عرض مشاركة واحدة
قديم 12-15-2020, 07:09 PM   #4
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 351
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


العطاء بلا أسباب ..

وكانت هذه إفاقة لزكريا وهو واقف في محراب مريم .. وأول ما رآه من طلاقة قدرة الله التي جعلته بعد ذلك لا يشك في مريم أبداً إذا وجد عندها أشياء عجيبة .. بل يعلم أن طلاقة القدرة تستطيع أن تعطي بلا أسباب .. بدليل أنها أعطت زكريا الولد بلا أسباب .. وكان هذا من الله سبحانه وتعالى تطيراً لمريم من أي شك يمكن أن يقع في أي نفس بشرية .. ذلك أن المعجزة التي تمت مع زكريا وفي المحراب عند مريم .. جعلته يعرف يقيناً أن الله يرزق من يشاء بغير حساب .. ولا يتساءل هو أو غيره عما يكون عند مريم من رزق يهبه الله لها ..

ويمضي القرآن الكريم ليروي قصة مريم :

" وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ {42} يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ {43} "

هنا نزلت الملائكة إلى مريم لتنبئها أن الله قد اصطفاها وطهرها ثم اصطفاها على نساء العالمين .. الاصطفاء الأول هو بالعيش مع طلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى .. والله تقبل مريم عند ولادتها كنذر لله ..
ثم اصطفاها بأن جعلها دون خلقه تعيش دائما مع طلاقة القدرة استعداداً لما سيحدث من ولادة المسيح عليه السلام ثم طهرها بعد ذلك بأن منع عنها الشياطين وجعلها تتطهر بالعبادة الدائمة له والركوع والسجود لله سبحانه وتعالى ..

ثم حدث الاصطفاء الثاني وهو اختيارها دون نساء العالمين كلهن .. أن تضع مولوداً دون أن يمسها رجل .. وكان الاصطفاء الثاني هو اصطفاء لمريم بالذات .. ولذلك نلاحظ في القرآن الكريم أنه حين تأتي أنباء المعجزات والقصص الإيمانية لا يذكر الله سبحانه وتعالى الاسم كاملاً .. لماذا ؟ ..

لأن هذه لمحات إيمانية مقصود أن يقتدي بها الناس ... ولو أنهم ذكروا بأسمائهم كاملة . لكانت هذه المعجزات خاصة بهم لا تتكرر لغيرهم .. إلا مريم .. فكلما ذكرت في القرآن .. قال الله سبحانه وتعالى مريم ابنة عمران ... لأن معجزة الميلاد من أنثى بلا ذكر لن تتكرر بالنسبة لنساء العالمين كلهن إلى يوم القيامة .. فهذا اصطفاء لمريم أو اختيار لها لهذه المعجزة دون نساء العالمين ..

ويلاحظ هنا أن الله سبحانه وتعالى لم يستخدم لفظ نساء الأرض .. ولكنه استخدم لفظ نساء العالمين .. أي نساء الإنس والجن وكل مخلوقات الله .. لن توجد أنثى يتكرر لها ما حدث لمريم ممن اصطفاء الله سبحانه وتعالى به وهي معجزة الميلاد من انثى بدون ذكر ..

تم الاصطفاء الأول .. ثم بعد ذلك قضت مريم سنوات في العبادة حتى تطهرت .. والتقت بطلاقة القدرة وألفتها فأصبح الله يرزقها بغير حساب ويطهرها ويحفظها من شياطين الإنس والجن .. ثم جاء الاختيار الثاني ونزلت الملائكة على مريم لتقول لها :

" إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ .. {45} ".

كانت هذه أول بشارة لمريم ومحاولة لإعدادها لما سيتم من ولادة عيسى بن مريم عليه السلام ..

وأخذت مريم بهذه البشارة .. فرغم التقائها مع طلاقة القدرة .. وتعودها عليها في الرزق من الله بغير حساب .. ورغم أنها قضت فترة طويلة تتعبد وتتطهر .. وحفظها الله من كل الشياطين .. فان نفسها اهتزت من وقع الخبر .. واتجهت إلى السماء وقالت :

" رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ .. {47}

اتجهت هي الأخرى كما اتجه زكريا إلى الأسباب .. ومع عيشها في ظل طلاقة القدرة في المحراب فإنها لم تستطع أن تستوعب تماماً طلاقة القدرة في الخلق .. فقالت يا ربي كيف ألد ولم يمسسني بشر .. لم يقربين رجل .. فكيف أضع غلاماً .. وهنا جاء رد الله سبحانه وتعالى :

" قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ {47}."

لم يقل الله سبحانه وتعالى لها كيف سيتم ذلك .. ذلك أن الخلق مما احتفظ الله به لنفسه .. ولم يطلع عليه أحداً من خلقه .. حتى أن إبراهيم عليه السلام حينما سأل الله :

" رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى .. {260}." ( سورة البقرة )

لم يقل الله سبحانه وتعالى كيف يحي الموتى .. ولم يطلعه على سر الحياة والموت وإنما أدخله في تجربة رأى فيها إحياء الموتى بقدرة الله .. فجاء بالطير وقطعه ثم وضع كل جزء على جبل ثم دعاهم فجاءوا إليه أحياء ..كانت هذه تجربة عملية على إحياء الموتى .. ولكنها لم تكن إخباراً من الله سبحانه وتعالى لإبراهيم عن سر الحياة والموت ..

كذلك مريم .. حين سألت الله سبحانه وتعالى .. كيف سيكون لي ولد ولم يمسسني بشر لم يعطها سر الخلق .. ولكنه قال لها :

" كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ .. {47}."

أي لم تتعجبين إن الله قادر على أن يخلق ما يشاء .. وقد أراك طلاقة القدرة في الرزق .. وسيريك طلاقة القدرة في الاصطفاء .. لم تتعجبين يا مريم .. ألم يخلق الله سبحانه وتعالى آدم بدون ذكر أو أنثى .. ألم يخلق حواء من ذكر بدون أنثى .. فالله سبحانه وتعالى ليس لقدرته حدود .. إنه قادر أن يخلق بدون ذكر أو أنثى كخلق آدم .. وقادر أن يخلق بدون أنثى كخلق حواء .. وقادر أن يخلق من أنثى بدون ذكر كعيسى بن مريم .. وقادر أن يخلق من ذكر أو أنثى وهو خلق الأسباب .. إذن فلا عجب هنا لأن الله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء وإذا أراد أمراً فأنه لا يلجأ إلى الأسباب .. وإنما بطلاقة قدرته يقول له كن فيكون .. إذن فلا تتعجبين مما بشرتك به الملائكة .. لأن الله قادر على أن يخلق عيسى دون أن يمسك بشر ..



وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس