عرض مشاركة واحدة
قديم 06-18-2016, 02:08 PM   #10
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 351
افتراضي

يقول أحد الشعراء ... حينما جلست في المقعد المخصّص لي في الدرجة الأولى من الطائرة التي تنوي الإقلاع إلى عاصمة دولةٍ غربية .. كان المقعد المجاور لي من جهة اليمين ما يزال فارغاً .. بل إن وقت الإقلاع قد اقترب والمقعد المذكور ما يزال فارغاً .. قلتُ في نفسي :

أرجو أن يظل هذا المقعد فارغاً ، أو أن ييسّر الله لي فيه جاراً طيباً يعينني على قطع الوقت بالنافع المفيد ،.. نعم إن الرحلة طويلة سوف تستغرق ساعات يمكن أن تمضي سريعاً حينما يجاورك من ترتاح إليه نفسك .. ويمكن أن تتضاعف تلك الساعات حينما يكون الأمر على غير ما تريد !

وقبيل الإقلاع جاء من شغل المقعد الفارغ .... فتاةٌ في مَيْعة الصَّبا .. لم تستطع العباءة الفضفاضة السوداء ذات الإطراف المزيّنة أن تخفي ما تميزت به تلك الفتاة من الرّقة والجمال .... كان العطر فوّاحاً ، بل إن أعين الرّكاب في الدرجة الأولى قد اتجهت إلى مصدر هذه الرائحة الزكيّة .. لقد شعرت حينها أن مقعدي ومقعد مجاورتي أصبحا كصورتين يحيط بهيما إطار منضود من نظرات الرُّكاب .. حينما وجهت نظري إلى أحدهم ... رايتُه يحاصر المكان بعينه ... ووجهه يكاد يقول لي :

ليتني في مقعدك ... كنت في لحظتها أتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام :

" ألا وإنَّ طيب الرجال ما ظهر ريحه ، ولم يظهر لونه ، ألا وأنّ طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه . .

ولا أدري كيف استطعت في تلك اللحظة أن أتأمل معاني هذا الحديث الشريف .. لقد تساءلت حينها ... لماذا يكون طيب المرأة بهذه الصفة ..؟

كان الجواب واضحاً في ذهني من قبل :

إن المرأة لزوجها .. ليست لغيره من الناس .. وما دامت له فإنّ طيبَها وراحة عطرها لا يجوز أن تتجاوزه إلى غيره .. كان هذا الجواب واضحاً .. ولكن ما رأيته من نظرات ركاب الطائرة التي حاصرت مقعدي ومقعد الفتاة .. قد زاد الأمر وضوحاً في نفسي وسألت نفسي :

يا ترى لو لم يَفُحْ طيب هذه الفتاة بهذه الصورة التي أقمعت جوَّ الدرجة الأولى من الطائرة .. أكانت الأنظار اللاّهثة ستتجه إليها هذه الصورة ؟


عندما جاءت " خادمة الطائرة " العصير .. أخذت الفتاة كأساً من عصير البرتقال .. وقدمته إليّ ... تناولته شاكراً وقد فاجأني هذا الموقف ..


وشربت العصير وأنا ساكت ... ونظرات ذاك الشخص ما تزال تحاصرني .. وجّهت إليه نظري ولم أصرفه عنه حتى صرف نظره حياءً _ كما أظن _ ثم اكتفى بعد ذلك اختلاس النظرات إلى الفتاة المجاورة ولما أصبح ذلك دًيْدًنًه ، كتبت قصاصة صغيرة ( ألم تتعب من الالتفات ؟؟ ) فلم يلتفت بعدها ...


عندما غاصتْ الطائرة في السحاب الكثيف عند الإقلاع بدقائق معدودات اتجه نظري إلى ذلك المنظر البديع .... سبحان الله العظيم ، قلتُها بصوت مرتفع وأنا أتأمل تلك الجبال الشاهقة من السحب المتراكمة التي أصبحنا ننظر إليها من مكان مرتفع ... قالت الفتاة التي كانت تجلس بجوار النافذة :

إي والله سبحان الله العظيم .. ووجهتْ حديثها إليَّ قائلةً إن هذا المنظر يثير الشاعرية الفذّة.. ومن حسن حظي أنني أجاور شاعراً يمكن أن يرسم لوحة شعرية رائعة لها المنظر ..

لم تكن الفتاة وهي تقول لي هذا على حالتها التي دخلت بها إلى الطائرة .. كلا ... لقد لملمت تلك العباءة الحريرية ، وذلك الغطاء الرقيق الذي كان مسدلاً على وجهها ووضعتهما داخل حقيبتها اليدوية الصغيرة ... لقد بدا وجهها ملوَّناً ألوان الطيف .. أما شعرها فيبدو أنها قد صفّفته بطريقة خاصة تعجب الناظرين ...

قلت لها :

سبحان من علّم الإنسان ما لم يعلم ، فلولا ما أتاح الله للبشر من كنوز هذا الكون الفسيح لما أتيحت لنا رؤية هذه السحب بهذه الصورة الرائعة ...


قالت : إنها تدلُّ على قدرة الله تعالى ...

قلت : نعم تدل على قدرة مبدع هذا الكون وخالقه .. الذي أودع فيه أسرارّا عظيمة ، وشرع فيه للناس مبادئ تحفظ حياتهم وتبلَّغهم رضى ربهم ، وتنجيهم من عذابه يوم يقول الأشهاد .

قالت ألا يمكن أن نسمع شيئاً من الشعر فإني أحب الشعر وان هذه الرحلة ستكون تاريخية بالنسبة إليّ .. ما كنت أحلم أن أسمع منك مباشرة ...

لقد تمنّيتُ من أعماق قلي لو أنها لم تعرف مَنْ أنا .. لقد كان في الذهن أشياء كثيرة أريد أن أقولها لها ..

وسكتُّ قليلاً ..
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس