الموضوع: معجزة القرآن ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2021, 08:37 PM   #10
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 351
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


المعجزة اللغوية في القرآن الكريم


القرآن كلام الله سبحانه وتعالى .. وما دام كلام الله فيجب أن يكون معجزاً .. لأن قائله وهو الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء .. ولقد أذهلت بلاغة القرآن عند نزوله .. العرب .. وهم أساتذة البلاغة في ذلك الوقت .. وبهتوا لما فيه ما إعجاز .. ومن بلاغة ..

وقال بعض العرب في ذلك الوقت أن أساتذة البلاغة قادرون أن يأتوا بمثل هذا الأسلوب .. ولكنهم صرفوا من الله على أن يأتوا به .. وهذا القول هو إثبات بأن القرآن هو كلام الله سبحانه وتعالى ..

فلو أنه ليس كلام الله لما صرف الله العرب عنه أن يأتوا بمثله .. وأثبتوا أن إعجاز القرآن الكريم موجود .. ولكنهم جعلوا هذا الإعجاز بالقدرة .. أي أن قدرة الله سبحانه وتعالى قد صرفتهم عن أن يأتوا بمثله .. وكان هدفهم أن ينفوا الإعجاز عن ذاتية القرآن .. في أن بشراً لا يستطيع أن يأتي بمثله .. وبهذا النقي الذي أرادوه أعطوا للقرآن معجزة أخرى .. وهي معجزة القدرة ..


على إن إعجاز القرآن يجب أن ننظر إليه من الدائرة الاولى التي استقبلته ... وهي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فالمنطقي والطبيعي ما دام القرآن كلام الله سبحانه وتعالى .. يكون أبلغ الكلام ويكون فيه معجزة .. وبلاغة القرآن لها عناصر لا بد أن تتوافر فيها .. فالبلاغة هي مطابقة الكلام بمقتضى الحال .. ومقتضى حال المخاطب بالذات ..

ولكن العجيب أن القرآن في هذه الناحية .. وهي مطابقة الكلام بمقتضى الحال .. فيه معجزة كبرى .. فأحوال الناس متعددة .. متغيرة .. وأنت حين تخاطب إنساناً إذا لم تعرف ما في نسفه .. فإنك لا تستطيع أن تصل إلى أعماقه .. ومخاطبتك لرئيس الدولة .. مثلاً .. أو الأمير .. تختلف في أسلوبها عن مخاطبتك لزوجتك وأولادك .. وكل ذلك يختلف عن مخاطبتك لرئيسك في العمل .. أو لمرؤوسيك .. إلى آخر النوعيات التي تخاطبها ..

بل أن الأمر يمتد أكثر من ذلك إلى الحالة النفسية التي فيها المخاطب .. فإنسان غاضب في قمة غضبه لا يمكن أن تخاطبه بنفس الأسلوب .. وبنفس الطريقة التي تخاطب هذا الشخص ذاته بها عندما يكون في حالة نفسية سعيدة .. هذا له كلام .. وهذا له كلام آخر .. مخاطبة الإنسان الغاضب لها طريقة .. ومخاطبة الإنسان الذي هو في حالة نفسية سعيدة لها طريقة أخرى ..

ولكن إعجاز القرآن يأتي في أنه يحيط بالحالات النفسية للمخاطبين جميعاً.. الغني منهم والفقير .. التعيس منهم والسعيد .. الخادم منهم والسيد .. أنه يخاطبهم جميعاً .. ويخاطبهم في حالاتهم النفسية كلها ..

فالإنسان الغاضب إذا سمع القرآن هدأت نفسه .. والإنسان السعيد إذا سمع القرآن اهتز في داخل نفسه .. وزادت سعادته .. والأمير .. والخادم .. والمثقف .. وغير المتعلم .. وهؤلاء جميعاً الذي لا يمكن أن يجتمعوا على أي مستوى .. ولا أن تتوحد عقلياتهم .. بحيث يكلمهم متحدث واحد .. وفي نفس الموضوع فيفهمونه ..

تراهم في الصلاة .. وقد اجتمعوا في المسجد .. وجلسوا معاً .. ويتلى القرآن فيهز قلوبهم جميعاً .. رغم اختلاف الثقافة والبيئة والحالة النفسية .. والحالة الاجتماعية وكل شيء اختلافاً بيناً ..


ومن هنا كان الإعجاز الأول في بلاغة القرآن .. أنه يحيط بعلم حالات أفراد متعددين .. من أجناس مختلفة .. وشعوب مختلفة .. ثقافات مختلفة . ولغات مختلفة .. وبيئات مختلفة .. لم يخاطبهم بما يهز وجدانهم ومشاعرهم .. ويؤثر في عواطفهم ..


فإذا سألت أحدهم ما الذي أعجبك في القرآن .. فإنه غالباً لا يستطيع أن يعطيك جواباً شافياً .. وإنما سيعطيك كل واجد منهم جواباً مختلفاً .. وذلك يدل على أن الإعجاز واصل إلى قلبه .. متغلغل في نفسه .. بما لا يستطيع هو أن يصفه الوصف الكامل ..


أي أن القرآن يخاطب في النفس البشرية أحاسيس وملكات لا يعلمها إلا خالقه .. وهذه الملكات لو عرفناها لعرفنا لماذا نتأثر بأسلوب القرآن .. ولكننا نظل نبحث ونحوم حول الآيات التي أعطيت القرآن هذه البلاغة .. ثم يعد ذلك لا نجد جواباً شافياً ..

إذ أن الله سبحانه وتعالى يخاطب في النفس البشرية ملكات هو خالقها .. وأن هذه الملكات تتأثر بكلام الله سبحانه وتعالى .. وتهتز له دون فارق من فوارق الدنيا .. أو من الفوارق التي وضعتها الحياة الدنيا بين الناس ..


ولذلك كان أخشى ما يخشاه الكفار أن يستمع الناس إلى القرآن .. ولو كانوا غير مؤمنين .. فقد كان القرآن بمخاطبته لملكات كل نفس يهزها هزاً عنيفاً .. ويجعلها تتأثر به .. حتى أن الوليد بن المغيرة حين استمع إلى القرآن قال :

" إن له لحلاوة .. وإن عليه لطلاوة .. وإن أعلاه لمثمر .. وإن أسفله لمغدق .. وأنه يعلوا ولا يعلى عليه . "


وهكذا تأثر به دون إيمان .. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين دخل بيت صهره بعد أن علم بإسلام اخته وزوجها كان ناويا الشر .. وما أن استمع إلى آيات من القرآن حتى هدأت نفسه وانشرح صدره للإسلام .... لماذا ؟ ..

لأن كلام الله سبحانه وتعالى قد خاطب ملكة في نفسه .. وهو في غاية الضيق والحمق .. وينوي الشر ... وخاطب هذه النفس .. نفس عمر بن الخطاب وهي في هذه الحالة من الغضب الشديد بنفس الكلام الذي يخاطب به المؤمنين .. وهم في حالة انسجام وسعادة شديدة لقربهم إلى الله سبحانه وتعالى ...

وإذا بالآيات .. نفس الآيات التي تدخل السعادة إلى نفس قريبة من الله قد أدخلت الهدوء والانسجام على نفس لم تكن قد آمنت .. وأصابت في نفس الوقت نفوساً سعيدة وهي نفوس المؤمنين .. فجعلتها تزداد سعادة ... وتنشرح للإسلام ..
ونفساً غاضبة تنوي الشر لم تصل إلى الإيمان بعد .. فهدأتها وجعلتها سعيدة .. وانشرح الصدر للإيمان ... مع أن الكلام واحد ... وفرق كبير بين حالة المخاطب في الحالتين .. ومع ذلك ولأن القائل هو الله سبحانه وتعالى .. وهو العالم بالنفس البشرية التي خلقها .. فقد كان كلامه مناسباً لكل حالات المخاطب مهما اختلفت هذه الحالات .. مع أنه نفس الكلام .


إذن فهناك في النفس ملكات خفية عن الإنسان ... لا يعرف سرها إلا الله سبحانه وتعالى ... ويقوم الله بمخاطبة البر على اختلاف أحوالهم .. فتهتز هذه الملكات .. وتتأثر وينسجم الإنسان معها دون أن يعرف السر ...


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس