عرض مشاركة واحدة
قديم 02-26-2021, 08:39 PM   #8
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 351
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


المعجزة .. والحكمة

لماذا وقعت هذه المعجزة .. ولماذا أتمها الله سبحانه وتعالى .. ليجعل هؤلاء القوم الماديين يوقنون بما حدث لمريم .. فلو أنها رزقت طفلا عن طريق عادي كما تلد النساء لما استطاع هذا الطفل أن يتكلم أن ينطق حرفاً واحدا .. وحتى ولو كانوا قد انتظروا عليه حتى يكبر .. ليتعلم النطق لكان حديثه حديث الأطفال .. فيه سذاجتهم وافتقارهم على المنطق والحجة والفهم .. ولكن كون عيسى بن مريم نطق بعد ولادته بيوم أو بعض يوم فإن ذلك معناه يقيناً أن ذلك الطفل لم يأت بالطريق العادي وهو الذكر والانثى .. ولكن معجزة كلامه تدل على طلاقة القدرة في مولده .. وأن مريم لم يمسسها بشر .. وإنما عيسى بن مريم جاء بكلمة


" كن فيكون " ..


وإلا إذا كانت مريم قد مسها أي بشر لجاءت بطفل عادي مما تلد النساء .. كان يجب على بني إسرائيل أن يفيقوا ساعة نطق عيسى بن مريم .. وأن يعلموا أنهم أمام معجزة خارقة لله سبحانه وتعالى . وأن يؤمنوا بكل ما تقوله مريم .. ويؤمنا بعيسى رسولاً ونبياً ..

ماذا قال عيسى بن مريم .. كان أول ما قاله :

" قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً {30} ( سورة مريم )

أي أن أول ما بشر به هو رسالته .. قال إني عبد الله حتى لا يفتن الناس بمولده .. فيحملوا الأشياء أكثر مما تحتمل .. فحسم الموقف بأنه عبد من عباد الله وبشر ورسول .. ثم بعد ذلك قال :

" آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً {30}

أي جعل لي كتاباً سأبلغه إليكم .. ورسالة من السماء لكم .. وهكذا كانت أولى معجزات عيسى عليه السلام في أولى كلمات نطقها .. ( على عكس الكتاب المقدس ) فقد أبلغهم بالمستقبل وهو ما زال في المهد صبياً .. فقال لهم إني قد جئتكم بكتاب من الله سبحانه وتعالى .. لأهديكم إلى صراطه المستقيم .. والله جعلني لكم نبياً .. وفوق ذلك آتاني الحكمة .. وأنتم ترون هذه الحكمة .. وأنا أتحدث إليكم .. فليس حديثي هذا حديث طفل رضيع .. ولكنه حديث رجل أوتي الحكمة يستطيع أن يجادلكم فيما تقولون .. وكان هذه معجزة ثانية بطلاقة القدرة .. انباء بغيب قادم ونبوة ورسالة .. وما زال عيسى بن مريم في المهد صبياً .. وانباء بأنه وهو طفل رضيع لم يعط نعمة الكلام فقط من الله سبحانه وتعالى بل أعطي نعمة الحكمة أيضاً ..

" وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً {31} ( سورة مريم ).

ومضى عيسى بن مريم في كلامه ليقول أن الله سبحانه وتعالى قد أحاطني ببركته أينما أكن .. فما من مكان أذهب إليه .. إلا حلت فيه البركة .. وملأه الرزق .. كما أوصاني الله سبحانه وتعالى أن أعبده حق عبادته ما دمت حيا .. والعبادة واجبة على الإنسان في فترة الحياة التي تتصل فيه الروح بالمادة .. تلك الفترة هي التي يكون فيها الإنسان مختاراً أن يفعل أولاً يفعل .. أن يعبد الله أو أن يعصيه .. فقبل الحياة .. وبعد الموت لا يكون هناك اختار .. بل هو قهر .. والله سبحانه وتعالى قال في قرآنه الكريم :

" لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً {70}‏ " ( سورة يس )

أي إن القرآن الكريم للأحياء وليس للأموات .. ولا يستطيع واحد عصى الله في حياته الدنيوية أن يقول بعد أن يموت .. أنني سأعبد الله حق عبادته بعد الموت ليكفر عني ما فعلته وارتكبته من معاص .. فبعد الموت ينقطع عمل ابن آدم .. ويعرف جزاءه أو مصيره .. بل أنه في ساعة ( الغرغرة ) .. وهي ساعة خروج الروح من الجسد .. تعرض أعمال ابن آدم عليه .. فإن كانت طيبة انفرج وجهه وظهر السرور عليه .. وعندما تنظر إليه بعد الموت .. تقول إن نهايته أو خاتمته كانت طيبة .. وان كان عمله سيئاً .. انقبضت أساريره واكفهر وجهه .. وحاول أن ينطق بالشهادتين فخانه لسانه .. وفي هذه اللحظة يعرف أن مصيره هو النار .. والذي يصل إلى حالة الغرغرة يعرف يقيناً أنه ميت .. ويبدأ أولى دقائق حياته في العالم الآخر .. وهكذا جاء قول عيسى بن مريم مؤكداً أنه كنبي لم يعف من التكليف .. فقد طلب منه الله سبحانه وتعالى وأوصاه بأن يعبده حق عبادته ما دام حيا ..

ويمضي عيسى بن مريم عليه السلام .. ليكمل ما أوصاه الله به فيقول :

" وَبَرّاً بِوَالِدَتِي {32} " ( سورة مريم ).

ولم يقل برا بوالدي .. وهذه تأتي لتؤكد لبني إسرائيل مرة آخرى معجزة الله في مريم.. فلو أن عيسى جاء من ذكر وأنثى .. لقال وبرا بوالدي .. ولكنه قال وبرا بوالدتي ليكون شاهد صدق على طريقة خلقه .. وأنه لم يأت من ذكر وأنثى .. بل أتى بطلاقة القدرة من مريم عليها السلام دون أن يمسسها رجل ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس