عرض مشاركة واحدة
قديم 01-04-2021, 09:11 PM   #5
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 351
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


لماذا جاء الملك ..

وجاء الملك المكلف بالمهمة إلى مريم .. فظهر لها على هيئة بشر .. وقد يقول بعض الناس ما دامت الملائكة قد بشّرت مريم بالغلام .. وما دام الله سبحانه وتعالى قد لفتها إلى طلاقة القدرة في أنه يقول للشيء كن فيكون .. فلماذا جاء الملك إلى مريم وتمثل لها في صورة إنسان ..

نقول أن في ذلك حكمة كبرى أن الملك لم يأت إلى مريم ولم يتمثل لها في صورة إنسان .. ويقول لها أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا .. ثم يختفي فجأة دون أن يمسها لو لم يحدث ذلك لريما دخل الشك إلى قلب مريم .. واعتقدت أن بشراً قد مسها بأن خدرها أو وهي نائمة .. وعلى العموم لم يكن الأمر يدخل يقيناً إلى نفسها .. ولكن كون الملك جاء .. وكنه تمثل لها بشراً سوياً .. وكونه قال لها إني رسول ربك لأهب لك غلاماً زكيا .. وكونه اختفى دون أن يمسها .. أدخل اليقين في قلب مريم في أن ما حدث لها .. هو من طلاقة قدرة الله وليس لبشر دخل فيه .. ولذلك أراد الله سبحانه وتعالى أن يُثبّت فؤادها مرة أخرى بعد أن اهتزت نفسها .. من تبشير الملائكة لها .. وتعجبت أن تلد بدون أن يمسها ذكر ..

وهنا .. ومع هذا التثبيت من الله سبحانه وتعالى لمريم .. لأنها تجربة سيكذبها فيها اليهود .. ولو لم تكن على يقين مما حدث ... وأنه من طلاقة قدرة الله فإن نفسها قد تهتز وتضعف .. ذلك لأنه أمر غير مألوف في تاريخ البشر كلهم .. وأنه يصطدم بأسباب العقل .. وأنه لا يتمشى مع المنطق البشري ..

ومن هنا كان لا بد من تثبيت مريم تثبيت اليقين .. حتى لا تهتز نفسها أبداً لما سيقابلها أهلها وعشيرتها من إنكار وعدم تصديق لما حدث .. وكان لا بد أن تكون مريم على يقين كامل من أن مشيئة الله سبحانه وتعالى هي التي أعطتها عيسى عليه السلام .. ومن هنا كان التثبيت بالتعرف على طلاقة القدرة .. في أمور مادية محسة كالرزق .. ثم التطهير بالعبادة حتى تشف النفس البشرية .. وتستطيع أن ترى ما لا يراه غيرها .. ثم بالاخبار من الملائكة .. ثم بعد ذلك باليقين من الروح أو الملك الذي أرسله الله له على صورة انسان .. والذي اختفى من أمامها دون أن يمسها .. ومع ذلك قالت مريم :

" أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً {20}". ( سورة مريم )

فرد الله :

" هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً {21}." ( سورة مريم )

هنا حسم الله سبحانه وتعالى المسألة مع مريم تماماً في رده عليها هذه المرة فقال إن ذلك على هين وبسيط أن أهبك غلاماً بدون بشر .. وسيكون هذا الغلام آية للناس .. أي معجزة من الله سبحانه وتعالى لخلقه يفيقهم من الماديات التي عبدوها من دون الله .. ورحمة منا .. أي أنه سيكون رحمة لمن يتبعه ..

يقودهم إلى الطريق .. ويرشدهم إلى المنهج .. ويكون قدوة لهم .. وينقذهم من ضلال بني إسرائيل وماديتهم ...

" وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً {21} " سورة مريم.

هنا الحسم .. أي أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يقول لمريم أن هذا الأمر قد قضى وانتهى .. ولم يعد لك خيار فيه .. وأنه بعد هذا الاعداد كله فلا بد أن يدخل اليقين قلبك على أن الله سبحانه وتعالى يقول للشيء كن فيكون فيما يريد أن يفعله .. ولقد قضى الأمر وانتهى .. ولم يعد موضع أخذ ورد ..

وحملت مريم بطلاقة القدر .. وذهبت إلى مكان بعيد عن الناس .. فقد كانت تخشى أن تواجههم .. فهي تعلم يقينا أن هذا آية من آيات الله .. ولكن ماذا ستقول لهم .. وكيف تشرح لهم طلاقة القدرة .. وهم لا يعرفون عنها شيئاً .. إن بني إسرائيل أناس ماديون والمادة تبعد الشفافية عن الجسم وتجعله معتما .. لا يرى إلا ما هو مادي صرف .. معزول تماماً عن الغيبيات فكيف ستأتي إلى هؤلاء القوم .. لتقول لهم كلاماً عن طلاقة قدرة الله .. وكيف سيصدقونه وهم على غير علم .. وكان هذا يخيف مريم ..



وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس