07-25-2024, 11:01 PM | #1 |
Senior Member
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 7,213
|
لم أتمالك نفسي، بكيت
دخل علي الغرفة مرة قبل الفجر ليوقظني للصلاة، فوجدني ساجداً، فما كان منه إلا أن نزل على ركبتيه وقبل رأسي وأنا ساجد ثم خرج من غرفتي!
انتهيت من صلاتي وأنا مندهش مما حصل! ما زلت على سجادتي أحاول القيام لكن قدماي لا تحملاني، شعرت كأن يداي تنتفضان من هول ما جرى! هنا ارتفع صوت المؤذن ليعلن للدنيا عن صلاة الفجر، قمت من على سجادتي، لبست غترتي، خرجت إلى المسجد وأنا أتساءل؟ لماذا فعل ذلك ؟ طوال عمري وأنا الذي أقبله على رأسه، وعلى يده، أما اليوم فالصورة أرعبتني . هل رأى رؤيا أفزعته، أم رأى شيئاً أسره ؟ مازالت الحوارات بداخلي حتى دخلت المسجد. ومن عادتي أن أدخل وأصلي في ميامن الصفوف ولكن هذه المرة توجهت للجهة الأخرى حتى لا أراه أو يراني قبل الصلاة. انتهينا من الصلاة، وانتظرت متى يخرج الناس من المسجد، وأنا أسترق النظر كل دقيقة لأرى إن كان الناس قد تناقصوا، ولأني أعلم أنه لا يخرج قبل الشروق، أريد أن أذهب وأجلس معه وأسأله عما فعله اليوم! قبلت رأسه وجلست بجواره، تبسم لما شعر بي، أغلق مصحفه، والتفت إلي بابتسامته الرائعة المثقلة بعناء السنين ودفئ الطاعة. أبي يا حبة قلبي ونور بصري ونبضة روحي : لماذا فعلت ذلك ؟ لماذا نزلت على ركبتيك على الأرض لتحملني عناء الألم بنزولك، ولماذا قبلتني على رأسي لترهقني بواجبات السداد التي لا يمكنني أن أوفيها ؟ هنا وجدت أن ابتسامته اختلطت بعبرات ودمعات كادت تخنقني قبل أن تخرج منه؛ نظر إلى عيني وقال : والله لولا عاطفة الأبوة لقلت : حرام أن تعيش في دنيانا. لم أتمالك نفسي، بكيت، قبلت رأسه ويده، وقلت له : إنما أنا نبت سقيته أنت، وارتوى من معينك، ومازال يتعلم من مدرستك، ولولا أن يقال كل إنسان بوالده معجب، لقلت : هنيئاً للأرض والدنيا بوجود أمثالك. أيها الأحباب : هذه ليست قصة من نسج خيالي، إنما هي صورة حية لأخ أعرفه وأعرف والده. قد يقول قائل : إنها مبالغات الأبوة وانبهار البنوة! وحق لكل واحد منهما ذاك، ولكني عندما جلست أتأمل قوليهما وجدت فيه الكثير من الصواب. فالأب يرى أحوال شبابنا اليوم ما بين سهر ولعب وسينما وسفر وغناء وتدخين ومباريات وأفلام ومسرحيات وتأخر عن الصلوات، ثم هو في وسط هذا الزحام المنتشر من الملهيات يرى ولداً لا يفتر عن طاعة، صواماً، قواماً، عابداً زاهداً، يقبل بالقليل ولا تفتنه شهوات الزمان، قلبه معلق بالشوق للجنان والخوف من النيران! وولداً يرى والده الشيخ الكبير لا ينقطع عن مصلاه، ولا يفتر عن الصدقة، ولا يقطع مصحفه، مع ما آتاه الله من خير الدنيا إلا أنه متواضع إلى آخر درجة! عندما أخبرني بالقصة، قلت له : هنيئاً لك به، وهنيئاً له بك؛ فنعم الوالد والولد! أخيرا : جميل يا أحباب أن نربي أبناءنا هكذا ثم نفرح بجني الثمار بصلاحهم، وجميل أن يكون الآباء قدوة لأبنائهم فيمثلون لهم الصورة الرائعة للدين. اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا واغفر لنا تقصيرنا تجاههم، وبارك في ذرياتنا واجعلهم من الصالحين المصلحين. |
|
|