الموضوع: معجزة القرآن ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-07-2023, 10:35 PM   #15
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 352
افتراضي

مهارة الصانع ..

نأتي بعد ذلك إلى النقطة الثانية وهي استخدام نفس الحروف والألفاظ التي يستخدمها البشر في أسلوب ومعان يعجز عنها البشر .. وهذا إعجاز وتحد .. لأنك تريد أن تدلل على مهارة الصانع في أي شيء .. فأنت لا تأتي بمادة مختلفة .. ثم تقارن بين صانع وأخر ..

أنت إذا أردت مثلاً أن تعرف من هو أمهر الناس في صناعة النسيج .. لا تأتي بخامة من حرير .. وخامة من قطن .. وخامة من خيش .. ثم تعطيها لثلاثة صناع .. وتقارن بين إنتاجهم .. لأنك في هذه الحالة لا تستطيع أبداً أن تقول أن هذه أحسن من هذه .. لأن نسيج الحرير لا بد أن يكون أحسن .. نظراً لأن الخامة التي صنع منها الثوب هي أفضل الخامات ..

ولكن المهارة تكون في استخدام مادة واحدة .. نعطي الكل قطناً أو حريراً أو صوفاً .. ولذلك تكون العناصر المكونة للشيء واحدة .. أو متساوية .. فلا يكون لها دخل في الجودة .. وتكون الجودة أو المهارة للصانع نفسه ..

فأراد الله سبحانه وتعالى .. أن يثبت أولا أن القرآن لم يتميز ببلاغة إلا لأن قائله هو الله سبحانه وتعالى .. مادته ليست من جنس أعلى من مادة البشر .. بل هي من جنس كلام البشر .. الحروف هي الحروف .. والكلمات التي تنطقون بها هي نفس الكلمات المستخدمة ... وجاء بكلمات الحروف كأسماء يستطيع أن ينطق بها الجاهل والمتعلم .. ومسميات يستطيع أن ينطق بها المتعلم وحده .. ثم بعد ذلك قدم المعجزة وتحدى .. الحروف نفس الحروف .. والكلمات نفس الكلمات .. ولكن الذي أفحمهم هو الله سبحانه وتعالى .. فلم يستطيعوا ان يأتوا بمثله .. وهذا دليل على أن الصانع هو المختلف .. ومن هنا كان التحدي عظيماً .. لأن الفارق هو بين قدرة الله سبحانه وتعالى .. وبين قدرة البشر ..

وعندنا في البلاغة عندما نقول أن هذا الشيء بليغ .. ونقول أن العرف قد اشتهروا بالبلاغة والفصاحة .. يعني أن البلاغة هي وضع الكلام مناسباً للمقام الذي يقال فيه .. ومستوفياً لأركان سلامته .. وأركان الكلام هي ألا يكون بين الحروف تنافر .. مثل أن تكون الكلمة هيع .. هيع .. وانما تكون الكلمات منسجمة .. ولا تأتي مخالفة لقانون اللغة .. ولا تكون غريبة على الأذن .. عندما تستوفي الكلمة هذه الشروط .. توضع في جملة يشترط أن تكون منسجمة مع الكلمة الأخرى .. خاضعة لقواعد اللغة .. وليس فيها تعقيد ..

إذن عندما جاءوا ليعرفوا البلاغة قالوا هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته .. تراكيب منسجمة ومخاطبة للبشر .. مطابقة لمقتضى عقلهم .. ومن هنا فكانت بلاغة البشر على قدر علمهم بمقتضى حال المخاطب .. ومعنى ذلك أنه لا بد أن يكون هناك علم .. وعلمنا كبشر بأحوال المخاطبين محدودة ..

ولكن الله سبحانه وتعالى بلا حدود .. ومن هنا فإن بلاغة القرآن الكريم في أنه معجز في مخاطبته للبشر جميعاً .. معجز في بلاغته .. ومطابقته بمقتضى مخاطبته للبشر جميعاً يخاطب ملكات في النفس لا ندري .. لا نعرف سرها .. مكون من نفس الحروف والكلمات التي يستخدمها العامي .. والمتعلم ..

تحدى به الله البشر أن يأتوا بصورة من مثله .. ثم تحدى الإنس والجان .. وهم الذين لهم اختيار .. ووضع الله فيه أسماء الحروف كإعجاز لأن الموحي إليه وهو النبي صلى الله عليه وسلم أمي لم يقرأ .. ولا يكتب .. على أن الإعجاز في القرآن لا ينتهي عند هذا الحد .. وانما يمتد إلى دقة اللفظ والتعبير التي يعجز عنها البشر ..

البلاعة في القرآن الكريم ..


إذا أردنا أن نتحدث عن معجزة القرآن .. وبلاغته .. فإننا لا بد أن نتناول دقة اللفظ .. أو دقة التعبير في القرآن الكريم .. وكلام الله سبحانه وتعالى يجب أن يكون في غاية الدقة .. بحيث يعبر عن الشيء تعبيراً كاملاً .. فلا تجد حرفاً زائداً بلا معنى .. ولا كلمة مترادفة إلى آخر ما يقال عن القرآن الكريم .. والحقيقة أن المعجزة في القرآن تجدها في حرف .. فيقول الله سبحانه وتعالى :

" قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ... (20) " سورة العنكبوت

وتقف أنت عند هذه الآية الكريمة وتسأل .. لماذا لم يقل الله :

قل سيروا على الأرض ...

هل أنا أسير في الأرض .. أو على الأرض .. حسب مفهوم الناس جميعاً .. فأنا أسير على الأرض .. ولكننا نجد أن الله قد استخدم كلمة في .. .. ولم يستخدم كلمة على .. يقول :

سيروا في الأرض .. ( ففي ) تقتضي الظرفية .. والمعنى يتسع لأن الأرض ظرف المشي .. ومن هنا فإن التعبير جائز .. ولكن ليس في القرآن كلمة جائز .. فالتعبير يقدر المعنى تماماً .. والحرف الواحد يغير المعنى وله هدف .. وقد تم تغييره لحكمة لكن ما هي حكمة استخدام حرف ( في ) بدلا من حرف ( على ) ..؟

عندما تقدم العلم وتفتح وكشف الله أسرار الأرض وأسرار الكون .. عرفنا أن الأرض ليس بمدلولها المادي فقط .. أي أنها ليست الماء والأرض .. أو الكرة الأرضية وحدها .. ولكن الأرض هي بغلافها الجوي .. فالغلاف الجوي جزء من الأرض يدور معها ويلازمها .. ومكمل للحياة عليها .. وبدونه تصبح الحياة غير ممكنة على الأرض .. وسكان الأرض يستخدمون الخواص التي وضعها الله في الغلاف الجوي في اكتشافاتهم العلمية ..

والدليل على ذلك أنك إذا ركبت الطائرة فإنها ترتفع بك 30 قدم مثلاً عن سطح الأرض .. ومع ذلك فإنك لا تقول أنك خرجت من الأرض .. ولكنك تقول أنت تطير في الأرض .. متى تخرج من الأرض علمياً وحقيقة .. هو عندما تخرج من الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية .. فأنت في الأرض .. ولست خارج الأرض فإذا خرجت من الغلاف الجوي .. فأنت في هذه اللحظة التي تخرج فيها خارج الأرض .. الغلاف الجوي متمم للأرض .. وجزء منها .. ويدور معها .


نعود إلى الآية الكريمة ونقول : لماذا استخدم الله سبحانه وتعالى لفظة في .. ولم يستخدم لفظة على ..؟

لأنك في الحقيقة تسير في الأرض .. وليس على الأرض .. هذه حقيقة علمية لم يكن يدركها العالم وقت نزول القرآن .. ولكن الله سبحانه وتعالى وهو القائل .. وهو الخالق يعرف أسرار كونه .. يعلم أن الإنسان يسير في الأرض .. أنه يسير على سطح الأرض .. ولكنه لا يسير على الأرض .. بل يسير فيها بين الغلاف الجوي والسطح .. ومن هنا فهو يسير في الأرض .. أي في وسطها بين غلافها الجوي الذي هو جزء منها .. وبين اليابسة التي جزء آخر .. وهكذا نجد دقة التعبير في القرآن في حرف .. وجد معجزة القرآن في حرف .


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم


AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس