عرض مشاركة واحدة
قديم 11-24-2020, 07:14 PM   #2
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 351
افتراضي

لقاء مع القدرة ..

وهنا يأتي سؤال هام .. من أين عرفت امرأة عمران أن مريم ستكون لها ذرية _ هل أنبأها الله سبحانه وتعالى بما هو قادم .. أم دعاء كل أم لابنتها حسب ما هو متبع .. ولا أحد يعلم إذا كان الله قد أنبأ أمها بما أعده لمريم .. فلم يخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه أنبأها .. ولكنه في الغالب دعاء كل أم ..

هنا بدأت الخطوة الأولى لالتقاء مريم مع طلاقة القدرة .. فتقبلها الله سبحانه وتعالى كنذر نُذر لله قبولا حسناً _ وهذا القبول غير الاصطفاء الذي سنتحدث عنه فيما هو قادم .. ولكنها الخطوة الأولى على الطريق إلى المعجزة الكبرى لطلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى .. وما يعده لبني اسرائيل من نبي يفيقهم بطلاقة القدرة عن عبادة الأسباب والماديات وأنبتها نباتً حسناً .. وذهبت مريم إلى مكان تنقطع فيه إلى العبادة .. وتنافس الأحبار ورجال الدين أيهم يكفلها ..فقد كانت من طيب المنبت والخشوع إلى الله سبحانه وتعالى بحيث رغب كل منهم في أن يكون له شرف كفالتها .. والقوا أقلامهم .. وقسم الله سبحانه وتعالى أن يكفلها زكريا .. ودخلت مريم وانقطعت لعبادة الله ..

كان زكريا يدخل على مريم المحراب ليحضر لها طعامها وشرابها ويطمئن عليها بينما انقطعت هي إلى عبادة الله سبحانه وتعالى .. ولكن زكريا فوجئ بشيء غريب .. ذلك أنه كلما دخل على مريم وجد عندها رزقاً .. وأي رزق ذلك الذي وجده .. رزق عجيب .. فاكهة الصيف في الشتاء .. وفاكهة الشتاء في الصيف .. ورزق لا ينفذ مهما أكلت منه مريم .. ولا يتلف أو يتعفن .

كان هذا شيئاً عجيباً أثار انتباه زكريا .. وكان هذا أول اصطفاء لمريم بأن اختصها ربها بطلاقة القدرة .. فأراها أنه يعطي ما يشاء لمن يشاء دون أسباب .. حتى إذا وقعت المعجزة .. ووضعت مريم عليها السلام عيسى .. بدون الأسباب البشرية .. لم تهتز اهتزازاً يذهب نفسها .. ولم تشك في أن ما حدث ربما كان فيه خدعة .. بل انها رأت بعينها في الاصطفاء الأول بطلاقة القدرة .. ما يبرر ويسهل عليها فهم الاصطفاء الثاني على نساء العالمين .. بأن تضع بدون رجل .. ودون أن يمسها انسان .. ولذلك كانت طلاقة القدرة في رزق مريم عن غير طريق الاسباب بداية تمهيدية من الله سبحانه وتعالى ..

ولكن زكريا النبي الحريص على مريم دخل الشك إلى قلبه .. ورغم علمه بأن مريم متفرغة تماماً للعبادة .. وأنها لا تغادر غرفتها وتقضي الليل والنهار في الركوع والسجود لله سبحانه وتعالى .. إلا أنه ببشريته أراد أن يتأكد فسألها :

" أَنَّى لَكِ هَـذَ {37} سورة آل عمران

أي من أين ذلك يا مريم .

والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا هنا لفتة كريمة فيها صلاح الكون كله .. فلو أن كل رب لأسرة .. أو راع لمجموعة من الناس . عندما وجد مظهراً من النعم لا يتناسب مع القدرات البشرية .. فقال من أي لك هذا ؟ لصلح الكون كله .. ولأصبح كل انسان رقيباً حقيقياً على أسرته .. ولكن الذي يحدث أن الأب أو المسئول عن الأسرة .. يجد من بناته وأولاده ما لا يتناسب مع قدراته المادية .. كفستان مرتفع الثمن .. أو مال كثير .. أو أي شيْ غال لا يستطيعون شراءه .. لو أنه وقف وقال من أين لكم هذا .. لعرف كل واحد منهم أنه إذا انحرف .. فأنه سيحاسب .. ولعلم قبل أن يمد يده إلى الحرام .. أن الحرام سيكشفه .. ويجعله موضع مساءلة .. ولكنه حين يغمض الأب عينيه ويرى مع بناته وأولاده ما لا يتناسب مع دخولهم فلا يسألهم من أين لكم هذا .. يشيع الفساد في الكون .. وتلك الآية ترينا مدى حرص زكريا على مريم وسلوكها .. مع أنها عابدة متعبدة .. منقطعة لعبادة الله سبحانه وتعالى .. إلا أن ذلك لم يعفها من المساءلة من زكريا .. ولم يقل زكريا لنفسه أن مريم امرأة عابدة متعبدة لا يمكن أن يأتيها هذا إلا من طريق سليم .. ولكنه وضع المساءلة أولا .. ليكون متأكداً مائة في المائة من مصدر هذا الرزق .. حينئذ قالت مريم :

" قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {37} " آل عمران .

وكان الرد مفاجأة لزكريا .. فقد التقى وجها لوجه مع طلاقة قدرة الله التي تهب ما تشاء لمن تشاء دون اللجوء إلى الأسباب .. وإنما تقول للشيء كن فيكون .. وهنا ثارت في نفس زكريا قضية قديمة .. فهو ليس له ذرية وامرأته عاقر .. وهو كنبي يخاف على أتباعه بعد موته أن يتفرقوا أو يضلوا .. ويريد لهم قدوة سلوكية تحفظهم من بعده ..

وثارت في نفس زكريا مسألة طلاقة القدرة .. فما دام الله سبحانه وتعالى يرزق من يشاء بغير حساب فلماذا لا يدعوه ليرزقه بولد .. وما دامت الأسباب لا تقيد قدرة الله سبحانه وتعالى .. فإنه قادر على أن يهب زكريا ما يريد ..


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم

التعديل الأخير تم بواسطة AL-ATHRAM ; 11-24-2020 الساعة 07:28 PM
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس