عرض مشاركة واحدة
قديم 05-21-2020, 12:54 AM   #10
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 352
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

7- المحاكمة:

لم تتفق الأناجيل على عدد المحاكمات .. فسوف نكتفي بالحديث عن محاكمتين فقط ..

ا- المحاكمة الأولى : أمام مجمع اليهود :

يقول مرقس :

" مضوا بيسوع إلى رئيس الكهنة فاجتمع ومعه جميع رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة . وكان بطرس قد تبعه من بعيد إلى داخل دار رئيس الكهنة وكان جالسا بين الخدام يستدفئ عند النار . وكان رؤساء الكهنة والمجمع كله يطليون شهادة على يسوع ليقتلوه فلم يجدوا ، لأن كثيرين شهدوا عليه زوراً ولم تتفق شهاداتهم .. ثم قام قوم وشهدوا عليه زوراً قائلين نحن سمعناه يقول إني أنقض هذا الهيكل المصنوع بالأيادي وفي ثلاثة أيام أبني آخر غير مصنوع بأياد . ولا بهذا كانت شهاداتهم تتفق فقام رئيس الكهنة في الوسط وسأل يسوع قائلاً : أما تجيب بشيء .. ماذا يشهد به هؤلاء عليك . أما هو فكان ساكتاً ولم يجب بشيء . فسأله رئيس الكهنة أيضاً وقال له : أأنت المسيح ابن المبارك . فقال يسوع : أنا هو. وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء . فمزق رئيس الكهنة ثيابه وقال : ما حاجتنا بعد إلى شهود ؟ وقد سمعتم التجاديف . ما رأيكم ؟. فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت . فابتدأ قوم يبصقون عليه ويغطون وجهه ويلكمونه ويقولون له : تنبا. وكان الخدام يلطمون " (14: 53-65) ..

يقول نينهام : ليس من السهل أن نتبين كيف نشأ هذا الجزء .. ولقد كان السؤال حول قيمته التاريخية - ولا يزال - موضوعاً يتعرض لمناقشات حيوية .. ومن الواجب أن نعرض الأسباب الرئيسية للشك في قيمته التاريخية .. ونناقشها باختصار كما يلي :

1- يصف القديس مرقس المحاكمة على أنها حدثت أمام المجمع - أي السهندرين - وهو هيئة رسمية تتكون من واحد وسبعين عضواً يرأسها رئيس الكهنة وتمثل السلطة الشرعية العليا في إسرائيل ..

ولما كانت لائحة السهندرين المذكورة في المشنا تبين الخطوات التفصيلية التي يجب اتخاذها أمام تلك الهيئة .. فإن المقارنة بين تلك الإجراءات وبين ما يذكره القديس مرقس عن محاكمة يسوع .. تكشف عن عدد من المتناقضات أغلبها جدير بالاعتبار ..

2 - ولكن .. هل كان من الممكن أن يجتمع أعضاء السهندرين .. ولو حتى لعمل مثل تلك الإجراءات القضائية الرسمية التي تسبق المحاكمة في منتصف ليلة عيد الفصح .. أو إذا اعتبرنا أن تقويم القديس مرقس لاسبوع الأحداث غير دقيق .. فهل كان يمكن أن يجتمعوا في منتصف الليلة السابقة لعيد الفصح ؟

إن محاكمة رسمية في مثل ذلك الوقت تبدو شيئاً لا يمكن تصديقه .. كما يشك أغلب العلماء تماماً في عقد جلسة في مثل ذلك الوقت .. ولو لعمل تحقيقات مبدئية ( تفسير أنجيل مرقس ص 398-401) .

المحاكمة الثانية أمام بيلاطس :

يقول مرقس :

" وللوقت في الصباح الباكر تشاور رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة والمجمع كله وأوثقوا يسوع ومضوا به وأسلموه إلى بيلاطس . فسأله بيلاطس : أنت ملك اليهود ؟ فأجاب وقال له : أنت تقول ؟ وكان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيراً . فسأله بيلاطس أيضاً قائلاً أما تجيب بشيء. انظر كم يشهدون عليك . فلم يجب يسوع أيضاً بشيء حتى تعجب بيلاطس . وكان يطلق لهم في كل عيد أسيراً واحداً ، من طلبوه . وكان المسمى باراباس موثقاً مع رفقائه في الفتنة. الذين في الفتنة فعلوا قتلاً . فصرخ الجميع وابتدأوا يطلبون أن يفعل كما كان دائماً يفعل لهم . فاجابهم بيلاطس قائلاً أتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود . لأنه عرف ان رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسداً . فهيج رؤساء الكهنة الجميع لكي يطلق لهم بالحري باراباس . فأجاب بيلاطس أيضاً وقال لهم فماذا تريدون أن أفعل بالذي تدعونه ملك اليهود ؟ فصرخوا أيضاً اصلبه . فقال لهم بيلاطس : وأي شر عمل؟ فازدادوا جداً صراخاً : اصلبه . فبيلاطس إذ كان يريد أن يعمل للجميع ما يرضيهم أطلق لهم باراباس وأسلم يسوع بعد ما جلده ليصلب " ( 15: 1-15) ..

يقول نينهام :

رغم أن المحاكمة تعرض لنا باعتبارها وقعت في العراء - فإن رواية القديس مرقس لا يمكن اعتبارها بأية حال تقريراً لشاهد عيان ، وفي الواقع إنها ليست تقريراً على الإطلاق .

إننا لم نخطر كيف علم بيلاطس بالتهمة ( وفي العدد 2 نجده قد عرفها من قبل ) ولماذا لم يرد ذكر لحكم رسمي ( على عكس لوقا الذي يقول :

" فحكم بيلاطس أن تكون طلبتهم " ( 23: 24 ) ..

وبالنسبة لما قيل عن عادة إطلاق أحد المسجونين - فإن وجهة نظر أغلب العلماء تقرر أنه :

لا يعرف شيئاً عن مثل هذه العادة كما وصفت هنا .. إن القول بأن عادة الحكام الرومان جرت على إطلاق أحد المسجونين في عيد الفصح .. وأن الجماهير هي التي كانت تحدد اسمه بصرف النظر عن جريمته .. إنما هو قول لا يسنده أي دليل على الإطلاق .. بل إنه يخالف ما نعلمه عن روح الحكم الروماني لفلسطين وأسلوبه في معاملة أهلها ..

على أن محتويات الحوار بين بيلاطس والجمهور تعتبر من المشاكل أيضاً .. فيبدو منها أن بيلاطس قد وُوجِه مقدماً بالاختيار بين مجرمين أدينا .. بحيث إذا أطلق سراح أحدهما لوجب عليه إعدام الآخر .. وفي نهاية الفقرة التالية ( الأعداد 2-5 ) ) نجد أن يسوع لم يدن .. وحسبما تذكره القصة لا نجد مبرراً يمنع بيلاطس من تبرئة يسوع إذا كان قد اعتقد في براءته وإصدار عفو كذلك عن باراباس .. ونجد في رواية القديس متي لهذه القصة أن اسم ذلك المتمرد ذكر مرتين ( في 27: 16, 17 ) في أغلب النسخ على أنه : يسوع باراباس والاعتقاد الشائع أن ذلك كان القراءة الأصلية ..

إن حذف كلمة يسوع من النسخ المتداولة بيننا يمكن شرحه ببساطة على أساس أنه بالرغم من أن اسم يسوع كان شائعاً في أيام المسيح .. فلم يلبث
المسيحيون أن اعتبروه اسماً مقدساً يرقي عن الاستخدام العادي .. وأن أطلاقه على أحد المجرمين يعتبر مهيناً . ( تفسير انجيل مرقس ص 411-416 ).

ولقد أضاف متى إلى رواية مرقس قصتين : احداهما تحكي نهاية يهوذا .. وهذا الموضوع سوف نتعرض له في حينه .. وأما الأخرى فهي الحديث عن حلم زوجة بيلاطس .. كذلك بين متى أن بيلاطس أعلن براءته من دم المصلوب بطريقة قاطعة فهو يقول :

" فقال الوالي وأي شر عمل ؟ فكانوا يزدادون صراخاً ليصلب . فلما رأى بيلاطس أن لا ينفع شيئاً بل بالحرى يحدث شغب أخذ ماء وغسل يديه قدام الجميع قائلاً إني برئ من دم هذا البار ، أبصروا أنتم . فأجاب جميع الشعب وقالوا دمه علينا وعلى أولادنا . حينئذ أطلق لهم باراباس . وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب " ( 27: 23-26 ) ..

لكن العلماء يشكون في حادث غسل يد بيلاطس - كما يقول جون فتون - باعتبار أن ( عملية غسل اليد لتكون دليلاً على البراءة إنما هي عادة يهودية أكثر منها رومانية .. إذ يقول سفر التثنية :

" يغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من المدينة أيديهم ويقولون أيدينا لم تسفك هذا الدم "

ومن المستبعد جداً أن يكون بيلاطس قد عمل شيئاً كهذا .. ( تفسير انجيل متى ص 436 ) ..

نكتفي بهذا القدر بالنسبة لبعض ما يقال في المحاكمات والثغرات الموجودة فيها ثم نمر بعد ذلك على عدد من العناصر التي تتعلق بقضية الصلب .. وهي لا تحتاج كثيراً للاستشهاد بأقوال العلماء .. إذ أن اختلاف الأناجيل فيها واضح لا يحتاج إلى تعليق ..


8- الصلب:

أ- حامل الصليب :

يقول مرقس :

" ثم خرجوا به ليصلبوه . فسخروا رجلاً مجتازاً كان آتياً من الحقل وهو سمعان القيرواني أبو الكسندرس وروفس ليحمل صليبه وجاءوا به إلى موضع جلجثه الذي تفسيره موضع جمجمة " ( 15: 20-22 ) ..

*** ويتفق متى ولوقا مع مرقس في أن حامل الصليب كان المدعو سمعان القيراوني لكن يوحنا يقرر شيئاً آخر فهو يقول :

" حينئذ أسلمه إليهم ليصلب فأخذوا يسوع ومضوا به . فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة ، ( 19: 16-17 ) ..

يقول نينهام :

لقد كان المعتاد أن يقوم الذين حكم عليهم بالصلب .. بحمل صلبانهم بأنفسهم .. ويقرر يوحنا أن هذا كان ما حدث فعلا في حالة يسوع ولكن على العكس من ذلك نجد حسب رواية ( مرقس ومتى ولوقا) أن شخصا مجهولا يدعى سمعان القيرواني هو الذي سخره الرومان لحمل الصليب بدلا من يسوع ..

وبالنسبة لموضع جلجثة فإن التقاليد التي تقول إنه يقع داخل كنيسة القير المقدس لا يمكن إرجاعها لأبعد من القرن الرابع .. كما أنها لا تزال موضع جدل . ولقد اقترحت أماكن أخرى في عصرنا الحاضر .. إلا أن القطع بواحد منها لا يزال بعيداً عن التحقيق . ( تفسير انجيل مرقس ص 422 ) ..

أي أن الحديث عن القبر المقدس الذي يقول المسيحيون إن المسيح دفن فيه .. وكان سبباً من الأسباب الظاهرة للحروب الصليبية التي ادعي مشعلوها أنها قامت لتخليص ذلك القبر المقدس من أيدي الكفرة والتي استمرت أكثر من 280 عاماً ، وقتل فيها من المسيحيين والمسلمين عشرات الألوف .. ودمر فيها الكثير من المدن وأسيلت فيها دماء الكثير من الأبرياء ـ كل هذا قام على غير أساس ..

ب- شراب المصلوب :

يقول مرقس :

" أعطوه خمراً ممزوجة بمر ليشرب فلم يقبل " ( 15: 23 ) ..

ويقول متى :

" أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب ، ولما ذاق لم يرد أن يشرب " ( 27: 34 ) ..

ج ـ علة المصلوب :

يقول مرقس :

" وكان عنوان علته مكتوباً : ملك اليهود " ( 15: 26 ) ..

ويقول متى :

" وجعلوا فوق رأسه علته مكتوبة : هذا هو يسوع ملك اليهود " ( 27: 37 ) ..

ويقول يوحنا :

" وكتب بيلاطس عنواناً ووضعه على الصليب .. وكان مكتوباً يسوع الناصري ملك اليهود" ( 16: 19 )

يقول نينهام : لقد اختلفت الآراء بشدة حول صحة ما كتب عن علته .. فيرى بعض العلماء أن الصيغة الدقيقة قد عرفت عن طريق شهود عيان .. بينما يعتقد آخرون أنه من غير المحتمل أن يكون الرومان قد استخدموا مثل تلك الصيغة الجافة .. وأن ما ذكره القديس مرقس بوجه خاص عن علته .. إنما يرجع مرة أخرى لبيان أن يسوع قد أعدم باعتباره المسيا. ( تفسير انجيل مرقس ص 424 ) ..

*** إن اختلاف الأناجيل في عنوان علة المصلوب - وهو ما لا يزيد عن بضع كلمات بسيطة كتبت على لوحة قرأها المشاهدون ـ إنما هي مقياس لدرجة الدقة لما ترويه الأناجيل .. وطالما كان هناك اختلاف ـ ولو في الشكل كما في هذه الحالة ـ فإن درجة الدقة لا يمكن أن تصل إلى الكمال بأي حال من الأحوال ..

وقياساً على ذلك نستطيع تقييم درجة الدقة لما تذكره الأناجيل من ألقاب المسيح .. وخاصة عندما ينسب إنجيل إلى أحد المؤمنين به قوله :

كان هذا الإنسان باراً .. بينما يقول إنجيل آخر في نفس الوقت : كان هذا الإنسان ابن الله .. أو عندما يقول أحد الأناجيل على لسان تلميذ للمسيح : يا معلم .. ويقول إنجيل آخر : يا سيد .. بينما يقول ثالث : يا رب ..
إن الحقيقة تبقى هنا دائماً محل خلاف ..


د- اللصان والمصلوب :

يقول مرقس :

" وصلبوا معه واحداً عن يمينه وآخر عن يساره .. واللذان صلبا معه كانا يعيرانه " ( 15: 27-32 ) ..

ويتفق متى مع مرقس في أن اللصين كانا يعيرانه ويستهزئان به .. لكن لوقا يقول :

" وكان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه قائلاً إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا .. فأجاب الأخر وانتهره قائلاً : أولا أنت تخاف الله إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه . أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلناه ، وأما هذا فلم يفعل شيئاً ليس في محله . ثم قال ليسوع : اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك . فقال له يسوع : الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس " ( 23: 39-43 ) ..

: لقد اختلفت الأناجيل في موقف اللصين من المصلوب ..

هـ - وقت الصلب :

يقول مرقس :

" وكانت الساعة الثالثة فصلبوه " ( 15: 25) ..

لكن يوحنا يقول : إن ذلك حدث بعد الساعة السادسة :

" وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة . فقال ( بيلاطس) لليهود هو ذا ملككم فصرخوا خذه خذه اصلبه . فحينئذ أسلمه إليهم ليصلب " ( 19: 14-16) ..

يقول نينهام :

منذ اللحظة التي روى فيها القديس مرقس انكار الناس ليسوع نجد أن الوقت قد خطط بعناية بحيث تكون الفترة ثلاثية الاحداث أو التوقيتات مثل : ( إنكار بطرس ثلاث مرات 14: 68 , 72 ) وقت الصلب الساعة الثالثة ( 15: 25 ) - وقت الظلمة من السادسة إلى التاسعة ( 15: 33 , 34 ) ..

وفي هذا المثل على الأقل فإن الحساب يبدو مصطنعاً .. إذ أنه من الصعب أن كل ما روت الأعداد ( 15: 1-24 ) ( منذ بدء جلسة الصباح حتى وقت الصلب ) يمكن حدوثه في فترة الثلاث ساعات ..

ويبين إنجيل يوحنا ( 19: 14) بوضوح أن ذلك لم يحدث .. ( تفسير انجيل مرقس ص 424 ) ..

و - صلاة المصلوب

يقول لوقا :

" ولما مضوا به إلى الموضع الذي يدعى جمجمة صلبوه هناك مع المذنبين واحداً عن يمينه والآخر عن يساره . فقال يسوع : يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون " ( 23: 33-34 ) ..

لقد انفرد لوقا بذكر هذه الصلاة التي حذفتها الأناجيل الأخرى .. بل وبعض النسخ الهامة التي تنسب للوقا أيضاً ..

ويقول جورج كيرد : لقد قيل إن هذه الصلاة ربما تكون قد محيت من إحدى النسخ الأولى لإنجيل ( لوقا ) بواسطة أحد كتبة القرن الثاني .. الذي ظن أنه شيء لا يمكن تصديقه أن يغفر الله لليهود .. وبملاحظة ما حدث من تدمير مزدوج لأورشليم في عامي 70 ، 135 صار من المؤكد أن الله لن يغفر لهم .. ( تفسير انجيل لوقا ص 250 ) ..

ز - صرخة اليأس على الصليب :

يقول مرقس : « ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة . وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً : ( الوي الوي لما شبقتني ) الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني " ( 15: 32-34 ) ..

لكن لوقا يقول :

" نادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي " ( 23: 46) ..

بينما يقول يوحنا: " لما أخذ يسوع الخل قال قد أكمل " (19: 30) ..

إن صرخة اليأس على الصليب تثير عدداً من المشاكل التي كانت ولا تزال موضع جدل بين العلماء .. فالبعض يقول : يبدو أن القديسين لوقا ويوحنا قد رأيا في كلماتهما غموضاً واحتمالا لسوء الفهم ولذلك حذفاها .. ثم استبدلها أحدهما بقوله :

" يا أبتاه في يديك أستودع روحي .. بينما قال الآخر : قد أكمل ..

وعلى العكس من ذلك فإن مثل هذا الرأي يفترض الراوية الذي كان شاغله الأول أن يذكر الحقيقة التاريخية ، ويسجل بأمانة للأجيال القادمة كلاماً مزعجاً يتعذر تفسيره ..

ولهذا فإن أغلب العلماء المحدثين يقرون تأويلاً مختلفاً تماماً .. يقوم على حقيقة أن هذه الكلمات ( اليائسة ) إنما هي اقتباس من ( المزمور 22: 1)

" إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي، بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي، عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي ؟ "

وإذا أخذنا هذا المزمور ككل .. فإنه لا يمكن أن يكون صرخة بأس باي حال من الأحوال .. إنما هو صلاة لعبد بار يعاني آلاماً .. إلا أنه يثق تماماً في حب الله وحفظه من الشر .. وهو مطمئن تماماً إلى حمايته " ( تفسير إنجيل مرقس ص 427-428 ) ..

ح- في أعقاب الصلب :

يقول مرقس :

" انشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل ولما رأي قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح قال حقا كان هذا الإنسان ابن الله " ( 15: 38-39 ) ..

ويقول متى :

" وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل والأرض تزلزلت والصخور تشققت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين " ( 27: 51-53) ..

ويقول لوقا :

" أظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه فلما رأي قائد المئة ما كان مجد الله قائلاً : بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً " ( 22: 45-47 ) ..

*** أما يوحنا فإنه لا يعلم شيئاً عن ذلك ..

يقول جورج كيرد : إن حدوث كسوف للشمس (حسب رواية لوقا ) بينما يكون القمر بدراً .. كما كان وقت الصلب إنما هو ظاهرة فلكية مستحيلة الحدوث ..

ولقد كان الشائع قديماً أن الأحداث الكبيرة المفجعة يصحبها نذر سوء .. وكأن الطبيعة تواسي الإنسان بسبب تعاسته .. ( تفسير إنجيل لوقا : ص 253 ) ..

ويقول نينهام : لقد قيل إن مثل تلك النذر لوحظت عند موت بعض الأحبار الكبار وبعض الشخصيات العظيمة في العصور القدمية الوثنية وخاصة عند موت يوليوس قيصر .. ( تفسير إنجيل مرقس : ص 427 ) ..

ويقول جون فنتون : لقد أضاف "متى" إلى ما ذكره مرقس حدوث الزلزلة وتفتح القبور وقيامة القديسين من الأموات وظهورهم لكثيرين في أورشليم بعد قيامة يسوع .. وكان قصده من إضافة هذه الأحداث أن يبين أن موت يسوع كان عملاً من صنع الله ) .

*** الحق الذي لا مرية فيه أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله .. لا يخسفان لموت صغير أو كبير .

وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس