عرض مشاركة واحدة
قديم 04-13-2022, 10:43 PM   #89
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 353
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة هود :

" وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ {78} قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ {79} قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ {80}.

" وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ "

ومعنى ذلك أن قوم لوط جاءوا إله مسرعين متدفقين .. والإنسان حين يتعود على الإثم يفعله بسهولة ويسرع إليه .. فالذي يسرق أول مرة يكون متهيبًا وخائفاً أن يمسك به .. لأنه ليس له دراية بالسرقة .. أما الذي يسرق كل يوم .. فهو يقدم على السرقة بجرأة ونشاط .. وكلمة يُهرعون من ألفاظ اللغة العجيبة .. كل فعل له فاعل مثل يضرب زيد عمراً .. من الذي ضرب ؟ زيد .. وضرب من ؟ عمرا .. هذا فاعل وهذا مفعول ولكن كلمة يُهرع إذا سمعناها فالضمة على الياء .. وهي ملازمة البناء للمجهول .. يُهرع مثل جُن بضم الجيم .. ومعناها فلان أُصيب بالجنون .. ولكن هل هو أحضر لنفسه الجنون؟ .. لا .. الجنون هو الذي جاءه .. ونحن لا نعرف للجنون سببًا فبُنيت للمجهول .. مثلا يُقال نكب فلان .. وكلنا لا نعرف ما الذي نكبه؟ ولكن إذا جُهل الفاعل بني للمجهول .. إنما ما بعده يكون فاعلاً ..

قوله تعالى : " وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ "

الإنسان إذا أقبل على شيء باندفاع فهو عاشق إلى أن يذهب إلى ذلك الشيء .. ولا يعشق إنسان أن يذهب إلى شيء .. إلا إذا كان يذهب إلى ما يحب ودون أي هيبة .. فيه اندفاع منه وفيه دفع من غيره .. فأي جماعة تكون مقبلة على أمر محبب إلى نفسها تندفع إليه .. فإذا كان هناك نقص في مادة غذائية ثم عرف الناس أنها موجودة في محل معين هرعوا إليه .. أي اندفعوا إليه ودفعوا غيرهم .. وقوم لوط مدربون على هذا الإثم ..

ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى :

" وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ "

إذن فهم متدربون على هذا العمل .. يعشقونه ويفعلونه بلا هيبة ولا حياء .. [color="redلأنbالحياءأن يفعل بعضهم ويخاف بعضهم[/color"] .. ولكن إذا كانوا كلهم يقومون بهذه السيئة .. فلا أحد يخشى أو يمتنع .. لأن ما يفعلونه مع الرجال من الفاحشة قد تعودوا عليه ..

أقبل قومه على بيته بسرعة واندفاع وفي أعداد كبيرة وهو يعلم نيتهم من سوابقهم .. ويريد أن يصرفهم عن ضيوفه انصرافاً من جنس اندفاعهم ..

" قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ "

أيعرض لوط بناته عليهم؟

لوط عليه الصلاة والسلام قال هؤلاء بناتي .. هل قالها بالنسبة لبناته اللاتي من صلبه؟ أو لبنات أمته ؟ أو بنات المؤمنين به ؟

لوظ عليه الصلاة والسلام لم يؤمن برسالته إلا هو وبنتاه .. إذن فلم يكن المقصود بنتيه .. لأنهما لا يكفيان هذا العدد الكبير .. أينهاهما من لواط ويقدم لهما الزنا .. إن لوطاً كان يحال أن يهدي قومه ويدفعهم إلى الزواج .. ولذلك فقوله بناتي يعني بنات القرية .. بدليل أنه قال :

" هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ".

أي : أن زواجكم من البنات أطهر لكم مما ترتكبونه من فاحشة مع الرجال .. فالزواج شريعة الله والفاحشة مع الرجال إثم عظيم ..

ثم عندما لم يحج اقتناعاً منهم بذلك .. حاول أن يستعطفهم بأن يحفظا عليه كرامته بالنسبة لضيوفه .. فقال كما يقص علينا القرآن الكريم :

" فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي."

ما هو الخزي ؟

الخزي هو الفضيحة أمام الناس .. فالإنسان حين يُهان لو كان بمفرده فهذا هوان .. ولكن الخزي أن يهان أمام جمهرة من الناس .. وقوله تعالى:

"
أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ {78}." سورة هود "

أي : رجل يقف مع الحق ويمنع هذه المهزلة ..

لما عرض لوط عليه السلام على قومه الزواج من بناته .. قالوا له :

" قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ {79}." سورة هود

يعني أنت تعلم أنه ليس لنا حق في بناتك .. وأنت تعلم أننا لا نريد البنات .. ولكننا نريد ضيوفك هؤلاء .. الضيوف الرجال ذوي الهيئة الحسنة لنرتكب معهم الفاحشة .. لوط أحس بالضيق الشديد والخزي وبالعجز .. فقال كما يقص علينا القرآن الكريم :

" قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ {80}." سورة هود

ساعة تسمع { لَوْ } تكون للتمني .. أي أتمنى أن تكون لي قوة أدفعكم بها عن ضيوفي .. لو أن عندي القوة لفعلت .. وإن لم يكن عندك القوة الذاتية .. فإنك تبحث عن قوى أو أقوياء .. تستطيع أن تأوي إليهم ليدفعوا عنك السوء .. وقوله تعالى :

" أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ "

أي أجد من الأقوياء من ينصروني عليكم .. فآوي إليهم ليدافعوا عني ..

والله تبارك وتعالى يقول في آية أخرى توضح موقف قوم لوط من الملائكة الذي جاءوا إليه بالبشرى والحوار الذي دار بينهم وبينه .. قال تعالى :

" وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ {67}." سورة الحجر.

أي جاء أهل المدينة فرحين مستبشرين .. لأن الاستبشار هو استشراف النفس إلى شيء مفرح وسار لأنهم حينما سمعوا بأن لوطاً جاءه جماعة في غاية الحسن والجمال : تحركت نوازعهم المنحرفة وقالوا : هذه فرصة .. فجاءوا مستبشرين ومسرورين .. فكأنهم رأوا أن هذه فرصة يجب إلا تفلت من أيديهم .. لأنهم كانوا أهل منكر وانحراف لا يستحون منه بل كانوا يفعلونه بسرور واستبشار ..

ولما جاءوا لوط قال لهم :

" هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ {68}." سورة الحجر.

وكان من عادة العرب أن الضيف يأخذ كرامته واحترامه من المضيف .. ولا يسمح لأحد أن يناله بسوء وهو عنده .. لأنه أخذ جواره .. وأي اعتداء على الضيف يعتبر نقيصة وعارًا على المضيف ..

وقوله : " فَلاَ تَفْضَحُونِ "

الفضيحة هي هتك المساتير التي يستحي منها الإنسان .. لأن هناك أشياء يفعلها الإنسان ولكنه يستحي أن يظهرها .. هذه تسمى المساتير ..

لأنك لو عرفت لمحسن حسنات متعددة .. ثم اطلعت منه على سيئة فقد تلعنه وتقاطعه .. فتحرم نفسك من حسناته فالمولى سبحانه يستر عنك هذه السيئة حتى تنتفع بحسناته ولذلك يقولون :

خذ بعلمي ولا تركن إلى عملي ... وأجن الثمار وخل العود للنار ..

فهو يقول لهم : لا تفضحون لأنهم ضيفي .. فهذه كرامتي .. ثم يقول لهم :

" وَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ {69}." سورة الحجر.

الفضيحة تكون أمام النفس . والخزي يكون أمام الناس .. فردوا عليه بقولهم :

" قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ {70}. سورة الحجز.

ألم نقل لك لا شأن لك بهذا الموضوع .. وعن العالمين : العالم ما سوى الله تعالى .. أي دعنا نفعل في الكون ما نشاء .. وإياك أن تناقش هذا الأمر معنا لا في هؤلاء ولا في غيرهم .. إلى أخر القصة ..


وللحديث بقية ..

أخوكم : الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس