عرض مشاركة واحدة
قديم 06-01-2020, 01:04 AM   #14
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 351
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

تنبؤات المسيح بآلامه ..

لقد تأثرت الأناجيل - التي كُتب أقدمها وهو إنجيل مرقس بعد أن بدأ كتابة رسائله بأكثر من 15 سنة - بنظرية سفك دم المسيح فدية عن كثرين .. تلك التي روج لها بولس وجعلها إنجيله الوحيد الذي يبشر به .. فهو يقول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس : " إني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً " ( 2: 2 ) ..

ولما كان من المتوقع أن يتحدث المسيح عن آلامه ورفضه باعتبارها ظواهر اقترنت دائماً بحمل رسالات السماء .. فإنا نجد إنجيل مرقس يضع ما يمكن اعتباره أساساً لكل ما قيل عن التنبؤات بالآلام المرتقبة .. فهو يروي حديث المسيح لتلاميذه :

" كيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألم كثيراً ويرذل " ( 9: 12 ) ..

ولقد طور متى هذا القول فجعله تنبؤاً بصلب المسيح إذ يقول على لسانه :

" ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت . ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه " ( 18: 19 ) ..

ومن المعلوم أن إنجيل مرقس كان مصدراً رئيسياً لـ "متي" .. ومن المعلوم كذلك أن إنجيل متى هو الإنجيل الوحيد الذي نسب للمسيح تنبؤه بالقتل صلباً ولقد رأينا فيما سبق كيف طور "متى" ما قيل عن آية يونان .. فقد بدأها مرقس بقوله :

" خرج الفريسيون وابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية ؟ الحق أقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية " ( 8: 11-12 ) ..

ولقد طورها لوقا فقال :

" وفيما كان الجموع مزدحمين ابتدأ يقول هذا الجيل شرير يطلب آية ولا تعطى له إلا آية يونان النبي لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل " ( 11: 29-30 ) ..

*** أما متى ـ الذي اعتمد على مرقس وكتب إنجيله بعد لوقا أيضاً ـ فإنه حول ذلك القول الذي ينسب للمسيح بما قدمه من إضافات وتعديلات .. إلى نبوءة خاطئة .. وذلك في قوله :

" حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين يا معلم نريد أن نرى منك آية فأجاب وقال لهم : جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال " ( 12: 38-40 ) ..

ولقد بينا خطأ هذه النبوءة عند الحديث عن التنبؤات التي استحال تحقيقها ..

يبقى بعد ذلك ما ينسب للمسيح من قوله إن ابن الإنسان سوف يتالم كثيراً ويرفض من جيله ** ماذا يعني قول كهذا ؟

يقول تشارلز دود :

لقد سجلت أقوال بأن يسوع تنبأ بأن الآلام تنتظره هو وتابعيه .. وغالباً ما استحسن ذلك الاعتقاد في أن الإنذار بموته - وهو القول الذي تكرر ذكره منسوباً ليسوع في الأناجيل - إنما هو تنبؤ خرج من واقع الأحداث .. أي بعد وقوعها ( حيث عاصر جيل المسيح اختفاءه فجأة وقتل شخص على الصليب لم يسمح لتلاميذه بالاقتراب منه ) .. ( من كتاب أمثال الملكوت ص 41-47 ) ..

إن رجال الكنيسة لم يستطيعوا الاعتقاد بأن ربهم كان جاهلا بما كان ينتظره .. ويمكن التسليم صراحة بأن دقة بعض هذه التنبؤات قد ترجع إلى ما عرفته الكنيسة من حقائق فيما بعد ..

وفي الواقع إن الانطباع الذي نخرج به من الأناجيل ككل هو أن يسوع قاد أتباعه إلى المدينة بمفهوم واضح هو أن أزمة تنتظرهم هناك .. وقد يصيبه وأتباعه بسببها آلام مبرحة ..

وإن الفقرة المتميزة في هذا المقام هو ما ذكره مرقس في ( 13: 35-40 ) ..

" عندما تقدم أبناء زبدي إلى المسيح طالبين مشاركته المصير والملكوت فقال لهما : أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا .. وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا ؟ فقالا له : نستطيع . فقال لهما يسوع : أما الكأس التي أشربها أنا فتشربانها وبالصبغة التي أصطبغ أنا تصطبغان .. "

** فنجد هنا أن ابني زبدي قد تأكدا أنهما سيشربان الكأس التي يشربها سيدهما ويصطبغان بصبغته .. إن مفهوم الكلام هنا لا شك فيه ..

وبالنسبة للتنبؤ بمشاركة الأخوين ( ابني زبدي ) لسيدهما مصيره فإنها تعتبر واحدة من التنبؤات التي لم تتحقق بمعناها الطبيعي ..

وبما أن الصليب كان هو الوسيلة الوحيدة المألوفة للإعدام تحت حكم الرومان فإن ما توحي به تلك الفقرة هو أنه أراد تهيئتهم لا من أجل المعاناة فقط .. بل للموت .. وما من شك في أنه يمكن قبول الرأي الذي يقول بأن التنبؤات التي نجدها في الأناجيل ليست أكثر من انعكاس لتجارب الكنيسة الأولى التي تكونت فيها التعاليم المسيحية .. ومن المؤكد أن بعضاً من هذه التنبؤات - على الأقل - قد كونتها تلك التجارب .. وفضلاً عن ذلك تظهر بعض الآثار لتنبؤات نسبت ليسوع ولم تتحقق ..

تنبؤات المسيح بنجاته من القتل ...

المسيح يرفض كل محاولة لقتله :

منذ أن بدأ المسيح دعوته .. حتى آخر يوم فيها نجد أن الأناجيل تذكرنا بين الحين والحين برفضه فكرة قتله واستنكارها تماماً .. ثم هو قد عمل كثيراً لإحباط جميع المحاولات التي رآها تـبـذل من اليهود ..

يقول إنجيل يوحنا ( 7: 16-19):

" أجابهم يسوع وقال تعليمي ليس لي .. بل للذي أرسلني لماذا تطلبون أن تقتلوني .. ؟

يوحنا " 8: 37- ...... 40- لكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني .. وأنا إنسان قد حدثكم الحق الذي سمعه من الله . هذا لم يعلمه أبراهيم "

** ولأن المسيح إنسان عادي ككل البشر فإنه يجهل ما يخبئه له القدر .. ولذلك اتخذ من الاحتياطات ما يجنبه الوقوع في براثن أعدائه من اليهود .

ولو كان يعلم أنهم سيقبضون عليه في يوم معين .. (( فلم )) _ إذن _ تلك الإحتياطات ؟؟

يقول إنجيل يوحنا (7: 1) :

" وكان يسوع يتردد بعد هذا في الجليل. لأنه لم يرد أن يتردد في اليهودية لأن اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه .

ويقول يوحنا ( 11: 53- 54) :

" فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه. لم يكن يسوع أيضاً يمشي بين اليهود علانية بل مضى من هناك إلى الكورة القريبة من البريية .. ) .

** هذا ونكتفي الآن بذكر عدد من التنبؤات الواضحة التي قالها المسيح بنجاته من القتل .. والتي تتفق وتلك الإحتياطات التي اتخذها للمحافظة على حباته ..

1- حدث ذات مرة في إحدى محاولات القبض عليه أن :

( " أرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خدماً ليمسكوه. فقال لهم يسوع : أنا معكم زماناً يسيراً بعد .. ثم أمضي للذي أرسلني ** ستطلبوني ولا تجدونني .. وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن أن تأتوا. " ( يوحنا 7: 32 – 34 ).

***** لا أظن أحداً يشك في وضوح هذا القول الذي يعني أن اليهود حين يطلبون المسيح لقتله فلن يجدوه لأنه سيمضي للذي أرسله .. أي سيرفعه الله إليه كما سبق أن رفع (( أيليا)) ( إلياس عليه الصلاة والسلام ) وشاهده تلميذه اليشع ( اليسع ) وهو صاعد إلى السماء ..

2- وفي موقف آخر من مواقف التحدي بين المسيح واليهود .. أكد لهم نبوءته السابقة وان محاولاتهم ضده ستنتهي برفعه إلى السماء .

يقول يوحنا "

" قال لهم يسوع أيضاً أنا أمضي وستطلبونني وتموتون في خطيتكم ** حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا ؟ فقال اليهود ألعله يقتل نفسه حتى يقول حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا ؟ فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الانسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل شيئاً من نفسي .. بل أتكلم بهذا كما علمني ( والذي أرسلني هو معي ولم يتركني الآب وحدي ) لأني في كل حين أفعل ما يرضيه " ( 8: 21-29 ) ..

*** لكن ذلك المصلوب صرخ يائساً على الصليب قائلاُ : إلهي إلهي لماذا تركتني ؟

3- ولقد كانت آخر أقوال المسيح لتلاميذه في تلك اللحظات التي سبقت عملية القبض مباشرة .. وهو تأكيده لهم أن الله معه دائماً ولن يتركه :

" هو ذا تأتي ساعةٌ وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحداً إلى خاصتهِ وتتركوني وحدي وأنا لست وحدي لأن الآب معي لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " ( يوحنا 16: 32-33 ) ..

***** ومن المؤكد أن ذلك المصلوب قد تركه إلهه .. كما قال بلسانه في صرخته اليائسة .. ومن المؤكد كذلك أن ذلك المصلوب قد غلبه أعداؤه وقهره الموت وأخضعه لسلطانه ..

4- وفي آخر مواجهة عاصفة حدثت بين المسيح والكهنوت اليهودي كان قوله :

" لأني أقول لكم أنكم لا ترونني من الآن حتى تقولا مبارك الآتي باسم الرب ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل " ( متى 23: 39 , 24: 1 ) ..

*** إن التحدي في هذا القول واضح .. ذلك أن المسيح يؤكد لأعدائه أنهم لن يروه منذ تلك الساعة حتى يأتي في نهاية العالم ( بقوة ومجد كثير) ..

***** لكن ذلك المصلوب رآه الكهنوت اليهودي أسيراً في قبضته أثناء المحاكمة .. ثم رأوه بعد ذلك معلقاً على الخشبة قتيلاً قد أسلم الروح والمشيئة .. ولم يبق منه إلا جسد خامد فقد نبض الحياة ..

واستعير لغة المسيح في الإنجيل .. فاقول :

"من له أذنان للسمع فليسمع .. ومن يسمع فعليه أن يعقل .. "

وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس