عرض مشاركة واحدة
قديم 08-27-2015, 12:52 AM   #5
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 351
افتراضي

لقد كنتُ في العراق وأنا في ريعان شبابي . وكنتُ رئيس حرس الاسواق .. وكنتُ أرقب الاسعار والتجار .. وكنتُ فظاً ، غليظ القلب ، لا يُحبني أحد .. ولا أحترم أحداً وبينما أنا أجولُ في السوق واذا بي أرى رجلاً من التجار طويل القامة ، كبير الهامة .. عريض المنكبين .. قد لبس الحرير وأسبل عمامته .. تفوحُ منه رائحة الطيب .. .. وقد لبس ثياباً فاخرة وحلى اصبعه بخاتم ضخم .. البطرّ والسرف باد على محياه وبين يديّه رجل فقير قد جثى على ركبتيه يتوسل ويتضرع ويبكي ... ثيابه ممزقة لا تكادُ تستر جسمه . نحيل الجسم غائر العين بارز الوجنتين ... مشعث الشعر .. أصفر الوجه .. مشقق اليدّ من الكدح والتعب وهو يقول .. يا مولاي لمذا أخذت مني سبعة دراهم .. وهي تحصيل يومي وتعبي .. رُدها عليّ .. اني احتاج إليها هذه الليلة .. ففيها عشاء بُنياتي .. طاويات الجوع في هذا البرد الذي لا يرحم .. رُدّ عليّ دراهمي يرحمك الله .. .. يخلفك الله خيراً منها .. أمهلني .. وكلما تذلل المسكين بين يديّه شمخ الغنيّ بأنفه ورفع رأسه إلى السماء وكأنه يكلم جداراً أو حجراً لا انسان فيه قلبٌ وروح ... يقولُ فتأثرت من هذا المنظر فجئتُ الى الغنيّ وقلت ما شأنك وهذا ... قال وماذا يحشرك أنت فيما بيننا ... انصرف ! .. إنك لا تعرف هذا .. انه مكارٌ .. خبيث .. أقرضته منذ سنة ، سبعة دراهم .. وهو يفرّ مني كلما رآني .. حتى اصطدتهُ اليوم في السوق .. فأخذتها منه .. يقولُ له سبعة دراهم ؟؟؟ وانت قد أغناك الله رُدّها عليه .. فلما قلتُ له ذلك .. أبى واستكبر وطغى ..يقولُ فصفعته صفعة .. طنت لها أُذناه .. وانقدحت لها عيناه .. وكاد أن يزحف أنفه من مكانه ثم أدخلت يديّ في جيبه وأخرجت الدراهم ووضعتها في يد الفقير ... وقلت له انطلق ! .. فانطلق فرحاناً .. يجري وهو يتلفت .. فقلتُ له يا هذا اذا تعشت بُنياتك هذه الللية فقل لهنّ يدعون لمالك ابن دينار ... يقولُ فلما اصبح الصباح .. وبينما أنا في السوق واذا بي احسُ في قلبي أن الله قذف فيه حب الزواج ... وأخذت أعرض نفسي على الناس ولكن مََنْ يُزوجني ؟؟؟

فأنا الفظ الغليظ .. مدمن الخمر لا يرغبُ بي أحد ... يقولُ فلما طردني الناس .. ذهبتُ الى سوق الجواري والإماء .. فاشتريتُ جارية ً مسلمةً مومنة .. ثم أعتقتها وجعلت مهرها عتقها .. ثم تزوجتها .. فكانت نعم المرأة .. عارفة لربها مطيعة لزوجها كنتُ أرى فيها الخير .. والبركة من يوم أن حلت في داري .. فقد تركتُ الخمر ، وأقبلت على الصلاة .. وأقبلت على الذكر والطاعة .. واخذت استغفر الله .. ورق قلبي ولان .. وأحببت الخير والدعوة الى الخير .. ورزقني الله منها بُنية صغيرة كنتُ أرى فيها سعادة الدنيا ... أراها تعلبُ في الدار .. وتتلقاني اذا جئت .. وتنام بجواري في الليل .. وتداعبني وأداعبها ، فامضي معظم أوقاتي في ملاعبتها في الدار .. وبينما أنا كذلك .. ذات يوم وهي تعلب بين يديّ .. اذ خرت في حجري ميتة .. لا أدري ما السبب ، مالذي حدث لها .. فاضت روحها وأنا انظر إليها .. فكاد قلبي ان ينخلع من مكانه .. فقلت .. ويّحي .. بُنيتي ، حبيبتي .. قرة عيني .. مالذي أصابك .. أهي عينْ أصابتك أم قضاءٌ فنزل بك ... فحملتها وقد تدلت رقبتها على يديّ ... وأخذت أذهب في البيت .. لا أدري أين أذهب .. فاستقبلتني أمها .. وقالت : ما الذي حدث للبُنية ؟؟؟ قلتُ لا ادري !! .. تعلبُ بين يديّ ، فخرت ميتة .. انظري .. فجلستُ انا وأمها نبكي ... بعد ان دفنتها وصليت عليها .. كلما التفتُ في الدار أرى ذكراها .. فهذه ألعابها .. وتلك ملابسها .. فلها في كل زاوية أثر .. ولها في كل جدار ضحكة وابتسامة .. اذا جاء الطعام تذكرتها .. واذا جاء المنام تذكرتها .. حتى أخذني الحزن كل مأخذ .. فاصحبت لا أشتهي الطعام والشراب .. أما اذا جاء الليل ، وما أدراك ما الليل .. أظل أرقب نجومه ولا أنام فيه ألا من الإعياء والتعب .. وامها دموعها لا تزال تنكبُ على طفلتها ووليدتها وعندما اقول الولد انتهم آباء وانتنّ امهات وتعرفون هذا الشعور .. تتذكرها يوم كانت في بطنها ، ثم يوم أن وضعتها .. ثم يوم أن أرضعتها .. ثم نشأت في خلاياها .. جاعت حتى تشبع .. سهرت حتى تنام .. مرضت حتى تشفى .. كم اشترت لها الجديد .. وألبستها الجديد ... كم سمعت كركراتها .. كم ناغتها وهدهدتها .. لها رائحة مميزة في البيت .. اصواتها ، اصدائها تنبعث في البيت وعلى الاطباق في المطبخ .. ألعابها لا تزال .. حركاتها تحركها فما سكنت .. كأنها الآن تعلب بها .. البنت فلذة الكبد ...

يقول .. وذات ليلة .. لما بلغ بي الحزن مبلغه .. ودب في قلبي اليأس يرافقه الحزن .. يقول .. قلتُ لأشربن هذه الليلة حتى أموت .. يقول .. فأحضرتُ الشراب وجلست أشربُ حتى خررت على الأرض صريعا .. لا أدري كيف ولا ادري متى .. وبينما أنا في ذنبي ومعصيتي لم أرضى بقضاء الله .. ولكن الله أرحمُ الراحمين .. واذا بي أرى في المنام كأن القيامة قد قامت .. وكأن الأرض تشققُ عن العباد كالجراد المنتشر .. يشارك في هول يوم القيامة .. كل شيىء .. السماء تنفطر .. الجبال تُنسف .. كل شيىء يضطرب .. والخلائق تجري .. وأنا أجري .. وأحس بلهيب خلف ظهري .. فلما التفتُ ! .. واذا بي أرى ثعباناً ينفثُ على ظهري ناراً ... كلما جريتُ جرى .. وكلما ابتعدت .. اقترب .. إلى أين المهرب ؟ .. أين انجو .. ؟ إلى من أفر ..؟

يقولُ .. وانا أجري في عَصَرات يوم القيامة ألهثُ من التعب .. والثعبان خلفي يشتدْ .. واذا بي أرى جبلاً وحيداً يعترض طريقي .. وفي الجبل شُرفات وفتحات .. تُطل منهنّ بُنيات .. لما رأينني فرحن .. وصرخن .. يا فاطمة أدركي أباك .. يا فاطمة أدركي أباك ... يقول .. فاذا بُنيتي الصغيرة .. تطلُ من شرفة الجبل .. فتناديني فتقول .. أبي .. ثم أشارت الى الثعبان فوقف .. ومدت يديّها اليّ واصعدتني عندها .. ثم جلست بين يدي .. وهي تقول .. يا أبتاه .. ( ألم يأني للذين آمنو أن تخشع قولبهم لذكر الله وما نزل من الحق ) ... يقولُ وتكررها ... ( الاية ) .. وأفقتُ من نومي وكأني اسمع صوتها في أُذنيّ يتردد .. واذا بي اسمع أذان الفجر .. حيّ على الصلاة .. حيّ على الفلاح ..

يقولُ.. فأفقتُ واستغفرتُ وتُبتُ إلى الله .. وحمدتُ الله الذي أحياني الى الدنيا من جديد .. ثم ذهبتُ واغتسلت .. وتوظئت واتجهتُ إلى المسجد الجامع أصلي خلف الامام .. اذا به في الصلاة يقرأ قول الله تعالى ( ألم يأني للذين آمنو أن تخشع قولبهم لذكر الله وما نزل من الحق ) يقول .. فانتفظ قلبي وفاضت عينايّ .. وكأنني انا الوحيد المعني والمراد .. وأنا المخاطب بها .. وذلك من رحمة الله فستحييتُ من الله حق الحياء .. فلما انتهت الصلاة واستدار الامام .. وإذا به يفسر قول الله تعالى ( الآية ) واذا به يقول .. عباد الله أن الله يحثنا إلى التوبه .. فهو يقول " ألم يأني " .. ويأني مشتقة من الآن .. فانه يقول .. الآن الآن توبوا قبل أن تفوتُ هذه اللحظة .. ثم يندم الانسان .. فالآن الآن إلى التوبه .. .. الآن الآن الى ذكر الله .. الآن الآن الى الخشوع .. يقولُ .. فتبتُ إلى الله واستغفرت من ذنبي .. وتجلت عندي رحمة الله الذي لم يأخذني وأنا بمعصيتي وأمهلني حتى تُبت وأنبت .. وذهبت إلى زوجتي وقلت لها هيا بنا نشدُ الرحال إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأطلب العلم .. فلعل الله يُنسيني همّ بُنيتي .. فيقول فشددت الرحال وطلبت العلم ووفقني الله الى كثير منه .. وعوضني الله خيراً من بُنيتي .. عوضني أبناء المسلمين .. يشدون اليّ الرحال من مشارق الأرض ومغاربها .. يجلسون بين يديّ طول النهار وزلفٌ من الليل يطلبون العلم ... فحمدت الله تبارك وتعالى على نعمته ، (( وعسى أن تكرهو شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً )) فكم من خير جعل الله في طيات هذا البلاء ..


أيها الاحبة في الله إن هذه الحادثة فيها من العبرة وكلنا في حياتنا نتعرض للمصائب .. في حبيب أو عزيز أو غالٍَ ، أو نفيس .. ولكن فإن رضينا فلنا الرضاء وأن سخطنا فعلينا السًخط .. والله هو الغنيّ الحميد .. وهو الوليّ الحميد ..

يا ابن آدم إن الله اذا ابتلاك شكوت من يرحم الى من لا يرحم .. فشكوت ربك إلى العبد .. شكوت من يرحم إلى من لا يرحم .. يا ابن آدم أما رأيت كيف أن الله يغذو الجنين في بطن أمه عن طريقٍ واحد حبل السره .. فاذا وُلد الجنين وانقطع الطريق أخلفه بطريقين لبناً صائغاً .. عامين كاملين .. فاذا انقطع الطريقان وجف اللبن .. أخلفه الله بأربعة طرق .. طعامان وشرابان .. الطعامان من الحيوان والنبات ، والشرابان .. اللبن والماء .. فاذا توفي وكان من الصالحين أخلفه الله طُريقاً ثمانية أبواب الجنة تدخله من أي باب شاء .. يا ابن آدم هكذا الله حكمٌ .. عدلٌ .. لطيفٌ .. رحيمٌ رؤوف ودود .. فما ابتلاك إلا ليعافيك .. وما أمرضك إلى ليشافيك .. وما أخذه منك إلا ليعطيك .. ويحك يا ابن آدم تشكو ربك .. تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك .. وقال تعالى في كتابه الكريم ..

" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " .

التعديل الأخير تم بواسطة AL-ATHRAM ; 09-04-2015 الساعة 05:07 PM
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس