الموضوع: معجزة القرآن ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-07-2020, 08:30 PM   #6
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 351
افتراضي

معجزة القرآن وكيف تختلف ..

معجزة القرآن تختلف عن معجزات الرسل السابقين في كثير من زوايا الاعجاز .. وفي القرآن اعجاز لا يتنبه اليه العقل الا بعد ان ينشط ويكتشف المستور عنه من حقائق الكون واسراره .. حينئذ يتبين أن للقرآن وجوه اعجاز اخرى او جديدة تزيد في معنى الاعجاز .. او تعطي ابعادا جديدة لما يقال ..
بل ان اعجاز القرآن موجودة احيانا في حرف .. حرف من القرآن يحمل اعجازا رهيبا .. ولكن الذي يجب ان نعرفه الآن .. أن للقرآن عطاء لكل جيل يختلف عن عطائه للجيل السابق .. ذلك أن القرآن للعالمين .. أي الدنيا كلها .. لا يقتصر على أمة بعينها .. وانما هو الدين الكامل لكل البشر .. ومن هنا فانه يجب أن يكون له عطاء لكل جيل .. والا لو أفرغ القرآن عطاءه الاعجازي في قرن من الزمان مثلا لاستقبل القرون الأخرى بلا عطاء .. وبذلك يكون قد جمد .. والقرآن متجدد لا يحمد ابدا .. سخي يعطي دائما .. قادر على العطاء لكل جيل بما يختلف عن الجيل الذي قبله .. وبنفس الآية ... أي أن هناك آيات من القرآن تعطينا الآن عمقا جديدا في معناها .. ذلك العمق لم يكن أحد يصل اليه بالفهم الدقيق في اول وقت نزول القرآن ..

ولكي تكون هذه النقطة واضحة يجب أن نفرق بين شيئين اثنين .. في القرآن الكريم .. الأحكام الخاصة بمنهج العبادة .. او ما يحدده الله للبشر ليقوموا بعبادته بالطريقة التي حددها الله سبحانه وتعالى ليعبد في الأرض .. كلمة افعل .. ولا تفعل.. هذا حلال.. وهذا حرام ... هذه الأحكام التكليفية لا تغيير فيها ولا تبدیل .. وانما کما فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. او کما فسرت في عهد نزول القرآن .. الصلاة خمس مرات .. لا اجتهاد في هذا ..

شهادة أن لا اله الا الله .. الزكاة .. ما حرم على الانسان وما أحل له .. الزواج والطلاق ... كل ما شرعه الله من احکام بينه الرسول صلى الله عليه وسلم وفسره .. ولا اجتهاد فيه .. لا يستطيع أحد أن يأتي ويقول لنا أن الصلوات اربع مرات في اليوم .. ويفسر هذا بأي وجه من التفسير .. هذا غير مقبول.. وليس مجال المناقشة ... افعل ولا تفعل .. الأحكام التي اذا فعلتها نجوت ... واذا لم تفعلها عوقبت .. هذه لا تبديل فيها ولا اجتهاد .. لان الله سبحانه وتعالى هو الذي يحدد لنا كيف نعبده .. وهو الذي يختار لنا الطريق ..

نأتي بعد ذلك الى الاشياء المتصلة بقوانين الكون والخلق .. تلك الأشياء التي لم يكن للعقل البشري الاستعداد العلمي وقت نزولها ليفهمها تماما ... مثلا كروية الأرض .. احدى الحقائق التي تحدث عنها القرآن .. علم الأجنة تناوله القرآن .. دوران الارض حول نفسها .. الزمن .. ونسبية الزمن .. وعدد من حقائق الكون الأساسية .. نجد أن الآيات التي تتناول هذه الاشياء مر الرسول صلى الله عليه وسلم عليها مرورا وترك للعقل في كل جيل أن يأخذ قدر حجمه .. والمعجزة هنا في القرآن انه يعطي لكل عقل قدر حجمه .. ويعطي لكل عقل ما يعجبه ويرضيه فترى غير المتعلم يطرب للقرآن ويجد فيه ما يرضيه .. ونصف المتعلم يجد في القرآن ما يرضيه .. والمتبحر في العلم يجد في القرآن اعجازا يرضيه .. هذه واحدة .. من اعجاز القرآن الكريم .. أنه يقدم لكل نفس باستخدام الآيات والألفاظ التي تؤدي إلى المعنى .. فاذا ما كشف الله للبشر عن سر من اسرار کونه .. ورجعنا إلى الآية نجدها تؤدي نفس المعنى ..

ولنضرب مثلا يوضح ذلك .. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ..


" رب المشرق والمغرب "

" رب المشرقين ورب المغربين "

" رب المشارق والمغارب "


لو أخذنا كل آية من هذه الآيات وقت نزول القرآن الكريم على حجم تفكير العقل البشري في ذلك الوقت .. نجد أن مفهوم المشرق هو جهة شروق الشمس.. ومفهوم المغرب هو جهة غروب الشمس .. فعندما يقول الله سبحانه وتعالى " رب المشرق والمغرب " .. فليس هناك تعارض بين العقل والآية في ذلك ..

نأتي بعد ذلك للآية الكريمة " رب المشرقين ورب المغربین " نقول اذا كان المشرق هو جهة الشرق... فان رب المشرقين معناها انها تجمع بين عمومية الجهة .. وهي الشرق.. وبين المكان المحدد لشروق الشمس .. بمعنى أنك تقول هذا هو الشرق.. وهذا هو الغرب .. وتشير بيدك الى جهة المشرق او المغرب .. فاذا اردت ان تحدد مکان شروق الشمس . فانك تقول ان الشمس تشرق من هنا... وتحدد المكان بالضبط ... هذا هو التفسير في وقت نزول الآية .. ثم نأتي بعد ذلك إلى " رب المشارق والمغارب " .. التفسير وقت نزول الآية هو أن كل بلد له مشرق وله مغرب .. ومن هنا فإن الله سبحانه وتعالى هو رب المشارق كلها والمغارب كلها ..

فإذا جئنا إلى هذه الآيات اليوم لوجدنا تفسيرها يختلف... رب المشرق والمغرب ... هذه قالوا عنها عمومية .. ولكن الله سبحانه وتعالى قرن كلمة المشرق بالمغرب لأنه لا يوجد مشرق بدون مغرب .. كروية الأرض تحتم هذا .. ففي الوقت الذي تغرب فيه الشمس على جهة .. في نفس الوقت .. وفي نفس اللحظة تشرق على جهة اخرى .. اذن قول الله سبحانه وتعالى رب المشرق والمغرب .. ولم يقل رب المشرق ورب المغرب .. أو لله المشرق .. أو لله المغرب ... حيث كان المعتقد وقت نزول القرآن انها جهتان مختلفتان تماما .. متقابلتان بالنسبة للعين المجردة .. ولكن قول الله سبحانه وتعالى " رب المشرق والمغرب " . . معناها ان الشروق والغروب يتم في وقت واحد .. أي أن الشمس تغرب على بلد في نفس الوقت تشرق فيه على بلد آخر ..

نأتي بعد ذلك للآية الكريمة ..

" رب المشرقين ورب المغربين "

لماذا قال المشرقين بالذات والمغربين .. اذا نظرنا إلى الكرة الأرضية نجد انها مقسمة إلى جزئين .. نصف مضيء.. ونصف معتم ... والنصف المضيء له مشرق ومغرب .. بينما النصف المعتم يسبح في ظلام دامس .. فاذا استدارت الكرة تماما يواجه النصف المظلم الشمس والنصف المضيء يصبح ظلاماً ..

اصبح نصف الكرة الذي كان مظلما له مشرق .. ونصف الكرة الذي كان مضيئا يسبح في ظلام .. اذن فالكرة الأرضية في عموميتها لها مشرقان... مشرق تضيء منه الشمس نصف الكرة ومغرب .. ثم تستدير الكرة كلها .. فيأتي نصف الكرة الآخر فيكون له مشرق ومغرب .. اذن فآية " رب المشرقين ورب المغربين " تعرض لنا بان نصف الكرة يكون ظلاما ليس له مشرق و مغرب .. والنصف الآخر يكون مضيئا له مشرق ومغرب .. وعندما ينعكس الوضع يصبح هذا النصف له مشرق ومغرب .. وهذا النصف لا مشرق له ولا مغرب .. هكذا في عمومية الكرة الأرضية .. هناك مشرقان ومغربان .. فاذا انتقلنا إلى ..

" رب المشارق والمغارب "

نجد انه بعد أن تقدم علم الفلك لا يوجد مشرق واحد.. ومغرب واحد لأي دولة في العالم .. وانما هي مشارق ومغارب ..

اذن فزاوية الشروق تتغير.. وزاوية الغروب تتغير.. ولكن الحس لا يدرك ذلك.. بل انه اذا نظرنا إلى الكرة الأرضية نجد انه في كل جزء من الثانية مشرق تشرق الشمس فيه على مدينة وتغيب عن مدينة اخرى .. أي أن هناك ملايين المشارق والمغارب لكل بقعة من الأرض.. المشرق والمغرب للبلدة الواحدة لا يتكرر طوال أيام السنة.. لا تشرق الشمس على بلدة من نفس مكانها الذي اشرقت منه في الأمس .. أو تغرب على بلد من نفس مكانها الذي غربت منه بالأمس .. وان كانت جهة الشرق واحدة .. الا أن المشرق تختلف زاویته كل يوم .. وكذلك المغرب .. وتختلف في فصول السنة .. وفي ايام الصيف عن الشتاء عن الخريف عن الربيع .. وهذا لا يمكن أن يحدث الا من حركة دوران الارض حول الشمس مرة كل عام .. فان هذه الحركة هي التي تجعل لكل يوم مشرقا ومغربا بزاوية مختلفة .. بل بتوقيت مختلف عن اليوم الآخر.. وأبسط شيء لتدرك هذا بدلا من الدخول في التعقيدات الفلكية هو صيام شهر رمضان ... ففي كل يوم تفطر في مغرب مختلف عن المغرب الآخر في الوقت .. وكذلك تمتنع عن الطعام في مشرق مختلف عن المشرق الآخر في الوقت ... وأوقات الصلاة تختلف كل يوم من أيام العام .. تبعا لحركة الارض حول الشمس ..

واختلاف المشارق والمغارب يبين بخلاف أن الأرض تدور حول الشمس.. أن الأرض كروية .. فلو كانت الأرض مسطحة.. كان لا بد ان تطلع الشمس من مشرق واحد.. وتغيب من مغرب واحد... حينئذ لا يكون هناك مشارق ومغارب .... ولكن كونها كروية .. وكونها تدور حول نفسها وحول الشمس هو الذي يجعل هناك مشارق ومغارب ..

والذي اريد ان اقوله ان عطاء القرآن في الأولى .. " رب المشرق والمغرب " لم يلغ عطاءه في الثانية وهو رب المشرقين ورب المغربين .. وهو لا يلغي عطاءه في الثالثة وهو " رب المشارق والمغارب " ..

بل ان التقدم العلمي الذي غير كثيراً من مفاهيم الكون لم يستطع أن يغير معنى الآيات الكريمة .. بل انسجم معها .. ويحضرني قول قرأته في أحد المخطوطات القديمة يقول كاتبه " یا زمن وفيك كل الزمن " .. ومعنى هذا القول .. ان الزمن نسبي في الكون . فمثلا عندما أؤدي أنا الظهر هناك أناس في مكان آخر يصلون العصر.. وأناس في مكان ثالث يصلون المغرب ... وأناس في مكان رابع يصلون العشاء .. وأناس في مكان خامس يصلون الفجر .. اي انه في الوقت الواحد يؤذن لله على ظهر الأرض الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر .. اذن فالله مذكور في كل زمن وبجميع أوقات الزمن ..

هذه آية من آيات القرآن الكريم اتضحت دقة معناها عندما تقدم العلم .. كان لها عطاء وقت نزول القرآن .. ولها عطاء مختلف الآن .. وربما يكون لها عطاء آخر في الأزمنة القادمة بعد أن يتقدم العلم .. والاعجاز هنا أن القرآن يعطي لكل جيل عطاءه .. ويعطي لكل عقل حاجته دون أن يتناقض مع الحقيقة العلمية آو يتصادم مع حقائق الكون .. فهو متجدد العطاء دائما .. وحقائق الكون لا يمكن أن تتصادم أبداً مع القرآن .. لأن الله هو الفاعل .. والله هو الخالق .. والله هو القائل ..

هذه احدى نواحي اختلاف القرآن الكريم في معجزاته عن الكتب السماوية الأخرى ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم





AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس