عرض مشاركة واحدة
قديم 04-22-2021, 11:06 PM   #9
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 351
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


وكانت معجزة كافية ..

وهنا يجب أن يكون لنا وقفة .. لقد أتت مريم قومها وهي تحمل عيسى عليه السلام .. ونطق عيسى وهو في المهد .. وكانت هذه معجزة كافية لتقنع بني اسرائيل بأن ما حدث ليس شيئاً عادياً .. ولا نطبق عليه أسباب الدنيا التي يعرفها الناس .. ولكن الله سبحانه وتعالى يعرف عناد بني إسرائيل .. ومكابرتهم في الحق .. وإمعانهم في الباطل .. ولذلك فقد أراد أن يأتي بأكثر من آية .. تأكيداً لصدق مريم عليها السلام في كل ما تقول .. ولم يجعل الطفل ينطق فقط .. ولكنه جعله يؤكد لهؤلاء القوم بأنه جاء من امرأة دون أن يمسسها رجل .. ويؤكد لهم هذا بكلامه هو .. وهو رسول ونبي .. مؤيداً من الله بمعجزة منذ لحظة ولادته .. ومبلغاً عن الله سبحانه وتعالى برسالة ومنهج .. ومن هنا .. فإنه صادق أمين فيما يقوله .. فإذا قال وبراً بوالدتي ولم يقل وبراً بوالدي .. فإن ذلك معناه صدق معجزة مريم .. وهكذا يسوق الله سبحانه وتعالى الدليل تلو الدليل لبني إسرائيل على طلاقة القدرة .. وصدق رسالة عيسى عليه السلام .. ورغم ذلك فقد كابروا ولم يؤمنوا ..

ويمضي عيسى عليه السلام ليقول :

" وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً {32} " ( سورة مريم ).

أي أنني لم آت إليكم كجبار يفسد في الأرض ويقهر الناس ويجبرهم على الأشياء .. وينشر الرعب وسفك الدماء .. بل جئتكم رحمة من الله سبحانه وتعالى .. رحمة منه لاعيدكم إلى المنهج الذي تركتموه واتخذتموه ورائكم ظهريا .. أي وضعتموه وراء ظهوركم حتى لا تلتفتوا إليه ولا ترجعوا إليه أبداً وجئتكم كرحمة لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم .. وفي هذا رحمة من الله وفضل .. إنه يرفع العنت عنكم .. ويزيل عنكم بعض المشاق التي فرضت عليكم بعصيانكم للمنهج ولأوامر الله ..

أنا قد جئت لأرفع عنكم كل هذا برحمة من الله سبحانه وتعالى .. فكأنني رحمة في أن أعيدكم إلى المنهج .. لتعودا إلى طريق الله السوي .. وأجنبكم عذابه وغضبه .. وجئت إليكم لأيسر لكم حياتكم فأحل لكم بعض ما حرم عليكم .. وجئتكم برحمة أخرى .. هي أنني أخرجكم من الماديات التي غرقتم فيها .. وألفتكم إلى الغيب وإلى الله سبحانه وتعالى .. علكم ترعون الله وتهتدون .. وتعرفون أنه بجانب ماديات الدنيا .. فهناك الغيب والروح .. وهناك غير المادة التي تعبدونها وتتخذونها إلها .. وهناك الله سبحانه وتعالى الذي هو بطلاقة قدرته يستطيع أن يحقق لكم كل ما تريدون .. فلا تتخذوا منهج الله وراء ظهوركم وتنبذوه .. وتعبدوا ماد الدنيا وحدها .

لم يجعلني الله جباراً .. ولكنه سبحانه وتعالى جعلني رحمة .. ولم يجعلني شقياً محكوماً عليه بالشقاء والعذاب .. بل جعلني مرضياً عنه منه .. أي أن الله قد رضي عني في الدنيا والآخرة .. ولم يجعلني من زمرة الأشقياء الذين يشقون بغضب الله في الحياة الدينا وعذابه في الآخرة .

ثم يمضى عيسى بن مريم عليه السلام :

" وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً {33}
( سورة مريم ).

وهذه الآية تحمل معاني عميقة .. فما من شيء أحدث جدلاً في الدنيا مثل ثلاثة أشياء .. يوم ولادته وطريقة هذا المولد .. ويوم وفاته ورفعه إلى السماء .. ويوم يبعث حياً .. أي بعثه في آخر الزمان ليهدي الناس .. أو بعثه ليوم القيامة .. وهذه النقط الثلاث ما زالت موضع جدل كبير حتى يوما هذا .. وستظل كذلك حتى قيام الساعة .. فما زال مولد عيسى بن مريم موضع جدل بين اليهود والنصارى .. وما زال كل فريق منهما يتحدث عن هذا المولد بطريقة تختلف عن طريقة الفرق الآخر .. ما زالت النظريات الفلسفية تقوم .. والفلاسفة والذين يكتبون عن الدين يحاولون وضع الروايات المختلفة والنظريات الفلسفية المتناقشة عن مولد المسيح عليه السلام .. ورغم أن القرآن الكريم قد حسم الموقف تماماً .. وروى عن الله سبحانه وتعالى قول الحق الذي فيه يختلفون .. إلا أنه ما زالت هناك فلسفات تقوم ونظريات بعد نظريات ..

ولقد كان يكفي ما أراه الله لعباده من طلاقة القدرة في مولد المسيح عليه السلام .. وحديثه وهو طفل .. والمعجزات التي أيده بها .. فقد كان جبريل لا يفارق عيسى عليه السلام ليثبته أمام الجدل والاتهام اللذين واجهه بهما بنو إسرائيل .. ولكن رغم كل هذه المعجزات والتحضير الإلهي لمولد عيسى .. واللفتة إلى الروحانيات .. أو إلى الغيب وطلاقة القدرة التي جاء بها عيسى عليه السلام .. فإن الجدل ما زال يثور .. ولكم أن تطلعوا على الكتب التي تصدر حتى في هذه الأيام فتجدوا أنها تحمل صور هذا الجدل .. ودليلاً يهدمه دليل .. ولكن رغم هذا الجدل فإن عيسى عليه السلام .. أعطى السلام والأمن من الله يوم مولده وبدأه الله سبحانه وتعالى من كل جدل يحدث بعد ذلك ..

ويدور الجدل حول وفاة عيسى عليه السلام .. والقرآن الكريم يقول لنا إن عيسى لم يصلب وإن الله قد رفعه إليه .. ولا شك ان مسألة الرفع إلى السماء يجب ألا نتوقف عندها .. ذلك لأن عيسى عليه السلام من مولده إلى وفاته مؤيد بقدرة الله سبحانه وتعالى .. وإذا كان ميلاده معجزة .. وحديثه وهو طفل معجزة .. والأشياء التي قام بها وهو نبي والتي سنتناولها معجزات .. وكلها مؤيدة بطلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى .. لا تخضع لأسباب الكون .. فلماذا نريد أن نخرج عن هذا كله في رفعه إلى السماء .. ولماذا نصدق طلاقة القدرة في مولده ومعجزاته .. ثم بعد ذلك نأتي إلى وفاته ورفعه إلى السماء ونجادل في الأسباب .. ما دامت الرسالة كلها مؤيدة بطلاقة القدرة .. فيجب أن نأخذ كل الأحداث فيها بمنطق طلاق قدرة الله .. وليس بمنطق الأسباب .. فلا نطبق على جزء من حياة عيسى عليه السلام طلاقة القدرة .. وعلى جزء آخر منها الأسباب .. وإلا نكون قد ناقضنا أنفسنا .. وهدمنا المنطق .. بل إننا يجب أن نأخذ رسالة عيسى منذ مولده حتى رفعه إلى السماء بطلاقة القدرة وحدها التي تقول للشيء كن فيكون ولا نأخذها بالأسباب والمسببات التي نعرفها ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس