلى فهم أحد الكتبة بأن صورة يسوع هنا .. وقد اكتنفها الضعف البشري .. كان يتضارب مع اعتقاده في الابن الإلهي الذي شارك أباه في قدرته القاهرة .. ( تفسير انجيل لوقا ص 243 ) ..

فإذا سلمنا بأن هذا هو حقيقة ما حدث للمسيح في الحديقة فإن هذا يعني بوضوح أنه لم يكن يتوقع القتل إطلاقاً .. وبالنسبة لعذاب الشك الذي أصابه فيمكن إرجاعه إلى أنه لابد وقد اطمأن مسبقاً إلى أن أعداءه لن يتمكنوا من اصطياده ـ وهو ما سوف نعود إلى الحديث عنه بشيء من التفصيل تحت عنوان : ( تنبؤات المسيح بنجاته من القتل ) - أما وقد رأى أعداءه على وشك اصطياده .. فهناك أصابه عذاب الشك فيما إذا كان سينجو حقا أم أنهم سيقضون عليه ..

6- القبض :

يقول مرقس : " وللوقت فيما هو يتكلم أقبل يهوذا واحد من الاثني عشر ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ و مسلمه ( يهوذا ) قد أعطاهم علامة قائلاً الذي أقبله هو، هو، أمسكوه . وامضوا به بحرص. فجاء للوقت وتقدم إليه قائلاً يا سيدي يا سيدى وقبله. فألقوا أيديهم عليه وأمسكوه . فاستل واحد من الحاضرين السيف وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه . فأجاب يسوع وقال لهم كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتأخذوني كل يوم كنت معكم في الهيكل أعلم ولم تمسكوني ، ولكن لكي نكمل الكتب ، فتركه الجميع وهربوا ، وتبعه شاب لابساً إزاراً على عريه فأمسكه الشبان ، فترك الإزار وهرب منهم عرياناً " ( 14: 43-52) ..

*** لقد كانت القبلة هي بداية عملية القبض .. ونجد هذا قد اتفق فيه متى ولوقا مع مرقس مع خلاف يسير .. أما عند يوحنا فلا مكان للقبلة .. كما أنه يعطي صورة مختلفة تماماً عما روته الأناجيل الثلاثة المتشابهة . فهو يقول :

" أخذ يهوذا الجند وخداماً من عند رؤساء الكهنة والفريسيين، وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح. فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه وقال من تطلبون ؟ أجابوه يسوع الناصري . قال لهم يسوع أنا هو. وكان يهوذا مسلمه أيضاً واقفاً معهم . فلما قال لهم إني أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض فسألهم من تطلبون ؟ فقالوا يسوع الناصري . أجاب يسوع قد قلت لكم إني أنا هو فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون " ( 18: 3-8) ..

لقد اتفقت الأناجيل الأربعة على شيء هام وهو أنه ابتداء من ذلك الوقت الذي كان في ظلمة الليل - لأنهم جاءوا بمشاعل ومصابيح - فقد تركه التلاميذا كلهم وهربوا ..


*** أين شك التلاميذ؟

لقد سبق أن ذكرت الأناجيل على لسان المسيح قوله لتلاميذه :

" كلكم تشكون فيَّ .. في هذه الليلة "

ونحن هنا أمام احتمالين :

أحدهما ـ أن يكون المسيح قد تنبأ لتلاميذه بأن مؤامرة ستدبر ضده ، ورغم أنها ستسبب له ألماً ومعاناة .. إلا أنها ستفشل وينقذه الله من القتل الذي ينتظره على أيدي مدبريها ..

ثانيهما .. أن يكون المسيح قد تنبأ لتلاميذه بأن مؤامرة ستدبر ضده وتسبب له الأ ومعاناة وتنتهي بقتله ..

فإن كانت الحالة الأولى .. ورأى التلاميذ ـ حسبما ترويه الأناجيل بكل وضوح - أن المسيح قبض عليه في تلك الليلة واستطاعت قوى الظلم أن تنتصر عليه وتحقق ما تريد .. فعندئذ لا بد وأن يشك التلاميذ في معلمهم الذي تنبأ لهم بنجاته .. ثم أظهرت الحوادث أمام أعينهم بعد ذلك أنه لم يحدث ..

هنا فقط يحدث الشك والزلل والارتداد عن العقيدة .. ومن المعلوم أن الشك غير الإنكار .. ذلك أن اللص الذي يقبض عليه .. قد ينكر السرقة .. لكنه في الوقت نفسه أول من يعلم يقيناً أنه سرق .. فهو لا يشك في السرقة رغم أنه ينكر ذلك ..

ولما كانت الأناجيل قد أظهرت جميعاً أن التلاميذ لم يشكوا في المسيح في تلك الليلة - وإنما تحدثت عن إنكار بطرس أنه من تلاميذه - فإن هذا يعني أن الأحداث سارت حسبما جاء في تلك الحالة التي تنتهي بنجاة المسيح من القبض والقتل ..

أما إن كانت الحالة الثانية وهي أن المسيح تنبأ لتلاميذه بالقبض عليه وقتله .. فإن ما شاهده التلاميذ ـ حسب رواية الأناجيل أيضاً ـ هو أن ذلك ما حدث ولا محل للشك - إذن - في هذه الحالة ..

ولا ريب في أن نفي الشك عن التلاميذ في تلك الليلة .. يترتب عليه بالضرورة إلحاق تنبؤات خاطئة بالمسيح .. وهو الأمر الذي لا يمكن أن يصدر عنه .. وهو أمر ننكره ونستنكره ..

مما سبق نجد أن الأناجيل الأربعة اختلفت في قصة القبض وملابساتها :

فقد روى كل من مرقس ومتى أن يهوذا قبَّل المسيح .. وروى لوقا أن يهوذا كان على وشك أن يقبله .. بينما لا يعرف يوحنا شيئاً عن القبلة ..

ويذكر كل من مرقس ومتى أن تحية وكلاماً جرى بين يهوذا والمسيح .. ويصمت لوقا عن تلك التحية .. بينما لا يذكر يوحنا شيئاً عن يهوذا سوى الصمت التام بعد أن قاد القوة للقبض عليه في البستان ..

وإذا صرفنا النظر عما جاء في روايتي الاثني عشر جيشاً من الملائكة .. والشاب الذي هرب عرياناً - لبقيت ثلاث نقاط أساسية لا بد من استيعابها تماماً للوقوف عندها وهي :

1- أن القبلة كانت الوسيلة الوحيدة لتعريف أفراد القوة بشخصية المسيح (حسب مرقس ومتى ولوقا ) .. بينما تم ذلك في يوحنا بعد أن أظهر المسيح ذاته إليهم بطريقة تنم عن التحدي والثبات الذي يتحلى به المجاهدون من أصحاب العقائد والرسالات ..

2- وأن حادثاً غير عادي قد وقع في تلك اللحظة .. مما اذهل أفراد القوة وجعلهم يرجعون إلى الوراء ويسقطون على الأرض ..

3- وأن التلاميذ ـ حسبما يرويه كتبة الأناجيل - لم يشكوا في المسيح ولو للحظة واحدة من تلك الليلة التي حدث فيها القبض ..

ولما كانت قصة المسيح بكل تفاصيلها .. ترد دائماً إلى تنبؤات العهد القديم وخاصة سفر المزامير .. فإن المزمور 91 الذي يستشهد به كثيراً - يقول :

" لأنك قلت يا رب ملجاي . جعلت العلى مسكنك " لا يلاقيك شر ولا تدنو ضربة من خيمتك . لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك. على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك . أرفعه لأنه عرف اسمي ، يدعوني فأستجيب له معه أنا في الضيق . أنقذه وأمجده من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي » ( 91:9-16 ) ..


*** أليس من حق القائل أن يقول إن ملائكة الله قد حملت المسيح على أيديها في تلك اللحظة التي كادت تزيغ فيها قلوب المؤمنين .. بعد أن رأى المسيح وتلاميذه أن سلطان الظلمة على وشك أن يبتلعهم ؟

وإذا قيل : أين ذهب المسيح بعد ذلك ؟

نقول : وأين ذهب إيليا (إلياس) الذي رفع إلى السماء ؟

وفي هذا تقول أسفار العهد القديم :

« وفيما هما ( إيليا وتلميذه اليشع ) يسيران ويتكلمان ، إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء . وكان اليشع يرى وهو يصرخ يا أبي يا أبي مركبة إسرائيل وفرسانها . ولم يره بعد، - ( الملوك الثاني ( 2: 11-12)

وكما سبق أن رفع أخنوخ ( إدريس) إلى السماء ، كما تقول الأسفار :

"وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه . (تكوين 5: 24) ..


الحق أنه من رحمة الله - سبحانه وتعالى - بالناس أن كل ما فعله المسيح من معجزات له سابقة فعلها الأنبياء قبله .. فإذا كان قد أحي أمواتاً
لا يزيد عددهم حسبما ترويه الأناجيل عن ثلاثة ـ فقد أحيا واحد من الأنبياء قبله جيشاً عظيماً من الموتى .. كما أحيا غيره أفراداً ماتوا حديثاً أو بعد ان
انقضى على موتهم مدة طويلة .

وبالنسبة للمباركة وتكثير الطعام التي مارسها المسيح .. فإنها حدثت كذلك مع الأنبياء قبله .. وبالمثل كانت عملية شفاء المرضى التي مارسها الأنبياء السابقون .. إن هذا كله رحمة من الله بخلقه ****** حتى لا يضلوا في المسيح ويفتنوا به فيتخذونه إلهاً *****


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-21-2020, 12:54 AM   #10
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 378
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

7- المحاكمة:

لم تتفق الأناجيل على عدد المحاكمات .. فسوف نكتفي بالحديث عن محاكمتين فقط ..

ا- المحاكمة الأولى : أمام مجمع اليهود :

يقول مرقس :

" مضوا بيسوع إلى رئيس الكهنة فاجتمع ومعه جميع رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة . وكان بطرس قد تبعه من بعيد إلى داخل دار رئيس الكهنة وكان جالسا بين الخدام يستدفئ عند النار . وكان رؤساء الكهنة والمجمع كله يطليون شهادة على يسوع ليقتلوه فلم يجدوا ، لأن كثيرين شهدوا عليه زوراً ولم تتفق شهاداتهم .. ثم قام قوم وشهدوا عليه زوراً قائلين نحن سمعناه يقول إني أنقض هذا الهيكل المصنوع بالأيادي وفي ثلاثة أيام أبني آخر غير مصنوع بأياد . ولا بهذا كانت شهاداتهم تتفق فقام رئيس الكهنة في الوسط وسأل يسوع قائلاً : أما تجيب بشيء .. ماذا يشهد به هؤلاء عليك . أما هو فكان ساكتاً ولم يجب بشيء . فسأله رئيس الكهنة أيضاً وقال له : أأنت المسيح ابن المبارك . فقال يسوع : أنا هو. وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء . فمزق رئيس الكهنة ثيابه وقال : ما حاجتنا بعد إلى شهود ؟ وقد سمعتم التجاديف . ما رأيكم ؟. فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت . فابتدأ قوم يبصقون عليه ويغطون وجهه ويلكمونه ويقولون له : تنبا. وكان الخدام يلطمون " (14: 53-65) ..

يقول نينهام : ليس من السهل أن نتبين كيف نشأ هذا الجزء .. ولقد كان السؤال حول قيمته التاريخية - ولا يزال - موضوعاً يتعرض لمناقشات حيوية .. ومن الواجب أن نعرض الأسباب الرئيسية للشك في قيمته التاريخية .. ونناقشها باختصار كما يلي :

1- يصف القديس مرقس المحاكمة على أنها حدثت أمام المجمع - أي السهندرين - وهو هيئة رسمية تتكون من واحد وسبعين عضواً يرأسها رئيس الكهنة وتمثل السلطة الشرعية العليا في إسرائيل ..

ولما كانت لائحة السهندرين المذكورة في المشنا تبين الخطوات التفصيلية التي يجب اتخاذها أمام تلك الهيئة .. فإن المقارنة بين تلك الإجراءات وبين ما يذكره القديس مرقس عن محاكمة يسوع .. تكشف عن عدد من المتناقضات أغلبها جدير بالاعتبار ..

2 - ولكن .. هل كان من الممكن أن يجتمع أعضاء السهندرين .. ولو حتى لعمل مثل تلك الإجراءات القضائية الرسمية التي تسبق المحاكمة في منتصف ليلة عيد الفصح .. أو إذا اعتبرنا أن تقويم القديس مرقس لاسبوع الأحداث غير دقيق .. فهل كان يمكن أن يجتمعوا في منتصف الليلة السابقة لعيد الفصح ؟

إن محاكمة رسمية في مثل ذلك الوقت تبدو شيئاً لا يمكن تصديقه .. كما يشك أغلب العلماء تماماً في عقد جلسة في مثل ذلك الوقت .. ولو لعمل تحقيقات مبدئية ( تفسير أنجيل مرقس ص 398-401) .

المحاكمة الثانية أمام بيلاطس :

يقول مرقس :

" وللوقت في الصباح الباكر تشاور رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة والمجمع كله وأوثقوا يسوع ومضوا به وأسلموه إلى بيلاطس . فسأله بيلاطس : أنت ملك اليهود ؟ فأجاب وقال له : أنت تقول ؟ وكان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيراً . فسأله بيلاطس أيضاً قائلاً أما تجيب بشيء. انظر كم يشهدون عليك . فلم يجب يسوع أيضاً بشيء حتى تعجب بيلاطس . وكان يطلق لهم في كل عيد أسيراً واحداً ، من طلبوه . وكان المسمى باراباس موثقاً مع رفقائه في الفتنة. الذين في الفتنة فعلوا قتلاً . فصرخ الجميع وابتدأوا يطلبون أن يفعل كما كان دائماً يفعل لهم . فاجابهم بيلاطس قائلاً أتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود . لأنه عرف ان رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسداً . فهيج رؤساء الكهنة الجميع لكي يطلق لهم بالحري باراباس . فأجاب بيلاطس أيضاً وقال لهم فماذا تريدون أن أفعل بالذي تدعونه ملك اليهود ؟ فصرخوا أيضاً اصلبه . فقال لهم بيلاطس : وأي شر عمل؟ فازدادوا جداً صراخاً : اصلبه . فبيلاطس إذ كان يريد أن يعمل للجميع ما يرضيهم أطلق لهم باراباس وأسلم يسوع بعد ما جلده ليصلب " ( 15: 1-15) ..

يقول نينهام :

رغم أن المحاكمة تعرض لنا باعتبارها وقعت في العراء - فإن رواية القديس مرقس لا يمكن اعتبارها بأية حال تقريراً لشاهد عيان ، وفي الواقع إنها ليست تقريراً على الإطلاق .

إننا لم نخطر كيف علم بيلاطس بالتهمة ( وفي العدد 2 نجده قد عرفها من قبل ) ولماذا لم يرد ذكر لحكم رسمي ( على عكس لوقا الذي يقول :

" فحكم بيلاطس أن تكون طلبتهم " ( 23: 24 ) ..

وبالنسبة لما قيل عن عادة إطلاق أحد المسجونين - فإن وجهة نظر أغلب العلماء تقرر أنه :

لا يعرف شيئاً عن مثل هذه العادة كما وصفت هنا .. إن القول بأن عادة الحكام الرومان جرت على إطلاق أحد المسجونين في عيد الفصح .. وأن الجماهير هي التي كانت تحدد اسمه بصرف النظر عن جريمته .. إنما هو قول لا يسنده أي دليل على الإطلاق .. بل إنه يخالف ما نعلمه عن روح الحكم الروماني لفلسطين وأسلوبه في معاملة أهلها ..

على أن محتويات الحوار بين بيلاطس والجمهور تعتبر من المشاكل أيضاً .. فيبدو منها أن بيلاطس قد وُوجِه مقدماً بالاختيار بين مجرمين أدينا .. بحيث إذا أطلق سراح أحدهما لوجب عليه إعدام الآخر .. وفي نهاية الفقرة التالية ( الأعداد 2-5 ) ) نجد أن يسوع لم يدن .. وحسبما تذكره القصة لا نجد مبرراً يمنع بيلاطس من تبرئة يسوع إذا كان قد اعتقد في براءته وإصدار عفو كذلك عن باراباس .. ونجد في رواية القديس متي لهذه القصة أن اسم ذلك المتمرد ذكر مرتين ( في 27: 16, 17 ) في أغلب النسخ على أنه : يسوع باراباس والاعتقاد الشائع أن ذلك كان القراءة الأصلية ..

إن حذف كلمة يسوع من النسخ المتداولة بيننا يمكن شرحه ببساطة على أساس أنه بالرغم من أن اسم يسوع كان شائعاً في أيام المسيح .. فلم يلبث
المسيحيون أن اعتبروه اسماً مقدساً يرقي عن الاستخدام العادي .. وأن أطلاقه على أحد المجرمين يعتبر مهيناً . ( تفسير انجيل مرقس ص 411-416 ).

ولقد أضاف متى إلى رواية مرقس قصتين : احداهما تحكي نهاية يهوذا .. وهذا الموضوع سوف نتعرض له في حينه .. وأما الأخرى فهي الحديث عن حلم زوجة بيلاطس .. كذلك بين متى أن بيلاطس أعلن براءته من دم المصلوب بطريقة قاطعة فهو يقول :

" فقال الوالي وأي شر عمل ؟ فكانوا يزدادون صراخاً ليصلب . فلما رأى بيلاطس أن لا ينفع شيئاً بل بالحرى يحدث شغب أخذ ماء وغسل يديه قدام الجميع قائلاً إني برئ من دم هذا البار ، أبصروا أنتم . فأجاب جميع الشعب وقالوا دمه علينا وعلى أولادنا . حينئذ أطلق لهم باراباس . وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب " ( 27: 23-26 ) ..

لكن العلماء يشكون في حادث غسل يد بيلاطس - كما يقول جون فتون - باعتبار أن ( عملية غسل اليد لتكون دليلاً على البراءة إنما هي عادة يهودية أكثر منها رومانية .. إذ يقول سفر التثنية :

" يغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من المدينة أيديهم ويقولون أيدينا لم تسفك هذا الدم "

ومن المستبعد جداً أن يكون بيلاطس قد عمل شيئاً كهذا .. ( تفسير انجيل متى ص 436 ) ..

نكتفي بهذا القدر بالنسبة لبعض ما يقال في المحاكمات والثغرات الموجودة فيها ثم نمر بعد ذلك على عدد من العناصر التي تتعلق بقضية الصلب .. وهي لا تحتاج كثيراً للاستشهاد بأقوال العلماء .. إذ أن اختلاف الأناجيل فيها واضح لا يحتاج إلى تعليق ..


8- الصلب:

أ- حامل الصليب :

يقول مرقس :

" ثم خرجوا به ليصلبوه . فسخروا رجلاً مجتازاً كان آتياً من الحقل وهو سمعان القيرواني أبو الكسندرس وروفس ليحمل صليبه وجاءوا به إلى موضع جلجثه الذي تفسيره موضع جمجمة " ( 15: 20-22 ) ..

*** ويتفق متى ولوقا مع مرقس في أن حامل الصليب كان المدعو سمعان القيراوني لكن يوحنا يقرر شيئاً آخر فهو يقول :

" حينئذ أسلمه إليهم ليصلب فأخذوا يسوع ومضوا به . فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة ، ( 19: 16-17 ) ..

يقول نينهام :

لقد كان المعتاد أن يقوم الذين حكم عليهم بالصلب .. بحمل صلبانهم بأنفسهم .. ويقرر يوحنا أن هذا كان ما حدث فعلا في حالة يسوع ولكن على العكس من ذلك نجد حسب رواية ( مرقس ومتى ولوقا) أن شخصا مجهولا يدعى سمعان القيرواني هو الذي سخره الرومان لحمل الصليب بدلا من يسوع ..

وبالنسبة لموضع جلجثة فإن التقاليد التي تقول إنه يقع داخل كنيسة القير المقدس لا يمكن إرجاعها لأبعد من القرن الرابع .. كما أنها لا تزال موضع جدل . ولقد اقترحت أماكن أخرى في عصرنا الحاضر .. إلا أن القطع بواحد منها لا يزال بعيداً عن التحقيق . ( تفسير انجيل مرقس ص 422 ) ..

أي أن الحديث عن القبر المقدس الذي يقول المسيحيون إن المسيح دفن فيه .. وكان سبباً من الأسباب الظاهرة للحروب الصليبية التي ادعي مشعلوها أنها قامت لتخليص ذلك القبر المقدس من أيدي الكفرة والتي استمرت أكثر من 280 عاماً ، وقتل فيها من المسيحيين والمسلمين عشرات الألوف .. ودمر فيها الكثير من المدن وأسيلت فيها دماء الكثير من الأبرياء ـ كل هذا قام على غير أساس ..

ب- شراب المصلوب :

يقول مرقس :

" أعطوه خمراً ممزوجة بمر ليشرب فلم يقبل " ( 15: 23 ) ..

ويقول متى :

" أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب ، ولما ذاق لم يرد أن يشرب " ( 27: 34 ) ..

ج ـ علة المصلوب :

يقول مرقس :

" وكان عنوان علته مكتوباً : ملك اليهود " ( 15: 26 ) ..

ويقول متى :

" وجعلوا فوق رأسه علته مكتوبة : هذا هو يسوع ملك اليهود " ( 27: 37 ) ..

ويقول يوحنا :

" وكتب بيلاطس عنواناً ووضعه على الصليب .. وكان مكتوباً يسوع الناصري ملك اليهود" ( 16: 19 )

يقول نينهام : لقد اختلفت الآراء بشدة حول صحة ما كتب عن علته .. فيرى بعض العلماء أن الصيغة الدقيقة قد عرفت عن طريق شهود عيان .. بينما يعتقد آخرون أنه من غير المحتمل أن يكون الرومان قد استخدموا مثل تلك الصيغة الجافة .. وأن ما ذكره القديس مرقس بوجه خاص عن علته .. إنما يرجع مرة أخرى لبيان أن يسوع قد أعدم باعتباره المسيا. ( تفسير انجيل مرقس ص 424 ) ..

*** إن اختلاف الأناجيل في عنوان علة المصلوب - وهو ما لا يزيد عن بضع كلمات بسيطة كتبت على لوحة قرأها المشاهدون ـ إنما هي مقياس لدرجة الدقة لما ترويه الأناجيل .. وطالما كان هناك اختلاف ـ ولو في الشكل كما في هذه الحالة ـ فإن درجة الدقة لا يمكن أن تصل إلى الكمال بأي حال من الأحوال ..

وقياساً على ذلك نستطيع تقييم درجة الدقة لما تذكره الأناجيل من ألقاب المسيح .. وخاصة عندما ينسب إنجيل إلى أحد المؤمنين به قوله :

كان هذا الإنسان باراً .. بينما يقول إنجيل آخر في نفس الوقت : كان هذا الإنسان ابن الله .. أو عندما يقول أحد الأناجيل على لسان تلميذ للمسيح : يا معلم .. ويقول إنجيل آخر : يا سيد .. بينما يقول ثالث : يا رب ..
إن الحقيقة تبقى هنا دائماً محل خلاف ..


د- اللصان والمصلوب :

يقول مرقس :

" وصلبوا معه واحداً عن يمينه وآخر عن يساره .. واللذان صلبا معه كانا يعيرانه " ( 15: 27-32 ) ..

ويتفق متى مع مرقس في أن اللصين كانا يعيرانه ويستهزئان به .. لكن لوقا يقول :

" وكان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه قائلاً إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا .. فأجاب الأخر وانتهره قائلاً : أولا أنت تخاف الله إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه . أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلناه ، وأما هذا فلم يفعل شيئاً ليس في محله . ثم قال ليسوع : اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك . فقال له يسوع : الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس " ( 23: 39-43 ) ..

: لقد اختلفت الأناجيل في موقف اللصين من المصلوب ..

هـ - وقت الصلب :

يقول مرقس :

" وكانت الساعة الثالثة فصلبوه " ( 15: 25) ..

لكن يوحنا يقول : إن ذلك حدث بعد الساعة السادسة :

" وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة . فقال ( بيلاطس) لليهود هو ذا ملككم فصرخوا خذه خذه اصلبه . فحينئذ أسلمه إليهم ليصلب " ( 19: 14-16) ..

يقول نينهام :

منذ اللحظة التي روى فيها القديس مرقس انكار الناس ليسوع نجد أن الوقت قد خطط بعناية بحيث تكون الفترة ثلاثية الاحداث أو التوقيتات مثل : ( إنكار بطرس ثلاث مرات 14: 68 , 72 ) وقت الصلب الساعة الثالثة ( 15: 25 ) - وقت الظلمة من السادسة إلى التاسعة ( 15: 33 , 34 ) ..

وفي هذا المثل على الأقل فإن الحساب يبدو مصطنعاً .. إذ أنه من الصعب أن كل ما روت الأعداد ( 15: 1-24 ) ( منذ بدء جلسة الصباح حتى وقت الصلب ) يمكن حدوثه في فترة الثلاث ساعات ..

ويبين إنجيل يوحنا ( 19: 14) بوضوح أن ذلك لم يحدث .. ( تفسير انجيل مرقس ص 424 ) ..

و - صلاة المصلوب

يقول لوقا :

" ولما مضوا به إلى الموضع الذي يدعى جمجمة صلبوه هناك مع المذنبين واحداً عن يمينه والآخر عن يساره . فقال يسوع : يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون " ( 23: 33-34 ) ..

لقد انفرد لوقا بذكر هذه الصلاة التي حذفتها الأناجيل الأخرى .. بل وبعض النسخ الهامة التي تنسب للوقا أيضاً ..

ويقول جورج كيرد : لقد قيل إن هذه الصلاة ربما تكون قد محيت من إحدى النسخ الأولى لإنجيل ( لوقا ) بواسطة أحد كتبة القرن الثاني .. الذي ظن أنه شيء لا يمكن تصديقه أن يغفر الله لليهود .. وبملاحظة ما حدث من تدمير مزدوج لأورشليم في عامي 70 ، 135 صار من المؤكد أن الله لن يغفر لهم .. ( تفسير انجيل لوقا ص 250 ) ..

ز - صرخة اليأس على الصليب :

يقول مرقس : « ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة . وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً : ( الوي الوي لما شبقتني ) الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني " ( 15: 32-34 ) ..

لكن لوقا يقول :

" نادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي " ( 23: 46) ..

بينما يقول يوحنا: " لما أخذ يسوع الخل قال قد أكمل " (19: 30) ..

إن صرخة اليأس على الصليب تثير عدداً من المشاكل التي كانت ولا تزال موضع جدل بين العلماء .. فالبعض يقول : يبدو أن القديسين لوقا ويوحنا قد رأيا في كلماتهما غموضاً واحتمالا لسوء الفهم ولذلك حذفاها .. ثم استبدلها أحدهما بقوله :

" يا أبتاه في يديك أستودع روحي .. بينما قال الآخر : قد أكمل ..

وعلى العكس من ذلك فإن مثل هذا الرأي يفترض الراوية الذي كان شاغله الأول أن يذكر الحقيقة التاريخية ، ويسجل بأمانة للأجيال القادمة كلاماً مزعجاً يتعذر تفسيره ..

ولهذا فإن أغلب العلماء المحدثين يقرون تأويلاً مختلفاً تماماً .. يقوم على حقيقة أن هذه الكلمات ( اليائسة ) إنما هي اقتباس من ( المزمور 22: 1)

" إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي، بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي، عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي ؟ "

وإذا أخذنا هذا المزمور ككل .. فإنه لا يمكن أن يكون صرخة بأس باي حال من الأحوال .. إنما هو صلاة لعبد بار يعاني آلاماً .. إلا أنه يثق تماماً في حب الله وحفظه من الشر .. وهو مطمئن تماماً إلى حمايته " ( تفسير إنجيل مرقس ص 427-428 ) ..

ح- في أعقاب الصلب :

يقول مرقس :

" انشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل ولما رأي قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح قال حقا كان هذا الإنسان ابن الله " ( 15: 38-39 ) ..

ويقول متى :

" وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل والأرض تزلزلت والصخور تشققت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين " ( 27: 51-53) ..

ويقول لوقا :

" أظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه فلما رأي قائد المئة ما كان مجد الله قائلاً : بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً " ( 22: 45-47 ) ..

*** أما يوحنا فإنه لا يعلم شيئاً عن ذلك ..

يقول جورج كيرد : إن حدوث كسوف للشمس (حسب رواية لوقا ) بينما يكون القمر بدراً .. كما كان وقت الصلب إنما هو ظاهرة فلكية مستحيلة الحدوث ..

ولقد كان الشائع قديماً أن الأحداث الكبيرة المفجعة يصحبها نذر سوء .. وكأن الطبيعة تواسي الإنسان بسبب تعاسته .. ( تفسير إنجيل لوقا : ص 253 ) ..

ويقول نينهام : لقد قيل إن مثل تلك النذر لوحظت عند موت بعض الأحبار الكبار وبعض الشخصيات العظيمة في العصور القدمية الوثنية وخاصة عند موت يوليوس قيصر .. ( تفسير إنجيل مرقس : ص 427 ) ..

ويقول جون فنتون : لقد أضاف "متى" إلى ما ذكره مرقس حدوث الزلزلة وتفتح القبور وقيامة القديسين من الأموات وظهورهم لكثيرين في أورشليم بعد قيامة يسوع .. وكان قصده من إضافة هذه الأحداث أن يبين أن موت يسوع كان عملاً من صنع الله ) .

*** الحق الذي لا مرية فيه أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله .. لا يخسفان لموت صغير أو كبير .

وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إنشاء موضوع جديد إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir