شتان ما بين سيرة وسيرة
خرج الإمام علي عليه السلام يوما إلى ضواحي المدينة باحثا عن أي عمل يجلب له بعض المال ليسد به جوعه فوجد امرأة تعد لبناء بيت فاتفق معها على أن يجلب لها الماء من البئر كل ذَنُوب بتمرة واحدة وتحت أشعة الشمس الحارقة وضع صدره الطاهر على حافة البئر وأخذ في سحب ذلك الحبل الخشن .. ذلك الحبل الأشبه بغصن من الشوك .. الحبل الذي يمزق الأيدي .. مضي في عمله إلى أن أكمل ستة عشر ذنوباً فأعطته المرأة ست عشرة تمرة فأخذها وذهب كي يأكلها مع أحب الناس إليه محمد عليه الصلاة والسلام (1)
الإمام يعمل وتقطع يداه الطاهرتان من أجل ست عشرة مرة !
كان الإمام صاحب کرامة .. كان الإمام صاحب نفس عزيزة.. نفس أبية لا تقبل من أحد إحسانا أبدا .. لا يقبل إلا أن يأكل من كد يمينه وعرق جبينه، لا يقبل استثمار منصبه الديني والاجتماعي في الحصول على المال من أحد ..
وكان دائما يقول: ( ارتحلت الآخرة مقيلة ، وارتحلت الدنيا مدبرة، ولكل بنون، فكونوا من بني الآخرة ولا تكونوا من بني الدنيا، اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل .. ) (2)
ست عشرة تمرة يا امام ؟!
------------------------------------------------------------
(1) حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني ( 2: 250 )
(2) الأمالي للمفيد ( ص 208 ) ، بحار الأنوار للمجلسي ( 74: 433 )
أين أنت ممن يقتاتون على أرزاق الناس باسم الانتهاء لآل بيتك؟!
أين أنت ممن يملكون الملايين على حساب جوع الفقراء ؟!
ست عشرة تمرة ؟؟
حقا أنتم كما قال الشاعر:
أنتم حق وجميع الناس أباطيل ..
أنتم قرآن القرآن .. وأنتم خاتمة الأحزان .. وأنتم إنجيل الإنجيل ..
وهنا هواة التمثيل ..
يهدوكم ألمع عمائم السهرات و أسمى أدوات التجميل ..
وهنا ملالي أنابيب وهناك شيوخ براميل .. وهم الآن في بيكاديلي .. وفي الكوفة.. وشط النيل من أجل عيون ضحاياكم يعتصمون.. يعتصمون بحبل غسيل.
قبل عدة سنوات ذهبت مع أحد أقاربي إلى منزل الشيخ عبد الحميد البابي الكائن بحي المحدود في جزيرة تاروت .. وكان مجلسه مكتضاً بالناس ..
ﻛﺎن المجلس أﻗﺮب إلى المستطيل .. ﺳـﺠﺎد ﺑﻨـﻲ ﻓـﺎﺗﺢ وﻣـﺴﺎﻧﺪ حمراء دون أثاث يذكر .. ﺳﻮى ﻃﺎوﻟـﺔ ﻓﻮﻗﻬـﺎ ﺑﻌـﺾ المزهريات وقليل ﻣـﻦ اﻟﻜﺘـﺐ واﻷوراق المبعثرة .. اﻛﺘـﺸﻔﺖ فيما ﺑﻌﺪ أن ﻫﺬه أوراق ﻗﺪ ﺳﺠﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﺎس ممتلكاتهم كي يحسب لهم قيمة الخمس ..
ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣــﻦ اﻟـﺸﻴﺦ ﻛﺎن أﺣﺪ اﻟﻔﻘﺮاء ﺟﺎء ﻛﻲ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ المساعدة وكان اﻟـﺸﻴﺦ ﻳﺴﻜﺖ ﻗﻠﻴﻼ ﺛﻢ ﻳﻌﻮد ﻟﻴﻘﻮل : ﻛﻢ ﻣﺮة ساعدتك ؟ .. ﺛﻢ ﻳﺘﺤﺪث ﻣـﻊ غيره وﻳﻌﺎود اﻟﻘـﻮل له :
ﺳﻮف أﺳﺎﻋﺪك وﻟﻜﻦ إﱃ ﻣﺘﻰ ﺳﻮف اﺳﺘﻤﺮ ﰲ مساعدتك ؟
اﻧﺘـﺎﺑﻨﻲ ﺷـﻌﻮر ﺑﺎﻟـﻀﻴﻖ اﻟــﺸﺪﻳﺪ والخجل ﻣــﻦ تصرفات الشيخ رﻏــﻢ أن اﻟﻜـﻼم ﻟـﻴﺲ ﻣﻮﺟﻬﺎ لي .. وﺗﺴﺎءﻟﺖ ﰲ في نفسي : ﻣﺎ ﺷﻌﻮر ﻫﺬا الشخص وﻫﻮ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻛﻞ ﻫﺬه الإهانات ؟ .. ﻛﺎن اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ذﻫﺎب ﻗﺮﻳﺒﻲ ﻫﻮ تخميس هذه اﻟﺜـﺮوة اﻟـﻀﺨﻤﺔ اﻟﺘـﻲ ﻳﻤﺘﻠﻜﻬـا !! ﻓﻬـﻮ ﻣـﺎزال ﻃﺎﻟﺒﺎً في الجامعة وأﺑﻮه بالكاد ﻳﻮﻓﺮ لأسرته ﻣﺎ ﻳﻘﺘﺎﺗﻮن به وﻟـﻮ ﺗـﺄﺧﺮت ﻋﻨـﻪ مكافئة الجامعة ﻷﺻﺒﺢ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺤﻘﻲ اﻟﺼﺪﻗﺔ .. ﻛﺎن ﻟﺪي ﻓﻀﻮل في أن أعرف ﻣﺎذا ﻳﻤﻠﻚ ﻫﺬا يخمسه ؟!
أﺧﺬت ﻣﻨﻪ اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺠﻞ ﻓﻴﻬﺎ ممتلكاته اﻟﻌﻈﻴﻤـﺔ ﻓﻮﺟﺪﺗـﻪ ﻗـﺪ ﺳـﺠﻞ ﻗﺎﺋﻤـﺔ ﺑﻤﻼﺑـﺴﻪ وحذائه وﻏﲑﻫﺎ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﻴﺎﺗﻪ الخاصة وﻛﻨﺖ أظﻦ أن الشيخ سيمنعه ﻣــﻦ تخميس ﻫـﺬه الخردة اﻟﺘﻲ لديه !
كيف لا وﻫﻮ ذﻟﻚ اﻟﺒﺎﺋﺲ الفقير ؟!
ﻟﻜﻦ اﻟﻐﺮﻳﺐ أن اﻟﺸﻴﺦ أﺧﺬ اﻟﻮرﻗﺔ وﺑﺪأ يحسب خمس ﻛﻨﺰ ﻋﻼء اﻟﺪﻳﻦ هذا !
واﻷﻏﺮب أن ﻗﺮﻳﺒﻲ لما ﺳﺄل اﻟﺸﻴﺦ ﻋـﻦ اﻟـﺸﻘﺔ اﻟﺘـﻲ ﻳـﺴﺘﺄﺟﺮها ﻣـﻊ زﻣﻼﺋـﻪ ﺑـﺎﻟﻘﺮب ﻣـﻦ الجامعة ﻛﺎن ﺟـﻮاب الشيخ : أﺣـﺴﺐ ﻗﻴﻤـﺔ الإجار وﻗـﺴﻤﻪ على ﻋـﺪد زﻣﻼﺋﻚ في اﻟـﺸﻘﺔ ﺛـﻢ أﺣﺴﺐ الخمس من حصتك !!
ﻧﻈـﺮت إلى اﻟﻜــﻢ الهائل ﻣــﻦ أوراق حساب الخمس التي اﻟﻄﺎوﻟـﺔ وﺗــﺴﺎءﻟﺖ ﻋــﻦ مجموع اﻷﻣﻮال اﻟﺘﻲ دﻓﻌـﺖ واﻟﺘـﻲ ﺳـﻮف ﺗـﺪﻓﻊ للشيخ ﺛـﻢ ﺗﺄﻣﻠـﺖ الجالسين ﺣﻮل اﻟﺸﻴﺦ ورأيت في وﺟﻮﻫﻬﻢ اﻟﺒﺆس واﻟﻔﻘﺮ واﻟﻄﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻴس لها حدود ..
ﻻ أﻋﻠـﻢ ﻫﻞ أﻟﻮم ﻫـﺆﻻء المساكين على ﺳـﺬاﺟﺘﻬﻢ أم أﺷـﻔﻖ عليهم ﻓﻬـﻢ ﻳﻔﻌﻠـﻮن كل ذﻟﻚ اﻋﺘﻘﺎدا ﻣﻨﻬﻢ أن ﻫﺬا قربة لله رب العالمين ؟!
ﻋﺮف اﻟﺸﻴﻮخ ﻛﻴﻒ ﻳﺴﺘﻐﻠﻮن ﻃﻴﺒﺔ اﻟﻨﺎس وﺣﺒﻬﻢ ﻵل اﻟﺒﻴﺖ في ﺳﺒﻴﻞ الحصول على أموالهم ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ . ﻟﻜﻦ متى ﻳﻔﻴﻖ هؤلاء ؟ .. ﻣﺘﻰ يتركون ﺗﻘﺪﻳﺲ اﻷﺷﺨﺎص وﻳﺘﺒﻌﻮن كلام ربهم ؟ .. إلى ﻣﺘﻰ ﻳﺒﻘﻮن ﺿﺤﺎﻳﺎ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﺜﻤﺮون مأساة الإمام الحسين عليه السلام .. ﻟﻴﻌﻴـﺸﻮا مترفين ؟ .. إلى ﻣﺘﻰ ﺳﻴﺒﻘﻮن ﺿﺤﺎﻳﺎ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﻐﻠﻮن ﻋﻄﺶ الحسين كي يشربوا دماء الفقراء ؟ .. إلى ﻣﺘﻰ سيظلون ضاحيا لكل ﻣـﻦ يسترزق ﻣـﻦ ﻣﻬﻨـﺔ ﺷـﻴﺦ ﺑﺮﺗﺒـﺔ ﻋﻼﻣـﺔ أو ﺷـﻴﺦ ﺑﺮﺗﺒـﺔ سماحة لا مصدر رزق له سوى أنه شيخ ؟
ﻳﻌﻄﻴـﻚ في ﻓﻘـﻪ اﻟﻨـﺴﺎء ﻧﺠﺎﺑﺔ ... ولسانه عن المعلفين مخدر
فسأله عن الأخماس متى أحلت ... وتعال " قابلني " إن أجاب أوأخبر
|