الموضوع: معجزة القرآن ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-29-2024, 09:19 PM   #17
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 352
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

مخاطبة النفس البشرية ..

على أن المعجزة لا تأتي في حرف فقط .. بل تأتي أيضاً في مخاطبة القرآن للملكات البشرية المستورة .. الشيء الذي ينبىء عن علم تام بخفايا النفس البشرية .. وملكاتها التي نعرفها .. والتي نجهلها ..

فمثلاً عندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يمنع المشركين بأن يطوفوا بالبيت الحرام .. ساعة ما يلقي هذا الأمر .. ما الذي يهتز في نفس المسلم الذي يستمع .. أي الملكات تهتز .. ملكة الاقتصاد في النفس .. على أساس أن هؤلاء المشركين يأتون من كل الدول .. المدن .. القرى .. والبلاد المحيطة بمكة .. وهذا لم يصلها الإسلام بعد ..

ومعنى منعهم من الحضور .. منع الخير الذي يأتي معهم .. فهم يأتون بالبضائع .. وينفقون .. ويحدثون رواجاً اقتصادياً .. هنا تهتز ملكة الاقتصاد في النفس .. والله سبحانه وتعالى وهو خالق النفس البشرية .. يعلم هذا .. فعندما تنزل هذه الآية .. لا تقتصر على مخاطبة ناحية أفعل ولا تفعل .. كأوامر ونواه .. وطريق ومنهج للحياة ... ولكن تتجلى فيها رحمة الله فتخاطب الآية الملكة النفسية التي تتأثر بالاقتصاد .. فعندما يقول الله سبحانه وتعالى :

" إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا (28) ". سورة التوبة

يخاطب في نفس الآية الملكة الاقتصادية .. ويخاطب الملكة الاقتصادية قبل أن يثار السؤال في أن ذلك سيؤدي إلى ضيق الرزق .. فيقول الله سبحانه وتعالى :

" َإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ (28) "... سورة التوبة


نفس الآية .. والمعنى هنا أنه حذار أن تفتنكم الملكة الاقتصادية ... وتأثيرها داخل النفس يتكرر الآن في أشياء كثيرة تحدث في الدنيا .. والله سبحانه وتعالى حين يقول لك افعل كذا .. أو يقول لك لا تتعامل مع كذا .. يأتي بعد ذلك مباشرة السؤال إلى ذهنك .. والرزق الذي أحصل عليه من هذا التعامل .. من أين آتي به .. وهنا يقول الله سبحانه وتعالى أنني أرزقك من طريقي .. وما دام الرزق بيدي أنا فإنني سأيسر لك سبيلاً آخر للرزق .. ولا تخش الفقر .. ولا تخف من أن رزقك سيناله غيرك ..


" هُوَ .. يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) ". سورة الشعراء

والله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يخاطب دائماً ملكات النفس البشرية .. ويرد عليها ببلاغة وبدقة متناهيتين .. بحيث تجد أنه عندما تتغير كلمة واجدة من الكلمات .. فان ذلك لأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يعطي معنى جديداً .. أو يفهم شيئاً جديداً .. وهذه الدقة الهائلة .. تجدها موجودة بكثرة في القرآن الكريم ... مثلاً ابراهيم عليه السلام يقول :

" فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) ". سورة الشعراء

هنا نتوقف لنسأل : لماذا لم يقل إبراهيم عليه السلام هو الذي خلقني فهو يهديني ..

وقال : " الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) ".


لأن الخلق ليس محتاجاً إلى تأكيد .. فليس هناك انسان مهما كبر وعظم وحكم الدنيا كلها .. يستطيع أن يدعي أنه يخلق انساناً .. وإلا فسنطلب منه أن يفعل ذلك وسيعجز .. اذن فالخلق لم يدعه أحد .. وذلك فانه غير محتاج إلى تأكيد .. انما الهداية هناك مئات الألوف ممن يدعون انهم يهدون الناس ..

بعضهم وضع مناهج مع الدين .. ويعضهم وضع مناهج ضد الدين .. والمهم انهم جميعاً يدعون أنهم يريدون هداية البشر .. وكل انسان يضع نظاماً يخضع لأمره وهواه .. ويدعي أنه للهدية .. ومنا هنا كان لا بد من التأكيد على أن الهدى من الله وحده .. وأن الحق والطريق المستقيم من الله وحده .. وهكذا نرى أن الضمير هنا كان لا بد من وضعه .. وأن الضمير في الجزء الأول من الآية لم يكن هناك حاجة للتذكير به .. فالخلق صفة من صفات الله .. لا ينازعه فيها أحد .. فهو ليس محتاجاً إلى تأكيد وانما الهدى فيه ادعاءات من الناس .. وهنا تأتي كلمة ( هو ) ضرورة .. ثم تأتي بعد ذلك في :

" وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) ". سورة الشعراء

لأن الإنسان يكسب ثمن الطعام والشراب فهناك ادعاءات كثيرة في الرزق .. ومنا هنا فان هذه الادعاءات محتاجة إلى ان يقول الله سبحانه وتعالى كلمة :

" هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) ".

ويقول أيضاً مع :

" وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) ". سورة الشعراء

.. ذلك أننا بين الطبيب والدواء ننسى إرادة الله سبحانه وتعالى .. ثم بعد ذلك نأتي إلى عدم وجود كلمة هو في قوله تعالى :

" وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) " . سورة الشعراء

ولم يقل : والذي ( هو ) يميتي ثم ( هو ) يحين لأنه لا أحد يستطيع أن ينازع الله في مسالة الموت والحياة .. ولا يدعيها لنفسه .. ومن هنا كان التأكيد غير لازم لمقتضى الحال وهكذا نرى في هذه الآيات أن الله سبحانه وتعالى يأتي بالضمير فيضعه مرة .. ويحذفه مرة .. لأن المقام يقتضي ذلك .. ولأن دقة التعبير في القرآن الكريم تجعل الكلمة الواحدة توضع في المكان المناسب لتعبر عن المعنى الدقيق البالغ الدقة .. سواء من ناحية الإضافة أو الحذف .. أو اختيار الكلمات .. ولو ان الله سبحانه وتعالى استخدم كلمة هو في كل الآيات التي ذكرناها .. أو حذف كلمة هو من كل الآيات التي ذكرناها .. لما تنبه لذلك معظم الناس .. ولمضى الحديث على أساس أنه كلام بشر .. ولكنه كلام الله سبحانه وتعالى ..



وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم
AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس