عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2021, 09:30 PM   #46
AL-ATHRAM
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 355
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


بالإضافة إلى ما قاله الأستاذ إبراهيم خليل أحمد نجد أنه يكفينا التركيز على سفرين فقط : الأول من أسفار العهد القديم وهو سفر أشعياء الإصحاح ( 42 ) الذي تحدث عنه الأستاذ إبراهيم خليل .. ثم الثاني من أسفار العهد الجديد وهو إنجيل يوحنا وما انفرد به دون بقية الأناجيل الأخرى من الحديث عن :

" المعزى روح الحق "

وهذا شيء مختلف عن روح القدس .. فلقد أثبت يوحنا في رسائله أن « روح الحق » إنما هو « إنسان مؤمن » .. وفي الواقع نجد أن سفر أشعياء إصحاح ( 42 ) إنما هو وثيقة تتحدى كل من لا يؤمن بمحمد .. ذلك أن وصف هذا النبي وقومه خصائصهم وحالهم قبل مجيئه .. ثم حالهم بعد ظهوره بينهم .. كل ذلك يقود كل من يقرأ هذا الإصحاح مخلصا مع نفسه إلى التسليم بأن هذه الأوصاف لا تنطبق إلا على محمد بن عبد الله .. ماذا يقول هذا الإصحاح (42) من سفر أشعياء ؟

حين نقسمه إلى فقرات تتكون كل منها من مجموعة أسطر أو كلمات متناسقة تجمع معاً لتعطي معنی متکاملا نجد الآتي :

1- تتحدث الفقرة الأولى عن نبي اشتهر بأنه عبد الله ورسوله فهي تقول :

" هو ذا عبدي الذي أعضده . مختاري الذي سرت به نفسي . وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم " ( 42: 1)


2 - وتبين الفقرة الثانية أن الدين يسود وتكتمل الشريعة التي جاء بها في عهده هو وليس من بعده .. ومن الواضح - وهذا ما يعلمه كل علماء المسيحية - أن المسيحية المعاصرة لم تكتمل في حياة المسيح .. فقد دخل عليها الكثير من عمل التلاميذ وعمل رجال الكنيسة وعمل بولس .. لكن النبي الذي تتحدث عنه نبوءة أشعياء تؤكد اكتمال الشريعة في عهده .. ويكتمل الدين في وجوده بحيث لا تستطيع الأجيال اللاحقة أن تقوم بعمليات حذف أو إضافة إلى ما جاء به هذا النبي .. فما عليها إلا التطبيق .. إن هذا ما يقوله السفر :

" لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض .. وتنتظر الجزائر شریعته " ( 42: 4 )

*** إنه يبين لنا أن لهذا النبي شريعة .. بينما المعلوم أن المسيح ليس له شريعة .. لكنه جاء بمجموعة من الأخلاق يحافظ من خلالها على شريعة موسى ويدعو المؤمنين به لتطبيقها .. فقد كان آخر وصاياه قوله في إنجيل متى ( 23: 1-3 ) :

" على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون. فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون "

3 - وتبين الفقرة الثالثة أن الله يعصمه من الناس حتى يكمل رسالته .. أي إنه لن يموت ولن يقتل حتى يكتمل الدين .. إنها تقول :

" أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهداً للشعب ونوراً للأمم " ( 42: 6 )


ومن الواضح أن هذا لا يمكن تطبيقه على المسيح .. فقد كل وانكسر سریعاً إذ أن الأناجيل تزعم أنه قتل بعد فترة وجيزة من بدء دعوته اختلف في تقديرها المسيحيون بين عام ونصف العام أو قد تزيد إلى نحو ثلاثة أعوام فقط .. إن حفظ الله لنبيه هذا من بطش الناس والذي تحدث عنه أشعياء هنا قد جاء في القرآن الكريم في سورة المائدة :


" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس (67) "


لقد قضى الله - سبحانه - بعصمة نبيه محمد من الناس .. ولما نزلت هذه الآية وكان له حرس يحرسه من كيد الكافرين فصرفهم النبي وقال :


« أيها الناس انصرفوا عنا .. فقد حرسنا الله »


- 4 - وتبين الفقرة الرابعة أن هذا النبي يأتي من نسل إسماعیل بن إبراهيم .. فهي تقول :


" الترفع البرية ومدنها صوتها .. الديار التي سكنها قیدار . لتترنم سکان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا " ( 42: 11 )


وقيدار هذا هو الابن الثاني لإسماعيل .. كما في ( سفر التكوين 25 : 13 ) :


" وهذه أسماء بني إسماعيل بأسمائهم حسب موالديهم : نبايوت بكر اسماعيل وقيدار وأدبئيل ومبسام "

5- ثم هناك علامة بارزة تفرق بين هذا النبي وأي نبي آخر .. قد يقال أنها تتنبأ عنه كالمسيح أو غيره .. فهي تبين بوضوح أن أعداءه المنهزمين كانوا عبدة أصنام وأصحاب أوثان .. واليهود الذين ظهر فيهم المسيح ما كانوا عبدة أصنام .. لقد كانوا يؤمنون بالإله الواحد الحي الذي لا يموت .. إنها تقول :

" يخزي خزيا المتكلون على المنحوتات القائلون للمسبوكات أنتن آلهتنا " ( 42: 17 )

6 - وتبين الفقرة السادسة أن هذا النبي رجل حرب .. ونجد في أسفار موسى أن رجل الحرب صفة من صفات الله سبحانه وتعالى .. فهذا ما قاله موسى في سفر الخروج ( 15: 3 ) :

" الرب رجل الحرب الرب اسمه "

إن الحرب ليست بالأمر الهين .. فهي تحمل للمقاتل الكثير من الآلام البدنية والنفسية .. ولكن تكفي التذكرة بما قاله الشاعر العربي في شطر بيته « والجود بالنفس أسمى غاية الجود » لأن ذلك الذي يتكئ على أريكته أو تحت الظلال الوارفة ثم ينقد أهل الجهاد الحق .. كم يساوي هو .. أو ماذا قدم برهانا عملياً لعقيدته ؟ .. لقد كان موسى رجل حرب .. فلقد أعد قواته للحرب وقاد بني إسرائيل في المعارك حيث انتصر في بعضها وانهزم في البعض الآخر . إن هذا ليس عيبا على الإطلاق إذ إنه من صفات أولي العزم من الأنبياء .. يصف أشعياء هذا النبي بأنه رجل حرب ومقدام شجاع ينتصر على أعدائه .. إن هذه الفقرة تقول :

" الرب كالجبار يخرج . كرجل حروب ينهض غيرته. يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه "


*** إن هذه كلها صفات محمد بن عبد الله ..

7 - وماذا في دين هذا النبي ؟

إن هذه الفقرة تبين أن في دينه هتاف من رؤوس الجبال وتسبيح وتكبير ومؤتمر عالمي يعقد سنوية .. والإسلام هو الدين الوحيد الذي يحدث فيه هذا .. إذ يجتمع كل الحجيج من ملوك وشعوب ومن مختلف البيئات والأعمار .. لا يجتمعون في القصور وإنما في رؤوس الجبال .. إن هذه الفقرة تقول :


" من رؤوس الجبال ليهتفوا ، ليعطوا الرب مجدأ ويخبروا بتسبيحه في الجزائر" ( 42: 11 )


*** إن هذا ما يحدث في الإسلام فقط وذلك في ركنه الخامس وهو الحج ..

8- تبين هذه الفقرة أن الشعب الذي ظهر فيه هذا النبي كان ضعيفاً جدا .. وكان طعمة لكل آكل .. لقد كان معروفاً حال العرب قبل الإسلام .. فقد كانت الحدود الشمالية الغربية نهبا للروم .. كما كانت الحدود الشمالية الشرقية نهبا للفرس ولنر كيف وصف السفر هذا الشعب .. إنه يقول :

" شعب منهوب ومسلوب .. قد اصطيد في الحفر كله .. وفي بيوت الحبوس اختبأوا .. صاروا نهبا ولا منقذ .. وسلبأ وليس من يقول رد "

9- ولكن بعد أن جاءهم هذا النبي وظهر فيهم هذا الدين .. تحول العُمي إلى مبصرين .. والمرضى إلى أصحاء .. فانطلقوا في العالم حتى خضع لهم العالم .. إن هذه الفقرة تقول :


" لتفتح عيون العُمي .. لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة .. وأسير العُمي في طرق لم يعرفوها .. في مسالك لم يدروها أمشيهم .. أجعل الظلمة أمامهم نوراً .. والمعوجات مستقيمة .. هذه الأمور أفعلها ولا أتركهم "


من كان يجرؤ حين ينظر إلى خريطة العالم في القرن السابع الميلادي ثم يقول إن من هذه الجزيرة يخرج قوم يسودون العالم ويكتسحونه .. كما سبق أن قرر ذلك الوزير البريطاني السابق انتوني فاتنج حين قال :


" إن ما حدث في الإسلام ليس له مثيل في تاريخ العالم .. فلقد كان متوسط مساحة الأرض التي يفتحها الإسلام نحو 250 كيلو مترا مربعا يوميا على مدى سبعين عاما .. لقد امتدت الفتوحات الإسلامية على هذا النحو الخارق لكل تجارب البشر .. وهي تفوق الواجب اليومي لأي جیش من جيوش العالم حديثة التنظيم والتسليح ..

10- بعد ذلك يختتم السفر نبوءته بأنه نبي البر الذي يعظم شريعة الله ويكرمها .. وهذا ما عرف عن محمد عليه الصلاة والسلام الذي شمل بره الحيوانات والضعفاء من الأطفال واليتامى والنساء والأرامل .. لقد كان يحترم النفس البشرية مهما كانت .. ويكفي التذكرة بقصة ذلك اليهودي الذي مرت جنازته فوقف رسول الله احتراما لها .. ولما قال صحابته : یا رسول الله إنها ليهودي قال الرسول : أليست نفسا .. لقد استكثر صحابة النبي أن يقوم احتراما ليهودي ميت وذلك بسبب العداوة الشديدة والأذى الذي ألحقه اليهود بمحمد عليه الصلاة والسلام وصحبه ورسالته .. فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن ارتقى بهم إلى مستوى عال من الخلق الكريم الذي قال عنه :

" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ..

إنني كمسلم أؤمن بالمسيح إيمانا كاملا وفق التعاليم القرآنية .. وإنه - كما يقول الإنجيل - نبي الله وإنه رسول الله وإنه العبد الصالح ولا شيء أكثر من هذا.. ولكن السادة الذين كتبوا الأناجيل وضعوا فيها ثغرات أصبح علماء المسيحية يهاجمون المسيح ذاته من خلالها .. فهذا ويلز الأستاذ بجامعة لندن يقول في كتابه :


« يسوع المسيحيين الأوائل »


إن المسيح نادي بالمحبة المثالية فقال :


لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخرأيضا .. أحبوا أعداءكم . باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم ... من قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع . ومن قال أحمق يكون مستوجب دار جهنم .. إلى آخر هذه الأقوال ..

ولكن من الملاحظ أنه على الرغم من هذه التعاليم فإن المسيح لا يترك فرصة للتنديد بخصومه وأعدائه من اليهود وشتمهم والقذف بهم في جهنم إلا اغتنمها .. أليس هو القائل :


" ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون .. أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم "

لكن المعروف عن النبي محمد أنه كان نبي العفو والبر وخاصة في موقع القدرة .. فحين دخل مكة منتصراً في أكثر من عشرة آلاف مقاتل وتوقع القرشيون أنه سينزل بهم الضرب والتقتيل .. لكنه عفا عنهم .. لقد قال لهم؟


" ما تظنون أني فاعل بكم .. قالوا : خيرا أخ كريم وابن أخ كريم . قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء "


لنقارن هذا الموقف المشرف من مواقف التاريخ الإسلامي على عهد محمد بما كان يحدث على عهد موسي ووفق شريعته التي استمسك بها المسيح والتي تأمر بقتل الشعوب المغلوبة وحرق مساكنهم بما فيها من أطفال ونساء وحتی البهائم العجماء يلحقها هذا البلاء فيحرم عليهم جميعا حق الحياة. يقول سفر التثنية ( 20: 10-17 ) :


" حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك . وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها . وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف . وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة فتغنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك . هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا . وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة ما. بل تحرمها تحريمة الحثيين والأموريين والكنعانيين والفزريين والحويين واليبوسيين كما أمرك الرب إلهك "

** والآن إذا قال قائل إن هذه النبوءة جاءت في نبي آخر غير محمد نقول له :

بيننا وبينك الإنجيل .لقد ظهر في بني إسرائيل أنبياء كثيرون بعد أشعياء وتتابعوا حتى جاء المسيح فنجد أن إنجيل متى حاول تحقيق هذه النبوءة في المسيح كما رأينا ذلك بالأمس - وكما يقول في ( الإصحاح 12 ) من إنجيله ..

ونحن كمسلمين نقول لهذا القائل ومن على شاكلته من المسيحيين : بورکت لكم هذه النبوءة التي تعتقدون أنها تختص بالمسيح بشرط أن تأخذوها جميعا ولا تقطعونها نتفاً وجزئیات .. إن أول كلمات هذه النبوءة تقول :


" هو ذا عبدي - الذي أعضده . مختاري الذي سرت به نفسي . وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم "

فإذا آمنتم بأن المسيح هو حقا عبد الله ورسوله وأن الله أيده بالروح .. فنحن كمسلمين نوافقكم على ذلك .. ففي هذه الحالة يتفق المسلمون والمسيحيون على أن المسيح ما هو ..


" إلا رسول قد خلت من قبله الرسل (144) " آل عمران

وبذلك ينتهي أيضا الخلاف الرهيب بين الطوائف المسيحية ذاتها ..

*** لكن الحقيقة تقول إن بقية نبوءة أشعياء في ( الإصحاح 42 ) لا يمكن تطبيقها على المسيح بأي حال من الأحوال .. فما كان الشعب اليهودي الذي ظهر فيه المسيح شعبا وثنياً .. وما كان المسيح رجل حرب ... إلخ .


وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم


AL-ATHRAM غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس