عرض مشاركة واحدة
قديم 12-05-2020, 06:52 PM   #3
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 351
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

إعجاز الخالق ..

وهنالك .. وفي محراب مريم :

" هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء {38}" سورة آل عمران.

رفع زكريا يده إلى السماء .. وهو في محراب مريم .. وقال يا ربي لقد تجلت طلاقة قدرتك في هذا المكان فرزقت مريم فاكهة وطعاماً ليسا موجودين في الدنيا .. فبحق طلاقة القدرة هذه .. هب لي ذرية طيبة واسمع دعائي .. ولم تمض إلا لحظات وزكريا قائم يصلي في المحراب عند مريم حتى نزلت الملائكة وقالت له :

" أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ {39} " سورة آل عمران.

.. نزلت الملائكة على زكريا تبشره بالغلام .. ليس بهذا فقط .. بل تقول له ما هو مستقبله .. وإلى ماذا سيصير .. فلم تكتف الملائكة بإبلاغ زكريا بأن الله سيهب له غلاماً .. بل أنه سيكون سيداً ونبياً من الصالحين .. وهكذا كان الإبلاغ فيه إعجاز .. إعجاز بعلم الخالق قبل أن يخلق .. وقبل أن تحمل زوجة زكريا .. فقال له أن زوجتك ستحمل .. وستأتي بولد .. ولن أخبرك بهذا فقط .. بل إن هذا الغلام سيشب ويكبر .. ويكون سيداً في قومه .. ونبياً من الصالحين .. وهكذا نرى مدى التفسير الصحيح لقول الله سبحانه وتعالى :

" ويعلم ما في الأرحام (34) " سورة لقمان.

وهو لم ينبئ زكريا بأن امرأته ستلد ولداً .. وهي قد حملت به .. أو قد مضى عليها في الحمل عدة شهور .. بل قال له وأنبأه بذلك قبل أن تحمل .. وقبل أن يحدث أي اتصال بين زكريا وزوجته .. وأنبأه بالمستقبل الذي ينتظر هذا الطفل بعد سنوات طويلة ..

هنا اهتز زكريا .. اهتز من اللقاء بطلاقة القدرة .. وتذكر الأسباب التي تعطي .. واعتقد أنه قد فهم خطأ .. فأراد أن يتأكد .. فرفع يده إلى السماء مرة أخرى .. وقال :

" قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ {40}. سورة آل عمران.

رفع زكريا يده إلى السماء وقال يا ربي لقد التبس علي الأمر فأنا أريد أن أتأكد أنني لم أسيء الفهم .. أنا يا ربي رجل عجوز .. وامرأتي عاقر لا تلد .. الأسباب هنا ممتنعة من الناحيتين .. ناحية زكريا الذي بلغ من الكبر عتيا .. ولم يعد بالأسباب صالحاً لإنجاب الولد .. وحتى هب أن زكريا صالح لذلك فامرأته عاقر .. لم تلد طوال حياتها .. ولم تلد في شبابها .. فهل يا ربي إذا كانت زوجتي عاقراً لم تحمل طوال حياتها .. أتأتي الآن وهي عجوز لتحمل .. وآتي الآن أنا وأنا شيخ كبير لأفعل ما عجزت عن افعله في شبابي .. هنا اهتز زكريا بالأسباب .. وكان لقاؤه مع طلاقة القدرة .. وكان أول لقاء له .. لقاء قويا هزه من أعماقه فاعتقد أنه قد فهم خطأ قول الملائكة أو أن هناك لبسا ما .. حينئذ يقول له الله سبحانه وتعالى :

" قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً {9} ." سورة مريم .

وفي سورة آل عمرا ن .

" كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {40} "

هنا يُذكّر الله سبحانه وتعالى زكريا بحقيقتين هامتين حول طلاقة القدرة فيقول له أن الله يفعل ما يشاء .. أي ليس هناك قيود على إرادة الله سبحانه وتعالى .. وإذا كانت هناك الأسباب في الدنيا فالله هو الذي خلق الأسباب .. ولا يمكن أن يكون المخلوق قيداً على الخالق ..

إن الله سبحانه وتعالى خالق الأسباب لا تقيده هذه الأسباب وتحد من قدرته .. بل إنه يفعل ما يشاء دون أن تكون هناك في الكون كله قدرة مانعة لهذا الفعل .. أو موقفة له .. ولو كانت هي الأسباب التي خلقها الله سبحانه وتعال لنظام الحياة في الكون ..

ثم يلفت الله سبحانه وتعالى زكريا إلى الحقيقة الثانية .. فيقول له إنك تتعجب مما أبلغتك الملائكة وأخبرتك به .. ولكنك يجب إلا تتعجب لأن الذي تحسبه صعباً ومستحيلاً هو هين .. انه أمر بسيط جداً بالنسبة لي .. أنا الذي خلقت هذا الكون كله بما فيه ومن فيه .. هل يستعصي علي أن أخلق لك غلاماً .. ذلك أمر هين وبسيط أمام قدرة الله سبحانه وتعالى .. وإذا كنت تتعجب من ذلك فانظر إلى نفسك حتى يزول العجب فقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا .. أوجدتك من العدم .. فلماذا تتعجب أن أخلق لك ابناً .. إذا كنت أنا قد أتيت بك من العدم .. وخلقتك ووهبت لك الحياة .. فمن السهل علي أن أهب لك الولد .



وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس