الموضوع: معجزة القرآن ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2020, 08:41 PM   #4
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 351
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


** واذا تعطلت الأسباب ..

هذه قضية في أصل الكون .. وهي قضية طرحها الله سبحانه وتعالى للبشر ليدخل الإيمان إلى قلب المؤمن فيضع فيه السكينة .. فالله سبحانه وتعالى يقول للمؤمن إذا ضاعت الأسباب فلا تيأس .. فأنا الذي خلقت الأسباب .. وانا القادر على ايجاد المسببات دون القانون.. فلا تيأس أن عزت الأسباب ومن هنا يأوي المؤمن إلى ركن شديد .. ويحس بالطمأنينة تملأ قلبه .. ولا يمزقه الفزع خوفا أو رعبا .. حينما يفقد أي شيء.. ذلك أنه يأخذ بالأسباب أولا.. اذا عزت الأسباب أو تعذرت ووجد كل الطرق مغلقة في وجهه .. اتجه إلى الله سبحانه وتعالى .. فالمؤمن لا ييأس من روح الله ابدا .. ولا تنهار نفسه .. ويضيع أمنه عندما يرى انهيار الأسباب ..

وتعرض لنا هذه القصة في سورة مريم .. میلاد مریم عليها السلام له ضجة .. يحكي ذلك القرآن الكريم :

﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى (36) ﴾ سورة آل عمران .


كلمة اني وضعتها انثى التي قالتها امرأة عمران .. تحسر على أنها لم تضع ذكرا ... أي أن الوليد الذي جاء لا يؤدي الغرض الذي وهب من أجله لأن امرأة عمران نذرت ما في بطنها لله سبحانه وتعالى .. وكيف تستطيع مریم أن تؤدي الخدمة في المعبد وهي أنثي .. وامرأة عمران تقول أن الرجل أفضل من الأنثى في ذلك .. فيقول لها الله سبحانه وتعالى انك ما زلت تحسبين أن الذكر أحسن من الانثى .. هذه العملية التي تفكرين فيها هي منطق الدنيا الخائب .. ويضيف الله سبحانه وتعالى :

﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى (36) ﴾ سورة آل عمران .

أي أن الأنثى التي جاءت أفضل من الذكر الذي تمنيته .. وكأنما الانثى لها مكانة اكثر مما تظنين .. فلا تقولي أن الله قد اعطاني انثى ولم يعطني ذكرا .. لأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق .. ولأنه يعرف أن هذه الانثي سيصبح لها شأن آخر.. وبعد ذلك نعرف أن والد مریم متوفي .. حيث انها حين ولدت ارادوا أن يكفلوها .. وكلمة من يكفلها دليل على أن وليها الطبيعي وهو الوالد غير موجود ..

ويكفلها زکریا .. ومعنى أن يكفلها زكريا وفيه نبوة أنه يأتي اليها بكل مقومات حياتها .. فعندما يدخل عليها المحراب يجد عندها رزقا ومعنى أن زكريا يجد عندها الرزق عند دخوله المحراب او المكان الذي تصلي فيه مریم وتسجد .. معناه انه لم يأت بهذا الرزق .. وانما الذي اتي به هو الله سبحانه وتعالى .. بدليل آن زكريا يسألها :

﴿ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّه (37) ﴾ سورة آل عمران.

وابتدأت الصغيرة المكفولة مريم بفطرتها تفهم أن الله سبحانه وتعالى ليس له قانون يحكمه .. وأنه يرزق من يشاء بغير حساب .. وهنا نتوقف قليلا لنعرف أن الله سبحانه وتعالى حين اعد مريم للمهمة التي ستقوم بها جعلها أولا منذورة لله سبحانه وتعالى ولعبادته .. ثم جعل من يكفلها نبيا هو زکریا .. ثم بعد ذلك اراد الله سبحانه وتعالى أن يمهد لها فبين لها أن لكل شيء في الكون سببا .. الا أن هناك اشياء تحدث بلا أسباب .. أو يعطل الله فيها الأسباب .. وبدأ بمسألة الرزق الذي يرزقها به .. فاكهة في غير أوانها .. ورزق ليس موجودا في الأرض .. تمهيدا لما هو قادم .. اعلانا لها بأن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء .. ثم بعد ذلك أتى الله سبحانه وتعالى بقضية أخرى هي دعاء زكريا بالولد .. عندما رأى الرزق بلا حساب عند مريم .. هنالك دعا زکریا ربه .. وطلب زكريا ولدا فاستجاب الله لدعائه .. وبشره بالغلام .. هنا تذكر زكريا عند هذه البشرى .. انهيار الاسباب عنده .. فقال ربي انني رجل عجوز .. وامرأتي عاقر.. أي أن الأسباب الكونية لامكان الانجاب غير موجودة .. فكيف استطيع أن أنجب طفلا .. فقال الله سبحانه وتعالى :

﴿ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) ﴾ سورة مريم.

فاذا كان الله سبحانه وتعالى قد خلق زكريا .. ولم يك شيئا يذكر فهو يستطيع أن يعطيه الغلام دون التقيد بالاسباب .. هنا تذکیر مرة أخرى لمریم بان الله سبحانه وتعالى اذا أراد فانه يوجد الأشياء بدون الاسباب نفسها .. أولا .. أعطاها الرزق بلا أسباب للرزق .. ثم استجاب لدعوة زكريا التي دعاها في المحراب .. فقال الله سبحانه وتعالى :

﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ (38) ﴾ سورة آل عمرن.

وكلمه هنالك أن الدعاء تم في المحراب عند مريم لتشهد مرة اخرى ما يثبت فؤادها فيما أعده الله لها .. فترى الخلق يتم بدون اسباب الخلق .. فزکریا عجوز .. وامرأته عاقر .. ومع ذلك فان الله قادر على أن يرزقه بولد .. وكل هذا هدفه الا تهتز مریم مما ستتعرض له من ولادة دون ذکر .. ومع ذلك .. ومع كل هذه المقدمات اهتزت مریم حين رأت جبريل عليه السلام ..

﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) ﴾ سورة مريم.

أي أنه بعد كل هذه المقدمات من رزق بلا اسباب .. ومن ولد لزكريا مع انتفاء الأسباب.. مع كل هذه المقدمات اهتزت مریم عندما رأت جبريل حتى أن الله سبحانه وتعالى ليثبتها قال لها :

﴿ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ ﴾ سورة مريم.

والله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لمريم بعد كل هذه المقدمات من رزق بلا أسباب .. ومن خلق مع اختفاء الأسباب تتعجبين ما يحدث .. لقد قلت یا مریم :

﴿ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ سورة آل عمران.

شهدت یا مريم أن الله سبحانه وتعالى حين يريد تعطيل نوامیس الكون .. وايجاد المسببات بلا أسباب .. يستطيع أن يفعل ذلك .. شهدته في زکریا .. ومع ذلك تعجين ..

** معجزة ولكن ليست للتحدي ..

على أن هذه المعجزة .. معجزة خلق عيسى عليه السلام .. لم يكن مقصودا بها التحدي .. فالله سبحانه وتعالى لم يتحد بها أحدا .. لكن المقصود بها هو طلاقة القدرة .. أي أن الله يفعل ما يشاء .. ومقصود به استكمال الخلق بحيث يصبح الخلق بدون ذكر أو أنثي .. ومن ذکر بلا أنثي .. ثم من ذكر وانثي لمن شاء الله .. ثم من أنثي بلا ذکر .. وبذلك تكتمل مراحل الخلق ..

ومعجزة أخرى لم يتحد بها الله بشرا.. وهي معجزة شق موسى للبحر بعصاه .. فعندما طارد فرعون وجنوده موسى عليه السلام .. ووصل أتباع موسی إلى البحر.. والبحر أمامهم .. وجنود فرعون وراءهم .. قال قومه انا المدركون .. وهذه مسألة طبيعية في قوانين ومسببات البشر .. فجنود فرعون على بعد قريب .. والبحر أمام قوم موسی .. فهم لا يستطيعون مواصلة الفرار او الهرب .. وحينئذ رفع موسى الأمر إلى الله سبحانه وتعالى .. لم يقل سنصعد إلى جبل ليحمينا من فرعون وجنوده .. ولم يقل سنستقل سفينة ضخمة نهرب بها من فرعون وجنوده .. ولم يقل اننا سننجو بطريقة كذا وكذا .. وانما حينما قال له قومه انا المغرقون .. رد الامر الى الله سبحانه وتعالى .. وقال بملء فيه ..

﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ سورة الشعراء.


ومن هنا فانه نقل المسألة من قانون الانسان .. أو البشر.. إلى قانون الله سبحانه وتعالى .. فكأنه قد نقل القدرة من القدرة البشرية المحدودة .. إلى قدرة الله سبحانه وتعالى التي ليس لها حدود ولا قيود .. والتي تتم بكلمة كن .. وما دام قد نقل القدرة منه هو الى قدرة الله سبحانه وتعالى فقد أصبحت هذه القدرة ينطبق عليها لفظ سبحان الله وليس كمثله شيء.. أي أنه لا عجب فيما سيحدث ولو خالف كل قوانين البشر .. لأن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى .. فأصبحت النجاة نابعة من قدرة الله وليس من قدرة البشر .. فقال الله سبحانه وتعالى له :

﴿ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ ﴾ سورة الشعراء.

والمعروف أن الماء لا ينفلق لأن قوانين الماء هي الاستطراق .. أي لا يكون عاليا في مكان ومنخفضا في مكان آخر .. لا بد أن يتساوى سطحه .. فاذا ضرب موسی بعصاه البحر فهو لا يستخدم قوانين الأرض .. ولا قوانين الماء .. ولا قدرات البشر.. لأنه رفع الأمر إلى الله سبحانه وتعالى .. ومن هنا تكون القدرة والفعل لله فينشق البحر .. وينجو موسى وقومه ..

هذا هو معنى المعجزة في انجاز بالغ .. فالمعجزة هي خرق لنواميس الكون .. تتحدى .. ولا يستطيع احد معارضتها .. والمعجزات نوعان .. معجزات أعطاها الله سبحانه وتعالى لرسله ليتحدوا بها قومهم .. ويثبتوا أنهم جاءوا بالهدى وبالرسالات من عند الله .. ويثبتوا الايمان في قلوب الناس .. ويبينوا لهم الطريق المستقيم المؤدي إلى الحياة السليمة .. وهو قوانين الله في الارض ... وليعرف الجميع أن هؤلاء رسل جاءوا من عند الله .. بمنهج وضعه الله للانسان .. وهناك معجزات أخرى في الكون .. لم يرد الله بها التحدي .. ولكنه اراد اثبات طلاقته في الكون في انه هو الخالق .. وانه هو الموجد للاسباب والمسببات .. وانه يقول كن فيكون بلا مسببات ... ما دام الأمر قد رفع إلى الله سبحانه وتعالى بعيدا عن قدرات البشر وقوتهم ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم






AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس