منتدى زين فور يو

منتدى زين فور يو (http://zain4u.com/vb/index.php)
-   منتدى خاص بالاثرم (http://zain4u.com/vb/forumdisplay.php?f=43)
-   -   تناقض الكتاب المقدس وإبطال عقيدة الصلب (http://zain4u.com/vb/showthread.php?t=12)

AL-ATHRAM 06-25-2016 02:47 AM

بسم الله الرحمن الرحيم


قضية الصلب :


أ‌- حامل الصليب:

يقول مرقس : ( 15 : 20 – 22 ).

" ثم خرجوا به ليصلبوه . فسخروا رجلاً مجتازاً كان آتياً من الحقل وهو سمعان القيرواني أبو الكسندرس وروفس ليحمل صليبه وجاءوا به إلى موضع جلجثه الذي تفسيره موضع جمجمة "

ويتفق متى ولوقا مع مرقس في أن حامل الصليب كان المدعو سمعان القيرواني لكن يوحنا يقرر شيئاً آخر فهو يقول :

" حينئذ أسلمه إلهم ليصلب فأخذوا يسوع ومضوا به . فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة ويقال له بالعبرانية جلجثة " ( 19: 16-17 )



يقول نينهام :

" لقد كان المعتاد أن يقوم الذين حكم عليهم بالصلب ، بحمل صلبانهم بأنفسهم .. ويقرر يوحنا أن هذا كان ما حدث فعلاً في حالة يسوع ، ولكن على العكس من ذلك نجد حسب رواية ( مرقس ومتى ولوقا ) أن شخصاً مجهولا يدعي سمعان القيرواني هو الذي سخره الرومان لحمل الصليب بدلاً من يسوع.

وبالنسبة لموضع جلجثة فإن التقاليد التي تقول إنه يقع داخل كنيسة القبر المقدس لا يمكن إرجاعها لأبعد من القرن الرابع ، كما أنها لا تزال موضع جدل . ولقد اقترحت أماكن أخرى في عصرنا الحاضر ، إلا أن القطع بواحد منها لا يزال بعيداً عن التحقيق " ( تفسير إنجيل متى صفحة 422 )



ب‌- شراب المصلوب :

يقول مرقس: ( 15: 23 )

" أعطوه خمرا ًممزوجة بمر ليشرب لم يقبل "

ويقول متى : ( 27 : 34 )

" أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب ، ولما ذاق لم يرد أن يشرب "


ج- علة المصلوب :

يقول مرقس : ( 15: 26 )

" وكان عنوان علته مكتوباً : ملك اليهود "

ويقول مرقس : ( 27: 37 )

" وجعلوا فوق رأسه علته مكتوبة : هذا هو يسوع ملك اليهود ؟

ويقول يوحنا : ( 19: 19 )

" وكتب بيلاطس عنواناً ووضعه على الصليب .. وكان مكتوباً يسوع الناصري ملك اليهود ".


يقول : نينهام :

" لقد اختلفت الآراء بشدة حول صحة ما كتب عن علته ، فيرى بعض العلماء أن الصيغة الدقيقة قد عرفت عن طريق شهود عيان ، بينما يعتقد آخرون أنه من غير المحتمل أن يكون الرومان قد استخدموا مثل تلك الصيغة الجافة .. ان ما ذكره القديس مرقس بوجه خاص عن علته ، إنما يرجع مرة أخرى لبيان أن يسوع قد أعدم باعتباره المسيا. " ( تفسير إنجيل مرقس صفحة 424 )

إن اختلاف الأناجيل في عنوان علة المصلوب _ وهو ما لا يزيد عن بضع كلمات بسيطة كتبت على لوحة قرأها المشاهدون _ إنما هي مقياس لدرجة الدقة لما ترويه الأناجيل . وطالما كان هناك اختلاف _ ولو في الشكل كما في هذه الحالة _ فإن درجة الدقة لا يمكن أن تصل على الكمال بأي حال من الأحوال . وقياساً على ذلك نستطيع تقييم درجة الدقة لما تذكره الأناجيل من ألقاب المسيح ، وخاصة عندما ينسب إنجيل إلى أحد المؤمنين به قوله :

كان هذا الإنسان باراً ، بينما يقول إنجيل آخر في نفس الوقت : كان هذا الإنسان ابن الله. أو عندما يقول أحد الأناجيل على لسان تلميذ للمسيح : يا معلم ، ويقول إنجيل آخر : يا سيد ، بينما يقول ثالث : يا رب .



إن الحقيقة تبقى هنا دائماً محل خلاف .




د – اللصان والمصلوب :

يقول مرقس : ( 15: 27-32 )

" وصلبوا معه واحداً عن يمينه وآخر عن يساره ...... واللذان صلبا معه كانا يعيرانه " .

ويتفق متى مع مرقس في أن اللصين كانا يعيرانه ويستهزان به.

لكن لوقا: ( 23: 39-43 )

" وكان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه قائلاً إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا.
فأجاب الآخر وانتهره قائلاً: أولا أنت تخاف الله إذا أنت تحت هذا الحكم بعينه. أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلناه ، وأما هذا فلم يفعل شيئاً ليس في محله.
ثم قال ليسوع: اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك . فقال له يسوع : الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس ."

لقد اختلفت الأناجيل في موقف اللصين من المصلوب ..



هـ - وقت الصلب :

يقول مرقس : ( 15: 25 )

" وكانت الساعة الثالثة فصلبوه "

لكن يوحنا يقول :

إن ذلك حدث بعد الساعة السادسة :

" وكان استعداد الفصح ونحو الساعة السادسة. فقال { بيلاطس } لليهود هو ذا ملككم فصرخوا خذه خذه اصلبه . فحينئذ أسلمه إليهم ليصلب " ( 19: 14 – 16 ) .



يقول نينهام :

" منذ اللحظة التي روي فيها القديس مرقس إنكار الناس ليسوع نجد أن الوقت قد خطط بعناية بحيث تكون الفترة ثلاثية الأحداث أو التوقيتات مثل : ( إنكار بطرس ثلاث مرات ( 14: 68 , 72 ) وقت الصلب الساعة الثالثة ( 15: 25 ) _ وقت الظلمة من الساعة السادسة إلى التاسعة ( 15: 33 , 34 ) .

وفي هذا المثل على الأقل فإن الحساب يبدو مصطنعاً ، إذ أنه من الصعب أن كل ما روت الأعداد ( 15: 1-24 ) ( منذ بدء جلسة الصباح حتى وقت الصلب ) يمكن حدوثه في فترة الثلاث ساعات .
ويبين إنجيل يوحنا ( 19: 14 ) بوضوح أن ذلك لم يحدث " ( تفسير إنجيل مرقس صفحة 424 )



و – صلاة المصلوب :

يقول لوقا : ( 23: 33 – 34 )

" ولما مضوا به إلى الموضع الذي يدعي جمجمة صلبوه هناك مع المذنبين واحداً عن يمينه والآخر عن يساره
فقال يسوع : يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون "

لقد انفرد لوقا بذكر هذه الصلاة التي حذفتها الأناجيل الأخرى ، بل وبعض النسخ الهامة التي تنسب للوقا أيضاً .



ويقول جورج كيرد:

" لقد قيل إن هذه الصلاة ربما تكون قد محيت من أحدى النسخ الأولى لإنجيل (لوقا) بواسطة أحد كتبة القرن الثاني ، الذي ظن أنه شيء لا يمكن تصديقه أن يغفر الله لليهود. وبملاحظة ما حدث من تدمير مزدوج لأورشليم في عامي 70 ، 135 صار من المؤكد أن الله لن يغفر لهم " . ( تفسير لوقا : صفحة 250 ).


ز – صرخة اليأس على الصليب :

يقول مرقس : ( 15: 32 – 34 )

" ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة . وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً : (( الوي الوي لما شبقتني )) .. الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني " .


لكن لوقا يقول : ( 23: 46 )

" نادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي "


بينما يقول يوحنا : ( 19: 30 )

" لما أخذ يسوع الخل قال قد أكمل "

" إن صرخة اليأس على الصليب تثير عدداً من المشاكل التي كانت ولا تزال موضع جدل بين العلماء ، فالبعض يقول:

" يبدو أن القديسين لوقا ويوحنا قد رأيا في كلماتهما غموضاً واحتمالا لسوس الفهم ولذلك حذفاها ، ثم استبدلها أحدهما بقوله :

يا أبتاه في يديك أستودع روحي ، بينما قال الآخر : قد أكمل ..

وعلى العكس من ذلك فإن مثل هذا الرأي يفترض الراوية الذي كان شاغله الأول أن يذكر الحقيقة التاريخية ، ويسجل بأمانة للأجيال القادمة كلاماً مزعجاً يتعذر تفسيره .

ولهذا فإن أغلب العلماء المحدثين يقرون تأويلاً مختلفاً تماماً ، يقوم على حقيقة أن هذه الكلمات ( اليائسة ) إنما هي اقتباس من ( المزمور 22: 1 ) وإذا أخذنا هذا المزمور ككل ، فإنه لا يمكن أن يكون صرخة يأس بأي حال من الأحوال ، إنما هو صلاة لعبد بار يعاني آلماً ، إلا أنه يثق تماماً في حب الله وحفظه من الشر ، وهو مطمئن تماماً إلى حمايته " . ( تفسير إنجيل مرقس صفحة 427-428 )


ح – في أعقاب الصلب :

يقول مرقس ( 15: 38-39 ) :

" انشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل ، ولما رأي قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح قال حقاً كان هذا الإنسان ابن الله "

ويقول متى ( 27: 51-53 ) :

" وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل ، والأرض تزلزلت ، والصخور تشققت ، والقبور تفتحت ، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين " .

ويقول لوقا ( 22: 45-47 ) :

" أظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل من وسطه . فلما رأي قاد المئة ما كان ، مجد الله قائلاً : بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً ."

أما يوحنا فإنه لا يعلم شيئاً عن ذلك .


يقول جورج كيرد :

" إن حدوث كسوف للشمس ( حسب رواية لوقا ) بينما يكون القمر بدراً ، كما كان وقت الصلب ، إنما هو ظاهرة فلكية مستحيلة الحدوث ... ولقد كان الشائع قديماً أن الأحداث الكبيرة المفجعة يصحبها نذر سوء ، وكأن الطبيعة تواسي الإنسان بسبب تعاسته " ( تفسير إنجيل لوقا صفحة 253 )


ويقول جون فنتون :

" لقد قيل إن مثل تلك النذر لوحظت عند موت بعض الأحبار الكبار وبعض الشخصيات العظيمة في العصور القديمة الوثنية وخاصة عند موت يوليوس قيصر ". تفسير إنجل مرقس صفحة 427 )


ويقول جون فنتون :

" لقد أضاف متى إلى ما ذكره مرقس حدوث الزلزلة وتفتح القبور وقيامة القديسين من الأموات وظهورهم لكثيرين في أورشليم بعد قيامة يسوع ، وكان قصده من إضافة هذه الأحداث أن يبين أن موت يسوع كان عملاً من صنع الله " ( تفسير إنجيل متى صفحة 444 )

الحق الذي لا مرية فيه أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله .. لا يخسفان لموت صغير أو كبير .


لقد رأينا أكثر من ثلاثين تناقضاً في موضوع الصلب .. وهناك كتاب بعنوان ( قاموس الكتاب المقدس ) الصادر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدنى . ومن العجيب أن هناك خلافاً في شكل الصليب الذي استخدم .. فهذا القاموس يذكر أن هناك الصليب ( X ) والصليب ( T ) والصليب ( + ) والصليب المستخدم كرمز للمسيحية هو ( + ) لكن هذا القاموس يقول إن الصليب الذي استخدم كان على شكل ( T ) وهذا هو نص ما يقوله قاموس الكتاب المقدس .

" وللصلبان نماذج رئيسية ثلاثة .. أحدها المدعو صليب القديس أندراوس وهو على شكل ( x ) وثانيها بشكل ( + ) وثالثها بشكل السيف ( T ) وهو المعروف بالصليب اللاتيني .

ولعل صليب المسيح كان من الشكل الأخير ( T ) كما يعتقد الفنانون .. الأمر الذي كان يسهل وضع اسم الضحية وعنوان علتها على القسم الأعلى منه ".


فإذا كان شكل الصليب مختلفاً فيه .. إذن قوله تعالى ( ولكن شبه لهم )

يبين لنا بوضوح أن كل ما تعلق بالصلب اشتبه أمره عليهم وغابت عنهم الحقيقة .. فهم لا يزالون مختلفين في كل ما يتعلق بقضية الصلب مثل :



حامل الصليب وعلة المصلوب .. واللصان والمصلوب .. وقت الصلب .. وصلاة المصلوب .. وصرخة اليأس على الصليب ، وما حدث في أعقاب الصلب ..


وأما بالنسبة لهذا النص الذي ذكرته أعلاه :

( أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله .. لا يخسفان لموت صغير أو كبير .)


فإنها تختص بإبراهيم ابن النبي محمد عليه الصلاة والسلام والتي تعطي الدليل _ لكل ذي عقل سليم _ على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه لا يجمع خرافات أو أوهاماً .. إنما يريد أن يحق الحق .

فالذي حدث هو أنه لما مات ابنه إبراهيم حدثت ظاهرة فلكية وهي كسوف الشمس .. وهذا شيء طبيعي حدوثه . لكن بعض الناس قالوا :

كسف الشمس لموت إبراهيم .

لقد مات إبراهيم .. وكسفت الشمس في نفس اليوم ... وربط الناس بين الحدثين ... فلو كان الرسول يريد التأييد ولو عن طريق الأكاذيب ... لصمت عن ذلك.

لكن الرسول صلى الله عليه وسلم _ برأه الله _ يرفض كل أكذوبة من كل لون لتأييده .. ولهذا صعد المنبر غاضباً وقال :


" أيها الناس .. إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله .. لا ينكسفان لموت أحد أو لحياته .. فإذا رأيتهم شيئاً من ذلك .. فادعوا الله وصلوا "



ط – شهود الصلب :

لعل هذه واحدة من أهم عناصر قضية الصلب .. وإنها لترينا أن شهود الصلب كن نساء وقفن ينظرن من بعيد ذلك الذي علق على الصليب .. ولم تكن هناك فرصة للتحقق والمعاينة عن قرب .

يقول مرقس ( 15: 40-41 ) :

" وكانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد بينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب الصغير ويوسي وسالومة . اللواتي أيضاً تبعنه وخدمنه حين كان في الجليل . وأخر كثيرات صعدن معه إلى أورشليم " .

وكذلك يقول متى في ( 27: 55 – 56 ) .

ويقول لوقا: ( 23: 49 )

" وكان جميع معارفه ونساء كن تبعنه من الجليل واقفين من بعيد ينظرون ذلك ".

ويقول يوحنا : ( 19: 25-26 )

" وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية . فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفاً قال لأمه يا أماه هو ذا ابنك ."



ويقول جون فنتون :

" لقد هرب التلاميذ عن القبض على يسوع ، ورغم أن بطرس قد تبعه من بعيد إلى فناء دار رئيس الكهنة ، فإننا لا نسمع عنه شيئاً أكثر من هذا ، بعد إنكاره ليسوع .
إن مرقس ومتى ولوقا يخبروننا أن شهود الصلب كن نساء تبعن يسوع من الجليل إلى أورشليم ، وقد رأين دفنه ، واكتشفن القبر خالياً صباح الأحد ، وقابلن يسوع ( بعد قيامته ) . ( تفسير إنجيل متى : صفحة 455 )


ويعلق العلماء على ما قاله يوحنا عن وجود مريم أم المسيح عند الصليب بقولهم :

" إنه من غير المحتمل أساساً أن يكون قد سمح بوقوف أقارب يسوع وأصدقائه بالقرب من الصليب ." ( تفسير مرقس صفحة 431 ) .

كذلك تقول دائرة المعارف البريطانية تعليقاً على اختلاف الأناجيل في شهود الصلب :

" نجد في الأناجيل ( الثلاثة ) المتشابهة أن النساء فقط تبعن يسوع ، وأن القائمة التي كتبت بعناية واستفاضة لا تضم والدته _ وأنهن كن ينظرن من بعيد ) ( مرقس 15 : 40 )

ولكن في يوحنا نجد أن والدته مريم تقف مع مريمين أخريين والتلميذ المحبوب تحت الصليب ، ومن تلك الساعة أخذها التلميذ المحبوب إلى خاصته . هذا بينما لا تظهر والدته في أورشليم _ حسبما ذكرته الؤلفات القديمة _ إلى قبيل عيد العنصرة وفي رفقة إخوته . ( أعمال الرسل 1: 14 ) ( ج 13 ، صفحة 99 ) .

من ذلك نتبين أن شهود الأحداث الرئيسية التي قامت عليها العقائد المسيحية وهي الصلب ، والقيامة والظهور ، إنما كن _ على أحسن الفروض _ نساء شاهدن ما شاهدن من بعيد .. ثم قمن بعد ذلك بالرواية والتبليغ ...



والآن يحق لنا التعليق على أحداث الصلب فنقول :

إن اعتماد كتّاب أحد الأناجيل على ما رواه كاتب إنجيل آخر ، كان أولى به أن يوجد تآلفاً بين الأناجيل ، ويمنع التناقض والاختلاف بينها . ولكن ما حدث كان على النقيض من ذلك.

وإذا أخذنا بما ترويه الأناجيل عن الصلب وأحداثه ، لوجدناها قد اختلفت فيه من الألف إلى الياء.

ويكفي أن يراجع القارئ ما ذكرته الأناجيل عن حادث القبض وملابساته _ المحاكمات _ توقيت الصلب ( اليوم والساعة ) _ صرخة اليأس على الصليب _ شهود الصلب .

كل ذلك وغيره كثير يكفي للقول بأن الأناجيل اختلفت فيما بينها اختلافاً بعيداً . وهو اختلاف يكفي لرفضه ما يذكره أحد الأناجيل _ على الأقل _ إذا أخذنا برواية الإنجيل الآخر . فأيهما نأخذ به ، وأيهما نرفضه ؟



رب قارئ درج على الإيمان التقليدي بما ترويه الأناجيل ، لا يجد مفراً الآن من أن يقول :

" إنما العلم عند الله "


وللحديث بقية ..


اخوكم / الاثرم





AL-ATHRAM 07-14-2016 02:30 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

نهاية يهوذا الخائن :

لقد انفرد إنجيل متى _ دون بقية الأناجيل _ بالحديث عن نهاية يهوذا .. كذلك تحدث سفر أعامل الرسل الذي سطره لوقا عن كيفية هلاكه . ولنرجع الآن إلى هذين المصدرين لنري كيف هلك يهوذا .. وما إذا كانا قد اتفقا في الحديث عن هذا الجزء الخطير .. والذي له علاقة مؤكدة بقضية الصلب أم أنهما اختلفا كالعادة .

يقول متى ( 27: 3 – 10 ) :

" حينئذ لما رأي يهوذا الذي أسلمه أنه قد دِيْنَ ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلاً : قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً فقالوا ماذا علينا .. أنت أبصر .
فطرح الفضة في الهيكل وانصرف . ثم مضى وخنق نفسه . فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم. فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء. لهذا سمي هذا الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم.
حينئذ تم ما قيل بارميا النبي القائل : واخذوا الثلاثين من الفضة ثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب . "

ويقول جون فنتون :

" إن متى يستخدم الفترة ما بين قرار السهندرين والمحاكمة أما بيلاطس .. في أخبار قرائه عن نهاية يهوذا . وعند هذه النقطة نجد أن متى لا يتبع مرقس الذي لم يورد أي ذكر ليهوذا بعد القبض على يسوع.

ويذكر متى أن يهوذا غيّر رأيه بعد أن رأى يسوع قد دِيْنَ .. فأرجع النقود إلى أعضاء السهندرين واعترف لهم بجرمه .. ثم هو يضع النقود في خزينة الهيكل .. ويمضي ليخنق نفسه.

ويقول رؤساء الكهنة إنه طالما كانت تلك النقود ثمناً لحياة .. فلا يحل وضعها في خزينة الهيكل .. ولهذا يشترون بها قطعة من الأرض مقبرة للغرباء. وهذا يحقق نبوءة يرجعها متى إلى أرميا ( خطأ ) ولكنها في الواقع من كتاب زكريا الذي لعب من قبل دوراً هماماً في رواية متى.

ولقد سجل لوقا موت يهوذا في ( أعمال الرسل : 1: 18 ) .. وتتفق روايته مع رواية متى في جزء منها .. بينما تختلف في جزء آخر " ( تفسير إنجيل متى صفحة 431 ) .


إننا قبل أن نذهب لمعرفة ما سجله لوقا عن موت يهوذا في سفر أعمال الرسل يخبرنا جون فنتون :

" أنه اتفق مع متى في جزء من الرواية .. وخالفه في جزء آخر .. كما أن متى أرجع قصة حقل الدم إلى نبوءة ظنها _ خطأ _ من سفر أرميا بينما هي لها شبيه في سفر زكريا.

وتقول رواية لوقا المشار إليها _ في سفر أعمال الرسل:

" في تلك الأيام قام بطرس في وسط التلاميذ . وكان عدة أسماء نحو مائة وعشرين. فقال أيها الرجال الإخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقال بفم داود عن يهوذا .. فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه .. وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم حتى دعى ذلك الحقل في لغتهم حقل دماً أي حقل دم .. لأنه مكتوب في سفر المزامير لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر . " ( 1 : 15 – 20 ) .

فعلى حسب رواية لوقا تجد _ كما يقول جون فنتون :

" أن يهوذا نفسه الذي يشتري الحقل ثم هو يموت هناك .. ولهذا سمي ذلك الحقل حقل دم إن هذا يعني : إما أن كلاً من متى ولوقا كان لديه مدخلاً مستقلاً لمثل تلك القصص عن يهوذا .. أو أن لوقا اختصر رواية متى وأدخل إليها بعض التغييرات . ( تفسير إنجيل متى صفحة 431 )

وسواء أكان هذا أو ذاك .. فإن هذا واحد من بين مئات الأدلة على أننا نتعامل مع كتب مؤلفة بكل معنى الكلمة .. لا علاقة لها بوحي الله.

إن ما اتفق عليه متى ولوقا _ وصمت عنه مرقس ويوحنا _ هو أن يهوذا الخائن قد هلك في ظروف مريبة .. لكن روايتهما اختلفت في ثلاثة عناصر هي :

الأول :

يتعلق بكيفية موته .. وفيها يروي متى أن يهوذا قد انتحر بخنق نفسه .. بينما يروي لوقا أنه مات ميتة دموية .. انشق فيها وسطه وانسكبت جميع أحشائه .

الثاني :

ويتعلق بمشتري الحقل .. فيروي متى أن رؤساء الكهنة هم الذين اشتروه .. بينما يروي لوقا أن يهوذا كان هو الشاري.

الثالث :

كذلك اختلفت روايتا متى ولوقا في سبب تسمية الحقل باسم : حقل دم .. فرواية متى ترجع ذلك لكنه اشترى بنقود كانت ثمناً لبيع دم برئ .. بينما يرد لوقا تلك التسمية إلى الميتة الدموية التي ماتها يهوذا .

إن ما ذكره متى ولوقا عن هلاك يهوذا لا يعني إلا شيئاً واحداً هو :

أن يهوذا قد اختفى في فترة الاضطراب التي غشيت أحداث الصلب وملابساته .




وللحديث بقية ...


اخوكم / الاثرم

AL-ATHRAM 07-26-2016 08:15 PM

تنبؤات المسيح بآلامه ....


لقد تأثرت الأناجيل _ التي كُتب أقدمها وهو إنجيل مرقس بعد أن بدأ بولس كتابة رسائله بأكثر من 15 سنة _ بنظرية سفك دم المسيح فدية عن كثيرين .. تلك التي روج لها بولس وجعلها إنجيله الوحيد الذي يبشر به . فهو يقول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس ( 2: 2 ) :

" إني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً "

ولما كان من المتوقع أن يتحدث المسيح عن آلامه ورفضه باعتبارها ظواهر اقترنت دائماً بحمل رسالات السماء .. فإنا نجد إنجيل مرقس يضع ما يمكن اعتباره أساساً لكل ما قيل عن التنبؤات بالآلام المرتقبة . فهو يروي حديث المسيح لتلاميذه :

" كيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألم كثيراً ويرذل " ( 9 : 12 )

ولقد طور متى هذا القول فجعله تنبؤاً بصلب المسيح إذ يقول على لسانه :

" ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت. ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه . " ( 20: 18-19 )

ومن المعلوم أن إنجيل مرقس كان مصدراً رئيسياً لمتى .. ومن المعلوم كذلك إن إنجيل متى هو الإنجيل الوحيد الذي نسب للمسيح تنبؤه بالقتل صلباً . ولقد رأينا فيما سبق كيف طور متى ما قيل عن آية يونان .. فد بدأها مرقس بقوله :

" خرج الفريسيون وابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجربوه .. فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية ؟ الحق أقول لكم لن يعطى هذا الجيل آية " ( 8: 11 – 12 ) .

ولقد طورها لوقا فقال :

" وفيما كان الجموع مزدحمين ابتدأ يقول هذا الجيل شرير .. يطلب آية ولا تعطى له إلى آية يونان النبي .. لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل " ( 11: 29 – 30 ) .

أما متى الذي اعتمد على مرقس وكتب إنجيله بعد لوقا أيضاً _ فإنه حول ذلك القول الذي ينسب للمسيح .. بما قدمه من إضافات وتعديلات .. إلى نبوءة خاطئة .. وذلك في قوله :

" 38-حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين يا معلم نريد أن نرى منك آ ية . 39- فأجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له إلا أية يونان النبي . 40- لانه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام و ثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام و ثلاث ليال . )

ولقد بينا خطأ هذه النبوءة عند الحديث عن التنبؤات التي استحال تحقيقها .

يبقى بعد ذلك ما ينسب للمسيح من قوله إن ابن الإنسان سوف يتألم كثيراً ويرفض من جيله .. ماذا يعني قول كهذا ؟

يقول تشارلز دود :

" لقد سجلت أقوال بأن يسوع تنبأ بأن الآلام تنتظره هو وتابعيه .. وغلاباً ما استحسن ذلك الاعتقاد في أن الإنذار بموته _ وهو القول الذي تكرر ذكره منسوباً ليسوع في الأناجيل _ إنما هو تنبؤ خرج من واقع الأحداث .. أي بعد وقوعها ( حيث عاصر جيل المسيح اختفاءه فجأة .. وقتل شخص على الصليب لم يسمح لتلاميذه بالاقتراب منه ).

إن رجال الكنيسة لم يستطيعوا الاعتقاد بأن ربهم كان جاهلاً بما كان ينتظره . ويمكن التسليم صراحة بأن دقة بعض هذه التنبؤات قد ترجع إلى ما عرفته الكنيسة من حقائق فيما بعد.

وفي الواقع إن الانطباع الذي نخرج به من الأناجيل ككل هو أن يسوع قاد أتباعه إلى المدينة بمفهوم واضح هو أن أزمة تنتظرهم هناك .. وقد يصيبه وأتباعه بسببها آلام مبرحة .

وإن الفقرة المتميزة في هذا المقام ما ذكره مرقس في ( 10: 35 – 40 ) :

" عندما تقدم أبناء زبدي إلى المسح طالبين مشاركته المصير والملكوت فقال لهما : أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا .. وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا ؟ فقالا له : نستطيع . فقال لهما يسوع : أما الكأس التي أشربها أنا فتشربانها وبالصبغة التي أصطبغ أنا تصطبغان ... ) .

فنجد هنا أن ابني زبدي قد تأكدا أنهما سيشربان الكأس التي يشربها سيدهما ويصطبغان بصبغته . إن مفهوم الكلام هنا لا شك فيه .

وبالنسبة للتنبؤ بمشاركة الأخوين ( ابني زبدي ) لسيدهما مصيره فإنها تعتبر واحدة من التنبؤات التي لم تتحقق بمعناها الطبيعي .

وبما أن الصليب كان هو الوسيلة الوحيدة المألوفة للإعدام تحت حكم الرومان فإن ما توحي به تلك الفقرة هو أنه أراد تهيئتهم لا من أجل المعاناة فقط .. بل للموت . وما من شك في أنه يمكن قبول الرأي الذي يقول بأن التنبؤات التي نجدها في الأناجيل ليست أكثر من انعكاس لتجارب الكنيسة الأولى التي تكونت فيها التعاليم المسيحية . ومن المؤكد أن بعضاً من هذه التنبؤات _ على الأقل _ قد كونتها تلك التجارب .. وفضلاً عن ذلك تظهر بعض الآثار لتنبؤات نسبت ليسوع ولم تتحقق " ( من كتاب : " أمثال الملكوت " صفحة 41 – 47 )



تنبؤات المسيح بنجاته من القتل ...

المسيح يرفض كل محاولة لقتله :

منذ أن بدأ المسيح دعوته .. حتى آخر يوم فيها نجد أن الأناجيل تذكرنا بين الحين والحين برفضه فكرة قتله واستنكارها تماماً .. ثم هو قد عمل كثيراً لإحباط جميع المحاولات التي رآها تـبـذل من اليهود ..


يقول إنجيل يوحنا ( 7: 16-19):

" أجابهم يسوع وقال تعليمي ليس لي .. بل للذي أرسلني لماذا تطلبون أن تقتلوني .. ؟

يوحنا 8: 37- ...... 40- لكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني .. وأنا إنسان قد حدثكم الحق الذي سمعه من الله . هذا لم يعلمه أبراهيم "

ولأن المسيح إنسان عادي ككل البشر فإنه يجهل ما يخبئه له القدر .. ولذلك اتخذ من الاحتياطات ما يجنبه الوقوع في براثن أعدائه من اليهود .

ولو كان يعلم أنهم سيقبضون عليه في يوم معين .. (( فلم )) _ إذن _ تلك الإحتياطات ؟؟



يقول إنجيل يوحنا ( 7: 1- وكان يسوع يتردد بعد هذا في الجليل . لأنه لم يرد أن يتردد في اليهودية لأن اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه .

ويقول يوحنا ( 11: 53- فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه . 54- لم يكن يسوع أيضاً يمشي بين اليهود علانية بل مضى من هناك إلى الكورة القريبة من البريية .. ) .

هذا واكتفي الآن بذكر عدد من التنبؤات الواضحة التي قالها المسيح بنجاته من القتل .. والتي تتفق وتلك الإحتياطات التي اتخذها للمحافظة على حباته ..


1- حدث ذات مرة في إحدى محاولات القبض عليه أن :

( " أرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خدماً ليمسكوه . فقال لهم يسوع : أنا معكم زماناً يسيراً بعد .. ثم أمضي للذي أرسلني. ستطلبوني ولا تجدونني .. وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن أن تأتوا. " يوحنا 7: 32 – 34 ).


لا أضن أحداً يشك في وضوح هذا القول الذي يعني أن اليهود حين يطلبون المسيح لقتله فلن يجدوه لأنه سيمضي للذي أرسله .. أي سيرفعه الله إليه كما سبق أن رفع (( أيليا)) ( إلياس عليه الصلاة والسلام ) وشاهده تلميذه اليشع ( اليسع ) وهو صاعد إلى السماء ..


2- وفي موقف آخر من مواقف التحدي بين المسيح واليهود .. أكد لهم نبوءته السابقة وان محاولاتهم ضده ستنتهي برفعه إلى السماء .


يقول يوحنا ( 8: 21- قال لهم يسوع أيضاً أنا أمضي وستطلبونني وتموتون في خطيتكم * حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا ؟ .... 28- فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الانسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل شيئاً من نفسي .. بل أتكلم بهذا كما علمني 29- ((( والذي أرسلني هو معي ولم يتركني الآب وحدي ))) لأني في كل حين أفعل ما يرضيه . )


لكن ذلك المصلوب صرخ يائساً على الصليب قائلاُ : إلهي إلهي لماذا تركتني ؟


3- ولقد كانت آخر أقوال المسيح لتلاميذه في تلك اللحظات التي سبقت عملية القبض مباشرة .. وهو تأكيده لهم أن الله معه دائماً ولن يتركه :

يوحنا ( 16: 32- هو ذا تأتي ساعةٌ وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحداً إلى خاصتهِ وتتركوني وحدي 33- .. لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم . )


ومن المؤكد كذلك أن ذلك المصلوب قد غلبه أعداؤه وقهره الموت وأخضعه لسلطانه .


4- وفي آخر مواجهة عاصفة حدثت بين المسيح والكهنوت اليهودي كان قوله:

(( لأني أقول لكم أنكم لا ترونني من الآن حتى تقولا مبارك الآتي بأسم الرب ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل . متى 23: 39 و 24: 1 ).


إن التحدي في هذا القول واضح .. ذلك أن المسيح يؤكد لأعدائه أنهم لن يروه منذ تلك الساعة حتى يأتي في نهاية العالم ((( بقوة ومجد كثير ))) .

لكن ذلك المصلوب رآه الكهنوت اليهودي أسيراً في قبضته أثناء المحاكمة + ثم رأوه بعد ذلك معلقاً على الخشبة قتيلاً قد أسلم الروح والمشيئة .. ولم يبق منه إلا جسد خامد فقد نبض الحياة .



واستعير لغة المسيح في الإنجيل .. اكتفاء بهذا القدر فاقول : (((((((( من له أذنان للسمع فليسمع .. ومن يسمع فعليه أن يعقل . ))))))))


وقبل ان أكتب لك ما تقوله المزامير أرجو أن يكون معلوماً أن .. تراجم أسفار العهدين القديم والجديد تتغير من حين لآخر وفقاً للدرسات التي يقوم بها علماء الكتاب المقدس .. إما لتدقيق الترجمة .. أو للتخلص من التناقضات والإختلافات .

وكمثا ل نجد أنه في واحدة من طبعات الكاثوليك للعهد الجديد أنها عندما تحدثت عن نهاية الخائن يهوذا ( في الاصحاح الأول من سفر أعمال الرسل ) فإنها جعلته يخنق نفسه .. ليتفق هذا مع ما يقوله ( إنجيل متى ) .. أما طبعة البروتستانت فلا تزال تروي نهاية يهوذا بأن نقمة حلت به (( إذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها )) وهذا شيىء مختلف تماماً عن عملية الانتحار خنقاً .

كذلك ظهرت طبعات حديثة للمزامير تختلف كثيراً عما في الطبعات المتداولة لها . وإذا كان داود هو الإسم الذي يرتبط بأغلب المزامير .. فإن العلماء مختلفون فيما يتعلق بحقيقة قائل كل مزمور وتاريخه وظروفه .. كما أن هناك خلافاً حول ترقيمها . .. وكيف ان الترجمة للمزمور 69 _ كمثا ل _ تقول في بعض فقراتها : (( حينئذ رددت الذي لم أخطفه )) .. (( ويجعلون في طعامي علقماً )) .. بينما تقول الترجمة الحديثة له في نظير ذلكما العددين : (( كيف أرد الذي لم أسرقه أبداً ؟ )) .. (( أعطوني لطعامي سماً )) .

فالإختلاف بينهما واضح .. سواء في المضمون أو في زمن الفعل .

وللحديث بقية ..

اخوكم / الاثرم


AL-ATHRAM 08-12-2016 11:36 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
الخلاص الحق لا علاقة له بالصلب :

إن الخلاص الحق لا علاقة له بالصلب وسفك الدم .. فتلك نظرية بولسية أقحمها القديس بولس في مسيحية المسيح الحقة . وهذا شيىء أستطيع ان شاء الله بيانه من الأناجيل :

1- بينما كان المسيح يسير خارجاً ( إذا واحد تقدم وقال له أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية .؟ فقال له لماذا تدعوني صالحاً ؟ ليس صالحاً ( إلا واحد هو الله ).


ولكن إن أردت أن تدخل الحياة .. فاحفظ الوصايا . قال له : أية الوصايا ؟ فقال يسوع : لا تزن . لا تسرق . لا تشهد بالزور. أكرم أباك وأمك وأحب قريبك كنفسك . قال له الشاب هذا كلها حفظتها منذ حداثتي .. فماذا يعوزني بعد ؟ ((( قال له يسوع ))) : إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك واعط الفقراء .. فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني . متى 19: 16 – 21 )

وكما ذكرت لك في السابق أن المسيح قبل أن يجيب السائل إلى سؤاله .. فقد صحح صيغة السؤال .. فنفى الصلاح عن نفسه .. ورده الى الله سبحانه وتعالى الذي تفرد في ذاته وصفاته .



وبذلك قرر المسيح على رؤوس الأشهاد أن (( الله المثل الأعلى في السماوات والأرض )) .


وإن أي خلط بين الله _ سبحانه _ وبين المسيح .. إنما هو قول مردود وكفر مرفوض .

ومن ذلك يتبين أن الخلاص الحق يقوم على الإيمان بالله الواحد .. ثم العمل الصالح . ولا مجال للحديث هنا عن الصلب أو الصليب .. فتلك كلها مسميات قال بها بولس وتلاميذه .. ما أنزل الله بها من سلطان .


2- وفي يوم الدينونة تكون النجاة بالعمل الصالح بعيداً عن الصلب وفلسفاته .. بل وحتى اسمه . فهناك " 34- يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا مباركي أبي رِثُوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم . 35- لأني جعت فأطعمتموني . عطشت فسقيتموني . كنت غريباً فآويتموني . 36- عرياناً فكسوتموني . مريضاً فزرتموني . محبوساً فأتيتم إليَّ . 37- فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين : يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك . أو عطشاناً فسقيناك . 38- ومتى رأيناك قريباً فآويناك أو عرياناً فكسوناك ؟ 39- ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك . 40- فيجيب الملك ويقول لهم الحق أوقول لكم بما أنكم فعلتم بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم . 41- ثم يقول الملك للذين عن اليسار : اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته . 42- لأني جعت فلم تطعموني ... 44- حينئذ يجيبونه هن أيضاً قائلين : يا رب متى رأيناك جائعاً ؟ .... 45- فيجيبهم قائلاً : الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوا بأحد هؤلاء الأصاغر .. فبي لم تفعلوا . 46- فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حاة أبدية . " (انجيل متى) .


هكذا يدان الناس :

أهل البر والعمل الصالح إلى الحياة الأبدية السعيدة .. وأهل الشر والبخل إلى عذاب أبدي
.


ومرة أخرى لا دخل لفلسفة الصلب والفداء في إنقاذ أهل الشر .. فلن تنفعهم في شيىء .

3- يقول يعقوب في رسالته ( 2- 19- أنت تؤمن بأن الله واحد . حسناً تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون . 20- ولكن هل تريد أن تعمل أيها الإنسان الباطل ((( أن الإيمان بدون أعمال ميت )))) ؟ ... 24- ترون إذاً بالأعمال يتبرر الإنسان لا بالإيمان وحده .


إن ( الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه : افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم . يعقوب 1:17 ) .


من ذلك وغيره كثير وكثير جداً .. يتبين أن الخلاص لا علاقة له بالصلب على الإطلاق .

اخي العزيز .. انتم تقولون إن صلب المسيح كان لتحقيق العدل والرحمة .. فأي عدل وأي رحمة في تعذيب غير مذنب وصلبه ؟ وقلتم انه هو الذي قبل ذلك .. وأقول لك إن من يقطع يده أو يعذب بدنه أو ينتحر فإنه مذنب ولو كان يريد ذلك .

إن خطيئة آدم عليه السلام لم تزد عن أن تكون أكلاً من شجرة نُهى عنها قد عاقبه الله عليها _ باتفاق المسحيين والمسلمين _ باخراجه من الجنة , ولا شك أنه عقاب كاف .. فالحرمان من الجنة والخروج إلى الكدح والنصب عقاب ليس بالهين. وهذا العقاب قد اختاره الله بنفسه . وكان يستطيع أن يفعل بآدم عليه السلام أكثر من ذلك .. ولكنه اكتفى بذلك .


فكيف يستساغ أن يظل مضمراً السوء ألوف السنين حتى وقت صلب المسيح ؟!!


وقد مرت بالبشر منذ عهد آدم الى عيسى عليه الصلاة والسلام أحداث وأحداث وهلك كثيرون من الطغاة وبخاصة في عهد الرسول نوح عليه الصلاة والسلام .. حيث لم ينجد إلى من آمن بنوح واتبعه وركب معه السفينة .. فهؤلاء هم الذين رضي الله عنهم . فكيف تبقي بعد ذلك ضيقة أو كراهية تحتاج أن يضحي عيسى بنفسه فداء للبشرية .


نضع الآن مجموعة من الأسئلة حول الصلب والفداء .. موجهة إلى المسيحيين لعلنا نجد لها إجابة ... وهذه الأسئلة هي :

1- ادعى المسيحيون أن صلب المسيح كان لتحقيق العدل والرحمة .. فأي عدل وأي رحمة في تعذيب غير مذنب وصلبه ؟
قد يقولون : إنه هو الذي قبل ذلك .. ونقول لهم إن من يقطع يده أو يعذب بدنه أو ينتحر .. فأنه مذنب .. ولو كان يرد ذلك.

2- إذا كان المسيح ابن الله .. فأين كانت عاطفة الأبوة وأين كانت الرحمة حينما كان الابن الوحيد يلاقي دون ذنب ألوان التعذيب والسخرية ثم الصلب مع دق المسامير في يديه ؟

3- ما هو تصور المسحيين لله _ جل في علاه _ الذي لا يرضى إلا أن ينزل العذاب المهين بالناس .. والعهد في الله _ الذي يسمونه الآب ويطلقون عليه : الله محبة .. الله رحمة _ أن يكون واسع المغفرة .. كثير الرحمات ؟

4- من هذا الذي قد الله _ سبحانه وتعالى _ وألزمه وجعل عليه أن يلتزم العدل وأن يلتزم الرحمة .. وأن يبحث عن طريق للتوفيق بينهما .. بين العدل والرحمة .. بأن ينزل ابنه الوحيد .. في صورة ناسوت .. يصلب تكفيراً عن خطيئة آدم ؟

5- يدعي المسيحيون أن ذرية آدم لزمهم العقاب بسبب خطيئة أبيهم .. وفي أي شرع يلتزم الأحفاد بأخطاء الأجداد _ خاصة وأن الكتاب المقدس ينص على أنه " لا يقتل الآباء عن الأولاد .. ولا يقتل الأولاد عن الآباء. فكل إنسان بخطيئته يقتل " ( تثنية 24: 16 ) ؟

6- إذا كان صلب المسيح عملاً تمثيلياً على هذا الوضع .. فلماذا يكره المسيحيون اليهود ويرونهم آثمين معتدين على السيد المسيح ؟
إن اليهود _ وخاصة يهوذا الأسخريوطي _ كانوا حسب الفهم المسيحي لموضوع الصلب أكثر الناس عبادة لله .. لأنهم بذلك نفذوا إرادة الله التي قضت بصلب ابنه فقاموا هم بتنفيذ ذلك العمل .

7- هل كان نزول ابن الله وصلبه للتكفير عن خطيئة البشر ضرورياً .. أم كان هناك وسائل أخرى من الممكن أن يغفر الله بها خطيئة البشر ؟
ماذا يقول المسيحيون للإجابة عن مثل هذا السؤال .. كما يقدمه القس بولس ساباط .. إذا يقول :

" لم يكن تجسد الكلمة ضرورياً لإنقاذ البشر .. ولا يتصور ذلك مع القدرة الإلهية الفائقة الطبيعية " _ ثم يسترسل هذا الكاتب .. فيذكر السبب في اختيار الكلمة لتكون فداء لخطيئة البشر .. فيقول :

" إن الله على وفرة ما له من الذرائع إلى فداء النوع البشري وإنقاذه من الهلاك الذي نتج من الخطيئة ومعصية أمره الإلهي .. قد شاء _ سبحانه _ أن يكون الفداء بأعز ما لديه .. لما فيه من القوة على تحقيق الغرض وبلوغه سريعاً ".

إن أبسط الذرائع لدي الله _ سبحانه _ وتعالى إذا استخدمنا لغة ذلك القس .. هي أن يقول الله :

عفوت عنك يا آدم . ... هذا ما يقوله القرآن الكريم :

" فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ."

ونصرخ في وجه هذا الكاتب فنقول إنه ليس من الحكمة في شيء أن نفتدي بدينار ما نستطيع أن نفتديه بفلس .

ثم هناك إجابة أخرى عن هذا السؤال نقتبسها من كاتب مسيحي آخر هو الآب بولس اليافي الذي يقول :

" مما لا ريب فيه أن المسيح كان باستطاعته أن يفتدي البشر ويصالهم مع أبيه بكلمة واحدة أو بفعل سجود بسيط يؤديه باسم البشرية لأبيه السماوي لكنه أبى إلا أن يتألم .. ليس لأنه مريض بتعشق الألم أو لأن أباه ظالم يطرب لمرأي الدماء .. وبخاصة دم ابنه الوحيد .. وما كان الله بسفاح ظلوم .. لكن الإله الابن شاء مع الله الآب أن يعطي الناس أمثولة خالدة من المحبة تبقى على الدهر وتحركهم على الندامة لما اقترفوه من آثام وتحملهم على مبادلة الله المحبة ".

ومرة أخرى نصرخ في وجه هذا المؤلف مؤكدين أنه صور الداء أدق تصوير عندما تكلم عن الدماء والقسوة .. لكنه عندما بدأ يجيب ويصف الدواء تعثر وكبا ولم يقل إلا عبارات جوفاء لا تحمل أي معنى .

8- ونعود إلى القس بولس ساباط .. ونسأله كما سأل :

إذا كان الكلمة قد تجسد لمحو الخطيئة الأصلية .. فما العمل في الخطايا التي تحدث بعد ذلك ؟ يجيب هذا الكاتب بما يلي :

" إذا عاد الناس إلى اجتراح الخطايا .. فالذنب ذنبهم لأنهم نسوا النور وعشوا فيه مؤثرين الظلمة بإرادتهم ".

ومعنى هذا أن خطيئة واحدة محيت .. وأن ملايين الخطايا سواها بقيت وجدت بعد ذلك . وسيحاسب الناس على ما اقترفوه .. وبعض ما اقترفوه أقسى من عصيان آدم . لقد أنكر بعض الناس وجود الله .. وهاجمه آخرون وسخروا من جنته وناره . فلماذا كانت ظاهرة التجسد لخطيئة واحدة .. وتركت خطايا أكبر .. لا تعد ولا تحصى ؟

9- أين كان عدل الله ورحمته منذ حادثة آدم حتى صلب المسيح ؟ ومعنى هذا أن الله _ تعالى عن ذلك علواً كبيراً _ ظل حائراً بين العدل والرحمة ألوف السنين .. حتى قبل المسيح منذ ألفي عام فقط أن يصلب تكفيراً عن خطيئة آدم .

10- يلزم _ كما في جميع الشرائع _ أن تتناسب العقوبة مع الذنب .. فهل يتم التوازن بين صلب المسيح على هذا النحو وبين الخطيئة التي ارتكبها آدم ؟

11- هذا _ إلى أن خطيئة آدم التي لم تزد عن أن تكون أكلاً من شجرة نهى عنها قد عاقبه الله عليها كما قلت _ باتفاق المسيحيين والمسلمين _ بإخراجه من الجنة ..ولا شك أنه عقاب كاف .. فالحرمان من الجنة الفينانة والخروج إلى الكدح والنصب عقاب ليس بالهين . وهذا العقاب قد اختاره الله بنفسه .. وكان يستطيع ان يفعل بآدم أكثر من ذلك .. ولكنه اكتفى بذلك . فيكف يستساغ أن يظل مضمراً السوء غاضباً ألوف السنين حتى وقت صلب المسيح ؟

12- وقد مرت بالبشر كما قلت منذ عهد آدم إلى عهد عيسى أحداث وأحداث وهلك كثيرون من الطغاة وبخاصة في عهد نوح حيث لم ينج إلا من آمن بنوح واتبعه وركب معه السفينة .. فهؤلاء هم الذي رضي الله عنهم .. فكيف تبقى بعد ذلك ضغينة أو كراهية تحتاج لن يضحي عيسى بنفسه فداء للبشرية .

13- والكاتب المسيحي الذي أسلم _ عبد الأحد داود وكان مطراناً للموصل _ ينتقد قصة التكفير عن الخطيئة هذه انتقاداً سليماً فيقول:

" إن من العجيب أن يعتقد المسيحيون أن هذا السر اللاهوتي .. وهو خطيئة آدم وغضب الله على الجنس البشري بسببها ظل مكتوماً عن كل الأنبياء السابقين ولم تكتشفه إلا الكنيسة بعد حادثة الصلب .

14- ويقول هذا الكاتب _ عبد الأحد داود :

" إن ما حمله على ترك المسيحية هو هذه المسألة وظهور بطلانها .. إذ أمرته الكنيسة بأوامر لم يستسغها عقله :

أ‌- نوع البشر مذنب بصورة قطعية ويستحق الهلاك الأبدي .

ب‌- الله لا يخلص أحداً من هؤلاء المذنبين من النار الأبدية المستحقة عليهم بدون شفيع .

ت‌- الشفيع لا بد أن يكون إلهاً تاماً وبشراً تاماً ".


ويدخل هذا الكاتب في نقاش طويل مع المسيحيين بسبب هذه الأوامر .. فهم يرون أن الشفيع لا بد أن يكون مطهراً من خطيئة آدم .. ويرون أنه لذلك ولد عيسى من غير أب لينجو من انحدار الخطيئة إليه من أبيه .

ويسألهم الكاتب ألم يأخذه عيسى نصيباً من الخطيئة عن طريق أمه ؟

ويجيب هؤلاء : بأن الله طهر مريم من الخطيئة قبل أن يدخل الابن رحمها .

ويعود الكاتب يسأل :

إذا كان الله يستطيع _ التطهير _ هكذا في سهولة ويسر إذ يطهر بعض خلقه .. فلماذا لم يطهر خلقه من الخطيئة كذلك بمثل هذه السهولة وذلك اليسر .. بدون إنزال ابنه وبدون تمثيلية الولادة الصلب ؟

ونضيف إلى نقاش عبد الأحد داود .. أن قولهم بضرورة أن يكون الشفيع مطهراً من خطيئة آدم .. مما استلزم أن يولد عيسى من غير أب أو ان يطهر الله مريم قبل دخول عيسى رحمها .. يحتاج إلى طريق طويل معقد .. وكان أيسر منه أن ينزل ابن الله مباشرة في مظهر الإنسان دون أن يمر بدخول الرحم والولادة .

ونضيف كذلك أن اتجاه المسيحيين هذا يتعارض مع اتجاه مسيحي آخر .. هو أن ابن الله دخل رحم مريم ليأخذ مظهر الإنسان وليتحمل في الظاهر بعض خطيئة آدم الذي يبدو ابن الله كأنه ولد من أولاده .. ثم يصلب ابن الله تكفيراً عن خطيئة البشر الذين أصبح كواحد منهم .


ويبقى أن نسأل أسئلة أخيرة في هذا الموضوع هي :

هل كان الأنبياء جميعاً .. نوح _ إبراهيم _ موسى .. عليهم أفضل الصلاة والسلام ... .. مدنسين بسبب خطيئة أبيهم ؟

وهل كان الله غاضباً عليهم كذلك .. وكيف اختارهم مع ذلك لهداية البشر ؟

هذه الأسئلة نضعها بين يدي النصارى لعلهم يحاولون الإجابة عنها.




وللحديث بقية ...


اخوكم / الاثرم


AL-ATHRAM 08-31-2016 10:35 PM

بسم الله الرحمن الرحيم


القيامة والظهور

لقد انتهينا من دراسة قضية الصلب .. وهي واحدة من أخطر القضايا المسيحية باعتبارها صارت ركيزة من ركائز العقيدة التي تبناها بولس .. وصار لها السيادة فيما بعد . ولم تكن على الإطلاق من وصايا المسيح ولا من رسالته .. وماذا رأينا فيها ؟

رأينا أن هذه المصادر المسيحية _ وهي الأناجيل _ قد اختلفت تماماً في كل جزئية تتعلق بموضوعات الصلب .. وقلنا _ من قبل _ إننا نتبع في دوائرنا القضائية في كل بلد من بلاد العالم .. أنه عندما تختلف شاهدة الشهود .. ترفض على الفور شهاداتهم ..

كذلك فإن السمة الواضحة والعامل المشترك بين هذه المصادر المسيحية .. شيء واحد .. هو أن كل ما كتب قام على ظن وعلى تناقض يتناقض بعضه مع بعض .. وينقض بعضه بعضاً ..
وقد عبَّر القرآن الكريم عن هذه الحالة في آية من آياته .. وذلك من معجزات القرآن فقد قال :

" وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ( 157 ). " سورة النساء .

لقد وجدنا أن كل ما كتب وخاصة ابتداء من قضية الصلب .. وملحقاتها وهي القيامة والظهور .. قد اختلف فيه كتبة الأناجيل جمعياً من الألف إلى الياء ..

ونبدأ الآن في دراسة قضية القيامة التي تقول _ وفق التعليم المسيحي _ إن المسيح صلب ومات ودفن وقام في اليوم الثالث .. وبعد ذلك ظهر لبعض الناس ..

ولقد عرفنا مما سبق أنه لم يدفن في الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال .. كما قالت الأناجيل .. إذ أن المصلوب دفن في الأرض لمدة يوم واحد وليلتين على أحسن الفروض ...



القيامة ..

بدأت روايات قيامة المسيح من الأموات وظهوره بعد الموت تنشر ببطء شديد وسط المجموعة المسيحية الأولى .. بسبب إنكار تلاميذه وحوارييه _ وعلى رأسهم بطر س _ لتلك الروايات .. وشكهم فيها .. وعدم إيمانهم بوجود أدنى صلة بين رسالة المسيح الحقة التي تلقوها من معلمهم .. وبين فكرة القيامة من الأموات هذه التي صارت واحدة من ركائز العقائد المسيحية .. من أجل ذلك تأخر الإعلان عن قيامة المسيح وظهروه سبعة أسابيع .. فلم يذع خبرها بين عامة المسيحيين إلا بعد 50 يوماً .. كما تقول رسالة الإعمال التي سطرها (( لوقا )) بعد أكثر من 60 عاماً من رفع المسيح .

وإذا كان هذا هو مجمل حديث القيامة .. كما سجلته الأناجيل .. فمن الواجب ألا يغيب عن البال _ كما يقول جورج كيرد:

" إن أول شهادة عن القيامة لم تعطها الأناجيل .. لكن جاءت من رسائل بولس .. وعلى وجه الخصوص رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس ( الإصحاح 15 ) التي كتبت قبل أقدم الأناجيل بعشر سنوات على الأقل . ففي هذا الإصحاح نجد بولس يقتبس تعليماً تسلمه من أولئك الذين كانوا مسحيين قبله " . ( تفسير إنجيل لوقا صفحة 255 ) .

ولقد رأينا أن ما تقوله الأناجيل عن صلب المسيح وما امتلأت به من اختلافات ومتناقضات يكفي لرفضها .. وبالتالي كان ذلك مبرراً كافياً لرفض ما قام على الصلب وهو القيامة والظهور . ومع ذلك فلسوف نتجه إلى الأناجيل لنناقش من خلالها قضية القيامة والظهور بعناصرها الرئيسية .

زيارة النساء للقبر :

يقول مرقس :

" وبعد ما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه . وباكر جداً في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس وكن يقلن في أنفسهن من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر . فتطلعن ورأين الحجر قد دحرج لأنه كان عظيماً جداً . ولما دخلن القبر رأين شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء فاندهش .. فقال لهن لا تندهشن .. أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب .. قد قام .. ليس هو ههنا هو ذا الموضع الذي وضعوه فيه .. لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم إلى الجليل .. هناك ترونه كما قال لكم . فخرجن سريعاً وهربن من القبر لان الرعدة والحيرة أخذتاهن . لم يقلن لأحد شيئاً لأنهن كن خائفات . " ( 16 : 1 – 8 ) .

يقول نينهام :

" إن الدافع المقترح لهذه الزيارة يدعو على أي حال إلى الدهشة . وإذا صرفنا النظر عن التساؤل الذي أثير ( عمن يدحرج الحجز ) فمن الصعب أن نثق في أن الغرض من زيارة النسوة كان دهان جسم إنسان انقضى على موته يوم وليلتان .

إن أغلب المعلقين يرددون ما يقوله مونتفيوري من أن السبب الذي تعزى إليه هذه الزيارة غير محتمل البتة ..
وفي الواقع نجد أنه حسب رواية القديس مرقس ( 15 : 37 – 47 ) .. فإن جسد يسوع لم يدهن أبداً بعد الموت .. خلافاً لما جاء في ( يوحنا 19: 40 ) الذي يقول :

" فأخذا _ يوسف ونيقوديموس _ جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب .. كما لليهود عادة أن يكفنوا ) ..

إن كثير من القراء سيتفقون في الرأي مع ما انتهى إليه فنسنت بيلور من أنه : من المحتمل أن يكون وصف مرقس محض خيال .. إذ أنه يصور لنا في وصفه بما يعتقد أنه حدث ". ( تفسير إنجيل مرقس صفحة 443 – 444 )

وقد انفر متى ( 27 : 62 – 66 ) بما ذكره عن طلب اليهود من الحاكم الروماني بيلاطس أن يرسل حراساً لضبط القبر .. فاستجاب لهم " فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر ."

بعد ذلك تكلم عن زيارة النساء للقبر بصورة مختلفة فقال :

" وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت لن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه .. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج . .
فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخافا .. اذهبا سريعاً قولا لتلاميذه إنه قام من الأموات ... فخرجتا سريعاً من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه ". ( 28 : 1 – 8 )

ويقول جون فنتون :

" إن حدوث الزلزلة .. ونزول الملاك من السماء .. ودحرجة الحجر بعيداً .. وخوف الحراس .. كلها إضافات من عمل متى .. كذلك نجد في إنجيل مرقس ان النساء لا تطعن الرسالة .. أما في متى فإنهن يطعنها ( فيخبرن التلاميذ بالقيامة ) . ( تفسير إنجيل متى : صفحة 449 – 450 ) .

ويقول لوقا :

" في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس .. فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر . فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع.
وفيما هن محتارات في ذلك إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة .. وإذ كن خائفات ومنكسات وجوههن إلى الأرض قالا لهن .. ليس هو ههنا لكنه قام .. اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل .. فتذكرن كلامه ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر الباقين بهذا كله . وكانت مريم المجلية ويونا ومريم أم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل " ( 24 : 1 – 10 )

ويقول جورج كيرد :

" إن قصة لوقا عن القبر الخالي تسير بمحاذاة مرقس .. لكنها تختلف عنها في أربع نقاط :

فبينما يذكر مرقس شاباً واحداً عند القبر .. نجد لوقا يذكر رجلين . وحسبما جاء في ( مرقس 16: 7 ) قيل للنسوة : ولكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس أنه يسبقكم إلى الجليل هناك ترونه كما قال لكم _ لكن لوقا يشير بدلا من ذلك إلى تعليم سبق إعطاؤه في الجليل . ذلك أنه حسب مصدر المعلومات الذي استقى منه لوقا فإن ظهور ( المسيح ) بعد القيامة لم يحدث في الجليل .. لكنه حدث فقط في أورشليم وما حولها ) . ( لوقا 24: 13 – 35 )

كذلك نجد حسب رواية مرقس أن النسوة قد حملن برسالةٍ فشلن في توصيلها لأنهن كن خائفات .. بينما يخبرنا لوقا أنهن قدمن تقريراً كاملاً عما رأينه وسمعنه إلى التلاميذ الآخرين .

وأخيراً فإن قائمة الأسماء مختلفة .. إذا أن لوقا بذكر يونا بدلا من سالومي التي ذكرها مرقس ." ( تفسير إنجيل لوقا صفحة 256 ) .

أما رواية يوحنا عن القيامة فإنها مختلفة عما روته الأناجيل الثلاثة في عناصرها الرئيسية .. ذلك أن يوحنا يقول :

" في أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باقٍ .. فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر . فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه .
فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلى القبر . وكان الاثنان يركضان معاً . فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولا إلى القبر . وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل .. ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الكفان . بل ملفوفاً في موضع وحده فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الأخر الذي جاء أولا إلى القبر ورأى آمن .. لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات.
أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجاً تبكي .. فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحد عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً ." ( 20: 1 – 10 ) .



اختلاف الأناجيل في روايات الزيارة :

من الواضح أن هناك اختلافاً بين ما ترويه الأناجيل عن زيارة النساء للقبر وملابساتها كما يتضح مما سبق .. بالإضافة إلى الآتي :

1- يذكر مرقس أن توقيت زيارة النساء للقبر كان بعد طلوع الشمس .. بينما يقول الآخرون أن الزيارة كان قبل طلوعها _ فيه في متى ولوقا عند الفجر .. وفي يوحنا : " الظلام باق " .


2- يذكر " مرقس " أن الزائرات كن ثلاث نسوة , لكن " متى " يذكر اثنتين فقط .. بينما يقول " لوقا " إنهن كن جمعاً من النساء .. أما " يوحنا " فيجعل بطلة الزيارة هي مريم المجلية بمفردها التي تذهب لتحضر معها بطر ويوحنا ( التلميذ المحبوب ) .

ولا يتفق كتبة الأناجيل على شيء من العناصر الرئيسية لقصة الزيارة قدر اتفاقهم على جعل مريم المجدلية في موضع الصدارة بين الزائرات .. حتى أن يوحنا يجعلها الزائرة الوحيدة .
وبذلك صارت مريم المجدلية _ التي أخرج منها المسيح سبعة شياطين _ هي المصدر الرئيسي لكل ما قيل عن قيامة المسيح من الأموات.


3- وعند القبر رأت النساء شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء _ حسب مرقس _ بينما هو في متى: " ملاك الرب .. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج " .. أما في لوقا: " رجلان بثياب براقة " .. وفي يوحنا : " ملاكين بثياب بيض جالسين واحد عند الرأس والآخر عند القدمين ".




هذا بالإضافة إلى ما سبق بيانه بخصوص قضية القيامة التي اختلفت فيها الأناجيل اختلافاً يكفي لرفض شهاداتها جمعياً ..

لقد انفرد إنجيل متى بقوله :

" وفي الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس : قائلين يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم _ فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من الموات . فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى . فقال لهم بيلاطس عندكم حراس .. اذهبوا واضبطوه كما تعلمون . فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر " ( 27 : 62 – 66 ) .

وبذلك تكون الإجراءات التي تمت هي حراسة القبر وختم الحجر.

وإذا صرفنا النظر عن كيفية دحرجة الحجر واختلاف الأناجيل فيها .. فإننا نقرأ في " متى " بعد ذلك الآتي :

" وفيما هما ذاهبتان ( مريم المجدلية ومريم الأخرى ) إذا قوم من الحراس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان. فاجتمعوا مع الشيوخ وتشاوروا وأعطوا العسكر فضة كثيرة .. قائلين : قولوا إن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام .. وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين . فأخذوا الفضة وفعلوا كما علموهم . فشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم ." ( 28 : 11 – 15 ) .

من ذلك يتبن كما قلت أن خصوم المسيح وهم رؤساء الكهنة والشيوخ وكذا الحراس لم يشاهدوا قيامة المسيح .. ولم يشاهدوه بعد القيامة .. لكن الشيء الوحيد الذي اتفقوا عليه هو وجود القبر _ الذي قيل إنه دفن فيه _ خالياً .

وإذا رجعنا إلى قصة دانيال أثناء السبي البابلي لوجدنا نظيراً لقصة المقبرة التي وضع عليها حراس وسدت بحجر مختوم . فلقد حدث أن تأمر خصوم دانيال عليه ووشوا به عند الملك لأنه لا يتعبد له .. إنما بتعبد للإله الواحد خالق الأكوان . آنذاك غضب الملك وأمر بوضع دانيال في جب الأسُود .. وقفله بحجر وختمه . وفي هذا يقول سفر دانيال :

" قولوا قدام الملك إن دانيال الذي من بني سبي يهوذا لم يجعل لك أيها الملك اعتباراً .. فلما سمع الملك هذا الكلام اغتاظ على نفسه جداً .. حينئذ أمر الملك فأحضروا دانيال وطرحوه في جب الأسُود. أجاب الملك وقال لدانيال إن إلهك الذي تعبده دائماً هو ينجيك . وأتى بحجر ووضع على فم الجب وختمه الملك بخاتمه وخاتم عظمائه.
ثم قام الملك باركاً عند الفجر وذهب مسرعاً إلى جب الأسُود . فلما اقترب إلى الجب نادى دانيال بصوت أسف. أجاب الملك وقال لدانيال . يا دانيال عبد الله الحي هل إلهك الذي تعبده دائماً قدر على أن ينجيك من الأسُود ؟ فتكلم دانيال مع الملك .. أيها الملك عش إلى الأبد . إلهي أرسل ملاكه وسد أفواه الأسُود فلم تضرني لأني وجدت بريئاً قدامه وقدامك أيضاً . أيها الملك لم أفعل ذنباً .
حينئذ فرح الملك به وأمر بأن يصعد دانيال من الجب .. فأصعد دانيال من الجب ولم يوجد فيه ضرر لأنه آمن بإلهه.
فأمر الملك فأحضروا أولئك الرجال الذي اشتكوا على دانيا وطرحوهم في جب الأسُود هم وأولادهم ونساءهم . ولم يصلوا إلى أسف الجب حتى بطشت بهم الأسُود وسحقت كل عظامهم " ( 6: 13 – 24 )ة


هنا حدثت المعجزة حقاً .. إذ رفعت الأختام في وجود شهود عاينوا دانيال قائماً بينهم حياً .. قد انتصر على الموت الذي كان ينتظره في فم الأسُود .. وشهد بذلك أعداء دانيال وأصدقاؤه على السواء .

فلو كان المسيح هو ذلك الذي صلبوه .. ثم وضعوه في القبر .. ثم أقاموا عليه حراساً وختموه .. لكان الأولى به حين يقوم من الموت _ كما يدعون _ أن يحدث ذلك على مرأى ومسمع من أعدائه قبل أصدقائه .. حتى تتحقق المعجزة بشهادة الشهود .. خاصة وأن المسيح مارس معجزاته كلها أمام الناس سواء المؤمنين به أو المكذبين له .


أما أن توجد مقبرة خالية .. فيقال إن المسيح الذي دفن فيها قد قام ولم يره أحد .. فذلك شيء لا يقوم على أي أساس بسبب التضارب الواضح فيما ترويه الأناجيل عن القيامة التي تعتبر ركيزة من ركائز العقائد المسيحية والتي تفوق في أهميتها خروج دانيال حياً من جب الأسُود ألاف المرات .

هذا ويقول جون فنتون :

" لقد كانت الكنيسة الأولى ترى في خروج دانيال حياً من جب الأسُود نوعاً من المشابهة لقيامة يسوع ..
كما يلاحظ أن " متى " غيّر قول مرقس أن المرأتين اشترتا حنوطاً . ليأتين ويدهنه .. إلى قول أخر هو : ( لتنظرا القبر ) . ولعل السبب في ذلك هو أنه ما دام " متى " قد أدخل قصة ختم الحجر إلى روايته .. فلا بد أن يقوم بهذا التعديل ". ( تفسير إنجيل متى صفحة 448 – 450 ) .

وإذا كانت الكنيسة قد اعتبرت خروج دانيال من جب الأسُود شبيهاً بقيامة المسيح .. أما كان ضرورياً للإقرار بتلك المشابهة أن يتوافر العنصر الضروري والكافي لتحقيق الحدث .. وهو شهادة الشهود من الأصدقاء والأعداء على السواء ؟ وهو الشي الذي اكتمل في قصة دانيال .. وفقد تماماً في قصة المسيح .

ونستطيع أن ندرك الآن قيمة هذه الفقرة المختصرة التي قررها أدولف هرنك :

" إن هناك عدداً من النقاط مؤكدةٌ تاريخياً منها : أن أحداً من خصوم المسيح لم يره بعد موته ". ( تاريخ العقيدة : جـ 1 .. صفحة 85 ) .

نعم .. إن رؤية الخصوم قبل الأصدقاء دليل هام ومفقود كان من اللازم تواجده _ أولا _ عند كل من يؤمن بحديث القيامة .. ولسوف يبقى مفقوداً إلى الأبد..


وللحديث بقية ...

اخوكم / الاثرم


AL-ATHRAM 09-18-2016 10:35 PM

بسم الله الرحمن الرحيم


الظهُور ..

نبدأ أولا بذكر ما يقوله إنجيل مرقس في مختلف الموضوعات التي نتعرض لها في هذه الدراسة .. ثم نتبع ذلك بما تقوله بقية الأناجيل في ذات الموضوع . ويرجع ذلك لما هو متفق عليه من أن إنجيل مرقس يعتبر أقدم الأناجيل القانونية ... بالإضافة لكونه المصدر الرئيسي الذي نقل عنه كل من متى ولوقا. وإذا طبقنا تلك القاعدة التي درجنا عليها .. وبدأنا بما يقوله إنجيل مرقس عن ظهور المسيح بعد قيامته من الأموات فإننا نقول :

يقول إنجيل مرقس : لا شيء ...

نعم : لا يقول إنجيل مرقس شيئاً عن موضوع الظهور .

ولسوف يسرع بعض القراء إلى النسخ التي في متناول أيديهم من إنجيل مرقس .. بغية التثبت من حقيقة هذا الإدعاء الخطير .. فيجدون خاتمة هذا الإنجيل _ ( الأعداد من 9 إلى 20 ) التي ينتهي بها الإصحاح السادس عشر _ تتكلم عن ظهور المسيح لبعض الناس بعد فتنة الصلب وروايات القيامة .

وهنا يحدث لبس تزيله الحقيقة الآتية :

إن خاتمة إنجيل مرقس التي تتكلم عن ظهور المسيح _ ( الأعداد 9 إلى 20 ) _ ليست من عمل مرقس كاتب الإنجيل .. ولكنها إضافات أدخلت إليه حوالي عام 180م .. أي بعد أن سطر مرقس إنجيله بنحو 120 عاماً .. ولم تأخذ أي صورة قانونية إلا بعد عام 325 م .

سأشير إلى هذا عند الحديث عن مشاكل إنجيل مرقس _ وقبل ان أبدأ به سأتكلم عن السؤال القائل بالنسخ والتحريف في الإنجيل كيف تم كما يزعم المسلمون ؟ وهل يحتفظ المسلمون بأصل الإنجيل ؟ كان من الممكن ان أبدأ بهذا من أول مشاركة لي .. لكن هناك أمر جعلني أؤجل هذا فيما بعد ..

ونضيف الآن قول نينهام : " إنه على الرغم من أن هذه الأعداد ( 9 – 20 ) تظهر في أغلب النسخ الموجودة لدينا من إنجيل مرقس .. إلا أن النسخة القياسية المراجعة مصيبة تماماً في اعتبارها غير شرعية .. منزلة إياها من النص إلى الهامش .

إن العالم الكاثوليكي الكبير " لاجرانج " واضح تماماً في قوله : إنه بالرغم من قانونيتها ( أي أنها جزء من الكتاب المقدس ) فإنها ليست قانونية بالمعنى الحرفي ( أي ليست من عمل القديس مرقس ). وتقوم وجهة النظر التي تتطابق وآراء العلماء الآخرين على ثلاثة أسباب رئيسية هي :

1- إن بعض أفضل النسخ من إنجيل مرقس تنتهي عند ( 16: 8 ) .. وبعض النسخ الأخرى تتفق معها في حذف الأعداد ( 9 – 20 ) .. لكنها تعطي بدلا من ذلك خاتمة ( أخرى ) .

2- إن كبار العلماء في القرن الرابع مثل ايزييوس وجيروم يشهدون بأن هذه الأعداد كانت ساقطة من أفضل النسخ الإغريقية المعلومة لديهم .

3- والأكثر حسماً من كل ما سبق هو أن أسلوب تلك الأعداد ومفردات اللغة التي كتبت بها يعطي أسلوب القرن الثاني .. وهو شيء يختلف تماماً عما كتب به القديس مرقس.

إن هذه الفقرة لا يمكن تحديد تاريخها بالضبط .. ويمكن القول بأنها أصحبت تقبل كجزء من إنجيل مرقس حوالي عام 180م . ( تفسير إنجيل مرقس : صفحة 449 – 450 ) .

كذلك يقول جون فنتون : :

" على حسب معلوماتنا فإن إنجيل مرقس الذي كان بين يدي متى .. قد انتهى عند ( 16: 8 ) .. وعلى هذا فإن ظهور يسوع للنساء في إنجيل ( متى 28 : 8 ) قد أضافه متى .
وحسبما نعلم فإن إنجيل مرقس لم يحتو على أي روايات تتكلم عن ظهور الرب المقام من الأموات ". ( تفسير إنجيل متى صفحة 449 – 450 ) .


روايات الأناجيل :

ومع ذلك فلسوف نذهب الآن إلى نسخ إنجيل مرقس التي تتكلم عن ظهور المسيح فنجدها تقول :

" وبعد ما قام باكراً في أول الأسبوع ظهر أولا لمريم المجدلية التي قد أخرج منها سبعة شياطين. فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معها وهن ينحون ويبكون فلما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته .. لم يصدقوا .
وبعد ذلك ظهر بهيئته أخرى لأثنين منهم وهما يمشيان منطلقين في البرية . وذهب هذان وأخبرا الباقين .. فلم يصدقوا ولا هذين . أخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام ". ( 16: 9 – 14 ) .

ولقد علمنا حسب رواية متى عن زيارة النساء للقبر .. أن مريم المجدلية ومريم الأخرى قد حمَّلها ملاك الرب رسالة يقول فيها : " اذهبا سريعاً قولا لتلاميذه إنه قد قام من الأموات . ها هو يتبعكم إلى الجليل " .
وعندئذ خرجتا سريعاً من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه " .

والآن نضيف قول متى :

" وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال (( سلام لكما )). فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له .. فقال لهما يسوع : لا تخافا اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني. وأما الأحد عشر تلميذاً فانطلقوا إلى الجبل حيث أمرهم يسوع .
ولما رأوه سجدوا له .. ولكن بعضهم شكوا " ( 28: 9 – 17) .

هذا وبعد أن ذكر لوقا ما روته النسوة من حديث القيامة للتلاميذ والرسل نجده يتكلم عن الظهور فيقول :

" وإذا اثنين منهم كانا منطلقين في ذلك اليوم إلى قرية بعيدة عن أورشليم .. وفيما هما يتكلمان وتحاوران اقترب إليها يسوع نفسه وكان يمشي معهما ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته . فقال لهما ما هذا الكلام الذي تتطارحان به .. فقالا المختصة بيسوع الناصري الذي كان إنساناً نبياً مقتدراً في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب .. ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها وهو تظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد . فألزماه قائلين امكث معنا .. فلما اتكأ معهما أخذ خبزاً وبارك وكسر وناولها فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما . فقاما في تلك الساعة ورجعا إلى أورشليم ووحدا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم . وهم يقولون إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان ..
وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم.
فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم رأوا روحاً .
فقال لهم : ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم .. انظروا يدي ورجلي إني أنا هو .. جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه .. فناولوه جزءاً من سمك مشوي وشيئاً من شهد عسل . فأخذ وأكل قدامهم ". ( 24: 13 – 43 ) .

يقول يوحنا إن مريم المجدلية كانت تبكي عند القبر .. فقال لها الملاكان :

" يا امرأة لماذا تبكين قالت لهما إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه . ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفاً ولم تعلم أنه يسوع . قال لها يسوع : يا امرأة لماذا تبكين . من تطلبين . فظنت تلك أنه البستاني فقالت له يا سيد: إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه . فقال لها يسوع يا مريم . فالتفت تلك وقالت له ربوني _ الذي تفسيره يا معلم _ فقال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى : أبي وأبيكم .. وإلهي وإلهكم.
فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قد قال لها هذا . ولما كانت عشية ذلك اليوم وهو أول الأسبوع وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود .. جاء يسوع ووقف في الوسط . فرح التلاميذ أنهم رأوا الرب .. أما توما أحد الاثني عشر .. فلم يكن معهم حين جاء يسوع . فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب فقال لهم : إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع أصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أومن . وبعد ثمانية أيام كان التلاميذ أيضا داخلاً وتوما معهم فجاء يسوع والأبواب مغلقة ووقف في الوسط وقال : سلام لكم ...
بعد هذا أظهر أيضاً يسوع نفسه للتلاميذ على بحر طبرية .. لما كان الصبح وقف يسوع على الشاطئ ولكن التلاميذ لم يكونوا يعلمون أنه يسوع .. ثم جاء يسوع وأخذ الخبز وأعطاهم وكذلك السمك . هذه مرة ثالثة ظهر يسوع لتلاميذه بعدما قام من الأموات ". ( 20: 13 – 26 , 21: 1 -14 )



ملاحظات على روايات الأناجيل :

لقد عرضنا ما ترويه الأناجيل الأربعة عن ظهور المسيح .. وكلها روايات تسمح بإبداء الملاحظات الآتية :

1- اتفق مرقس ومتى ويوحنا على أن الظهور الأول كان من نصيب مريم المجلية التي لم تعرفه وظنته البستاني .. بينما أسقط لوقا تلك الرواية تماماً .. وجعل الظهور الأول من نصيب اثنين كانا منطلقين إلى قرية عمواس.


2- حدث الظهور للتلاميذ مرة واحدة في كل من مرقس ومتى ولوقا . بينما تحدث عنه يوحنا ثلاث مرات بصورة مختلفة .


3- اتفق مرقس ومتى على أن الظهور للأحد عشر تلميذاً حدث في الجليل .. فاختلفا في ذلك مع لوقا ويوحنا اللذين جعلاه في أورشليم .


4- وأخطر من ذلك كله هو اتفاق الأناجيل في هذه القضية على شيء واحد هو أن الذي ظهر لمريم المجدلية وللتلاميذ كان غريباً عليهم .. ولم يعرفوه جمعياً ((( وشكوا فيه )) .. وهم الذين عايشوا المسيح وعرفوه عن قرب .

كيف يقال بعد ذلك أن المسيح ظهر لمعارفه وتلاميذه ؟



وللحديث بقية ...


اخوكم / الاثرم

AL-ATHRAM 10-14-2016 11:01 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

شك التلاميذ في روايات القيامة والظهور :

تمتلىء روايات الأناجيل عن القيامة والظهور بالكثير من المآخذ والثغرات التي يستطيع القارىء أن يتلمسها بنفسه بمجرد المطالعة ومقارنة المواقف المتشابهة في الاناجيل المختلفة .

وتكفي هذه المآخذ والثغرات لرفض ما تقوله تلك الروايات عن قيامة المسيح وظهوره .. وكيف لا ترفض وقد رفضها كاتب إنجيل مرقس الأصلي فأسقطها من حسابه وأنهى الإنجيل ( 16: 8 ) كما سبق بيانه . كذلك رفضها تلاميذ المسيح وشكوا فيها ذلك الشك المريب الذي سجلته الأناجيل .

لقد شك التلاميذ جميعاً فيما روته مريم المجدلية ومن معها من النسوة عن قيامة المسيح من الأموات ..

فحين ((( رجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجيمع الباقين بهذا كله وكانت مريم المجلية ويونا ومريم أم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل. فتراءى كلامهم لهم كالهذيان .. ولم يصدقوهون . فقام بطرس وركض إلى القبر فانحنى ونظر الأكفان موضوعة وحدها فمضى متعجباً في نفسه مما كان )))

ولكن أناجيل مرقس ومتى ولوقا تذكر لنا حديثاً جرى بين المسيح وتلاميذه .. تنبأ فيه بقتله ثم قيامته من الأموات ... فيه تقول :

(( ابتدأ يعلمهم أن ابن الإنسان ( المسيح ) ينبغي أن يتألم كثيراً ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم ..

فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره فالتفت وأبصر تلاميذه .. فانتهر بطرس قائلاً اذهب عني يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله لكن للناس )) { مرقس 8: 31 – 33 } .. { متى 16: 21 – 23 } , { لوقا 9 : 22 } .

إن رواية الحوار بين المسيح وتلاميذه على هذه الصورة تعني أن قيامة المسيح من الأموات أصبحت أمراً مفروغاً منه .. مثلها مثل قتله .. ذلك أن الأناجيل تذكر أن المسيح (( قال القول علانية )) .

فإذا وجدنا بعد ذلك أن روايات القيامة التي جاءت بها مريم المجدلية كانت بالنسبة لبطرس _ رئيس التلاميذ والذي سبق أن راجع المسيح في أمرها _ ولرفاقه كلاماً (( كالهذيان )) لا يمكن تصديقه .. فإن النتيجة التي لا مفر من التسليم بها هي :

إن ذلك الحوار الذي قيل إنه جرى بين المسيح وتلاميذه .. والذي تنبأ فيه بقتله ثم قيامته لم يحدث على الإطلاق .

وإن ما نجده عن ذلك الحوار في الأناجيل .. لا يعدو أن يكون إضافات أدخلت إليها فيما بعد .

إن هذا ما ينطق به إنجيل يوحنا حين يقرر أن فكرة القيامة كانت غريبة تماماً عن التلاميذ الذين فوجئوا برواية مريم المجدلية . فحين ذهبت هذه وأخبرت بطرس ويوحنا .. فإنهما تسابقا إلى القبر (( يوحنا 20 : 8 فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الأخر الذي جاء أولا إلى القبر ورأى فآمن . 9- لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات. 10- فمضى التلميذان " بطرس ويوحنا " أيضاً إلى موضعهما . ))

كيف يتفق قول يوحنا هذا عن تلاميذ المسيح (((( لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات ))) _ مع ذلك القول والحوار الطويل الذي جرى بين المسيح وتلاميذه وعرفهم فيه بقيامته من الأموات .. وهو الحوار الذي ذكرته أناجيل : مرقس ومتى ولوقا ... ؟

وكذلك شك التلاميذ فيما روته مريم المجدلية وغيرها عن ظهور المسيح .. فحين ذهبت مريم وأخبرت التلاميذ (( لما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته .. لم يصدقوا )) وكذلك كان الحال مع الاثنين اللذين قيل إنه ظهر لهما .. إذ لما (( ذهب هذان وأخبرا الباقين .. فلم يصدقوا ولا هذين )) .

ويسجل متى شك التلاميذ في ذلك الذي قيل إنه المسيح الذي صاحبوه من قبل فيقول : (( أما الأحد عشر تلميذاً _ لما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكوا ))

وكذلك يقول لوقا عن التلاميذ أنهم (( جزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً )

ويسجل يوحنا شك ( توما ) بصورة تقطع فكرة القيامة لا علاقة لها البتة برسالة المسيح وتعاليمه .. فهو يقول : (( أما توما أحد الأثنى عشر ... فلم يكن معهم حين جاء يسوع فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب . فقال لهم إن لم أبصر في يديه أثر المسامير .. وأضع أصبعي في جنبه لا أومن . ))



لقد ربطت المسيحية التقليدية _ مسيحية بولس الصليبية _ نفسها بالقول بأنها تقوم على أحداث تاريخية _ مثل القول بقتل المسيح على الصليب وقيامته في اليوم الثالث _ بحيث لو تعذر إثبات وقوعها .. ما كان للمسيحية من برهان يدعمها .. كما أنه لو أمكن إثبات عدم حدوثها لانهارت العقيدة التقليدية من أساسها ولم يبق منها شيء.

وفي هذا يقرر علماؤها بأنه جرى التوكيد دائماً على (( أن المسيحية تعتبر عقيدة تاريخية بمفهوم قلما تناظرها فيه أي من العقائد الأخرى .. ذلك أنه إما أن تظل قائمة أو تنهار .. بناء على حقيقة ما كان من أحداث معينة .. جرى الزعم بأنها وقعت خلال فترة زمنية محددة تقدر بثمان وأربعين ساعة في فلسطين مذ ألفي عام تقريباً .

وهنا يثور سؤال :

" من أي الوجوه _ إذن _ تكون العقيدة المسيحية عرضة للسقوط تاريخياً ؟ "

ولكن إذا نظرنا إلى السؤال بعين فاحصة .. لوجب علينا الاعتراف بأنه لا يمكن إثبات أن المعتقدات التي تقوم على الأمور التاريخية يمكن اعتبارها حقائق مؤكدة . وبتعبير أدق .. فإن تلك المعتقدات لا تملك أكثر من درجة عالية جداً من الاحتمال والترجيح ". ( من كتاب : " اعتراضات على العقيدة المسيحية " ص 58و 64و 65 ) .

إن كل من لم يبصر في مسيحية المسيح الحقة الفاضلة .. سوى الصلب والقيامة قد جعلها تحت رحمة التاريخ . وإذا رجعنا إلى ما يسعفنا به التاريخ في روايات الصلب والقيامة والظهور .. لوجدناه في غير صالح ذلك المفهوم الذي لم ير بولس شيئاً غيره في المسيحية التي جال يدعو لها حتى جعل لها السيادة .. وأعني بها مسيحية الصليب .

ولكن العلماء يقررون _ حقاً _ أن تلك المعتقدات التي تقوم على الأمور التاريخية لا يمكن اعتبارها حقائق مؤكدة . .


وهل تبنى العقائد _ أيها الناس _ على الظن والاحتمال والترجيح ؟

وللحديث بقية ...


اخوكم / الاثرم


سعاد حلمى 11-07-2016 11:51 AM


جزاكم الله خيرا
موضوع ممتاز نتمنى لك التوفيق

AL-ATHRAM 11-07-2016 08:01 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعاد حلمى (المشاركة 2309)

جزاكم الله خيرا
موضوع ممتاز نتمنى لك التوفيق

وانتي كذلك

AL-ATHRAM 11-07-2016 08:23 PM

بسم الله الرحمن الرحيم


إن القضية الرئيسية في المسيحية هي قضية الغفران وأنه بسبب خطئية آدم المتوارثة فإن البشرية كلها هالكة لا محالة ولذلك جاء المسيح ليفديها بنفسه .. وكان قلته على الصليب _ باعتباره ابن الله الوحيد _ هو الثمن الذي ادعى بولس أنه دفع للمصالحة مع الله أو على حد تعبيره " صولحنا مع الله بموت ابنه " ( رومية 5 : 10 ) .

ولكن إن صح ما قيل عن الخطيئة المتوارثة _ وهو غير صحيح على الإطلاق ولا يتفق مع عدل الله ولا شرائعه ومنها شريعة موسى .. فهل كان ضرورياً تلك الرواية المأساوية التي تتمثل في قول المسيحية بقتل المسيح صلباً وسط صرخاته اليائسة التي كان يرفض فيه تلك الميتة الدموية ؟

أما كان يمكن أن تحدث المغفرة دون سفك دم بريء .. دم يرفض صاحبه بإصرار أن يسفك ؟

لنرجع إلى إنجيل متى نجده يقول :

" فدخل السفينة واجتاز وجاء إلى مدينته . وإذا مفلوج يقدمونه إليه مطروحاً على فراش . فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج : ثق يا بني .. مفغورة لك خطاياك.
وإذا قوم من الكتبة قد قالوا في أنفسهم هذا يجدف . فعلم يسوع أفكارهم فقال لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم . أيما أيسر أن يقال مغفورة لك خطاياك . أم أن يقال قم وامش ؟ ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا .
حينئذ قال للمفلوج قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك فقام ومضى إلى بيته . فلما رأى الجموع تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطاناً مثل هذا. ( 9 : 1 – 8 ) .

لقد قال المسيح للمفلوج :

(( مفغورة لك خطاياك ))

ومغفورة اسم مفعول لفاعل تقديره الله سبحانه وتعالى لأن المخلوق لا يستطيع أن يغفر الخطايا .. تماماً كما يقول إنسان عن إنسان آخر متوفى :

المغفور له ..

فهذا يعني أنه يرجو أن يغفر الله له.


بل إن متى ينسب للمسيح قوله :

" لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا "

فكأن الله _ سبحانه وتعالى _ منح المسيح أن يغفر الخطايا بكلمة منه . وبناء على ذلك فإن مغفرة خطايا البشر ليست في حاجة إلى عملية صلبه وقتله وكل ذلك العمل الدرامي المفجع الذي ضاعف الخطايا _ لو كان قد حدث كما يزعمون _ بدلاً من أن يمحوها . وأكثر من هذا أن المسيح أعطى لبطرس _ الذي وصفه بأنه شيطان والذي تقول الأناجيل إنه تبرأ من سيده في وقت المحنة وأنكره أما اليهود _ سلطاناً أن يغفر الخطايا فقال له :

" أعطيك مفاتيح ملكوت السموات .. فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السموات . "

هل يستطيع الإنسان أن يغفر بكلمة ويعجز رب الإنسان عن مثل ذلك ؟

أين عقول الناس التي يفكرون بها ؟



لقد كتبت الأناجيل _ كما علمتم _ بعد عشرات السنين من رحيل المسيح ثم تعرضت للكثير من الإضافات والحذف . ولقد كان المسيح يعلم حقيقة من حوله وحقيقة الأدعياء الذين سيلتصقون باسمه وبرسالته ويزعمون أنهم رسله وتلاميذه رغم أنهم تلاميذ الشيطان الذي سيؤيدهم بعجائب وأضاليل تكون فتنة للناس. ولذلك قال كاتب بإنجيل متى على لسانه :

" ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات .. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات . كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب . أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة . فحينئذ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط . اذهبوا عني يا فاعلي الإثم . " ( 7 : 21 – 23لا ).

وكما قلت سابقاً ..

لقد لعب اسم الروح القدس دوراً كبيراً في الدعوة باسم المسيح لدرجة أنهم لو وجدوا إنساناً يهذي فإنهم يقولون : قد امتلأ من الروح القدس .

ولا شك أن المجرم هو أقدر من يدل على طرق الإجرام فإذا أردنا أن نحد من الجرائم علينا أن نأتي بجماعة من المجرمين ونتعرف منهم على أساليبهم ومن ثم نستطيع وضع الخطط اللازمة لمكافحة الإجرام .

ونأتي الآن إلى شاول _ بولس _ نجده يقول في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس :

" ولكن ما أفعله سأفعله لأقطع فرصة الذين يريدون فرصة كي يوجدوا كما نحن أيضاً في ما يفتخرون به . لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة فعلة ماكرون مغيرون شكلهم على شبه رسل المسيح . ولا عجب لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور . فليس عظيماً إن كان خدامه أيضاً يغيرون شكلهم كخدام للبر .. الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم.
أقول أيضاً لا يظن أحد أني غبي وإلا فاقبلوني ولن كغبي لأفتخر أنا أيضاً قليلاً . الذي به لست أتكلم به بحسب الرب بل كأنه في غباوة في جسارة الافتخار هذه ". ( 11 : 3 – 12 ).

وعندما نأتي لفكر بولس في الصلب _ مع إيماننا الكامل بأن المسيح لم يصلب على الإطلاق ولم يعلق على الصليب _ نجده يقول :

" المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة ." ( غلاطية 3 : 13 ).

كيف أيها الناس ؟

كيف يكون المسيح لعنة ؟

وكأن المسيح كان يتحرز ضد بولس وأفكاره وتابعيه حين قال في إنجيل يوحنا :

" هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركونني وحدي .. وأنا لست وحدي لن الآب معي ". ( 16 : 32 – 33 ).

وهذا مخالف تماماً لقول ذلك الذي علقوه على الصليب فصرخ يائساً يقول :

" إلهي إلهي لماذا تركتني "

إن هذا وحده كاف لإثبات عدم صلب المسيح . ..


بولس ...


حديثنا الآن عن بولس خاصة وقد علمنا لمحة عن فكر بولس وفلسفته لفكرة الصليب والفداء .. وهي مسيحيته التي قام يبشر بها وجاءت مخالفة لمسيحية المسيح الحقة التي اتسمت بالمحبة والوداعة .. خلافاً لذلك العنف الدموي الذي اعتنقه بولس في مسيحيته الصليبية . ولسوف نرى كيف دخل بولس في المسيحية وكيف كان نتاج أفكاره .. وخاصة وأن هناك قاعدة معروفة تقول :

إنك لا تجني من الشوك العنب .

. ولقد كان بولس ( شاول ) يهوديا واشتهر بعنفه في خصومته بل بعدائه الشديد لأتباع المسيح ولم يكن له حظ من رؤية المسيح ولو مرة واحدة في حياته . يقول سفر { أعمال الرسل 7 : 58- .... والشهود خلعوا ثيابهم عند رجلي شاب يقال له ( شاول ) فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو .. 60- ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم : يا رب لا تقم لهم هذه الخطية . { 8 : 1- وكان شاول راضيا بقتله 2- ...... 3- وأما شاول فكان يسطوا على الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجر رجالا ونساء ويسلمهم إلى السجن. }

ثم أعلن بولس فجأة تحوله إلى المسيحية .... إن تاريخ الديانات يشهد لكثير كانوا من ألد أعدائها وأعداء النبي والرسول الذي جاء يدعو لها ثم يتحولون إليها ويصيرون من خير دعاتها .

لكن القاعدة الهامة والخطيرة التي شذ فيها بولس هي أنه لم يلتزم بالتعاليم الموجودة في العقيدة الجديدة التي تحول إليها وهي المسيحية . لكنه اختص بتعليم انفرد به وطفق يبشر به .. واستطاع بوسائله الخاصة ومهاراته أن ينحي كل التلاميذ جانبا ويتصدر الدعوة إلى المسيحية بعد أن اكتسح الآخرين.


ولنرى الآن ماذا يقول سفر أعمال الرسل عن قصة تحول بولس إلى المسيحية. يقول الإصحاح التاسع :

" أما شاول فكان لم يزل ينفث تهددا وقتلا على تلاميذ الرب . فتقدم إلى رئيس الكهنة وطلب منه رسائل إلى دمشق إلى الجماعات حتى إذا وجد أناسا من الطريق رجالا أو نساء يسوقهم موثقين إلى أورشليم * وفي ذهابه حدث انه اقترب إلى دمشق فبغتة ابرق حوله نور من السماء . فسقط على الأرض وسمع صوتا قائلا له شاول شاول لماذا تضطهدني فقال من أنت يا سيد . فقال الرب انا يسوع الذي أنت تضطهده . صعب عليك أن ترفس مناخس * فقال وهو مرتعد ومتحير يا رب ماذا تريد أن افعل . فقال له الرب قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل * وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحدا * فنهض شاول عن الأرض وكان وهو مفتوح العينين لا يبصر أحدا . فاقتادوه بيده وادخلوه إلى دمشق * وكان ثلاثة أيام لا يبصر فلم يأكل ولم يشرب " ( 9 : 1 – 7 ) .

لكن الله سبحانه وتعالى دائما يبين الحق رحمة بالناس ولهذا نجد الإصحاح 22 من سفر أعمال الرسل يحكي قصة تحول بولس إلى المسيحية على لسانه شخصيا . فيقول :

" فحدث لي وأنا ذاهب ومتقرب إلى دمشق انه نحو نصف النهار بغتة أبرق حولي من السماء نور عظيم . فسقطت على الأرض وسمعت صوتا قائلا لي شاول شاول لماذا تضطهدني * فأجبت من أنت يا سيد . فقال لي أنا يسوع الناصري الذي أنت تضطهده * والذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلمني . " ( 22 : 6 – 9 ) .



من ذلك يتبين أن " المسافرين :

سمعوا الصوت ولم ينظروا النور حسب قول الإصحاح ( 9 ) بينما ذكر الإصحاح ( 22 ) عكس ذلك تماما فقال : نظروا النور ولم يسمعوا الصوت .. هذه بداية دخول بولس إلى المسيحية وهي قصة مشكوك فيها تماما ...


لقد دخل بولس المسيحية _ وفق رواية خطؤها واضح تماما _ ثم انطلق بتعليمه الخاص الذي أعلن فيه الاستغناء عن كل تعليم تلقاه تلاميذ المسيح من معلمهم بدعوى انه تلقى تعليمه من المسيح مباشرة في تلك الرؤيا المزعومة .


فهو يقول { غلاطية 1 : 15- ولكن لما سر الله الذي افرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته 16- أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم للوقت لم استشر لحما ودما 17- ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي بل انطلقت إلى العربية ثم رجعت أيضا إلى دمشق 18- ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس فمكثت عنده خمسة عشر يوما 19 ولكنني لم أر غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب 20- والذي اكتب به إليكم هو ذا قدام الله إني لست اكذب فيه }


وهكذا بدأ بولس الدعوة إلى المسيحية وفق مفهومه الخاص لمدة ثلاث سنوات " قبل " أن يتعرف بتلاميذ المسيح الذين أسسوا الكنيسة الأم في أورشليم والذين كانوا المرجع في كل ما يتعلق بالمسيحية والدعوة إليها .

ثم يقول بولس { غلاطية 2 : 1- ثم بعد أربعة عشر سنة صعدت أيضا إلى أورشليم مع برنابا آخذا معي تيطس أيضا . 2- وإنما صعدت بموجب إعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم ولكن بالانفراد على المعتبرين لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلا . 3- ...... 6- فان هؤلاء المعتبرين لم يشيروا على بشيء 7- بل بالعكس اذ رأوا أني أؤتمنت على إنجيل الغرلة كما بطرس على إنجيل الختان 8- بان الذي عمل في بطرس الرسالة الختان عمل في أيضا للأمم }

من ذلك يتضح : -

1 - إن قصة دخول بولس في المسيحية مشكوك فيها ولا يمكن الاعتماد عليها لما فيها من تناقضات صارخة .

2- لم يعرف بولس عن المسيحية سوى الصلب وسفك الدم وأن هذا شيء أختص به . وأما غير ذلك من تعاليم المسيح فقد أهمله تماما فهو يقول :

{ غلاطية 1 : 11- واعرفكم أيها الاخوة الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسان 12- لأني لم اقبله من عند إنسان ولا علمته . بل بإعلان يسوع المسيح . } و { 1 كورنثوس 2 : 2- لأني لم اعزم أن اعرف شيئا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبا . }

لقد بحث العلماء فكر بولس والتيارات التي أثرت فيه . وفي هذا يقول تشارلز دود :

" لقد أوضحنا سلفاً أن فكرة الكمنولث العالمي كانت شائعة في العالم الوثني وكانت روما في تأثرها بالمثل العالية للرواقيين _ الذي قدموا في أيام بولس رئيساً لوزراء الإمبراطورية .. وفي القرن التالي له اعتلى أحدهم عرش الإمبراطورية _ فحاول تأسيس ذلك الكمنولث . ولقد تأثر بولس كأحد الماوطنين الرومان بهذه الأفكار ". ( من كتاب : " ماذا يعنيه بولس لنا اليوم ص 49 ).


لقد فكر بولس في إنشاء كمنولث مسيحي يقوم على اسم واحد وعلامة واجدة هما المسيح والصليب . ولا مانع أن تكون فيه أفكار وديانات مختلفة .. ليكن ما يكون .. إن بولس يعترف في رسائله بأنه لم يتحرز عن استخدام كل الوسائل لكسب أكبر عدد من الاتباع فهو يقول :


" فإني اذ كنت حرا من الجميع استعبدت نفسي للجميع لأربح الأكثرين . فصرت لليهود كيهودي لأربح اليهود . وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس . وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس . مع أني لست بلا ناموس لله بل تحت ناموس للمسيح . لأربح الذين بلا ناموس . صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء . صرت للكل كل شيء لأخلص علل على كل حال قوما . وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل لأكون شريكا فيه . " ( 1 كورنثوس 9 : 19 – 23 ) .

وهكذا نجد بولس قد عرض المسيحية على أصحاب العقائد المختلفة بالصورة التي ترضي كلا منهم وترتب على ذلك أنهم دخلوا الديانة الجديدة بعقائدهم وأفكارهم القديمة وكان لهذا _ ولا يزال _ أثره الخطير في المسيحية .



ولقد عرفنا من قبل برنابا هو الذي قدم بولس إلى التلاميذ لكن الذي حدث بعد ذلك أن أزاح بولس برنابا من تصدر الدعوة إلى المسيحية . يقول سفر أعمال الرسل : 15 : 39- فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر . وبرنابا أخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرس . }

ولم يلبث بولس أن تشاجر مع بطرس رئيس التلاميذ - ونحاه أيضا . فهو يقول :

{ غلاطية 2 : 11- ولكن لما أتى بطرس إلى إنطاكية قاومته مواجهة لأنه كان ملوما . }


ومن المؤكد أن بولس لم يعلم قدر بطرس الذي أعطاه المسيح التفويض أن يحل ويربط كما يشاء والذي عينه راعيا لتلاميذه يقول متى :

" .... فأجاب يسوع وقال ... وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماوات وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السماوات . } ( متى 16 : 16 – 19 )

ولا داعي للحديث عن رسائل بولس فهي رسائل شخصية بحتة يقول في بعضها { 1 كورنثوس 7 : 25-وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهن ولكنني أعطي رأيا كمن رحمه الرب أن يكون أمينا }

أو يقول { 1 كورنثوس 7 : 40- ولكنها أكثر غبطة إن لبثت هكذا بحسب رأيي . وأظن اني انا أيضا عندي روح الله }.



أنه لا يصدق نفسه إن كان عنده روح الله أم لا . عندما يصدر كلام كهذا من رجل مثل بولس فانه يعطينا تشككا رهيبا فيما جاء في العهد الجديد .

أو يقول في { 1 كورنثوس 7 : 6- ولكن أقول هذا على سبيل الأذن لا على سبيل الأمر .}

وهكذا من مثل هذه الأمور الظنية التي لا تصلح اطلاقا لبناء عقيدة ..


كذلك تنتهي رسائله بالحديث عن السلام وبث القبلات المقدسة للرجال والنساء على السواء مثل قوله :

{ رومية 16 : 12- سلموا على تريفينا وبريقفوسا التاعبتين في الرب ... 13- سلموا على روفس ... 14- سلموا على اسينكريتس .... 15- سلموا .... 16- سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة * كنائس المسيح تسلم عليكم } ....


إن مسيحية بولس تقوم أساساً على فكرة الإله المخلص المقتول .. ولقد كانت الديانات التي شاعت في العالم الروماني في ذلك الوقت مثل ديانات إيزيس وميثرا وسيبل تقوم على نفس هذه الفكرة . ولهذا يقول مؤرخو الديانات إن التشابه ملحوظ بين المسيحية وتلك الديانات .

يقول : هربرت فيشر في كتابه (( تاريخ أوربا )) :

" استدرا العالم الروماني بشغف زائد إلى عبادات الشرق الملتهبة مثل عبادات إيزيس وسيرابيس وميثرا .. إن عباد إيزيس المصرية وسيبل الفريجية وميثرا الفارسي اشتركوا في معتقدات كثيرة وجدت في النظام المسيحي .

لقد اعتقدوا في اتحاد سري مقدس مع الكائن الإلهي إما عن طريق اقتران خلال الشعائر أو بطريقة أبسط عن طريق أكل لحم الإله في احتفال طقسي ..
لقد كان الإله الذي يموت بين العويل والراثي بيد أنه يقوم ثانية وسط صيحات الترحيب والشرور .. من الملامح الرئيسية في هذه العبادات الشرقية الغامضة ..

إن عبادة إيزيس قد نظمت بطريقة تماثل تماماً ما في الكنيسة لكاثوليكية .
لقد كان هناك تنظيم كهنوتي مماثل مكون من البابا مع القسس والرهبان والمغنين وخدم الكنيسة . وكانت صورة السيدة ترصع بجواهر حقيقية أو مزيفة وكانت زينتها تعمل كل يوم كما كان صلاة الصبح وأغاني المساء تغني في معابدها الرئيسية . وكان الكهنة حليقي الرؤوس ويلبسون ملابس كهنوتية بيضاء من الكتان .

إن التحول من الوثنية إلى المسيحية لم يكن يعني الدخول في جو غريب كلية .. أو ممارسة ثورة فجائية . لقد كانت عملية التحول تتم بلطف .. وكان طقوس العقيدة الجديدة استرجاعاً للأسرار القديمة .

فقد كانت عقيدة الوسيط مألوفة في معتقدات الفرس وأتباع الأفلاطونية الحديثة وكانت فكرة التثليث معتقداً دينياً شائعاً تنبع أساساً مما تعارفوا عليه من العدد ثلاثة هو العدد الكامل " ( من كتاب : " تاريخ أوربا " ص 102 – 115 ) .

ويقول أرنست كيللت في كتابه " مختصر تاريخ الديانات " :

إن أوجه التشابه المحيرة بين شعيرة التعميد ( المسيحية ) _ على سبيل المثال _ وبين طقوس التطهير في ديانة أتيس وأدونيس لتصدم كل دارس . لقد أظهرت الديانة المسيحية قدرة ملحوظة في جميع العصور على الأخذ لنفسها ما يناسبها من الديانات الأخرى .

ولسوف أعطي هنا ملخصاً لأسطورة أتيس وطقوس عبادته لأن هذا لم يؤثر فقط بعمق في المسيحية بل لأنه كان منتشراً في أغلب الإمبراطورية الرومانية .

لقد حدثت قيامة أتيس في يوم الخامس والعشرين من مارس بدء الربيع وهو نفس اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات حسب أقوال كثير من المسيحيين .. كذلك فإن التشابه بين الطقوس السرية لديانة ميثرا والمسيحية مذهلة . إن المثرية لها طقوسها المتعلقة بالعشاء الرباني ومن الصعب التفريق بينها وبين ما في عقيدتنا المسيحية .. ولها احتفالا تماثل احتفالا عيد الميلاد ولها عيد القيامة ". ( من كتاب : " مختصر تاريخ الديانات " .. ص 130 – 262 ) .




وللحديث بقية ..



اخوكم / الاثرم

نيفين مؤمن 11-16-2016 01:22 PM


مشكوووووووووووووووورة

AL-ATHRAM 12-05-2016 08:12 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نيفين مؤمن (المشاركة 2348)

مشكوووووووووووووووورة

وشكرا لكي ..

AL-ATHRAM 12-05-2016 08:20 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

إن المسألة أصبحت من الوضوح بحيث لا بد من الإقرار بأن تسمى الديانة المسيحية الديانة البوليسية . فهي تنسب بحق لبولس وليس للمسيح عليه الصلاة والسلام . كذلك من المفيد معرفة أن الفاتيكان يعترف بموقف بولس من المسيحية وعدم حرصه عليها . فقد جاء في كتاب نشره الفاتيكان سنة 1968 م بعنوان (( المسيحية عقيدة وعمل )) ما يلي في صفحة ( 50 ) :

" كان القديس بولس منذ بدء المسيحية ينصح لحديثي الإيمان أن يحتفظوا بما كانوا عليه من أحوال قبل إيمانهم بيسوع ".

إن هذا الإقرار الخطير يتفق وكل ما قلناه عن بولس والمسيحية .


فطيرة القربان والعشاء الرباني الذي كان معمولا به في الديانات الوثنية القديمة

جاء في إنجيل ( لوقا إصحاح 22 ) ( وفي الأناجيل الأخرى أيضاً ) ما نصه :

" ولما كانت الساعة اتكأ والاثنا عشر رسولا معه . وقال شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى يكمل فيَّ ملكوت الله . ثم تناول كأساً وشكر وقال خذوا هذه واقتسموها بينكم لأني أقول لكم إني لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله . وأخذ خبزاً وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم . اصنعوا هذا لذكري . وكذلك الكأس أيضاً بعد العشاء قائلاً هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم . ولكن هو ذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة. وابن الإنسان ماض كما هو محتوم. ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يسلمه" ( لوقا 22 : 14 – 22 ) .

من الملاحظ أن الأيام الأخيرة من حياة المسيح كانت مزدحمة بالقلق والرعب وكان المسيح حقيقة في أيامه الأخيرة ثابتاً لكل الضغوط دون أن يتأثر بتلك القلاقل لأنه كان واثقاً تمام الثقة أن الله _ سبحانه وتعالى _ سوف ينجيه.

لكن عندما نأتي حقيقة لتفسير هذا الكلام . فإني أقول في صراحة متناهية :

من هو المصدر الأساسي لهذا النص ؟ إن هناك نصاً في سفر أعمال الرسل يمنع الدم.


" بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم " ( ( 15 : 20 ) .

فإذا كان ينهى عما ذبح للأصنام والدم فكيف يقال:

" هو ذا دمي .. اشربوه ".

إن هذه وثنية منقولة من وثنية العبادات التي كانت متفشية في الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت . إن مصدر هذا النص أو إيحاءه إنما يرجع إلى تلك الوثنية المتفشية مثل المثرية الفارسية وكان من طقوسها العشاء الرباني .. وكان منها يوم 25 ديسمبر يوم الميلاد ويوم الأحد يوم الراحة .. كل هذه وثنية فارسية في عبادة ميثرا ثم غيرت اللافتة من ميثرا إلى المسيح . أما أن نؤمن بشريعة موسى التي تمنع الإنسان المؤمن عن الدم وبذلك تكون هذه العادة باطلة .. لأنه لا يعقل أن يقول المسيح :

" كلوا جسدي هذا واشربوا دمي هذا ... "

لسبب هو أن المسيح تحدى اليهود قائلاً :

" ستطلبونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا ."

فهو يتحداهم ويؤكد عجزهم عن الوصول إلى المسيح بدليل قوله في إنجيل ( يوحنا إصحاح 8 عدد 28 ) :

" فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل شيئاً من نفسي بل أتكلم بهذا كما علمني أبي والذي أرسلني هو معي ولم يتركني الآب وحدي لأني في كل حين أفعل ما يرضيه ".

إن قصة الصلب منقوضة من أساسها تماماً ...

كذلك فإن الذي صلب هو شبه بابن الإنسان إذ يقول إنجيل يوحنا على لسان المسيح إصحاح 3 عدد 14 :

" وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان ".

وكانت الحية التي رفعها موسى شبيه بالحية الحقيقية .


فبالمقارنة نقول .

كما رفع موسى شبيه الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع شبيه ابن الإنسان .

وعلى هذا الأساس نقول إن النص الذي يتكلم عن أكل جسد المسيح وشرب دمه إنما هو نص مقتبس من المصادر الوثنية المتفشية في الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت . لقد كان المسيح آمناً على نفسه وبالتالي كان جسده سليماً ودمه سليماً .

_ وأي قسيس _ لا يقدر أن يتصور أن كسر لقمة وإعطائها لأخ _ في العقيدة _ يضعها تحت أسنانه تتحول إلى جسد المسيح .. ويشعر أن لحماً تحت أسنانه ...!


ما أريد قوله هو بيان كيف استطاع بولس إفساد المسيحية . لقد قال المسيح :

" ما جئت لأنقض شريعة موسى "

وتجد في سفر التكوين إصحاح 17 عدد 9 في حديث الله _ سبحانه وتعالى _ لأبينا إبراهيم :

" وقال الله لإبراهيم وأما أنت فتحفظ عهدي . أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم . هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك . يختن منكم كل ذكر . فتختنون في لحم غرلتكم . فيكون علامة عهد بيني وبينكم . ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم .. وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها . إنه قد نكث عهدي " . ( 17 : 9 – 14 ).

وكان بولس من الصنف الوصولي الذي يطمع في الوصول إلى القمة حتى إذا ما وصل فإنه يتخلص من كل من خلفه .

لقد أراد بولس أن يخرج بالرسالة من اليهودية إلى الأمم علماً بأن السميح لم يأمر بهذا لأن الرسالة كانت محدودة في بني إسرائيل.

ولما كانت الأمم غير مختتنة فإنه لجأ إلى أول مجمع هاجم فيه الختان وقال إن الختان ختان القلب .. كمن يقول للمسلم إنك تستطيع دخول الصلاة بلا وضوء . فهذا فساد للصلاة إذ قد هدم الأسس التي يجب السير عليها لإقامة الصلاة .

وقد استطاع التأثير على الحاضرين .. فنقرأ في سفر أعمال الرسل إصحاح 15 عدد 22 :

" حينئذ رأى الرسل والمشايخ مع كل الكنيسة إن يختاروا رجلين منهم فيرسلوهما إلى أنطاكية مع بولس وبرنابا يهوذا الملقب برسابا وسيلا رجلين متقدمين في الإخوة . وكتبوا بأيديهم هكذا . الرسل والمشايخ والإخوة يهدون سلاماً إلى الإخوة الذين من الأمم في أنطاكية وسورية وكيليكية . إذا قد سمعنا أن أناساً خراجين من عندنا أزعجوكم بأقوال مقلبين أنفسكم وقائلي أن تختتنوا وتحفظوا الناموس . الذين نحن لم نأمرهم . رأينا وقد صرنا بنفس واحدة أن نختار رجلين ونرسلهما إليكم مع حبيبنا برنابا وبولس .. رجلين قد بذلا أنفسهما لأجل اسم ربنا يسوع المسيح . فقد أرسلنا يهوذا وسيلا وهما يخبرانكم بنفس الأمور شفاها . لأنه قد رأى الروح القدس ونحن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الأشياء الواجبة . أن تتمتعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوقة والزنا التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعماً تفعلون . كونوا معافين . " ( 15 : 22 – 29 ) .

هكذا صار الروح القدس لعبة في أفواههم فقد أمرهم ألا يختتنوا. بهذا حطم بولس شريعة موسى تحطيماً كبيراً ..

وبالنسبة للطلاق نجد شريعة موسى تسمح بالطلاق كما في سفر التثنية .. لكن بولس يعمل على إشاعة الفاحشة بين الناس. فإذا كانت امرأة على خلاف مع زوجها فإنه يأمرها بعدم الطلاق . وهكذا وجد فساد في المجتمع حيث تضطر الزوجة إلى سلوك خفي مشين . وأريد أن أسأل الآن :

لماذا رفضت الكنيسة إنجيل برنابا ؟

لأن برنابا في إنجيله بيَّن بقوة ووضوح كيف أفسد بولس المسيحية وحولها إلى نصرانية يونانية .. ومن عقيدة تؤمن بالتوحيد وهو أن الله واحد أحد .. إلى عبادة ابن الله على شاكلة أوزوريس وإيزيس وحورس .



" اعترافات بولس بخطاياه " !

وأخيراً نختتم الحديث عن بولس بنقل اعترافه بخطاياه الجسدية التي عجز عن الفكاك منها والتي جعلته واحداً من سبايا الخطيئة . ولقد أثبت باعترافه هذا _ دون أن يدري _ أن الزعيم بصلب المسيح وقتله .. الذي عاش بولس يفلسفه ويدعو له .. قد ذهب سدى . فلا زال بولس باعترافه عبداً للخطيئة .. وثمنها عنده موته الأبدي . إن بولس يقول :

" فإننا نعلم أن الناموس روحي وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطيئة . لأني لست أعرف ما أنا أفعله إذ لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فأنا أفعل .. فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا بل الخطيئة ساكنة فيَّ . فإني أعلم أنه ليس ساكن فيَّ أي في جسدي شيء صالح. لأن الإرادة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد . لأني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل . فإن كنت ما لمست أريده إياه أفعل فلست بعد أفعله أنا بل الخطيئة الساكنة فيَّ. إذا أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشر حاضر عندي . فإني أسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن. ولكني أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي . ويحي أنا الإنسان الشقي . من ينقذني من جسد هذا الموت ؟ ... " ( رومية 7 : 14 _ 24 ) ..



وللحديث بقية ..


اخوكم / الاثرم

مى جمال السيد 12-14-2016 12:54 PM


جزاكم الله خير على نقلكم الطيب

AL-ATHRAM 04-05-2018 10:22 PM

بسم الله الرحمن الرحيم


هنا جاءت مداخلة من احدى الاخوات .. ردا علي الاثرم حين تكلمت عن بولس .. وهذا هو حديثها ...


هل تحققت بنفسك من هذا الكلام؟؟


قال السيد المسيح لرسله قبل صعوده إلى السماء :

" اذهبوا و تلمذوا جميع الأمم و عمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس "(متى 28 : 19)

وأيضاً قوله في مرقس :

" و قال لهم اذهبوا إلى العالم اجمع و اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن و اعتمد خلص و من لم يؤمن يدن. " ( 16/ 15- 16 )

وفي لوقا أيضاً يقول :

" و قال لهم هكذا هو مكتوب و هكذا كان ينبغي ان المسيح يتألم و يقوم من الأموات في اليوم الثالث. و أن يكرز باسمه بالتوبة و مغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدا من أورشليم. و انتم شهود لذلك. " ( 24/ 46- 4

يا أخ الأثرم , هذه الآيات تؤكد بطلان ما تدعيه .. فالسيد المسيح هو الذي طلب من الرسل أن يذهبوا ويعلموا وينشروا البشارة في جميع الأمم بل للخليقة كلها .. وأن يعمدوهم ,لا أن يختنوهم ...

وتجد أن بطرس أيضاً عمد قائد المئة قرنيليوس الوثني , هو وجميع أهل بيته , دون أن يطلب منهم الختان أولاً .. لأن عطية الله بالمسيح يسوع وهبت لجميع البشر على السواء
" فإذا كان الله قد وهب لهم مثل ما وهب لنا , لأننا آمنا بالرب يسوع المسيح , هل كان في إمكاني أنا أن أمنع الله ؟ " ( أعمال الرسل 11 :17 )


هنا اقتبست نص الاثرم :


اقتباس:

اقتباس:
( وبالنسبة للطلاق نجد شريعة موسى تسمح بالطلاق كما في سفر التثنية ، لكن بولس يعمل على إشاعة الفاحشة بين الناس. فإذا كانت امرأة على خلاف مع زوجها فإنه يأمرها بعدم الطلاق . وهكذا وجد فساد في المجتمع حيث تضطر الزوجة إلى سلوك خفي مشين . )
كلام لا مبرر له إلا التهجم والافتراء على بولس الرسول لا أكثر ولا أقل .

في المسيحية لا يوجد طلاق بحسب تعاليم سيدنا يسوع المسيح , وهذه هي شريعة الله من البدء .. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان.
قال المسيح لهم : " ان موسى من اجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم و لكن من البدء لم يكن هكذا."



وهنا اقتبست نص الاثرم ...



اقتباس:

اقتباس:

وأريد أن أسأل الآن :

لماذا رفضت الكنيسة إنجيل برنابا ؟

لو كنت قرأت هذا الكتاب ونتائج البحث والتدقيق فيه لما كنت سألت هذا السؤال .. سأذكر لك أمراً واحداً سيجعلك أنت كمسلم ترفض أيضاً هذا الكتاب كما رفضته الكنيسة من قبل , بعد أن أخضعته للدراسة والتدقيق..

يقول صاحب هذا الكتاب المسمى بإنجيل برنابا : أن يسوع ( عيسى ) ليس هو المسيح بل أنه رسول جاء ليبشر بمجيء المسيح الذي هو النبي محمد .. ( برنابا : 44/ 19- 31 , 54/ 9 , 97/ 14- 18 )
ما رأيك بهذا الكلام ؟؟ هل تقبله أنت ؟؟ هل تقول بأن المسيح هو محمد ؟؟
" إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ "

قال دكتور محمد شفيق غربال في الموسوعة العربية الميسّرة تحت كلمة برنابا ما يأتي:
إنجيل مزيف، وضعه أوربي في القرن الخامس عشر، وفي وصفه للوسط السياسي والديني في القدس أيام المسيح أخطاء جسيمة. كما أنه يصرح على لسان عيسى أنه ليس المسيح، إنما جاء مبشِّراً بمحمد الذي سيكون المسيح.

وكتب الأستاذ عباس محمود العقاد في صحيفة الأخبار القاهرية الصادرة في 26 أكتوبر (ت 1) 1959 موضوعاً عن إنجيل برنابا, فقال :
" ............. تتكرر في هذا الإنجيل بعض أخطاء لا يجهلها اليهودي المطلع على كتب قومه، ولا يردّدها المسيحي المؤمن بالأناجيل المعتمَدة في الكنيسة الغربية، ولا يتورّط فيها المسلم الذي يفهم ما في إنجيل برنابا من المناقضة بينه وبين نصوص القرآن، مثل القول عن محمد إنه المسيا أو المسيح. "

وأختم بهذا الكلام للأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه (عبقرية المسيح ص118و189 ) :
" ومن بدع (أهل) القرن العشرين سهولة الاتهام كلما نظروا في تاريخ الأقدمين فوجدوا في كلامهم أنباء لا يسيغونها وصِفاتٍ لا يشاهدونها ولا يعقلونها. ومن ذلك اتهامهم الرسل بالكذب فيما كانوا يثبتونه من أعاجيب العيان أو أعاجيب النقل. ولكننا نعتقد أن التاريخ الصحيح يأبى هذا الاتهام، لأنه أصعب تصديقاً من القول بأن أولئك الدعاة أبرياء من تعمُّد الكذب والاختلاق. فشتّان عمل المؤمن الذي لا يبالي الموت تصديقاً لعقيدته، وعمل المحتال الذي يكذب، ويعلم أنه يكذب، وأنه يدعو الناس إلى الأكاذيب. مثل هذا لا يُقْدم على الموت في سبيل عقيدة مدخولة، وهو أول من يعلم زيفها وخداعها. وهيهات أن يوجد بين الكذبة العامدين من يستبسل في نشر دينه كما استبسل الرسل المسيحيون. فإذا كان المؤلف الصادق مَن يأخذ بأقرب القولين إلى التصديق، فأقرب القولين أن الرسل لم يكذبوا في ما رووه، وفي ما قالوا إنهم رأوه، أو سمعوه ممن رآه "



" ذاك الذي كان منذ البدء , ذاك الذي سمعناه , ذاك الذي رأيناه بعيوننا , ذاك الذي تأملناه ولمسته أيدينا من كلمة الحياة...... نبشركم به أنتم أيضاً لتكون لكم أيضاً مشاركة معنا ...... "

عذراً على الإطالة..

AL-ATHRAM 04-23-2018 11:32 PM

بسم الله الرحمن الرحيم


وكان ردي عليها هكذا ...


الاخت العزيزة ..... وهذا هو نصك :


اقتباس:

فأنت إما تكتب / أو تنقل / (((عن جهل )))), (((( وتلك مصيبة )))) . وإما عن قصد , ((( والمصيبة هنا أكبر ))) . ((( لأنه كله كذب وتدليس وافتراء .. )))
وهذا هو نصك ايضا :


اقتباس:

كلام لا مبرر له إلا التهجم والافتراء على (( بولس الرسول )) لا أكثر ولا أقل .

((( التهجم على بولس ))) ألم تهتزي من الداخل على ما جاء في الكتاب المقدس وهو يسب الله وانبياؤه وينعتهم باقبح الصفات .. لماذا كل هذا الدفاع عن بولس .. هل اقول انكم تعبدونه .. نعم ..

اختي الكريمة .. .. لنرى أين الجهل؟ .. ولنرى اين المصيبة والمصيبة الكبرى ؟.. ولنرى ( الكذب والتدليس والافتراء ) أين هو ؟!!


اما ما قلتيه عن :

"
اذهبوا و تلمذوا جميع الأمم و عمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس "(متى 28 : 19)
"

سيأتيك الرد عليه فيما بعد ..

سأتوقف قليلاً عن تكملة موضوعي .. وبعدها ساكمل ..



بولس :

الأخت الكريمة ... .. يعترف بولس بعجزه أمام شهوات الجسد وبضعف إرادته .. فيقول في رسالته إلى أهل رومية ( 7 : 14 – 24 ) :

" ..... لأني لستُ اعرف ما أنا أفعلهُ إذ لستٌ أفعل ما أريدهُ بل ما ابغضهُ فايَّاهُ أفعل . .....
فإني أعلم أنهُ ليس ساكنٌ فيَّ أي في جسدي شيءٌ صالح . لان الإرادة حاضرة ٌ عندي وأما أن أفعل الحُسنى فلستُ أجد .

لاني لستُ أفعل الصالح الذي اريدهُ بل الشرُّ الذي لستُ أريدهُ فايّاهُ أفعل .

فإن كنتُ ما لستُ اريده أياه افعل فلستُ بعدُ افعلهُ أنا بل الخطيّة الساكنة فيّ . إذاً أجد الناموس لي حينما اريد ان أفعل الحُسنى ان الشر حاضرٌ عندي . فإني اسرُّ بناموس الله بحسب الإنسان الباطن . ولكني أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطيّة الكائن في أعضائي . ... من ينقذني من جسد هذا الموت "



كيف تتمكن الروح الشريرة من دخول جسد القديس بولس ثم تمنعه من فعل الخير مع أنه رسول وفيه روح الله الذي أوحى إليه ما يزيد على ثلثي العهد الجديد ؟


وإذا كان هذا حال بولس فماذا يكون حال عامة الناس ممن ليس فيهم روح الله ؟

إذا كان من الصعب بل المستحيل أن يتخلص بولس من الروح الشرير فيكف يكون حال غيره من النصارى ممن يدعون ان روح الله يدخل في أجسادهم ؟

ولهذا يكذب من يدعي ان روح الله تحل فيه .. ليست هي روح الله إنما هي روح من الأرواح .


من المعلوم إن القديس بولس كان شديد العداء والخصومة للنصرانية .. شديد التعذيب والتنكيل بأتباعها ومعتنقيها ..

يقول سفر أعمال الرسل ( 9 : 1- 2 )

" أما شاول فكان لم يزل ينفث تبدُّداً وقتلاً على تلاميذ الرب .... حتى إذا وجد اناساً من الطريق رجلاً ونساء يسوقهم مُوثَقين إلى أورشليم ."

وفي الإصحاح الثامن ( 1 – 3 )

" حدث في ذلك اليوم اضطهادُ عظيم على الكنيسة ... وأما شاول فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجر رجالاً ونساء ويسلمهم إلى السجن ".

أختي الكريمة ...: ليس من الغريب أو المستبعد أن يتحول قلب من الكفر إلى الإيمان .. لكن من غير المتوقع أن يتحول رجل من الكفر والعداء العميق للمؤمنين وتعذيبهم .. يوحى إليه .. يكتب الرسائل وينشر الدعوة ويبشر بها !!

أي أن الغريب هو أن يتحول إلى رسول يوحي إليه الروح القدس :

كما أن القصة التي وردت في سفر أعمال الرسل _ تخبرنا بهذا التحول المفاجئ الغريب _ تدفع القارئ إلى الوقوف عندها فاحصاً متأملاً .. جاء في الإصحاح ( 22 : 3 – 5 ) :

" وكنت غيورا لله كما أنتم جميعكم اليوم ، واضطهدتُ هذا الطريق ( النصرانية ) حتى الموت مقيداً ومسلماً إلى السجون رجالاً ونساءً .. كما يشهد لي أيضاً رئيس الكهنة وجميع المشيخة .. ذهب لآتي بالذين هناك إلى أورشليم مقيّدين لكي يعاقبوا ."

هذا هو بولس وهذا هو موقفه من النصرانية ومن معتنقيها .. يتعقبهم للقبض عليهم وسجنهم والتنكيل بهم .. وبقية النص تعرض إلينا الحدث المفاجئ التالي .. قد تكلمت فيه سابقا .. لكن سأقتبس هذه الكلمات ..

سفر أعمال الرسل ( 9 : 3 – 7 ) :

" ... وأما الرجال المسافرون معهُ ... يسمعون الصوت ولا ينظرون أحدا ."

سفر أعمال الرسل ( 22 : 9 ) :

والذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلمني ."

إن التناقض في شهادة بولس يبطل دعواه في أنه رأى المسيح وهو على الطريق إلى دمشق .. هذا الدليل الوحيد عند بولس الذي ادعى به صلته بالمسيح قد بطل بهذه الشهادة المتناقضة ..


إننا يا أخت ...لو عرضنا شهادة متناقضة كهذه على قاض في محكمة :

مرة يقول : سمعوا ولم يشاهدوا

ومرة أخرى يقول : شاهدوا لكنهم لم يسمعوا .

لحكم ببطلانها فيكف حصل تجاهل هذه الحقيقة ؟

إن الإنسان ليحتار في أصله .. فتارة يدعي نفسه أنه يهودي طرطوسي ( أعمال 21: 39 ) وتارة يصرخ في المجمع قائلاً إنه فريسي ابن فريسي ( أعمال 23: 6 ) وأخرى يقول إنه رجل روماني ( 22: 25 ) . يتلون حسب الموقف ..

فلا نستطيع أن نستبين جنسه من هذا على وجه تطمئن إليه النفس .

هدفه واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار .. إن هدفه هو هدم المسيحية وتقويضها من الداخل بتحريفها والابتداع في عقيدتها وشريعتها .. بعد أن فشل في هدمها ومحوها تماماً من الخارج كعدو لدود ومعذب مضطهد .. لأن الاعتداء بالمواجهة يضع عادة (( رد الفعل )) والاعتداء بالحيلة والخداع واختلاق القصص المثيرة فقد يكون أسهل بكثير من المواجهة من الخارج ..


أختي الكريمة ... .. يشترط فيمن يدعي الرسالة أن يأتي بالمعجزات الخارقة لنواميس الكون المخالفة لسنَنِ الطبيعة ، وبدهي أن يعارض الرسول بها قومه ويلزمهم بوساطتها الحجة ويقيم لهم بها الدليل ..

فهل القديس بولس أتى بمعجزة ما ؟! ..

لم يرَوَ عن بولس أنه أتى بمعجزة واحدة يثبت بها رسالته ، بل لقد ذكر في أعمال الرسل أن بولس عُمِلَتْ معجزة فيه حيث عَمِيَ فأتى إلى " حنايا " فطلب له الشفاء ( فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور فأبصر في الحال وقام واعتمد ) { أعمال الرسل 9: 18 }.

" ولما جاء ( شاول ) إلى أورشليم حاول أن يلتصق بالتلاميذ (( وكان الجميع يخافونه)) ( غير مصدقين أنه تلميذ ) .. ( وأخذه برنابا ) وأحضره إلى الرسل " . ( أعمال الرسل 9: 26 – 27 ) .

وأما برنابا " ...... لأنهُ كان رجلاً صالحاً ممتلئاً من الروح القدس والإيمان ."
( أعمال الرسل 11 : 22 – 24 )

فهو الذي كان _ في مواقف كثيرة يرسله التلاميذ مندوباً عنهم .. وهو الذي تشاجر معه بولس ثم افترقا بعد أن تبين أن لكل منهما آراءه الخاصة في التعاليم والدعوة إليها ..

" فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر .. وبرنابا أخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرص وأما بولس فاختار سيلا وخرج مستودعاً من الإخوة إلى نعمة الله .. ... " ( أعمال الرسل 15 : 39 – 40 ) .

ولم يلبث بولس أن تشاجر مع بطرس رئيس التلاميذ - ونحاه أيضا . كما ذكرت لكم سابقاً ..

" ولكن لما أتى بطرس إلى انطاكية قاومته مواجهةً لأنهُ كان مَلُوماً ."
{ غلاطية 2 : 11 }

ومن المؤكد أن بولس لم يعلم قدر بطرس الذي أعطاه المسيح التفويض أن يحل ويربط كما يشاء والذي عينه راعيا لتلاميذه { متى 16 : 16 آلي 19 - }:

" ... وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوي عليها . وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطهُ على الأرض (((( يكون مربوطاً في السموات )))) وكل ما تحله على الأرض (((( يكون محلولاً في السموات .)))) "

كل هذه النصوص يا أختي الكريمة تشير إلى شك التلاميذ وريبتهم منه وتوجسهم فيه بادئ ذي بدء .. وتوضح صدق بصيرتهم فيه إذ سرعان ما تشاجر مع من قدّمه إلى التلاميذ وشهد له عندهم .



لقد جعل عيسى من شروط الإيمان به عمل المعجزات ، بل لقد قرر أن من كان في قلبه (((( ذرة )))) من الإيمان به يمكنه خرق سُنَنِ الكون .. وتغيير نواميس الطبيعة وهذا قوله :

" ثم تقدم (((( التلاميذ )))) إلى يسوع على انفراد وقالوا لما لم نقدر نحن ان نُخرجهُ . (( فقال لهم يسوع )) لعدم إيمانكم . فالحق أقول لكم (((( لو كان لكم إيمان )))) مثل ((( حبة خردل ))) لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقِلْ من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شيءٌ غير ممكن لديكم " ( متى 17 :19 - 20 ) . وكذلك مرقص ( 11 : 23 ) .

فهل رُوِي عن بولس أنه أحيا ميتاً أو نقل الجبال من أماكنها وطرحها في البحار ..؟!!

لا يشك أحد من عامة المسحيين أن رؤساء الدينيين على جانب عظيم من الإيمان فضلاً عن حبة خردل منه بل يعتقدون أن رجال الكنيسة أو رؤساءها على الأقل يحل فيهم روح القدس فما بلانا لا نرى معجزة لهم بل ما بالهم يحارون في تعليل التناقض في أناجيلهم وكتبهم . لعلهم يكتفون بغفران الخطايا بإيهامهم العامي أن ذنوبه قد مُحِيَت لن الأمر ليس ظاهراً لديه .




" فالحق أقول لكم (((( لو كان لكم إيمان )))) مثل ((( حبة خردل )) "

بالمناسبة .. إن الإنجيل ملئ بالنعوت والصفات التي أطلقها المسيح على تلاميذه والتي منها صفات تدخل الفرد إلى جهنم ..

يقول متى ( 8 : 25 – 26 ) :

" ... فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين يا سيد نجّنا فاننا نهلك . فقال لهم ما بالكم خائفين (((( يا قليلي الإيمان ؟ )))).

وقال يسوع لبطرس رئيس التلاميذ في متى : ( 16 : 24 – 27 ) :

" ... فلتفت وقال لبطرس أغرب عني (( يا شيطان )) أنت معثرة لي (( لأنك لا تهتم بما لله )) ( لكن بما للناس ) .

إذا كان نعت المسيح لتلاميذه بقليلي الإيمان .. ولكبيرهم بطرس بالشيطان .. فكيف يكون حال من قام دينه مبني على قليلي الإيمان هؤلاء . وعلى المعثرة بطرس الذي لا يتهم لله .. كيف ؟!!

وهناك قصة أخرى وردت في الإنجيل .. أن رجلا أتى المسيح يشكو من أن ابنه يصاب بالصرع .. وقد عرضه على تلاميذ المسيح لعلاجه . ورغم أن المسيح أعطاهم سلطة إخراج الشياطين إلا أنهم عجزوا عن التنفيذ لسبب يقوله المسيح نفسه :

" .... يا سيد ارحم ابني ... واحضرتُهُ إلى تلاميذك فلم يقدوا إن يشفوهُ . فأجاب يسوع وقال (( أيها الجيل غير المؤمن الملتوي )) إلى متى أكون معكم ... فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان فَشُفيَ الغلام من تلك الساعة ." ( متى 17: 14 – 19 )

لقد عاد وقلل من أهمية تلاميذه بل دعاهم بالجيل غير المؤمن الأعوج .. هؤلاء أساس الدعوة المسيحية ..!! سبحان الله ..



لنرى بولس كيف يصف الله :

يقول : " الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين " .

نسب بولس إلى الله عدم الشفقة أي القسوة .. والقسوة شكل من أشكال الظلم .. وهذا لا يجوز في حق الله .. فالله سبحانه وتعالى عادل رحيم .


وصلب عيسى من أجل غيره ظلم لعيسى .. والظلم ليس من صفات الله.

بولس يتهم الله جل شأنه بالحماقة والضعف .. يقول بولس في رسالته بدون رويَّة أو تفكير إن الله جل شأنه أحمق ضعيف .. وذلك في ( 1 كورنثوس : 25 ) .

" لأن جهالة الله أحكم من الناس . وضعف الله أقوى من الناس "

كيف هذا !! .. بولس ينسب الجهالة إلى الله ( والله هو العالم الحكيم ) .. وينسب الضعف إلى الله ( والله هو القوي العزيز القدير ).

إن قوله هذا يؤكد جهالته هو وضعفه هو . ويؤكد إن ما يقوله ليس وحياً من الله بل من بنات رأسه .. إذ كيف ينسب الله الجهل والضعف إلى نفسه .. وكيف يكون الله جاهلاً أو ضعيفاً .

الشيء الوحيد الذي صدق بها بولس حين قال بلسانه :

" ليتكم تحتملون غباوتي قليلاً . بل انتم محتملي ."



إذا كان هو يقر بغباوته .. فليس لنا تعليق على ذلك ..



وبعد ذلك يؤكد مرة أخرى أن كتاباته ليست وحياً من الله ولا من عيسى ..

" ها أنا بولس أقول لكم : أنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئاً. " ( غلاطية 5 : 2 )

" وأما المتزوجون فأوصيهم : لا أنا بل الرب ." ( 1 كورنثوس 7 : 10 ) .

" وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهن : ولكني أعطي رأياً ". ( 1 كورنثوس 7 : 25 )

الرداء الذي تركه بولس : ما فائدته ؟؟؟؟؟؟؟؟

قال بولس في رسالته إلى صديقه الحبيب تيموثاوس :

" بادر أن تجئ سريعاً ..... الرداء الذي تركته في تراوس عند كاربس : أحضره متى جئت والكتب أيضاً . ولا تنس الرقوق ".



هذا النص يؤكد ان هذه الرسائل ليست من وحي الله وإنما رسائل متبادلة دخلت في الكتاب لتصير وحياً .. والا فماذا ينفع وجود نص ( تعتبرونه آية ) في الكتاب المقدس يتعلق برداء بولس الشخصي ؟!!!




وللحديث بقية ...


اخوكم / الاثرم

AL-ATHRAM 07-15-2018 05:53 AM

آسف ... ولكي مني كل الاحترام والتقدير .. وجزاك الله خير




اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مى جمال السيد (المشاركة 2573)

جزاكم الله خير على نقلكم الطيب



AL-ATHRAM 07-15-2018 05:54 AM

وهذا ردها على الاثرم



أخي الكريم الأثرم ..الهجوم على بولس الرسول أمر معروف للجميع , ومن يطلع على كتب بعض المسلمين ( وهم كثر ) يشعر بوضوح مدى كرهم له وتهجمهم عليه , حتى أن البعض لا يتردد في شتمته ولعنه .

وأنت هنا تنقل أيضاً بعض من كلامهم وهجومهم ..

وردي ليس للدفاع عن بولس ( ولا أحد يعبد بولس !! سامحك الله على كلامك هذا) .. وإنما لتبيان الخطأ والافتراء فيما تدعون على أنه صدق وحق ..

والمشكلة هي عندما يكون الإنسان مشبعاً بأفكار مشوشة ومشوهة فيفقد عندها القدرة على التمييز بين الحق والباطل ... وأدعو الله أن لا تكون من هؤلاء الناس , ممن يُلبسون الحق ثوب الباطل , وبالعكس ..

لقد جاء في ردك الكثير من النقاط والأفكار من هنا وهناك ..

وبداية ردي سيكون جواب على كلامك :

اقتباس نص الاثرم :


(
وإن الإنسان ليحتار في أصله .. فتارة يدعي نفسه أنه يهودي طرطوسي ( أعمال 21: 39 ) وتارة يصرخ في المجمع قائلاً إنه فريسي ابن فريسي ( أعمال 23: 6 ) وأخرى يقول إنه رجل روماني ( 22: 25 ) . يتلون حسب الموقف ..
فلا نستطيع أن نستبين جنسه من هذا على وجه تطمئن إليه النفس .)
كل هذا وتقول بأنك لا تستطيع أن تستبين جنسه ؟؟؟

- ( فتارة يدعي نفسه أنه يهودي طرطوسي ( أعمال 21: 39 ))..

وهذا صحيح , لأن بولس ولد في طرسوس عاصمة قيليقية ( رسل 9 :11 ) , أبوه يهودياً من سبط بنيامين ( رومية 11 : 1 ) .. فهو إذن يهودي طرسوسي .


- (وتارة يصرخ في المجمع قائلاً إنه فريسي ابن فريسي ( أعمال 23: 6 )) .. وهذا أيضاً صحيح , لأن بولس يهودي على مذهب الفريسيين ..


/ والفريسيون هم المنتمين إلى مذهب ديني يهودي متعصب ومتشدد ومتزمت , وأخذ يسوع عليهم رياءهم وكبريائهم وتعلقهم بالألفاظ دون المعاني وقساوتهم على الشعب/

- ( وأخرى يقول إنه رجل روماني ( 22: 25 )) .. وهذا أيضاً صحيح لأن بولس كان مواطن رومانياً يتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها أهل رومية ..

وبحسب ما ذكر في أعمال الرسل , وفي الرسائل يمكننا أن نتعرف على شخصية بولس .. ونكون فكرة واضحة وجلية عنه .. وعلى كل حال ما نعرفه عن شخصية بولس أكثر ما نعرف عن باقي شخصيات الإنجيل ..

اقتباس نص الاثرم :

أختي الكريمة ( ..... ) .. يشترط فيمن يدعي الرسالة أن يأتي بالمعجزات الخارقة لنواميس الكون المخالفة لسنَنِ الطبيعة ، وبدهي أن يعارض الرسول بها قومه ويلزمهم بوساطتها الحجة ويقيم لهم بها الدليل ..

فهل القديس بولس أتى بمعجزة ما ؟! .. لم يرَوَ عن بولس أنه أتى بمعجزة واحدة يثبت بها رسالته ، بل لقد ذكر في أعمال الرسل أن بولس عُمِلَتْ معجزة فيه حيث عَمِيَ فأتى إلى " حنايا " فطلب له الشفاء ( فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور فأبصر في الحال وقام واعتمد ) { أعمال الرسل 9: 18 }.

بداية أتسائل ؟؟؟ إذا كان يشترط فيمن يدعي الرسالة أن يأتي بالمعجزات الخارقة؟؟ فما هي المعجزات التي أتى بها رسولكم ؟؟ حتى تبين لكم صدق رسالته ودعوته ؟؟


فالقرآن لم ينسب لمحمد أي معجزة .. بل أن جواب القرآن كان حاسماً وقاطعاً بعدم إتيان محمد بالمعجزات :


« قالوا لولا أُنزل عليه آيات من ربه, قل إنما الآيات من عند الله وإنما أنا نذير مبين » ( العنكبوت 49)

أما بالنسبة لكلامك عن بولس الرسول فأعود وأكرر بأنك مازلت تنقل ما لم تتحق من صدقه وصحته..وهذه بعض من المعجزات التي أجراها الله عن يد رسوله بولس :


1- شفاء مقعد في لسترة :

" و كان يجلس في لسترة رجل عاجز الرجلين مقعد من بطن امه و لم يمش قط. هذا كان يسمع بولس يتكلم فشخص اليه و اذ راى ان له ايمانا ليشفى. قال بصوت عظيم قم على رجليك منتصبا فوثب و صار يمشي." ( رسل 14 : 8- 10 )


2- الشفاء من أمراض مختلفة :

" كان الله يُجري عن يدي بولس معجزات غير مألوفة , حتى صار الناس يأخذون ما مس بدنه من مناديل أو مآزر فيضعونها على المرضى فتزول الأمراض عنهم , وتذهب الأرواح الخبيثة " ( رسل 19 : 11- 12 )


3- إقامة شاب ميت اسمه افتيخوس ( رسل 20 : 7- 12 )


وهذه المعجزة جواباً على كلامك : ( فهل رُوِي عن بولس أنه أحيا ميتاً أو ... )

وعلى كل حال ليست هذه المعجزات وحدها هي دليل صدق بولس ... إذ ليس من دليل أصدق من شهادة الدم ..


فتحول بولس فمن أكبر مضطهِد للمسيحيين والكنيسة.. إلى أكبر مضطَهَد ( إلى درجة الاستشهاد ) من أجل المسيح والكنيسة .. هو أكبر دليل على صدقه .

اقتباس نص الاثرم :


"
... وأما الرجال المسافرون معهُ ... يسمعون الصوت ولا ينظرون أحدا ."
والذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلمني ."

إن التناقض في شهادة بولس يبطل دعواه في أنه رأى المسيح وهو على الطريق إلى دمشق .. هذا الدليل الوحيد عند بولس الذي ادعى به صلته بالمسيح قد بطل بهذه الشهادة المتناقضة ..

إننا يا أخت ( ) لو عرضنا شهادة متناقضة كهذه على قاض في محكمة :

مرة يقول : سمعوا ولم يشاهدوا
ومرة أخرى يقول : شاهدوا لكنهم لم يسمعوا .

لحكم ببطلانها فكيف حصل تجاهل هذه الحقيقة ؟

أخي الأثرم .. الخطأ من البداية هو أن تنقل الروايتين على لسان بولس , فتقول:

مرة يقول: سمعوا ولم يشاهدوا, ومرة أخرى يقول : شاهدوا ولم يسمعوا ...

إذا أن الرواية الأولى هي بلسسان لوقا, أما الثانية فهي على لسان بولس .

ورغم هذا فلا يوجد تناقض بين الروايتين .. إذ لا يوجد بينهما اختلاف في جوهر المعجزة التي حدثت مع بولس والتي كانت السبب في اهتدائه .. وإنما الاختلاف هو في اسلوب السرد .

فالرواية الأولى تقول : " ........ ابرق حوله نور من السماء.......وأما الرجال المسافرون معهُ ... يسمعون الصوت ولا ينظرون أحدا ."

والرواية الثانية تقول : " ........ بغتة ابرق حولي من السماء نور عظيم......... والذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلمني ."

فبحسب الروايتين , رافق معجزة ظهور المسيح على بولس ظهور نور عظيم .. والراوية الأولى لم تنفي أن يكون المسافرين قد رأوا النور , ولكنهم لم يشاهدوا من ظهر بمعجزة في هذا النور العظيم ( أي المسيح ) ..


والآية واضحة إذ تقول " لا ينظرون أحد "

أما بالنسبة للصوت الذي تقول الرواية الأولى بأنه سمعوه .. فلا يقول بأنه سمعوا كلام المسيح مع بولس ( كما يقول بولس ) .. فقد يكونوا سمعوا صوت رافق هذه المعجزة - كما ظهور النور الشديد - .. أو قد يكون صوت المسيح نفسه ولكنهم لم يفقهوا من كلامه شيء ..

وهذا لأنهم ليسوا المعنيين بهذا الحدث .. والظهور المعجز كما نعرف هو أمر مخصوص بشخص بعينه. الغاية منه إبلاغ شخص ما رسالة ما..

أما ما هو الدليل على صدق رواية بولس .. فأكرر أقول : بأن ليس من دليل أصدق من شهادة الدم ... فبولس لم يكسب شخصياً إلا العذاب والاضطهاد والاستشهاد في سبيل المسيح .

اقتباس نص الاثرم :

يعترف بولس بعجزه أمام شهوات الجسد وبضعف إرادته فيقول في رسالته إلى أهل رومية ( 7 : 14 – 24 ) :
..... لأني لستُ اعرف ما أنا أفعلهُ إذ لستٌ ......... من ينقذني من جسد هذا الموت "
كيف تتمكن الروح الشريرة من دخول جسد القديس بولس ثم تمنعه من فعل الخير مع أنه رسول وفيه روح الله الذي أوحى إليه ما يزيد على ثلثي العهد الجديد ؟ ))
بقراءة هذا الفصل وإذا عدت إلى بدايته , تجد أن بولس الرسول يتكلم عن الشريعة الإلهية وعن الخطيئة , وهو يقوم بتحليل وشرح هذا الأمر... فيقول كيف أن إبليس يستخدم الوصية الإلهية لإغواء الإنسان .. وأنه لولا الشريعة ما عرفنا الخطيئة, ولو لم تكن هناك شريعة فما كان هناك من خطية .. ثم يظهر حقيقة الخطيئة التي تقود الإنسان إلى الموت والعبودية والضياع " فلا يعود يعرف ما يفعل " ..

وهو يستخدم صيغة المتكلم, كأنه يتكلم بلسان كل إنسان ... فكل شخص يمكنه أن يقول هذا الكلام عن نفسه : " أني لا أعرف ما أفعل , فما أريده لا أفعله , وما أكرهه إياه أفعل " و " أريد أن أفعل الخير , وإذ الشر حاضر عندي " ... ويبين بولس أن في الإنسان نزعتان : نزعة إلى الخير تحمله على أن " يسر بناموس الله " ... ونزعة نحو الشر تجعله " أسير لناموس الخطيئة الذي في أعضائه "

وتلك الحالة من الضياع والتي هي حالة كل إنسان تدفعه لأن يصرخ " يا لي من إنسان شقي . من ينقذني من جسد الموت هذا ؟ "

ورغم هذا التحليل الرائع الذي يقوله بولس الرسول عن الخطيئة وعن الصراع الداخلي الذي يعيشه الإنسان ... فلا أحد منا يقول بأن بولس كان إنسان معصوم من الخطيئة .. رغم أننا نعلم يقيناً بأنه جاهد جهاد النفس ,وأمات جسده من أجل المسيح , قبل أن يلقى الموت الحقيقي ( أعني استشهاده ) في سبيل المسيح .

" مع المسيح صلبت فاحيا لا انا بل المسيح يحيا في فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان ايمان بابن الله الذي احبني و اسلم نفسه لاجلي " (غل 2 : 20)


وأخيراً هناك الكثير من النقاط في ردك وهي للأسف غير مترابطة .. وكلها تصب في نفس الخانة الهجوم على بولس .. وعلى الكتاب المقدس .

والإجابة عليها لا بد أن يجدها كل من يبحث بصدق وشفافية عن الحقيقة.

ولك السلام والتحية ..

AL-ATHRAM 10-19-2018 07:35 PM

بسم الله الرحمن الرحيم


وهذا هو ردي عليها ..


اختي الكريمة ........

يقول الشاعر :

قد يدرك المتأني بعض حاجته .. وقد يكون مع المستعجل الزلل ..

والرد على جزء وترك الباقي .. فما معناها ..

وبالنسبة لمعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم .. سأتكلم عنها فيما بعد .. اي سارجع إلى تكملة موضوعي السابق ... ومثلما يقولون .. كل شيء في وقته حلو ..

الانتقاد سهل وكل إنسان يستطيع ان ينتقد أي شخص ما أو أي شيء ما .. لكن أن ينتقد نفسه أو معتقده فهذا شيء صعب ونادر .. مع إنه يعلم علم اليقين انه على خطأ ويصرّ على ذلك ..

وكما قلت لكم .. إن معظم الناس يرثون الدين دون وعي ولا إدراك .. ومعظمنا لا يعرف من الدين سوى اسمه وما سطر في شهادة ميلاده : أيهودي أو بوذي أو مسيحي أو مسلم .. ومع ذلك فإنه يتعصب لما سطر في شهادة ميلاده تعصب المستميت . يجب على الإنسان أن ينزع عنه جانب التعصب للآراء والمبادئ الموروثة ، وأن يتجرد للحق . لأن التعصب باطل .. والباطل يصد عن إدراك الحقيقة ...


وإني لأعجب كل العجب وأنت تؤمنين بأن الله إله جاهل .. ورسله وأنبياءه كلهم زناة ومدمنو خمر .. والعياذ بالله .. كيف ترفعي يديك إلى السماء وتدعين الله .. كيف تدعين الناس إلى عبادته .. كيف ؟

إن المرء ليصدم حينما يقرأ التوراة المحرفة ( العهد القديم ) الموجودة بين أيدي الناس اليوم .. كما يصاب بالهلع والروع عندما يفاجأ بصفات الله سبحانه وتعالى في التلمود .. ولا شك أن أحبار اليهود عليهم لعائن الله قد حرّفوا التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام وجعلها هدى ونور ...

وإذا كان اليهود قد صوروا المولى سبحانه وتعالى بصورة بشرية مقززة .. فكيف يمكن أن نتخيل وقاحتهم وتصويرهم للأنبياء الله عليهم أفضل الصلاة والسلام .. وقد لوثوا سيرة هؤلاء الأنبياء بصورة لا يكاد يصدقها عقل .. ووصفوهم بأقذع الصفات ونعتوهم بأشنع الأخلاق .. فهم كذبة فجرة قتلة زناة جبناء لصوص ديوثون ... الخ .

لا شك أن البشر يتفاوتون فيما بينهم تفاوتاً كبيراً في الخَلْق والخُلُق والمواهب ، فمن البشر القبيح والجميل وبين ذلك ، ومنهم الأعمى والأعور والمبصر بعينيه ، والمبصرون يتفاوتون في جمال عيونهم وفي قوة إبصارهم ، ومنهم الصم والسميع وبين ذلك ، ومنهم ساقط المروءة ومنهم ذو المروءة والهمة العالية.



ولا شك َّ أن الأنبياء والرسل يمثلون الكمال الإنساني في أرقى صورة .. وذلك أن الله اختارهم واصطفاهم لنفسه .. فلا بدّ أن يختار أطهر البشر قلوباً ... وأزكاهم أخلاقاً .. وأجودهم قريحة ..


يقول الله :


" اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ " ( سورة الأنعام آية رقم 124 ) .



وقد بلغ الأنبياء في الأخلاق قمة الكمال .. وقد استحقوا أن يثنى عليهم رب الكائنات ، فقد أثنى الله على خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال :



" إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ {75} " ( سورة هود )



وقالت ابنة العبد الصالح تصف موسى عليه الصلاة والسلام :


" قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ {26} " (سورة القصص 26 )



وأثنى الله على إسماعيل عليه السلام بصدق الوعد :



" وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً {54} " ( سورة مريم)



وأثنى الله جل جلاله ، وتقدست أسماؤه _ على خُلق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام _ ثناءً عطراً ، فقال :


" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4} " ( سورة القلم 4 )


والأنبياء أعطوا العقول الراجحة ، والذكاء الفذ ، واللسان المبين ، والبديهية الحاضرة .. وغير ذلك من المواهب والقدرات التي لا بدَّ منها لتحمل الرسالة ثم أبلاغها ومتابعة الذين تقبلوها بالتوجيه والتربية ..


لقد كان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام يحفظ ما يلقى إليه ولا ينسى منه كلمة :

" سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى {6} " سورة الأعلى 6



وقد كانوا يعرضون دين الله للمعارضين ويفحمونهم في معرض الحجاج ، وفي هذا المجال أسكت إبراهيم عليه الصلاة والسلام خصمه النمرود :


" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {258}" ( سورة الأنعام ) .



وقف سيدنا إبراهيم عليه أفضل الصلاة والسلام أمام هذا الطاغية وقال له :


أنت بشر . أنت لست بإله واحمرَّت حدقتا النمرود .. ولكنه تماسك .. وقال له :

ما هذا الذي تقول يا إبراهيم ؟

فقال إبراهيم (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ )

وعلم النمرود أنه لا يحي ولا يميت ، ولكنها المكابرة والعناد وإظهار قدرته أمام رعيته وعبيده ...

قال : ( قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ )

آمر النمرود بقتل إنسان ثم آمر بالعفو عنه ، فأنا قد أمتُّهُ في الأولى يا إبراهيم وأحييته في الثانية .

وعلم إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن لا فائدة من الجدل بهذه الصورة مع هذا المتعالي المعاند ، فعمد إلى دليل آخر لا يتمكن معه النمرود من الإجابة .

قال إبراهيم عليه السلام :

" فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ "

فوجئ النمرود بهذا الجواب المفحم ...

(فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )

ولم يحر نمرود جواباً وظل فاغراً فاه طوال اليوم من هول الصدمة . وتنبهت عقول العبيد الذين أعماهم سلطان النمرود وجبروته ، وبدأت النفوس تتململ من عبادة هذا الذي لا يكاد يبين ..

وقال الله معقباً على محاججة إبراهيم لقومه :

" وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ {83} " ( سورة الأنعام ).

وموسى عليه الصلاة والسلام كان يجيب فرعون على البديهية حتى انقطع ، فالتجأ إلى التهديد بالقوة :

" قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ {23} قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ {24} قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ {25} قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ {26} قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ {27} قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ {28} قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ {29} " ( سورة الشعراء )


وللحديث بقية يا اخت بشرى ...

الاثرم

AL-ATHRAM 06-10-2020 01:15 AM

وهنا جاءت مداخلة من .. ( SINCERE )

( Saif )

ثم ( بشرى ) ..



SINCERE

أتريد أن تقنعنا أن الإسلام والقرآن أنصفا الأنبياء بعكس التوراة؟ حسناً، فماذا تقول بما ورد في كل من التوراة والقرآن عن حادثة يوسف مع امرأة فوطيفار (الذي يُدعى العزيز في الإسلام)؟

فبينما لا تُسمي التوراة يوسف نبياً بل مجرد إنسان يتقي الله، حينما تعرض لتجربة الإغواء أجاب بكل عزم وحزم: "فكيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله!!" (تكوين 9:39)

أما في القرآن، والذي دعي يوسف نبياً وصديقاً، تجده يصور يوسف أضعف وأهون وبل يتجاوب مع الإغواء ويقوم بالخطوات الأولى نحو الرذيلة بقوله "همت به وهم بها!!" (يوسف 23)

ولنرى بعض ما يقوله الطبري في تفسير تلك الآية:

حدثني زياد بن عبد الله قال ، حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة قال : سألت ابن عباس : ما بلغ من هم يوسف ؟ قال : استلقت له ، وجلس بين رجليها .

حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة : ولقد همت به وهم بها ، قال: استلقت له وحل ثيابه .

حدثني المثنى قال ، حدثنا قبيصة بن عقبة قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس : ولقد همت به وهم بها ، ما بلغ ؟ قال : استلقت له ، وجلس بين رجليها ، وحل ثيابه ـ أو : ثيابها .

حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا يحيى بن سعد ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة قال : سألت ابن عباس : ما بلغ من هم يوسف ؟ قال : استلقت على قفاها ، وقعد بين رجليها لينزع ثيابه .

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة قال : سئل ابن عباس عن قوله : ولقد همت به وهم بها ، ما بلغ من هم يوسف ؟ قال : حل الهميان ، يعني السراويل .

حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا ، حدثنا ابن إدريس قال ، سمعت الأعمش ، عن مجاهد في قول : ولقد همت به وهم بها ، قال : حل السراويل حتى أليتيه ، واستلقت له .

حدثنا زياد بن عبد الله الحساني قال ، حدثنا مالك بن سعير قال ، حدثنا الأعمش ،عن مجاهد في قوله : ولقد همت به وهم بها ، قال : حل سراويله حتى وقع على أليتيه .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ،عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ولقد همت به وهم بها ، قال : جلس منها مجلس الرجل من امرأته .

(أعتذر من جميع القراء على ذكر هكذا بذاءات ولكن كان لا بد من إيراد بعض الحقائق للسيد أثرم الذي أتحفنا بعظاته المطولة عن إنصاف القرآن للأنبياء... ثم لا حياء في الدين!!)



AL-ATHRAM 06-20-2020 12:45 AM

ثم بدأ الثاني يكتب ..


Saif

تحية طيبة وسلاما

أود فقط أن أنبه إخوتي المؤمنين نيومان و بشرى و سانسير و غيرهم في هذا المنتدى إلى أن الأخ الأثرم يتبع منهجا معروفا لدى المسلمين في نقاشاتهم و حجاجهم. و هو منهاج الصمم و الثرثرة. إن الشخص طبقا لهذا المنهاج لا يسمع بقدر ما يثرثر. لأن الغرض ليس النقاش بل تعويمه في متاهات لا تحد و ذلك عبر طرح قضايا مختلفة و متشعبة دفعة واحدة. فانظر كيف يستنسخ كتبا و مقالات بأكملها ثم يلصقها حتى لتحسب أن الشخص يعاني من إسهال لغوي حاد. هناك بالمناسبة كتاب يدرس هذه الآفة و عنوانه العرب ظاهرة صوتية.

لذلك مع شخص مثل هذا لا أكلف نفسي عناء جوابه عن كل نقطة من المليون نقطة التي يطرح دفعة واحدة. بل أنحو نحوه، و أدلو دلوه، و أمطرقه بصفحات كاملة تفند دعاويه جملة. و متى أجاب عن نقطة أغرقه بآلاف القضايا.

تتمحور استنساخاته على مسالة تناقض الكتاب المقدس و بالتالي تحريفه ثم مسألة الصلب.

فلنبدا بالأولى ثم نمر للثانية متوسلين بمنهاجه.

تمهيد
منذ آلاف السنين، بلّغ الله اليهود بواسطة موسى وصية، هذا نصها: لَا تَزِيدُوا عَلَى الكَلَامِ الذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلَا تُنَقِّصُوا مِنْهُ، لِتَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِل هِكُمُ التِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا ـ تثنية 4: 2 ـ ,
وتكررت هذه الوصية في السفر نفسه، حيث يقول: كُلُّ الكَلَامِ الذِي أُوصِيكُمْ بِهِ احْرِصُوا لِتَعْمَلُوهُ. لَا تَزِدْ عَلَيْهِ وَلَا تُنَقِّصْ مِنْهُ ـ تثنية 12: 32 ـ ,

وبعد ذلك بعدة قرون، كتب سليمان الحكيم هذه الشهادة مسوقاً من الروح القدس: كُلُّ كَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ نَقِيَّةٌ. تُرْسٌ هُوَ لِلْمُحْتَمِينَ بِهِ. لَا تَزِدْ عَلَى كَلِمَاتِهِ لِئَلَّا يُوَبِّخَكَ فَتُكَذَّبَ ـ أمثال 30: 5-6 ـ ,
وفي ختام الأسفار المقدسة، نقرأ هذا التحذير الشديد: لِأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذا الكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذا يَزِيدُ اللّهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ المَكْتُوبَةَ فِي هذا الكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذهِ النُّبُوَّةِ يَحْذِفُ اللّهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الحَيَاةِ، وَمِنَ المَدِينَةِ المُقَدَّسَةِ، وَمِنَ المَكْتُوبِ فِي هذا الكِتَابِ ـ رؤيا 22: 18 و19 ـ ,

فهل بعد هذه النواهي والتحذيرات الصارمة، يتجرأ مؤمن بالله وكتبه ورسله، على تحريف كلام الله، فيحذف الله نصيبه من كل البركات الروحية، التي أعدها الله لأتقيائه, ويسقط من وعود الله التي قطعها للبشر بالخلاص والحياة الأبدية؟ أما غير المؤمنين، فلا سبيل لهم إلى تحريف الأسفار الإلهية، إذ يتعذر عليهم جمع الألوف من نسخها المنتشرة في رحاب الدنيا ليعبثوا بها ويزوِّروها,

وإنه لمن نكد الدنيا أن يقوم أناس في الأيام الأخيرة ويتَّهموا رسل المسيح الأطهار بتحريف الإنجيل الذي ائتمنوا عليه، مما يشكل طعناً ليس بالأسفار المقدسة فقط، بل أيضاً يعرض بقرآن المسلمين، لأن القرآن شهد للرسل المغبوطين بالنزاهة والأمانة, وقد لقبهم بالحواريين أنصار الله ـ سورة آل عمران 3: 52 ـ ,

أما الأدلة على صحة الكتاب المقدس وسلامته من أي عبث، أو إفساد، أو تحريف فكثيرة، ونحن نوردها في الفصول التالية:

شهادة الوحي

أ - شهادة الله بعدم زوال كلمته
في الكتاب المقدس طائفة من إعلانات الله ووعوده، بأن كلمته لا يمكن أن تزول أو تتبدل منها:
أَمَّا رَحْمَتِي فَلَا أَنْزِعُهَا عَنْهُ، وَلَا أَكْذِبُ مِنْ جِهَةِ أَمَانَتِي. لَا أَنْقُضُ عَهْدِي وَلَا أُغَيِّرُ مَا خَرَجَ مِنْ شَفَتَيَّ ـ مزمور 89: 33 و34 ـ ,

فَإِنِّي الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ والأَرْضُ لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الكُلُّ ـ متى 5: 18 ـ ,

اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَا يَمْضِي هذا الجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذا كُلُّهُ. اَلسَّمَاءُ والأَرْضُ تَزُولَانِ وَلكِنَّ كَلَامِي لَا يَزُولُ ـ متى 24: 34 و35 ـ ,

وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ المَكْتُوبُ ـ يوحنا 10: 35 ـ ,

AL-ATHRAM 11-27-2020 07:17 PM


Saif

ب - شهادة الله لأنبيائه

قال الرب لإرميا النبي: لَا تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ، لِأَنِّي أَنَا مَعَكَ,,, هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلَامِي فِي فَمِكَ ـ إرميا 1: 8 و9 ـ ,
وقال لهوشع النبي: وَكَلَّمْتُ الأَنْبِيَاءَ وَكَثَّرْتُ الرُّؤَى، وَبِيَدِ الأَنْبِيَاءِ مَثَّلْتُ أَمْثَالاً ـ هوشع 12: 10 ـ ,
وقال لإشعياء النبي: أَمَّا أَنَا فَهَذَا عَهْدِي مَعَهُمْ قَالَ الرَّبُّ: رُوحِي الذِي عَلَيْكَ،وَكَلَامِي الذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لَا يَزُولُ مِنْ فَمِكَ وَلَا مِنْ فَمِ نَسْلِكَ وَلَا مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ قَالَ الرَّبُّ مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ ـ إشعياء 59: 21 ـ ,
وقال لحزقيا النبي: يَا ابْنَ آدَمَ، قُمْ عَلَى قَدَمَيْكَ فَأَتَكَلَّمَ مَعَكَ,,, أَنَا مُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ.,, مِنْ كَلَامِهِمْ لَا تَخَفْ,,, مِنْ وُجُوهِهِمْ لَا تَرْتَعِبْ، لِأَنَّهُمْ بَيْتٌ مُتَمَرِّدٌ. وَتَتَكَلَّمُ مَعَهُمْ بِكَلَامِي ـ حزقيال 2: 1-7 ـ ,
وقال لملاخي: فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ هَذِهِ الوَصِيَّةَ لِكَوْنِ عَهْدِي مَعَ لَاوِي، قَالَ رَبُّ الجُنُودِ. كَانَ عَهْدِي مَعَهُ لِلْحَيَاةِ والسَّلَامِ، وَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُمَا لِلتَّقْوَى. فَاتَّقَانِي,,, شَرِيعَةُ الحَقِّ كَانَتْ فِي فَمِهِ ـ ملاخي 2: 4-6 ـ ,

شهادة الأنبياء والرسل

لقد شهد أنبياء الله ورسله بأن الله تكلم إليهم، وأوحى إليهم أن يكتبوا نبواتهم وتعاليمهم لتكون شريعة أبدية للبشر, وها نحن نورد ما تيسر منها:
قال داود: رُوحُ الرَّبِّ تَكَلَّمَ بِي وَكَلِمَتُهُ عَلَى لِسَانِي ـ 2صموئيل 23: 2 ـ ,

وقال إشعياء: حَقّاً الشَّعْبُ عُشْبٌ! يَبِسَ العُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ ـ إشعياء 40: 7-8 ـ , فَتِّشُوا فِي سِفْرِ الرَّبِّ وَاقْرَأُوا. وَاحِدَةٌ مِنْ هَذِهِ لَا تُفْقَدُ. لَا يُغَادِرُ شَيْءٌ صَاحِبَهُ، لِأَنَّ فَمَهُ هُوَ قَدْ أَمَرَ، وَرُوحَهُ هُوَ جَمَعَهَا ـ إشعياء 34: 16 ـ
,
وقال إرميا: ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ: مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ يَا إِرْمِيَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا رَاءٍ قَضِيبَ لَوْزٍ . فَقَالَ الرَّبُّ لِي: أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ، لِأَنِّي أَنَا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لِأُجْرِيَهَا ـ إرميا 1: 11 و12 ـ ,

وقال حزقيال: وَكَانَ إِلَيَّ كَلَامُ الرَّبِّ: وَأَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ فَقَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيباً لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ، فَتَسْمَعُ الكَلَامَ مِنْ فَمِي وَتُحَذِّرُهُمْ مِنْ قِبَلِي ـ حزقيال 33: 1 و7 ـ ,

وقال الرب يسوع لتلاميذه: لِأَنَّ لَسْتُمْ أَنْتُمُ المُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ ـ متى 10: 20 ـ ,
وقال الرسول بولس: وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ العَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الذِي مِنَ اللّهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ المَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللّهِ، الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً، لَا بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ القُدُسُ ـ 1كرونثوس 2: 12 و13 ـ ,

وقال الرسول بطرس: مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لَا مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لَا يَفْنَى، بِكَلِمَةِ اللّهِ الحَيَّةِ البَاقِيَةِ إِلَى الأَبَدِ. لِأَنَّ كُلَّ جَسَدٍ كَعُشْبٍ، وَكُلَّ مَجْدِ إِنْسَانٍ كَزَهْرِ عُشْبٍ. العُشْبُ يَبِسَ وَزَهْرُهُ سَقَطَ، وَأَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ ـ 1بطرس 1: 23-25 ـ ,

إَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ، لِأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللّهِ القِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ ـ 2بطرس 1: 20 و21 ـ ,

AL-ATHRAM 01-07-2021 07:33 PM


Saif


شهادة التواتر

يذكر لنا التاريخ، أن أئمة الدين العلماء، الذين كانوا معاصرين للرسل، أو الذين خلفوهم في رعاية الكنيسة، اقتبسوا في مواعظهم ومؤلفاتهم من الكتب المقدسة، وخصوصاً من الأناجيل, وذلك ليقينهم بأنها كتب إلهية موحى بها من الله، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها, نذكر منهم:

أكلمندس، أسقف رومية، وكان عاملاً مع الرسول بولس، كما هو مذكور في رسالة فيلبي 4: 3,
ديونسيوس، أسقف كورنثوس الذي توفي سنة 100 ميلادية, هرماس، المعاصر لبولس، والذي ألف كتاباً في ثلاثة مجلدات، ضمَّنها الكثير من الاقتباسات من العهد الجديد, أغناطيوس، الذي تعيَّن أسقفاً على أنطاكية، بعد صعود المسيح بسبعة وثلاثين عاماً, بوليكاربوس الشهيد، تلميذ يوحنا الرسول، الذي تعين أسقفاً على إزمير، واستشهد عام 166, ولم يبق من مؤلفاته سوى رسالة مفعمة بالشواهد من الأناجيل الأربعة, وكذلك أئمة القرن الثاني الميلادي، اقتبسوا من الأسفار الإلهية لدعم تعاليمهم, منهم:

بابياس، الذي كان أسقفاً على كنيسة هيارابوليس، في فريجيا، ونبغ سنة 110, واجتمع ببوليكاربوس، وألف تفسيراً للكتاب المقدس، في ستة مجلدات, وقال هذا العالم إن الأناجيل كانت متداولة في الكنائس باللغة اليونانية، وشهد بأن البشير مرقس كان مرافقاً لبطرس، وأن إنجيله كان متداولاً بين المسيحيين,
يوستين الشهيد، وُلد سنة 89 ميلادية، وكان قبل الاهتداء فيلسوفاً وثنياً, وإنما بحثه عن الحق قاده إلى المسيحية, وهذا المفكر الشهير ألَّف عدة كتب في دفاعه عن الدين المسيحي، وقد ارتكز في دفاعه على الأناجيل الأربعة, وذكر في أحد مؤلفاته أنه زار الكنائس في رومية والإسكندرية وأفسس، ورأى أن المسيحيين كانوا يتعبدون بتلاوة الأناجيل في كنائسهم, هيجيوس، الذي نبغ بعد يوستين بثلاثين سنة, ولشهادته أهمية كبرى لأنه سافر من فلسطين إلى رومية ورأى أساقفة كثيرين, وقال إنه رأى المسيحيين في كل مكان يعلّمون تعاليم واحدة، حسب الناموس والأنبياء والرب يسوع المسيح, إيرينيوس، يوناني الأصل، من آسيا الصغرى وُلد سنة 140 ميلادية، وتتلمذ على بوليكاربوس، تلميذ يوحنا الرسول, وكان مركز أعماله ليون، حيث رُسم أسقفاً بعد بونيتيوس، الذي استشهد عام 177, وألَّف رسالة ملأها بالاقتباسات من الأناجيل, وقد قال في أحد فصولها: إننا لم نقبل خلاصنا إلا من الذين أبلغونا الإنجيل الذي كرزوا به أولاً, وبعد ذلك دوَّنوه بإرادة الله ومشيئته ليكون أساس إيماننا وعموده, لأن بعد قيامة المسيح من الأموات منح الله الرسل قوة الروح القدس، فعرفوا كل شيء معرفة تامة, وحينئذ ذهبوا إلى أقاصي الدنيا، وبشَّروا الناس ببركات السلام السماوي, ومع كل واحد منهم إنجيل الله, فدوَّن متى إنجيله لليهود لما كان بطرس وبولس في رومية يكرزان بإنجيل السلام، ويؤسسان كنيسة هناك, وبعد ارتحالهما، دوَّن مرقس تلميذ بطرس ورفيقه الإنجيل، وهو خلاصة كرازة بطرس, وكذلك دوَّن لوقا الطبيب، رفيق بولس الإنجيل بحسب كرازة بولس، وبعد ذلك دوَّن يوحنا، تلميذ الرب، الذي اتكأ على صدره، إنجيله لما كان في أفسس ,
ثم أضاف هذا العلامة قائلاً: إن تعاليم الرسل المأثورة انتشرت في جميع أنحاء العالم, وكل من يفتش على مصادر الحق يجد أن كل كنيسة محافظة على هذه التعاليم وتعتبرها مقدسة ,

وقال أيضاً: في وسعنا أن نذكر الذين عيَّنهم الرسل أساقفة على هذه الكنائس، والذين خلفوهم إلى يومنا هذا, وبهذا السند المتصل أخذنا الروايات الموجودة في الكنيسة، وتعاليم الحق أيضاً، حسب ما كرز بها الرسل ,
أكليمندس أسقف الاسكندرية، وكان بعد إيرينيوس بست عشرة سنة, فشهد أن جميع الكنائس، تعتقد بالأناجيل الأربعة, واستشهد هذا العالم المدقق بالأناجيل في تعليمه ومؤلفاته, وقال إن الأناجيل الأربعة مؤكدة عندنا, ترتليانوس، وُلد سنة 160 ميلادية، وتوفي حوالي سنة 220, وقال هذا العالم، عن الرسل: إن يوحنا ومتى يعلّماننا الإيمان, أما رفقاء الرسل، فلوقا ومرقس ينعشاننا , وبعد أن عدَّد الكنائس التي أسسها بولس في كورنثوس وغلاطية وأفسس وفيلبي وتسالونيكي، والكنائس التي أسسها يوحنا، وكنيسة رومية، التي أسسها بولس وبطرس، قال: إن الأناجيل الأربعة هي في يد الكنيسة، منذ البداية , وقال أيضاً: نحن المسيحيين نجتمع معاً لنطالع الكتب الإلهية ونغذي إيماننا، ونرفع رجاءنا، ونؤيد وديعتنا بالكلمة المقدسة , فينتج مما تقدم:

1 - إن أئمة الديانة المسيحية، سواء الذين عاصروا الرسل أو الذين أتوا بعدهم بالتسلسل، من العلماء الأعلام، كانوا يقتبسون من أقوال الكتب المقدسة، ويستشهدون بها في أثناء كلامهم,

2 - إن استنادهم عليها واستشهادهم بآياتها، يدل على يقينهم بأنها الحكم الفصل في جميع المسائل، التي يختلفون عليها,

3 - إنهم كانوا يقرأونها في اجتماعاتهم الدينية العمومية، ويشرحونها,
4 - إنهم كتبوا عليها تفاسير في عدد عديد من المجلدات، مؤكدين اتفاق البشيرين في ما كتبوه، مسوقين من الروح القدس,

5 - إن جميع المسيحيين منذ البدء، اعتقدوا بهذه الكتب المقدسة، على اختلاف شعوبهم ومذاهبهم,



AL-ATHRAM 02-22-2021 08:12 PM


Saif


شهادة النُسخ القديمة

يوجد بين الذخائر التي يحتفظ بها المسيحيون نسخ مخطوطة، يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام بعدة أجيال, منها:

1 - النسخة الإسكندرية: وقد دعيت بهذا الاسم نسبة إلى مدينة الاسكندرية، التي خُطَّت فيها، ولها المرتبة الأولى بين النسخ الثلثية, وقد أهداها كيرلس لوكارس، بطريرك القسطنطينية إلى ملك انكلترة شارل الأول سنة 1628, وكان قد أحضرها معه من الاسكندرية حيث كان بطريركاً سابقاً, وهي مكتوبة باليونانية، وتحتوي كل أسفار الكتاب المقدس من العهدين القديم والجديد, وعلى أول صفحة منها حاشية مدوَّن فيها أن كل هذا الكتاب نسخ بيد سيدة شريفة مصرية اسمها تقلا, وذلك في نحو سنة 325 ميلادية, وقد علق البطريرك كيرلس على هذه الحاشية بخط يده أن هذا التاريخ حسب رأيه صحيح,
والنسخة مكتوبة بالحرف الثلثي، على رق قُسمت كل من صفحاته إلى حقلين, وفي كل حقل خمسون سطراً, ولم تزل هذه النسخة محفوظة بعناية في المتحف البريطاني بلندن,

2 - النسخة الفاتيكانية: سُميت بالفاتكيانية نسبة إلى مكتبة الفاتيكان المحفوظة فيها, وهي مكتوبة على رق جميل جداً, وحرفها ثلثي صغير, وفي كل صفحة منها ثلاثة حقول، يحتوي كل منها على اثنين وأربعين سطراً, وتشتمل كل أسفار الكتاب المقدس باللغة اليونانية, ويرجح العلماء أنها خُطت حوالي العام 300 بعد الميلاد,

3 - النسخة السينائية: وهي تعادل النسخة الفاتيكانية بالقدم، بل لعلها أقدم منها, ولها أهمية كبرى في مقابلة المتون, وقد سُميت بالسينائية نسبة إلى جبل سيناء حيث اكتشفها العلامة تشندورف الألماني، في دير القديسة كاترينا بسيناء, وذلك في عام 1844, وهذه النسخة مكتوبة بحرف ثلثي كبير، وعلى رق، في كل من صفحاته أربعة حقول, وكل ما فيها يدل على القدم, وقد أهداها مكتشفها إلى الإسكندر، قيصر روسيا, وبقيت في روسيا إلى أن حدثت الثورة البلشفية، فبيعت للمتحف البريطاني بلندن، حيث لا تزال محفوظة,

4 - النسخة الافرائمية: وهي محفوظة في دار الكتب الوطنية بباريس، وتشمل على كل الأسفار المقدسة باللغة اليونانية، ومكتوبة على رق بحرف حسن، بدون فواصل، ولا حركات, والحرف الأول من كل صفحة فيها، أكبر من بقية الحروف, ويرجح أنها كتبت حوالي عام 450 ميلادية,
كل هذه النسخ تتيح رد الادِّعاء بالتحريف بعد شهادة القرآن بصحتها، لأن النسخ التي ذُكرت أعلاه كُتبت قبل القرآن، والنسخ المتداولة بين أيدينا اليوم لا تختلف في شيء عن نصوص تلك المخطوطات القديمة,



AL-ATHRAM 03-10-2021 09:38 PM

Saif

شهادة المخطوطات القديمة

ـ 1 ـ مخطوطات قمران: من بين الكنوز التي عثر عليها في مغاور قمران بالأردن عام 1947 مخطوطة كاملة لسفر إشعياء النبي، باللغة العبرية, وهي مكتوبة على رقوق جلد على شبه درج, ويستدل من شكل الكتابة والمفردات اللغوية، أن هذه المخطوطة كُتبت في القرن الثاني قبل الميلاد, وقد قال العلماء الذين دققوا فيها إنها لا تختلف في نصوصها عن النص الموجود بين أيدينا, وعثر أيضاً في كهوف قمران على نسخة من أسفار اللاويين وأيوب والمزامير وحبقوق, وقد وجدت النصوص المدوَّنة في هذه المخطوطات مطابقة لنصوص الأسفار المتداولة بيننا حالياً, وكذلك وجد إلى جانب هذه المخطوطات قائمة بأسفار العهد القديم شملت كل الأسفار التي لدينا، ما عدا سفر أستير,

ـ 2 ـ مخطوطات أرسينوي: في العام 1877 عثر في أرسينوي الواقعة جنوب مدينة القاهرة، على عدد عديد من الوثائق المكتوبة على ورق البردي، مطمورة في الرمال, ومن بينها نسخة للإنجيل بحسب يوحنا، أكد العلماء أن تاريخ كتابتها يعود إلى عام 125 بعد الميلاد, وهي لا تختلف في نصوصها، عن النسخة التي بين أيدينا,

ـ 3 ـ مخطوطات سيناء: اكتُشف مؤخراً في دير القديسة كاترين بسيناء نسخة للأناجيل الأربعة باللغة السريانية, ويعود تاريخ كتابتها إلى ما قبل القرن الخامس الميلادي, وهي منقولة عن ترجمة قام بها المسيحيون في القرن الثاني الميلادي, ونصوصها لا تختلف عن البشائر المتداولة حالياً في العالم,
فالحفريات والمخطوطات القديمة إذن، أيدت الكتاب المقدس بصورة مذهلة, لأنه ما كان ليصدق أن الكتاب الإلهي يتفق مع التاريخ بهذه الدقة، وما زلنا نتوقع اكتشافات أخرى، لأن العلماء جادّون بالتنقيب, وتدل كل البراهين على أنه لم يعد هناك موضع لناقد أو معترض على أسفار العهد الجديد، وعلى التواريخ التي كتبت فيها, ولا ريب في أن هذا التوافق بين الاكتشافات ونصوص الكتاب العزيز، يشكّل أقوى برهان على سلامة الوحي الإلهي وصدق أولئك الذين دوَّنوه, قال العالم الأثري الدكتور أُلبرايت: بفضل اكتشافات قمران نستطيع أن نتيقن أن العهد الجديد هو كما كتب بمعرفة الأقدمين، وهو الذي يحوي تعاليم المسيح ورسله, وكلها يتجاوز تاريخ كتابتها الفترة ما بين 25 إلى 80 للميلاد ,

شهادة علم الآثار
منذ القديم كانت الأسفار المقدسة عرضة لتهجُّمات الكفرة والملحدين، لأنها تتعارض مع أفكارهم، وتكشف مساوئهم, ولهذا حاول كثيرون منهم أن يجدوا في الآثار والنقوش القديمة ما يخالف النصوص المقدسة, ولكن الاكتشافات جاءت مخيبة لآمالهم، لأن النقوش التي عثر عليها الباحثون في فلسطين وما بين النهرين كلها تؤيد ما ورد في الكتب المقدسة، حتى أن كثيرين من الملاحدة رجعوا إلى الإيمان، لأن الآثار التي اكتُشفت شهدت بصحة النصوص الكتابية, كان الاعتقاد السائد لدى الباحثين أن الكتابة لم تكن مستعملة في فلسطين قبل العام 540 قبل الميلاد, أي أن موسى وعدداً آخر من رجال العهد القديم لم يكتبوا أسفارهم بأيديهم, كما أن الملحدين ادَّعوا بأن كَتَبة التوراة قد بالغوا في وصف أحداث وحضارة الشرق إلى حد يفوق التصديق، نظراً لمغايرة هذه الأسفار لأقوال المؤرخين القدماء, ولكن الاكتشافات الحديثة نقضت نظرياتهم تماماً، لأنها جاءت مؤيدة تماماً لصحة الأسفار الإلهية في كل ما ورد فيها عن حضارة مصر وبابل وأشور, وقد ثبتت كل ما ذكرته عن سنحاريب، وتغلث فلاسر، ونبوخذ نصر، وغيرهم,
وإنه ليبهجنا أن تتيح لنا هذه الاكتشافات أن نرى لوحات نُقشت فيها الحروف التي كان يكتب بها موسى ويشوع وعزرا وصموئيل وغيرهم, وأن نتأكد أن الكتابة كانت معروفة في عهد إبراهيم وموسى وأيوب ونحميا، كما في أيامنا, ومما يسعدنا أنه تم في زمننا قول المسيح إن الحجارة تتكلم, والواقع أنها تكلمت بما حوته من نقوش سجل فيها معظم الحوادث المهمة التي جاء الكتاب المقدس على ذكرها,

ـ 1 ـ قصة التكوين: لقد جاء في النقوش البابلية والأشورية كتابات مذهلة عن رواية التكوين، لأنها جاءت متفقة مع ما جاء في الكتاب المقدس ولا تختلف عنها إلا ببعض الألفاظ, فمثلاً، يقول الكتاب المقدس إن الله عمل النورين العظيمين، النور الأكبر لحكم النهار، والنور الأصغر لحكم الليل والنجوم ـ تكوين 1: 16 ـ وتقول النقوش البابلية إن الله صنع السدوم والكواكب, الكتاب المقدس يقول إن الله خلق البهائم والدبابات كأجناسها ـ تكوين 1: 24 ـ واللوحات البابلية تقول إن مجمع الآلهة خلق هذه الحيوانات,
الكتاب المقدس يقول إن الله خلق الإنسان من تراب الأرض ـ تكوين 2: 7 ـ , وقصة بابل تقول إن الإله مردوخ خلق الإنسان من اللحم والعظام,

ـ 2 ـ تعدد الآلهة: يقول الكتاب المقدس إن البشر ارتدوا عن الله الحي وعبدوا آلهة متعددة، مما حدا بالأنبياء إلى بذل المحاولات لإرجاع الناس إلى عبادة الإله الواحد, أما العلماء الملحدون فزعموا أن الإنسان منذ البداية يعتقد بتعدد الآلهة, وبقيت هذه النظرية سائدة لدى الكثيرين إلى أن دحضها الدكتور س, هربرت, وهو أحد أعلام الحفريات وأستاذ الدراسات الأشورية في جامعة أكسفورد فقد قال هذا العلامة إن عقيدة الوحدانية في الديانات السامية والسومرية قد سبقت العقيدة بتعدد الآلهة, وكذلك الاكتشافات الحديثة دحضت الرأي الذي كان سائداً في بعض الأوساط العلمية، والذي مفاده أن عقيدة التوحيد في الديانة اليهودية لم تكن موجودة قبل أن ينادي بها أنبياء القرن السابع أو الثامن قبل المسيح, فأكدَّ عدد عديد من النقوش أن موسى نادى بعقيدة التوحيد قبل أن يدخل العبرانيون أرض كنعان,

ـ 3 ـ قصة الطوفان: قدَّم عِلم الآثار من الحفريات البابلية قصة رائعة للطوفان، تتفق مع ما جاء عنها في سفر التكوين، فقد ذكر في كل من النصين، التوراتي والبابلي، أن الطوفان وقع بترتيب إلهي, وفي كل من الروايتين، يحذر بطل القصة من كارثة مزمعة أن تقع على العالم, وبعد التحذير بنى فلكاً له ولعائلته, ثم أخذ معه حيوانات إلى الفلك، اثنين من كل جنس ذكراً وأنثى لاستبقائها, وحين هدأت العاصفة وانسدت ينابيع الغمر استقر الفلك على قمة جبل، فأرسل البطل طيوراً للاستكشاف, وفي نهاية الطوفان قدم قرباناً لله، فاستجاب الله له، وأكّد له الأمان,

ـ 4 ـ أور الكلدانيين: قبل التنقيب في أراضي العراق، لم يكن علماء الكتاب المقدس يعلمون مدى الحضارة التي وُجدت هناك، والتي دلت على أن تلك الأرض القفراء كانت يوماً جنة تجري من تحتها الأنهار, وقد قامت في وسطها عاصمة لأمة عريقة في الحضارة, ومما أكدته الحفريات هناك، أنه في أحقاب التاريخ البعيدة، وفد السومريون إلى تلك البقعة واستوطنوها، وأنشأوا فيها حضارة عظيمة,
أما عن ديانتهم فكانوا يؤمنون بتعدد الآلهة, وكان لكل عائلة صنمها الخاص, وهذا يفسر لنا تصرُّف راحيل حين سرقت آلهة لابان أبيها، قبل هربها مع زوجها يعقوب ـ تكوين 31: 27-32 ـ ,
وقد أثبتت لنا تلك الحفريات أن إبراهيم لم يكن مجرد شيخ قبيلة بدوية، من سكان الخيام، بل كان ينتسب إلى شعب عريق في مدنيته، كان يسكن في حاران, وهذا يتفق تماماً مع نص الكتاب المقدس ـ تكوين 11: 28-31 ـ ,

وإذا تأملنا في رحلة إبراهيم الطويلة، نرى أن أبا المؤمنين مر بدوثان وبيت إيل وشكيم, وهي مدن ورد ذكرها في الكتاب المقدس,
ودلَّت الآثار المكتشفة في فلسطين على صحة ما جاء في الكتاب المقدس عن المنطقة الواقعة جنوب البحر الميت، التي قضى فيها إبراهيم ردحاً من الزمن، والتي كانت مزدهرة ومزدحمة بالسكان، في عهد إبراهيم,

ـ 5 ـ قصة يوسف: كان يوسف فريسة لمكيدة قاسية دبرها إخوته، فقد باعوه إلى إحدى قوافل مصر, ولكن إذ كان باراً، جعل الله الأشياء تعمل معاً لخيره, فقد وجد نعمة في عيني فرعون، فرفعه وجعله وزيراً لخزانة مصر, وقد تأكدت هذه القصة، بتأييد لوحة اكتُشفت في مقبرة أحد عظماء مصر، المدعو ألقاب والذي كان معاصراً ليوسف, فقد قرأ العلماء في هذه اللوحة أن مجاعة رهيبة حدثت في أيامه وأن الدولة وزعت على الشعب الغلال التي اختزنها وزير الخزانة في سني الخصب, ومقابل ذلك، استولت الدولة على أملاكه, وهذه الرواية توافق تماماً ما جاء في ـ تكوين 47: 18-22 ـ ,
ـ 6 ـ عبودية العبرانيين في مصر: اكتشفت في مصر منحوتة، يعود تاريخها إلى تحتمس الثالث، تمثّل العبرانيين وهم يقومون ببناء هيكل لفرعون, وكذلك اكتُشفت عدة خرائب تبلغ سماكة جدران الأبنية فيها ثمانية أقدام, وهي مبنية باللبن الممزوج بالتبن، والمجفف بحرارة الشمس, وهذا الاكتشاف يؤيد ما جاء في خروج 5: 7,

ـ 7 ـ خروج العبرانيين من مصر: عثر في تل العمارنة عام 1888 على لوحة منقوشة بالخط المسماري، كان حكام فلسطين قد أرسلوها إلى فرعون مستنجدين به لمساعدتهم ضد غزوات شعب خطير، دُعي باسم عبيرو، الذي معناه العبرانيون,

ـ 8 ـ موسى والناموس: كان الاعتقاد السائد لدى بعض العلماء أن الناموس يعود إلى فترة لاحقة لزمن موسى, إلا أن التنقيب عن الآثار، الذي قام به العالم ده مورجان عام 1884 أيد الكتاب المقدس في قوله إن الناموس أُعطي بموسى, فقد اكتشف هذا الباحث كنزاً من المخطوطات في قصر شوشن، المذكور في سفر أستير، أيَّدت ما جاء في الكتاب المقدس عن ناموس موسى,

ـ 9 ـ قصص الكتاب عن بعض الشعوب القديمة: اكتُشف في رأس الشمرة، على بعد عشرة أميال شمال اللاذقية بقايا مدينة أوغاريت، التي تأسست عام 2000 قبل الميلاد, وعثر فيها على مئات من الألواح تؤيد قصص الكتاب المقدس عن الفرزيين والحيويين والحثيين,

ـ 10 ـ لوحات مصرية تثبت وجود الحثيين: إلى عهد قريب كان علماء التاريخ يشكون في وجود الحثيين، الذين اشترى إبراهيم منهم مغارة المكفيلة وجعلها مقبرة لزوجته سارة ـ تكوين 23: 8-9 ـ وبقي هذا الشك إلى أن عثر على أخبارهم في لوحات أثرية مصرية, وتذكر إحدى هذه اللوحات أن معركة دارت بينهم وبين قوات رمسيس الثاني بالقرب من قادش، عام 1287 قبل الميلاد,



AL-ATHRAM 04-10-2021 09:01 PM

saif


شهادة الإسلام

شهد القرآن للأسفار الإلهية بالصحة، وكل من يطالعه يندهش لشهادته الصريحة لصحة ما جاء فيها, وهي شهادة من الوضوح بمكان حتى أنها لا تقبل التأويل، وقد وردت في عدد من السُّور, منها:

إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا والرَّبَّانِيُّونَ والأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ـ سورة المائدة 5: 44 ـ ,

وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ـ سورة المائدة 5: 46 ـ ,

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ـ سورة المائدة 5: 48 ـ ,

ففي الآية الأولى يشهد القرآن لصحة التوراة، وأنها هدى من الضلالة، ونور لبيان الأمور التي يحكم بها النبيون بموجب ما استحفظهم الله من كتابه، وكانوا شهوداً أنه حق,

وفي الآية الثانية بيان أن المسيح صدَّق على التوراة أنها حق, وكذلك إنجيله، الذي فيه هدى ونور وموعظة جاء مصدقاً لما قبله من الكتب الإلهية,

وفي الآية الثالثة يؤكد القرآن أنه أُنزل إلى محمد مصدِّقاً لما بين يديه من الكتاب, وأنه مُعيَّن حارساً له, وأنه يوصيه بأن يحكم بموجب ما أنزل الله فيه من تأييد للتوراة والإنجيل,

ويذهب القرآن في تأييده للتوراة والإنجيل إلى حضّ أهلهما على إقامة ما جاء فيهما من تعاليم إذ يقول:
قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ والإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ـ سورة المائدة 5: 68 ـ ,

وكذلك يحض أهل الإنجيل على إقامة أحكام ما جاء في كتابهم، ويصف الذين يهملون ذلك من أهل الإثم، إذ يقول:

وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ ـ سورة المائدة 5: 47 ـ , .
يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ والكِتَابِ الذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ والكِتَابِ الذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً ـ سورة النساء 4: 136 ـ ,

فمما تقدم يتبين لنا: .

أولاً: يحثُّ القرآن أهل الكتاب على إقامة أحكام التوراة والإنجيل، وهذا اعتراف ضمني بصحتهما وسلامتهما من التحريف، لأنهما يحكّمان المؤمن للخلاص الذي في البر,

ثانياً: يأمر القرآن جميع المؤمنين بمن فيهم المسلمون أن يؤمنوا بالقرآن وبالكتاب الذي أّنزل من قبل، أي التوراة والإنجيل, وهذه دعوة صريحة للمسلم لكي يؤمن بما جاء في التوراة والإنجيل وهذه الدعوة متفقة فعلاً مع نص القرآن الآتي:

أُولَئِكَ الذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ والحُكْمَ والنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَئِكَ الذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ـ سورة الأنعام 6: 89 و90 ـ ,

ويعترف القرآن بصلاح الكتاب المقدس للحكم في الأمور الروحية إذ يقول محمد:

وَكَيْفَ يَحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بَا لْمُؤْمِنِينَ ـ سورة المائدة 5: 43 ـ ,

فهذه الآية تبين أن الذين يقيمون أحكام الكتاب المقدس لا يحتاجون إلى كتب أخرى للتحكيم, أما من يتولى عن الكتاب الإلهي بعد معرفة الحق الذي فيه فليس بمؤمن,

قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ـ سورة القصص 28: 49 ـ ,

ففي هذه الآية إرشاد لمحمد إلى ما يجب قوله للذين رفضوا الرسالة التي نادى بها، كما رفضوا موسى من قبله, وذلك بأن يقدموا له كتاباً من عند الله أهدى من الكتاب المقدس والقرآن,

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَا سْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ـ سورة النحل 16: 43 ـ ,

جاء في تفسير الجلالين أن أهل الذكر هم العلماء بالتوراة والإنجيل, فإن كنتم لا تعلمون ذلك، فإنهم يعلمونه, وأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد ـ الجلالين ص 357 ـ ,

والذِّكر هو التوراة والإنجيل، كما جاء في سورة الأنبياء 21: 105 وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ وأيضاً: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ـ سورة الأنبياء 21: 48 ـ ,

في الواقع أن سورة النحل 16: 43 شهادة صريحة بأن رسل الله وأنبياءه الذين كتبوا الذكر إنما كتبوه بالوحي، مسوقين من الروح القدس, إنها مع مجموعة الآيات التي استشهدنا بها لتؤكد أن القرآن اعتبر كتابنا المقدس هدى ونوراً، وذكراً وحكم الله، ووحياً, وقد أمر المسلمين أن يسألونا في ما لا يعلمون, أليس هذا اعترافاً صريحاً من القرآن بأن أسفارنا المقدسة صحيحة، وبالتالي لم تُحرَّف؟

وأنها لتتفق مع شهادة رسل المسيح، بصحة الكتاب المقدس ووحيه, فقد قال رسول الجهاد العظيم بولس: كُلُّ الكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللّهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ والتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ والتَّأْدِيبِ الذِي فِي البِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللّهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ ـ 2تيموثاوس 3: 16 و17 ـ ,

لهذا قبل المسيحيون أسفار العهد القديم، التي اكتملت حوالي العام 400 قبل الميلاد, وكان اليهود قد قسموها إلى ثلاثة أقسام:

1 - التوراة، وهي مؤلفة من أسفار موسى الخمسة: التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية, وهي منذ البدء معتبرة ومحترمة ومقدسة، لاحتوائها على وصايا الله العشر، ومواعيده لبني البشر,

2 - الأنبياء، وهو قسمان:

الأول: ويتألف من أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك,

الثاني: ويتألف من أسفار: إشعياء، إرميا، حزقيال، هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونان، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجي، زكريا وملاخي,

3 - المكتوبات: وتشمل: المزامير، الأمثال، أيوب، دانيال، عزرا، نحميا، أخبار الأيام، نشيد الأنشاد، راعوث، مراثي إرميا، الجامعة وأستير,

أما أسفار العهد الجديد، فقد أجمع العلماء على أنها كتبت، ونشرت أيام كان كثيرون من خاصة المسيح الذين سمعوه ورأوه لا يزالون أحياء, وهي: الأناجيل الأربعة، سفر أعمال الرسل، رسائل بولس، رسائل بطرس، رسالة يعقوب رسائل يوحنا، رسالة يهوذا وسفر الرؤيا,

هذا موجز عن محتويات الكتاب، الذي أوحى به الله إلى رجاله القديسين, وقد حفظه الله، بعناية فائقة, وكما اختار رجالاً أمناء لكتابة وحيه، هكذا اختار رجالاً أمناء ليترجموه إلى لغات العالم, ومما لا ريب فيه أن وجوده الآن، في ما يقرب الألف وأربعمائة لغة ولهجة دليل على أن الله ساهر على كلمته وحافظ لها إلى الأبد,

نعم وستمضي الأمم، وتنتهي اللغات، ويتغير العالم بأسره, أما الكتاب المقدس العزيز فيبقى حياً إلى الأبد، لأن فيه رسالة الله لكل رجل وامرأة لكل ولد وفتاة، في كل زمان ومكان, أعني بذلك، رسالة الخلاص بيسوع المسيح, وهذه الرسالة، هي للجميع، لا فرق بين أبيض وأسود، أو جنس أو لسان أو أمة, إذ توجد قوة حية في الكتاب الإلهي، تعطي كل من يقبل يسوع مخلّصاً بالإيمان أن يصير ابناً لله,


AL-ATHRAM 04-26-2021 10:43 PM


Saif



سؤال لا بد منه

بعد ما تقدم، يحق لنا أن نسأل المدَّعين بتحريف الأسفار المقدسة دليلهم العلمي والتاريخي، عن الزمن الذي جرى فيه هذا التحريف؟

إن قالوا إنه حصل قبل المسيح، قلنا لهم إن المسيح قد صادق على صحة الكتب المقدسة,

أولاً: بالاستشهاد بما جاء فيها من نبوات تتكلم عنه، ومن أبرزها نبوة إشعياء التي تلاها المسيح في مجمع الناصرة حيث مكتوب:

رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لِأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لِأُبَشِّرَ المَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لِأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي القَلْبِ، لِأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِا لْإِطْلَاقِ. لِأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لِإِلَهِنَا. لِأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ ـ إشعياء 61: 1 و2 ـ , ويخبرنا لوقا البشير أن المسيح بعد أن تلا هذه النبوة الخاصة به قال للسامعين: ا لْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذا المَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ ـ لوقا 4: 21 ـ ,

ثانياً: بحضِّه اليهود على تلاوة الأسفار المقدسة ودرسها، إذ قال لهم: فَتِّشُوا الكُتُبَ لِأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ التِي تَشْهَدُ لِي ـ يوحنا 5: 39 ـ ,

ثالثاً: بتوبيخه الصدوقيين لجهلهم الأسفار المقدسة وعدم إقامة أحكامها إذ قال لهم: تَضِلُّونَ، إِذْ لَا تَعْرِفُونَ الكُتُبَ وَلَا قُوَّةَ اللّهِ ـ مرقس 12: 24 ـ ,

رابعاً: باتخاذها سلاحاً ضد تجارب إبليس, إذ نقرأ في الإنجيل المقدس، أن يسوع صدَّ التجارب التي هاجمه بها إبليس في برية الأردن بآيات من الكتاب المقدس, ففي صد التجربة الأولى قال: مَكْتُوبٌ أَنْ لَيْسَ بِا لْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ ـ لوقا 4: 4 مأخوذة عن سفر التثنية 8: 3 ـ وفي صد التجربة الثانية، قال مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ ـ لوقا 4: 8 مأخوذة عن سفر التثنية 6: 13 ـ , وفي صد التجربة الثالثة قال: قِيلَ: لَا تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ ـ لوقا 4: 12 مأخوذة عن سفر التثنية 6: 16 ـ ,
وكذلك رسل المسيح، حذوا حذو معلمهم في الاستشهاد بنبوات العهد القديم لدعم كتاباتهم، كقولهم عن هلاك يهوذا الاسخريوطي: لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ المَزَامِيرِ: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَاباً وَلَا يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ، وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آَخَرُ ـ أعمال 1: 20 مزمور 69: 25، مزمور 109: 8 ـ ,

وكقولهم عن حلول الروح القدس، في يوم العنصرة يَقُولُ اللّهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلَاماً. وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضاً وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ ـ أعمال 2: 17 و18، يوئيل 2: 28 و29 ـ ,

فهل يعقل أن المسيح ورسله الأمناء الموحى إليهم يستشهدون لإثبات رسوليتهم وتعاليمهم بآيات من كتب محرفة، ثم يحضّون الناس على تلاوتها وإقامة أحكامها؟ أو هل يتجاسر أحد على القول بأن المسيح ورسله لم يكونوا عالمين بتحريفها، فاستشهدوا بها وهم لا يدرون؟

لو تجرأ إنسان أياً كان مذهبه على الأخذ بزعم كهذا، لطعن في صحة الوحي إلى الرسل والأنبياء, وبالتالي ينسب إلى الله الإهمال في حفظ كلمته, ولعل الطعن يكون أشد على القرآن، لأن القرآن يتضمن عدداً عديداً من الشهادات لصحة الأسفار المقدسة,

وإن قال المدَّعون بالتحريف إن اليهود عبثوا بنصوص العهد القديم بعد المسيح، نقول لهم إن هذا مستحيل، لأن جميع أسفار العهد القديم كانت موجودة في أيدي المسيحيين, فلو أقدموا على مسِّها، لشهَّر المسيحيون بهم,

وإن قال المدَّعون بالتحريف إن المسيحيين هم الذين حرفوها، نقول لهم إن شيئاً كهذا لا يمكن أن يحدث, ولو بالفرض حدث، أما كانت تقوم قيامة اليهود على المسيحيين؟

وإن قال المدعون بالتحريف، إن المسيحيين واليهود تواطأوا معاً على تحريف الكتب المقدسة، لألقوا أنفسهم في السخرية، لأن اليهود المقاومين المسيحية منذ البدء والمنكرين مجيء المسيح، لا يمكن أن يتقربوا من المسيحيين والاتفاق معهم,

ولو افترضنا أن المستحيل حصل، أفما كان اليهود يشترطون حذف كل النصوص التي تمجد المسيح وتتكلم عن لاهوته، وكل النبوات التي تتكلم عن تجسُّده وولادته المعجزية من عذراء، وكل الأقوال النبوية عن آلامه وموته وقيامته؟ أما وكل هذه النصوص التي تمجِّد المسيح ما زالت باقية، فكل ادعاء في هذا الأمر يسقط,

وهناك حقيقة لا يستطيع أي مدَّعٍ بالتحريف أن يتجاهلها، وهي أنه منذ فجر المسيحية كانت أسفار العهد القديم موجودة لدى اليهود والمسيحيين بذات اللغة التي كتب بها رجال الله القديسون, وقد أجرى العلماء عدة مقابلات دقيقة بين النسخ المحفوظة عند الفريقين، فوجدوا أنها في غاية الاتفاق,

وكذلك لنا الحق أن نسأل مَن يدعون التحريف: متى حدث تحريف الإنجيل، هل قبل القرآن أم بعده؟

إن قالوا قبل القرآن، يوقعهم القرآن نفسه في إشكال، لا قِبَل لهم على الخروج منه، لأن القرآن يأمر محمداً أن يستعين بالذين يقرأون الكتاب المقدس للتخلص من الشكوك, إذ يقول:

فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذِينَ يَقْرَأُونَ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ـ سورة يونس 10: 94 ـ ,

وبما أن الله محيط علماً بكل شيء، فلا يليق بجلاله أن يحيل محمداً إلى قارئي كتاب محرف لكي يزيل الشكوك,

ويمضي القرآن في شهادته لصحة الكتاب المقدس فيقول: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِا لْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ـ سورة المائدة 5: 48 ـ ,

فالهيمنة هي الحراسة، والحراسة تعني الحفاظ على ما في كتاب الله من حقائق وشرائع إلهية, فإن كان التحريف المزعوم حصل بعد القرآن، فإن المدعي التحريف، يعني بقوله، إن القرآن أحبط في وظيفته كحارس,

وفي تعبير آخر، إن كان الإنجيل والتوراة قد حرفا بعد القرآن، يكون الادعاء بذلك اتهاماً صريحاً لأهل القرآن في التفريط بأهم الواجبات التي جاء القرآن لتأديتها, إذ كان عليهم على الأقل، أن يحتفظوا بنسخة أو أكثر من التوراة والإنجيل قبل تحريفهما، لأن الحراسة توجب وجود ما يُحرَس,

هكذا فعل المسيحيون، لما رأوا في التوراة نبوات عن المسيح سيدهم، فأقاموا أنفسهم حراساً عليها، وبذلوا الجهد في سبيل نشرها في العالم, حتى صارت اليوم تُقرأ بأكثر من 1400 لغة, فلماذا لم يفعل المسلمون هكذا، طالما هم يعتقدون بأن التوراة والإنجيل يحتويان على نبوات ودلائل عن محمد؟

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ـ سورة الحجر 15: 9 ـ ,

وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ـ سورة الأنعام 6: 34 ـ ,

لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ـ سورة يونس 10: 64 ـ ,

سُنَّةَ اللَّهِ التِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ـ سورة الفتح 48: 23 ـ ,

وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ـ سورة الأنعام 6: 115 ـ ,

وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ـ سورة الكهف 18: 27 ـ ,

هذه المجموعة من الآيات تحتوي وعوداً من الله بأنه لا يستطيع أحد أن يبدل كلمته، لأن الله أنزلها وهو حافظ لها,


ولعلنا بعد ما تقدم يجب أن نطرح هذا السؤال:

لو أن نفراً من المسلمين الذين يقيمون القرآن بدقة أرادوا الذهاب إلى أهل الكتاب ليسألوهم عن بعض الأمور الإلهية، صادفوا في طريقهم فريقاً من المدعين بالتحريف، وقالوا لهم إننا وفقاً لتعليم القرآن ذاهبون إلى أهل الذكر لنسألهم عن بعض الأمور، فهل يتجاسر أولئك المدَّعون على القول لهم: لا تذهبوا لأن ذكرهم محرف؟ ولو بالفرض أنهم تجاسروا، فماذا يكون موقف أولئك الأتقياء؟ هل يصدقون مَن يدعون التحريف، أم يصدقون قول القرآن:

فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ـ سورة النحل 16: 43 ـ ,


والسؤال الأول يفرض أن نطرح سؤالاً آخر وهو:

ماذا يكون حال المدعين بالتحريف، لو أن الملحدين، الذين بثوا فيهم فكرة تحريف التوراة والإنجيل، رموا القرآن بما رموا به التوراة والإنجيل، وقالوا إنه محرف؟ فبماذا يردّون عليهم، وأي سلاح يشهرونه في وجه الملاحدة، بعد أن يكونوا قد طرحوا السلاح الوحيد الذي أوجده الله في أيديهم، وهو وعده بحفظ كتبه المقدسة من كل عبث وتحريف؟

وهناك سؤال ثالث وهو: ما هو موقف عامة المسلمين الذين أخذوا بادعاء المدعين بالتحريف من قول القرآن:

الم ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِا لْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ والذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلكَِ وَبِا لَآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَّبِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ـ سورة البقرة 2: 1-5 ـ ,


قُولُوا آمَنَّا بِا للَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ـ سورة البقرة 2: 136 ـ ,

فكيف يأمر القرآن الذين آمنوا بما أنزل فيه بأن لا يفرقوا بين قرآنهم وبين الكتاب الذي من قبل، وهو عارف بأن الذي أنزل من قبل محرف ومتغير ألا يكون الادعاء بالتحريف اتهاماً لبر الله وصدقه وأمانته؟




AL-ATHRAM 05-26-2021 09:32 PM


saif


خذ الحقيقة من التاريخ

كل من قرأ التاريخ رأى أن المسيحيين منذ بداية العصر الرسولي إلى بداية القرن الرابع الميلادي عانوا الاضطهاد والتنكيل من الوثنيين واليهود, واحتملوا العذابات بأقسى ألوانها بصبر أدهش العالم، حتى معذبيهم أنفسهم, وهذا الاحتمال العجيب نشأ عن إيمانهم بالإنجيل المقدس، وتمسكهم بمبادئه الإلهية,
والتاريخ يروي لنا أنهم أقبلوا على الاستشهاد بفرح حباً بالمسيح، وطاعة لأمره القائل: كُنْ أَمِيناً إِلَى المَوْتِ ـ رؤيا 2: 10 ـ وأن كثيرين منهم ضوعفت عذاباتهم، لأنهم أبوا أن ينكروا المسيح، أو يرفضوا إنجيله، حباً بالنجاة, مفضلين بالأحرى، أي نوع من الموت، على التمتع الوقتي بالحياة,

افتح سجلات المسيحية، ترى ذكراً لسحابة من الشهود، الذين عُذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل, فهل يصدق أحد أن المسيحيين الذين قدموا هذه التضحيات الرائعة وتجرعوا مر الآلام لأجل مبادئ الإنجيل، يقدمون على تحريف إنجيلهم؟

وهل يسمح المسيحيون لأحد، أياً كان شأنه، أن يبدل كلمة من إنجيل الله، ولهم تلك الوصية الرسولية القائلة: وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلَاكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا أي مرفوضاً ـ غلاطية 1: 8 ـ ,
وإني لأسأل كل مدَّعٍ بالتحريف: ما هو الباعث للمسيحيين على تحريف كتبهم المقدسة؟ هل يكون هذه الباعث أفضل من حياتهم الأبدية؟ إن ربهم وفاديهم الذي عبدوه بأرواحهم ودمائهم، وكل عزيز وثمين لديهم، قد ختم عهده معهم برسالة بلغها بواسطة رسوله الأمين يوحنا: لِأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذا الكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذا يَزِيدُ اللّهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ المَكْتُوبَةَ فِي هذا الكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذهِ النُّبُوَّةِ يَحْذِفُ اللّهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الحَيَاةِ، وَمِنَ المَدِينَةِ المُقَدَّسَةِ، وَمِنَ المَكْتُوبِ فِي هذا الكِتَابِ ـ رؤيا 22: 18 و19 ـ ,

أما إذا قالوا إن التحريف حدث بعد القرآن، فإن الواقع يدحض زعمهم بالاستناد على الحقائق التالية:

ـ 1 ـ إن الديانة المسيحية كانت منتشرة في بلدان عديدة، كالأناضول وبلاد العرب، وشمالي إفريقيا وإيران، والهند، وإيطاليا، وفرنسا، وإسبانيا، وإنجلترا، وألمانيا، فهل يسلم العقل السليم بأن المسيحيين المنتشرين في هذه البلدان المتعددة والمتباعدة، اجتمعوا يوماً في مكان واحد للاتفاق على تحريف الإنجيل؟

ـ 2 ـ إن الذين اعتنقوا المسيحية في تلك البلدان، لم تكن لهم لغة واحدة، بل لغات مختلفة, والكتاب العزيز كان منتشراً في لغاتهم مما يجعل اتفاقهم على تزوير الكتابات المقدسة أمراً مستحيلاً, سيما أنهم كانوا يجهلون لغات بعضهم البعض,

ـ 3 ـ إن المسيحيين في القرن الرابع، كانوا منقسمين إلى طوائف عديدة، يباعد بينها بعض العقائد المذهبية, وكل فريق يجتهد لدعم وجهة نظره بآيات الكتاب المقدس, فكثرت المناقشات حول التفسير, وعقدت مجامع بحثت فيها الخلافات العقائدية، وأشهرها مجمع نيقية الذي انتهى بشجب بدعة آريوس وأتباعه, ولهذا يسقط الادعاء بأن المسيحيين اتفقوا على تحريف الإنجيل, ولعله من الحق الصريح أن نسأل المدعين بالتحريف أن يذكروا لنا متى وأين حصل التحريف، ومن هم الذين حرفوه، وكيف حصل الاتفاق بينهم؟

إن العالم لم يخل يوماً من مؤرخين أمناء، دأبهم أن يدوّنوا الحوادث في سجلاتهم, فهل يستطيع أحد أن يذكر لنا اسم مؤرخ وثني أو يهودي أو مسلم، ذكر ولو تلميحاً أن مؤتمراً عُقد بين شعوب العالم المعتنقة اليهودية والمسيحية والمختلفة في العقيدة واللغة، وجرى فيه العبث بكلام الله؟ وإن كان هذا قد حدث، أفلم يكن في استطاعة أحد أن يحتفظ ولو بنسخة واحدة، لتبقى شاهداً على تواطؤ اليهود والمسيحيين؟

ويقيناً أنه لو حدث تواطؤ كهذا، لكان معناه أن الخصومات بين اليهود والمسيحيين قد زالت، وكان الثمن تحريف شريعة الله,



AL-ATHRAM 06-19-2021 10:27 PM


saif

قول أعلام المسلمين في موضوع التحريف

رأينا في ما تقدم، أن القرآن يعتبر التوراة والإنجيل كلام الله, وأنه أكد أن كلام الله لا يمكن أن يبدل أو يغير, فإن كانت هاتان الشهادتان صحيحتين، كانت النتيجة ضرورة عدم تحريف التوراة والإنجيل، لا قبل القرآن ولا بعده,

والواقع أن علماء المسلمين في الهند، لما فحصوا هذه المسألة بتدقيق، على ضوء معطيات القرآن، اقتنعوا بأن أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد لم تتبدل ولم تتغير، ولم تتحرف حسب مفهوم العامة, وإنما هناك إشارات إلى تصرف بعض اليهود بالتفسير تصرفاً سيئاً,

ولعل هؤلاء العلماء الأمناء، بنوا اقتناعهم على تفاسير العلماء لبعض آيات القرآن، كالرازي والجلالين وأبي جعفر الطبري,

منها:

مِنَ الذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بَأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ ـ سورة النساء 4: 46 ـ ,

وخلاصة تفسير الرازي لهذه الآية، أن قوماً من اليهود اعتادوا أن يدخلوا على محمد ليسألوه المسألة، فيجيبهم عليها, ومتى خرجوا من عنده يحرفون كلامه,

ونقرأ في تفسير الجلالين لهذه الآية، أن قوماً من اليهود، يغيرون الكلام الذي أنزل الله في التوراة، من نعت محمد، عن مواضعه التي وضع عليها, يقولون له إذا أمر بشيء سمعنا قولك وعصينا أمرك واسمع غير مسمع، بمعنى الدعاء, أي لا سمعت, ويقولون له راعنا، وهي كلمة سب في لغتهم, ليّاً أي تحريفاً بألسنتهم وطعناً في الإسلام ـ الجلالان 112 ـ ,

ونقرأ في تفسير الطبري أن اليهود كانوا يسبون محمداً ويؤذونه بأقبح من القول, ويقولون له: اسمع منا غير مسمع، كقول القائل للرجل يسبه: اسمع لا أسمعك الله, أما كلمة راعنا فقد فسرها بالإسناد عن ابن وهب، بأن الراعن هو الخطأ من الكلام,

وبناء على هذه التفاسير، لا يكون اليهود حذفوا شيئاً من نصوص الكتاب، أو زادوا شيئاً، بل حوروا معنى الكلام بلي اللسان ـ الطبري ـ ,

يَا أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ـ سورة المائدة 5: 15 ـ ,

قال الإمام الرازي في تفسير هذه الآية إن اليهود فيما يقرأون التوراة ـ تثنية 22: 23 و24 ـ لووا ألسنتهم وبدلوا معنى الرجم بالجلد,

أما الطبري فيقول في تفسير هذه الآية إن اليهود جاءوا إلى محمد يسألونه عن الرجم، واجتمعوا في بيت, قال: أيكم أعلم؟ فأشاروا إلى ابن صوريا، فقال: أنت أعلمهم؟ قال: سل عما شئت! قال: أنت أعلمهم؟ قال: إنهم ليزعمون ذلك! فناشده بالذي أنزل التوراة على موسى، ورفع الطور، وناشده بالمواثيق التي اتخذت عليهم، حتى أخذه أفكل ـ رعدة ـ فقال إن نساءنا نساء حسان فكثر فينا القتل، فاختصرنا، فجلدنا مئة جلدة وحلقنا الرؤوس, فحكم عليهم بالرجم ـ الطبري ـ ,

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الكِتَابَ الذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً ـ سورة الأنعام 6: 91 ـ ,

يتفق البيضاوي والرازي والطبري أن المراد بالتحريف هنا تشويه الحقائق بكتمان بعضاً من نصوص التوراة, بمعنى أنهم يعزون إلى اليهود أنهم كتبوا التوراة في قراطيس وأظهروا للناس كثيراً مما كتبوا, وأخفوا كثيراً مما ثبتوه في القراطيس فيُسرِّونه ويكتمونه الناس,

ونحن نقول إن عملهم شائن وممقوت، ولكن إخفاء القراطيس يختلف عن تبديل النص,
أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ـ سورة البقرة 2: 75 ـ ,

جاء في تفسير الطبري أن بعض أهل العلم، قالوا لموسى: يا موسى قد حيل بيننا وبين رؤية الله عز وجل، فاسمِعنا كلامه حين يكلمك, فطلب ذلك موسى إلى ربه، فقال: نعم، فمُرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم، ويصوموا, ففعلوا, ثم خرج بهم حتى أتى الطور, فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى فوقعوا سجوداً, وكلّمه ربه، فسمعوا كلامه، يأمرهم وينهاهم حتى عقلوا ما سمعوا, ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل, فلما جاءوهم حرَّف فريق منهم ما أمرهم به,

فمما تقدم نفهم أن فريقاً من علماء اليهود حوروا معنى الكلام الذي سمعوه وعقلوه, ولكن الفريق الآخر تقيد بما سمع ـ الطبري ـ ,

وَمِنَ الذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ـ سورة المائدة 5: 41 ـ ,

جاء في تفسير الجلالين أن هذه الآية قيلت في جماعة من يهود خيبر، زنى فيهم محصنان، فكرهوا رجمهما, فبعثوا جماعة من قريظة ليسألوا محمداً عن حكمهما الذي في التوراة كآية الرجم, والتحريف الذي اتهموا به، هو أن يهود خيبر قالوا للذين أرسلوهم، إن أفتاكم محمد بالجلد فاقبلوه, وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا أن تقبلوه ـ الجلالان 150 ـ ,

ولعله من المناسب أن نطرح هذا السؤال: مَن مِنَ اليهود حرف التوراة، وفي أي عصر؟ يقول الإمام الرازي، إنهم معاصرو محمد بالذات, إلا أنه يقول في المجلد الثالث من تفسير القرآن، إن المراد بالتحريف هو إلقاء الشُّبه الباطلة والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية، كما يفعل أهل البدع في كل زمان بالآيات المخالفة لمذاهبهم,

نحن لا ندافع هنا عن نزاهة اليهود، وإنما نود أن يعلم الناس أن اليهود لم يتجاسروا على تبديل آيات التوراة, وهذا الأمر لم يرد في اتهامات القرآن, وهنا أمر يجب أن نشير إليه، وهو أن القرآن لم يتهم المسيحيين، بأنهم حرفوا الإنجيل,

وعلى أي حال نقول لكل إنسان يدعي بتحريف الكتاب المقدس في نصوصه، أو يزعم أن الكتاب الصحيح غير موجود، نقول له إن مزاعمه تجعله مخالفاً لنصوص القرآن الصريحة التي تشهد بالكتاب المقدس بأنه حق، لا يأتيه الباطل، من بين يديه، ولا من خلفه, وقد تأكدنا أن من أهم أغراض القرآن أنه جاء ليكون مصدقاً للكتاب المقدس,

ويقيناً أنه ليس من أحد، يؤمن بالله وكتبه ورسله، يقدر أن ينسب إليه تعالى أنه أنزل القرآن مصدقاً لكتاب مزور ومشوش، في العقائد الدينية التي جاءت فيه.




أخوكم سيف
على ان لنا عودا حميدا مع مسألة الصلب
و مسائل أخرى لا تحصى إن شاء الله




AL-ATHRAM 07-14-2021 09:20 PM

بشرى ...


أخي الكريم الأثرم ...

بداية أنا فعلاً أستغرب من قولك : (والرد على جزء وترك الباقي .. فما معناها .. )
وأنت حتى الآن لم تجب ولا على سؤال واحد !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

أما هذا الهجوم على اليهود لأنهم لوثوا سيرة الأنبياء .. فيبدو بأن الأنبياء لم يسلموا أيضاً من كلام القرآن ..
ففي حين أن التوارة لم تذكر ليوسف الصديّق أي خطيئة .. نجد أن القرآن ينسب له خطيئة لم يقترفها .( كما بين الأخ سينسر)

وابراهيم بحسب القرآن يأتي عملاً منكر وحرام , ويكذب أيضاً :

" فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ .فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ "( الصافات 88-89 )

وقال علماء الإسلام: النظر في علم النجوم حرام ، وحكمه بأنه سقيم كذب (الرازي )

يقول الطبري : " قال أرسل إليه ملكهم فقال إن غدا عيدنا فاحضر معنا قال فنظر إلى نجم فقال إن ذلك النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقم لي فقال إني سقيم "

ويتابع الطبري ويقول : " حدثنا أبو كريب قال ثنا أبو أسامة قال ثني هشام عن محمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يكذب إبراهيم غير ثلاث كذبات ثنتين في ذات الله قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله في سارة هي أختي "

وإن كانت التوراة تذكر خطايا الأنبياء .. فليس الغاية من الكتاب المقدس تمجيد الأشخاص , وإنما تمجيد الله الكلي القداسة , الذي لم يترك خطيئة لا صغيرة ولا كبيرة إلا وبين شناعتها وبشاعتها ومرارتها وعقابها ..

بشرى ..


AL-ATHRAM 07-26-2021 09:53 PM

بشرى ...


أخي سيف .. بداية أرحب بك , وأشكرك على هذا المقال الممتاز( حتى لو كان نسخ / لصق , فهذا هو أسلوبهم على كل حال ) .. فما جاء فيه من أدلة وبراهين علمية وتاريخية وشهادات لآباء الكنيسة الأوائل وأقوال لبعض علماء المسلمين البارزين , تدحض مزاعم كل المدعين بتحريف الكتاب المقدس .
ولكن المشكلة أن بعضاً من أمة أقرأ ,لا تقرأ .. ولا تريد أن تقرأ .

واسمح لي أن أضيف على مقالك ما قاله بعض علماء المسلمين بخصوص تهمة التحريف هذه :
" وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه أي يتأولونه على غير تأويله من بعد ماعقلوه أي فهموه " ( تفسير ابن كثير )
" ويعني بقوله ثم يحرفونه , ثم يبدلون معناه وتأويله ويغيرونه " .( تفسير الطبري )

" يسمعون كلام الله ثم يحرفونه أي يسمعون التوراة ويؤولونها تأويلا فاسدا حسب أغراضهم ".( تفسير الألوسي - روح المعاني )

وكذلك هو موقف البخاري : " يحرفون الكلم عن مواضعه , أي يزيلونه , وليس أحد يزيل لفظ كتاب من الله تعالى , ولكنهم يتأولونه على غير تأويله "
وكذلك ينقض الرازي معنى التحريف بتغيير اللفظ في النص المنزل فيقول : " لأن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى فيه تغيير اللفظ "

وهذا أيضاً ما يراه أحمد أمين في ضحى الإسلام 1 : 358 : " وذهبت طائفة أخرى من أئمة الحديث والفقه والإسلام إلى أن التبديل وقع في التأويل لا في التنزيل ....... وحجة هؤلاء أن التوراة قد طبقت مشارق الأرض ومغاربها ( قبل ظهور القرآن ) ولا يعلم عدد نسخها إلا الله , ومن الممتنع أن يقع التواطؤ على التبديل والتغيير في جميع تلك النسخ , بحيث لا تبقى في الأرض نسخة إلا مبدلة , مغيرة , والتغيير على منهاج واحد . وهذا ما يحيله العقل ويشهد ببطلانه .. "

فالقرآن وكبار علماء المسلمين يقولون بأن المقصود بالتحريف هو في تأويل معنى النص وليس في حرف النص المنزل .. وأن هذا الكلام موجه لفريق من اليهود , وليس كل اليهود , لأن أن الفريق الآخر " يتلونه حق تلاوته " أي " يقرؤونه كما أنزل " ( الجلالان ) .

إضافة إلى أنهم أجمعوا بأن التحريف ( تحريف التأويل ) هو حصراً في آية واحدة وهي الرجم , وقد يضيف بعض المفسرين صفة محمد " النبي الأمي " ..

وبعد كل هذا يأتي من يدعي بتحريف الكتاب المقدس ... والأدهى من هذا هو اتهامهم الإنجيل بالتحريف علماً بأن لا يوجد آية واحدة في القرآن تذكر النصارى وإنجليهم بالتحريف ...
وهذا طعن في القرآن .. وافتراء على الإنجيل والمسيحيين .

بانتظار تتمة موضوعك ..
لك التحية والسلام
بشرى


AL-ATHRAM 08-16-2021 09:49 PM

بسم الله الرحمن الرحيم



اقتباس:

وبعد كل هذا يأتي من يدعي بتحريف الكتاب المقدس ... والأدهى من هذا هو اتهامهم الإنجيل بالتحريف

إن قصة لوط عليه الصلاة والسلام في التوراة المحرفة تمثل منتهى الإسفاف والحقارة التي وصل إليها الأحبار الذين حرّفوا التوراة ولوثوا الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام .. وتبلغ هذه الحقارة والدناءة أقصى دركاتها حطة .. في قصة لوط رسول الله الذي تزعم التوراة المحرفة أنه زنى بابنتيه .. وأنجب من كل واحدة منها ولداً .. أحدهما يدعي بن عمون والآخر موآب .. وتزعم التوراة المحرفة أن ذلك حدث بعد أن أهلك الله قرى سدوم وعمورة نتيجة لفسادها .. ونجّا الله لوطاً مع ابنتيه .. فلما نجاهم من القوم الفاسقين .. التجأ لوط وابنتاه إلى مغارة في الجبل ..

وهناك تقدمت الفتاتان وسقتا أباهما خمراً .. واضطجعت معه الكبرى في الليلة الأولى .. فلم يشعر باضطجاعها ولا بقيامها .. لأنه كان مخموراً لدرجة لا يميز فيها الأشياء .



وفي الليلة التالية سكر أيضاً واضطجعت معه الصغرى .. ولم يشعر باضطجاعها ولا بقيامها .. وحبلت الفتاتان وأنجبت الكبرى موآب وهو أبو الموآبيين _ الذين عاشوا في منطقة الأردن _ وأنجبت الصغرى بن عمون .. وهو أبو بني عمون الذين عاشوا أيضاً في الأردن..

صورة حقيرة موغلة في البذاءة والشر ..


أهذا هو المنطق ..؟ ..

أهذا هو الطريق الحقيقي المؤدي إلى الجنة ؟؟!!

رأوبين يزني بامرأة أبيه :


" ثم رحلً إسرائيل ونصب خيمتهُ وراء مجدل عِدْرَ. وحدث إذ اسرائيل ساكناً في تلك الأرض أن رأوبين _ بكر يعقوب _ ذهب واضطجع مع ( بلهة ) سرية أبيه وسمع إسرائيل .. وكان بنو يعقوب اثني عشره . بنو ليتة رأوبين بكرُبعقوب وشمعون ولاوي ويهوذا ويساكرُ وزبولونُ . وابنا راحيل يُوسفُ وبنيامين . وابنا ( بلهة ) جارية راحيل دانُ ونفتالي . وابنا زلفة جارية ليئةَ جادُ وأشيرُ . هؤلاء بنو يعقوب الذين وُلدوُوا لهُ في فدان أرام . " ( التكوين 35 : 21 36 )


لم يعلن إسرائيل _يعقوب_ غضبه على هذه الفعلة الشنعاء بل سكت عليها وبارك ابنه البكر رأوبيين :

" رأوبيين أنت بكري قوتي وأول قدرتي . فضل الرفعة وفضل العز ، فائراً كالماء لا تتفضّل لأنك صعدت على مضجع أبيك . حينئذ دنسته . على فارشي صَعِدَ " ( تكوين 49 : 3 – 5 )


يهوذا يزني بكنته ثمارا زوجة ابنه عير :


قصة طويلة : يهوذا هو أحد الأسباط وأشجع أبناء يعقوب .... ( سفر التكوين 38 : 6 – 27 )


" .... ولما طال الزمان ماتت امرأة يهوذا فصعد يهوذا إلى جُزاز ... فأخبرت ثامارا وقيل لها هو ذا حموك صاعد .... تغطت ببرقع وتلففت وجلست في مدخل عينايم .. فنظرها يهوذا وحسبها زانية .... فمال إليها على الطريق وقال هاتي أدخل عليك . لأنه لم يعلم أنها كنته فقالت : ماذا تعطيني لكي تدخل علي؟ ... هل تعطيني رهناً حتى ترسله ؟ ... خاتمك وعصابتك وعصاك التي في يدك . فأعطاها ودخل عليها فحبلت منه ..ولما كان نحو ثلاثة أشهر أُخبر يهوذا وقيل قد زنت ثامارا كنتك .. .. فقال يهوذا أخرجوها فتحرق ..

وقالت :

حقق لمن الخاتم والعصابة والعصا هذه. فحققها يهوذا .

وقال :

(( هي أبرُّ مني )) لأني لم أعطها لشيلة ابني ."



صورة بشعة ووقحة وقذرة ، تجمع أخلاق يهوذا من التظاهر بالدين ، حيث يطلب يهوذا المجرم الزاني أن تخرج ثامارا وتحرق لأنها زانية، فلما تحقق أنها حبلى نتيجة زناها قال : هي أبرُّ مني . ((( والأصح ))) أن يقول (( أنا أفجر منها وأفسق )) . فهو فاجر فاسق متظاهر بالدين حسب نصوص التوراة المحرفة التي ألزمكم بها ربكم يسوع .


" زوال السماء والأرض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس " ( لوقا 16 : 17 ) .



وولدت ثامارا من زناها بيهوذا توأمين : أحدهما فارص والآخر زارح هؤلاء التوأمين هم أجداد الرب يسوع )) .


وتحدّر من فارص ولد الزنى داود كما يزعمون . أما سليمان بن داود فكان أيضاً حسب قولهم ابن زنى .. عندما قام داود _ حسب زعمهم _ (( بالاعتداء على حليلة جاره أوريا الحثّي )) وقائد جيشه {{ وأنجبت من زناها بداود }} حسب افترائهم سليمان .



يقول متى :


" كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم . إبراهيم ولد اسحق . واسحق ولد يعقوب . ويعقوب ولد يهوذا واخوتهُ . ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار ( زانية ) وفارص ولد حَصْرون وحصْرون ولد ارام . وأرام ولد عمّيناداب. وعمّيناداب ولد نَحْشون . ونَحْشون ولد سلمون . وسَلْمون ولد بوعز من راحاب ( زانية سفر يوشع 6 : 17 ) . وبوعز ولد عوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يَسََّى . ويَسَّى ولد داود الملك . وداود الملك ولد سليمان من التي لاوريََا ( زانية ) . وسليمان ولد رَجَعْام . ...... ومتَّان ولد يعقوب . ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي وُلدي منها يسوع الذي يُدْعَي المسيح .... " ( 1 – 17 ) .

هؤلاء هم أجداد الله ( الرب يسوع ) ..

وزوج أم الله ( الرب يسوع ) يوسف .. ينحدر من هذه السلسلة ..


أهذا هو المنطق ..


سبحان الله .. فأي نسب شريف هذا الذي تنسبونه للمسيح .. وأي تعظيم أو تشريف أو حتى تأليه تقصدونه .. فهل يعقل أن يكون أحد أجداد المسيح الذي تقدسونه زانياً ثلاثة منهما أولاد زنا من زانية . {{ ثم ترفعونه بعدها إلى مصاف الآلهة }} ؟!

هل هذا من الدين والأخلاق والمنطق ؟!


وهم ( كتبة الاناجيل ) بهذا يريدون فقط أن يقنعونا بأنه من نسب داود ، لأن في ذلك أهمية كبيرة .. وهي محاولة إثبات أنه ملك اليهود المنتظر ، الذي يجب أن يكون من صلب ونسب داود ، ليرث ملك أجداده .. فهل رأيتم تحريفاً أكثر من هذا ..


إن هذا ليؤكد أن المسيح ليس من نسل داود .. وانه بشر .. وليس بإله ..

وهذا الإله استغفر الله خالق الأرض والسماوات والملائكة والبشر والمجموعات الشمسية وكل شيء كما صوره كتبة الاناجيل .. ينزل من علياءه وعظمته ليدخل رحم امرأة هو خالقها ويعيش داخلها تسعة أشهر .. ويخرج هذا الإله من فرجها ملطخ بالدماء فاتحا فاه ليلقف ثديها ليشرب الحليب .. فتضمه هذه الأم المخلوقة إلى صدرها لتطعمه الحليب وتعطيه الحنان وتربيه وتعلمه .. ثم يختن هذا الإله وتقطع من عظوه الذكري قطعة صغير من اللحم ( غلفة الذكر ) على يد أحد خلقه ..

وللحديث بقية ..

أخوكم : الاثرم

AL-ATHRAM 08-31-2021 09:02 PM

ثم جاءت مداخلة من الأخ سيف .. وبدأ يكتب ويكتب .. ولم أقاطعه ..



saif

أخي الأثرم
مجاراة لك قي طريقتك في النقاش، أطرح بين يديك و أيدي كل الخراف الضالة من المسلمين هذا المبحث الذي فيه إن شاء الله شفاء لصدرك و رحمة. فاقرأ و تدبر القول عسى أن يجعل الله لك مخرجا و يثبتك و يهديك صراطا مستقيما، إنه كان على ذلك قديرا
أخوك سيف



الفصل الأول

عصمة الوحي

اعترض (صاحبنا) على التوراة لأنها ذكرت خطايا بعض الأنبياء, مع أن القرآن الذي يعوّل عليه المسلمون في العبادات والاعتقادات والمعاملات اقتبس من التوراة والإنجيل، وذكر أغلب خطايا الأنبياء تارة بالبيان الصريح وأخرى بالكناية والتلميح, وورد شيء من ذلك في الأحاديث (السُّنة), فلذا نورد اعتراضهما ثم نردُّ عليه من القرآن والحديث، لنجاوب بالأدلة المسلَّمة عنده التي يعتقد بصحتها, ونحن لا نعتقد بصحة المنقول عنه, ولكن لما كانت الغاية إقناع المسلم أوردنا له ما يعتبره الحكم الفصل,
قال صاحب السيف الحميدي:

ما نرى من نبي ذُكر في الكتب المقدسة من نوح إلى المسيح إلا ويكون فاسقاً أو كافراً أو كاذباً أو زانياً أو من أولاد الزنا, أعاذنا الله من أمثال هذه الاعتقادات الفاسدة في حق أنبياء الكرام , وقال: اني أتبرأ من اعتقادها بالقلب واللسان، واستغفر الله العظيم, وليس نقلها إلا كنقل كلمات الكفر، ونقل الكفر ليس بكفر ,


وللرد نقول:

1 - إن ادعاءه أن الكتاب المقدس نسب للأنبياء الكفر والفسق وغيرهما افتراء محض، فهم منزهون عن الكفر والكذب, إنهم معصومون عن كل عيب ونقص في إبلاغ ما أوحي إليهم, وكتاب الله ناطق بأن الروح القدس هو الذي كان يرشدهم إلى ما يقولون, ومع ذلك لا ننكر أنهم كانوا كسائر الناس في الأمور العادية، فكان يقع منهم الخطأ والسهو والنسيان,

2 - مما يدل على بطلان قوله، إن الكتاب المقدس ذكر أخنوخ و إيليا ويوسف الصديق ودانيال النبي وغيرهم، ولم ينسب إليهم أي خطأ, بل أن القرآن نسب إلى يوسف ما لم يفعله، فقال: ولقد همَّت به وهمَّ بها (يوسف 12:24) - أي قصدت مخالطته وقصد مخالطتها, والهمُّ بالشيء قصده والعزم عليه، ومنه الهمام وهو الذي إذا همَّ بشيء فعله, أما التوراة فقالت إنها لما طلبت مخالطته قال لها: كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟ (تكوين 39:9), فتأمل في العبارتين، وانظر أي الكتابين نسب إلى يوسف الخطية, وقد قال الإنجيل إن من اشتهى كان كمن اقترف ذات الفعل، والقرآن لم يقل إنه اشتهى فقط، بل عزم على الفعل,

3 - يقول الكتاب المقدس إن المسيح وحده هو القدوس المنزَّه عن النقص والعيب، حتى لم يجد أعداؤه فيه أدنى عِلَّة، فإنه كلمة الله الأزلي، الذي داس الشيطان بقوته وقدرته وقداسته, وقد ورد في آل عمران 3 : 36 إني سمَّيتها مريم، وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم وللبخاري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: ما من بني آدم من مولود إلا نخسه الشيطان حين يُولد، فيستهلُّ صارخاً من نخسه إياه، إلا مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم: وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (صحيح البخاري كتاب التفسير - باب سورة آل عمران), وعن أبي هريرة أيضاً: كل ابن آدم يطعنه الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد، غير عيسى بن مريم، ذهب ليطعن فطعن في الحجاب (أي لم يمسَّه بشيء)(مشكاة المصابيح تحقيق الألباني - حديث رقم 5723), فمن هنا يظهر عدم صحة القول إن الكتاب المقدس لم يذكر نبياً ولا غيره إلا نسب إليه الفسق,

4 - مع ذلك فقد ذكرت التوراة أن بعض الأنبياء اقترفوا الآثام، فانهم بشر، والنقص ملازم للإنسان مهما كانت درجته ومنزلته وتقواه، والله وحده هو المنفرد بالكمال, وأما الإنسان فهو محل النقص و النسيان، ولا يُستثنَى من هذا الحكم أحد، لا عالم ولا جاهل، ولا كبير ولا صغير، ولا أمير ولا مأمور ومن ذا الذي ما ساء قط, ومن له الحسنى فقط , ومع ذلك فقد عصم الله الأنبياء الذين اصطفاهم لتبليغ رسالته وإعلان مشيئته وإرادته، فحفظهم من الخطأ والنسيان، وهداهم بروحه إلى ما يجب أن يقولوه ويبلغوه, فهم معصومون من الخطأ في تبليغ الرسالة، ولكنهم غير معصومين في الأعمال العادية، دلالة على ضعف الطبيعة البشرية، وافتقار العالم قاطبة إلى فادٍ كريم يخلّصهم من الخطية ونتائجها فانه لما أخطأ آدم الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وفي غاية القداسة والطهارة والفهم وسعة الإدراك، دخلت الخطية إلى العالم ببلاياها فأخطأت ذريته ولا عجب إذا أخطأ إبراهيم وموسى وداود وسليمان كما سنذكره, ولكن لما وقع أولئك الأفاضل في الخطايا اعترفوا بذنوبهم وصرحوا بتوبتهم واستغفارهم وبكائهم,

5 - توهَّم المعترض الغير مؤمن أن النبي ينبغي أن يكون معصوماً عن كل خطية، والحقيقة هي غير ذلك، فالنبي معصوم في تبليغ الأقوال الإلهية فقط، فلا يخطئ فيها مطلقاً,
قال فخر الدين الرازي: اختلف الناس في عصمة الأنبياء, وضبط القول فيها يرجع إلى أربعة أقسام:

أ - ما يقع في باب الاعتقاد، وهو اعتقاد الكفر والضلالة، فإن ذلك غير جائز عليهم,

ب - ما يتعلق بالتبليغ، فقد أجمعت الأمة على كونهم معصومين عن الكذب، مواظبين على التبليغ والتحريض، وإلا ارتفع الوثوق بالأداء, واتفقوا على أن ذلك لا يجوز وقوعه منهم عمداً ولا سهواً, ومن الناس من جوّز ذلك سهواً، وقالوا: لأن الاحتراز عنه غير ممكن ,

ج - ما يتعلق بالفتيا، فأجمعوا على أنه لا يجوز خطأهم فيها على سبيل العمد، وأجازه بعضهم على سبيل السهو,

د - ما يقع في أفعالهم, فقد اختلفت الأمة فيه على خمسة أقوال:

* قول من جوّز عليهم الكبائر,
* قول من منع من الكبائر وجوّز الصغائر على جهة العمد، وهو قول أكثر المعتزلة,
* لا يجوز أن يأتوا بصغيرة ولا كبيرة البتة، بل على جهة التأويل وهو قول الجبائي,
* لا يقع منهم الذنب إلا على جهة السهو والخطأ,
* لا تقع منهم كبيرة ولا صغيرة، لا على سبيل العمد ولا على سبيل السهو، ولا على سبيل التأويل, وهو قول الشيعة, وغير ذلك من الاختلافات (عصمة الأنبياء - فخر الدين الرازي تقديم ومراجعة محمد حجازي),

ومن جرد نفسه من الهوى جزم بجواز وقوعهم في الخطية كما هو نص القرآن والأحاديث، ولكنهم معصومون في تبليغ أقول الله، ولا يجوز أن يخطئوا فيها لا عمداً ولا سهواً، لأن الله هو الحافظ لهم في ذلك، وهو الناطق على ألسنتهم بروحه القدوس، وهم آلات في يده,

AL-ATHRAM 09-23-2021 08:56 PM

saif



الفصل الثاني

خطية آدم

ابتدأنا بذكر خطية آدم لأنها من الحقائق الجوهرية في الديانة المسيحية، فنقول إنه كان نائباً عن ذريته، فأخذ الله عليه العهد والميثاق، فنكثه بمعصيته، فاستوجبت ذريته القصاص لأنه كان نائباً عنهم, فلما نقض العهد، نقضت ذريته العهد أيضاً,

ورد في القرآن ما يدل على أن آدم كان نائباً عن ذريته, جاء في الأعراف 7: 172 ، 173

وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم، ألستُ بربكم قالوا بلى، شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟ ,

فقوله: أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ولم يقل ظهر آدم لأن الله أخرج ذرية بعضهم من ظهر بعض، وهم كلهم بنو آدم وأُخرجوا من ظهره, رُوي عن ابن عباس من طرق مختلفة، أن محمداً قال: أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان، يعني عرفه، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم وقال:

ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنّا كنا عن هذا غافلين ,

وعن ابن عباس قال: أول ما أهبط الله آدم إلى الأرض أهبطه بدهناء أرض الهند، فمسح ظهره فأخرج منه كل نسمة هو بارئها إلى يوم القيامة بنعمان الذي وراء عرفه، فكلمهم الله وأنطقهم، وأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً بعد أن ركَّب فيهم عقولًا وتكفَّل لهم بالأرزاق وكتب آجالهم ومصائبهم وغيرها، ثم أعادهم في صُلبه، فلن تقوم الساعة حتى يُولد كل من أُعطي الميثاق يومئذ ,وقال محمد: أُُخذوا من ظهره كما يُؤخذ بالمشط من الرأس، وأخذ عليهم العهد , والأحاديث كثيرة في ذلك (انظر الطبري في تفسير الأعراف 172),

وقال الشيخ القزويني إنه استخرجهم من مسام شعرات ظهره, ومما يدل على أن ذريته أخطأت بخطيته، ما رُوي عن أبي هريرة، قال محمد: لما خلق الله سبحانه وتعالى آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل انسان وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم فقال:'أي رب ، من هؤلاء؟` قال:'هؤلاء ذريتك` فرأى رجلًا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال:'يا رب من هذا ؟` قال:'داود`, قال: 'رب كم جعلت عمره؟` قال:'ستين سنة` قال:'يا رب زده من عمري أربعين سنة` قال محمد:'فلما انقضى عمر آدم إلا أربعين، جاءه ملك الموت، فقال آدم: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أوَلم تعطها ابنك داود؟` فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فأكل من الشجرة فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته (اخرجه الترمذي وغيره)(ابن كثير في تفسير الأعراف 173 ، 174),

وهذا الكلام لم يجئ في الكتاب المقدس، إلا أنه كاف في الدلالة على أن آدم كان نائباً عن ذريته، وأن الله أخذ عليه العهد, ولما أخطأ أخطأت ذريته نعم إن المعتزلة ذهبوا إلى غير ذلك، ولكن ردّ عليه الشيخ الشعراني فقال: إن المعتزلة زعموا أن معنى الآية المتقدمة هو أنه أخذ بعضهم من ظهر بعض بالتناسل في الدنيا إلى يوم القيامة، وأنه ليس هناك أخذ عهد ولا ميثاق حقيقة، وأن المراد بالعهد والميثاق هو إرسال الرسل, ولا يخفى ما في هذا المذهب من الخطأ, وكيف يصحّ للمعتزلة هذا القول؟ ومعظم الاعتقاد في إثبات الحشر والنشر مبنيّ على هذه المسألة, والذي يظهر لي أنهم أنكروا ذلك فراراً من غموض مسائل هذا البحث، فَرَضوا بالجهل عوضاً عن العلم, والحق أن الله أخذ عليهم العهد في ظهر آدم حقيقة، لأنه على كل شيء قدير ,

وقد كتب الشيخ محيي الدين ابن العربي مقالة على هذا الحديث (في الباب 305), فالمسلمون يعترفون بأن الله أخذ على آدم عهداً يسمّيه اليهود عهد الأعمال, لكن المسيحيين ينادون بعهدٍ جديدٍ هو عهد النعمة, ومن المؤسف ان المسلمين لا يعرفون عهد النعمة هذا، فذكروا الداء ولم يذكروا الدواء والخلاص، مع وجوده والمناداة به أما المسيحيون فيعرفون عهد الأعمال وعهد النعمة، الذي أوضحه الرسول بولس في رومية 5:18-20 فإذاً كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، هكذا ببر واحد صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة, لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبراراً, وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية, ولكن حيث كثُرت الخطية ازدادت النعمة جداً , فعهد النعمة هو تجسُّد المسيح، وحفظه للناموس، وتقديمه ذاته كفارة عن المؤمنين، وهي نعمة عظمى,

كان آدم يعرف بعض المعرفة رحمة الله التي لم يكن ممكناً ظهورها بغير فداء المسيح، فلا شك أن خطيته أظهرت محبة الله في المسيح، وكانت السبب في هذا الخير العظيم,

أما خطية آدم كما ورد في التوراة، فهي أن الله نهاه عن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، فخالف واستوجب الموت في جهنم، لأن كل نفس تخطئ موتاً تموت، لاستلزام عدل الله ذلك، فاقتبس القرآن هذا وصرح بسقوطه:

(1) اقتبس القرآن فكرة التوراة عن سقوط آدم، فورد في طه 20 : 121 : وعصى آدم ربه فغوى قال المفسرون: عصى ربه بأكله من الشجرة ، وقال البيضاوي: فَضَلَّ عن المطلوب وخاب، حيث طلب الخُلد بأكل الشجرة، أو عن المأمور به، أو عن الرشد، حيث اغترَّ بقول العدو ,

وقرر علماء الإسلام إن العصيان من الكبائر بدليل قوله: ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم (الجن 72:23),

وكلمة الغواية الواردة في الآية السابقة تؤكد ذلك، لأنها اتباع الشيطان، لقوله: إلا من اتبعك من الغاوين , فآدم استوجب الموت لعصيانه,

(2) ورد في طه 20:122 قوله: فتاب عليه , ولا تكون التوبة إلا عن الذنب لأنها الندم على المعصية، والعزيمة على ترك العَوْد إليها, ومن المؤكد انه لا يمكن مغفرة خطيئة بدون سفك دم، فالتوبة وحدها لا تفي العدل الإلهي حقه,

(3) مخالفته النهي عن الأكل من الشجرة وارتكاب المنهى عنه ذنب
ورد في البقرة 35: ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ,

(4) ورد في الاعراف 7:23 قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا، وإنْ لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين

(5) قوله في البقرة 36 فأزلَّهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه ,
وقد دافع علماء الاسلام عن آدم بقولهم إنه وقع في هذه المعصية قبل النبوّة قال محيي الدين ابن العربي: عصى من كان في ظهره من ذريته، الذين هم أهل الشقاء، لأن ظهره كان كالسفينة لسائر أولاده ,
والعبارات القرآنية ناطقة بأنه هو الذي عصى، ونُسبت معصيته الى ذريته أيضاً، لأنه كان نائباً عنهم وعلى كل حال فالنفس التي تخطئ موتاً تموت، وهو حكم إلهي وقالوا إن آدم لما أكل من الشجرة أسودَّ جسده، لأن المعصية أثرَّت فيه، فالسواد علامة المعاصي، حتى قالوا نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن، فسوَّدته خطايا بني آدم

ذكرت التوراة أن آدم سقط وخرج من الجنة لأكله من الشجرة التي نهاه الله عنها فقط، ولم تذكر له غير ذلك وبما أنه كان نائباً عن ذريته أخطأت ذريته بخطيته، ودخلت الخطية الى عالمنا هذا، لأنه إذا كان آدم الذي خلقه الله طاهراً خالف الأمر الالهي، فكم بالحري ذريته، فالجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله، فأتى الفادي ليخلِّص كل من يؤمن به (رومية 3:23),




AL-ATHRAM 10-05-2021 10:14 PM

saif

الفصل الثالث
خطية نوح

اعترض المعترض الغير مؤمن على وقوع نوح في السُّكر، واستشهد بما ورد في التكوين 9:18 - 27 : كان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساماً وحاماً ويافث، وحام أبو كنعان هؤلاء الثلاثة هم بنو نوح، ومن هؤلاء تشعَّبت كل الأرض وابتدأ نوح يكون فلاحاً وغرس كرماً، وشرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه، فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجًا، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على كتفيهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء، فلم يبصرا عورة أبيهما فلما استيقظ نوح من خمره علم بما فعل ابنه الأصغر، فقال:'ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته`


شرب محمد للخمر: روى عبد الرحمن عن ابن عباس أن محمداً طاف وهو شاك على بعير ومعه محجن (والمحجن خشبة في طرفها اعوجاج مثل الصولجان) فلما مرَّ بالحجر استلمه بالمحجن، حتى اذا انقضى طوافه نزل فصلى ركعتين، ثم أتى السقاية فقال: اسقوني من هذا فقال له العباس: ألا نسقيك مما يُصنع في البيوت؟ قال: لا، ولكن اسقوني مما يشرب الناس فأتى بقدح من نبيذ فذاقه فقطب وقال: هلموا فصبُّوا فيه الماء ثم قال: زد فيه مرة أو مرتين أو ثلاثاً ، ثم قال: إذا صنع أحد بكم هذا فاصنعوا به هكذا ,

وروى يحيى بن اليماني عن ابن مسعود الأنصاري أن محمداً عطش وهو يطوف بالبيت، فأتى بنبيذ من السقاية فشمه، ثم دعا بذَنوب من ماء زمزم (أي دلو) فصبّ عليه ثم شربه، فقال له رجل: أحرام هذا يا رسول الله؟ فقال: لا , (العقد الفريد - ابن عبد ربه - باب احتجاج المحلين للنبيذ)

وعن ابن عباس قال: قَدِم النبيُّ على راحلته وخلفه أسامة، فأتيناه بإناءٍ فيه نبيذ، فشرب وسقى فضلَه أسامة, وقال: أحسنتم وأجملتم، هكذا فاصنعوا قال ابن عباس: فنحن لا نريد أن نغيِّر ما أمَر به , (السيرة النبوية - ابن كثير ج4 وصحيح مسلم كتاب الحج, باب فضل السقاية),

وذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد أن الله حرم خمر العنب تعبّداً لا لعلة الإسكار، ولا لأنها رجس، ولو كان كذلك لما أحلَّها الله للأنبياء المتقدمين السالفين، ولا شربها نوح بعد خروجه من السفينة، ولا عيسى ليلة رُفع، ولا شربها أصحاب محمد في صدر الإسلام, ورووا أن سفيان الثوري كان يشرب النبيذ الصلب الذي تحمّر منه وجنتاه(العقد الفريد - ابن عبد ربه ج ,

فمن هذا ترى أن الخمر كانت جائزة، والتوراة والإنجيل يعلّمان أن شُرب الخمر جائز لكن السّكر بها هو الخطأ,

خطايا نوح حسب القرآن:

1 - من الخطايا التي نسبها القرآن الى نوح أنه دعا على المشركين بأن يزيدهم الله ضلالًا, في سورة نوح

71:24 فقال: ولا تزد الظالمين إلا ضلالًا وفي الآية 26 قال نوح: رب لا تذَرْ على الأرض من الكافرين ديّارًا ، ثم قال: رب اغفر لي وقال المفسرون:

إنه لما دعا على الكفار قال رب اغفر لي يعني ما صدر لي من ترك الأفضل أما في الإنجيل فورد في 2بط 2:5 أنه كان كارزاً للبر، فقام بوظيفته، ولم يقل إنه قصَّر في أداء الرسالة، ولا أنه أخذ يدعو على الناس بالإفناء, قال علماؤهم إنه ترك الأَوْلى والأفضل حيث استغفر ربه، وهذه الخطيئة أقبح من السُكر، ولا نعتقد بحصولها لعدم ورود شيء عنها في التوراة

2 - ومن الخطايا التي نسبها القرآن إلى نوح أيضاً طلبه من الله ما لا يجوز طلبه، فورد في هود

11: 45 - 47 ونادى نوح ربه، فقال:' ربي إن ابني من أهلي، وإن وعدك الحق وانت أحكم الحاكمين` قال:' يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح، فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين` قال:' رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين

قال المفسرون: المراد بابنه هنا كنعان، وكان كافراً وقالوا: إنه كان ابن زنا ليس من صُلب نوح فرموا امرأته بالزنا,

وما يؤيد ذلك قوله: ضَرَبَ ا للَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا ا مْرَأَتَ نُوحٍ وا مْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَاِدنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا (التحريم 66:10),


ولكن قال بعضهم: إنه ابنه وإن الله يُخرج الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر، ولا فرق في ذلك بين الأنبياء وغيرهم، فأخرج الله قابيل من صلب آدم وهو نبي، وكان قابيل كافراً وأخرج إبراهيم من صلب آزر وهو نبي, وكان آزر كافراً فكذلك أخرج كنعان وهو كافر من صلب نوح وهو نبي فهو المتصرف في خلقه كيف يشاء , فالقرآن يقول إن نوحاً سأل المحظور، فنهاه الله بقوله: فلا تسألني ما ليس لك به علم

وقوله: إني أعظك بأن تكون من الجاهلين فيه زجر وتهديد، ثم أن طلب المغفرة والرحمة يدل على صدور الذنب منه, واستدل علماء المسلمين بذلك على عدم عصمة الأنبياء, فالحكاية المتقدمة كافية في الدلالة على وقوع نوح في الخطيئة,

حام وكنعان: وقال: إن الذي نظر إلى عورة نوح هو حام أبو كنعان، والذي عوقب باللعنة ابنه كنعان، مع أن أخذ الابن بذنب أبيه خلاف العدل قال النبي حزقيال: النفس التي تخطئ هي تموت الابن لا يحمل إثم الأب، والأب لا يحمل إثم الابن بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون (18:20),

وللرد نقول: من تتبّع تاريخ كنعان رأى أنه أقبح من والده حام , فلعْنُ نوح لكنعان كان نبوّة من نوح, ثم إنّ لعن كنعان عقاب شديد لوالده حام لأنه لعَن ولده فلذة كبده, وكل والد في الدنيا يجعل كل عقله وفكره خير ابنه، ويتألم إذا حل به مكروه، ويتمنى أن يفديه بروحه, فلَعْنُ ولده عقاب شديد له، وهو أقسى من عقاب الوالد فقط,

ثم أن كنعان استحسن عمل والده حام - ونوح نبي صالح، ما كان ليلعن حفيده لو لم يكن ذلك الحفيد مشتركاً مع أبيه في فعلته الشنعاء، خصوصاً ونحن نعلم منزلة الحفيد عند جدِّه, نعم كان كنعان شريراً, وقد وضع نوح كل شيء في محله، فلعن حاماً مرتكب الخطية، ولعن ابن حام الذي كان شريراً كوالده وموافقاً على عمله,

وينقسم العقاب إلى قسمين: عقاب في الدنيا وعقاب في الآخرة، والأخطر هو عقاب الآخرة, فعقاب الدنيا هو ما يحل بالابن بسبب خطية والده، فإذا كان فاسقاً أو سكيراً أو لصاً تجرع أولاده وامرأته غُصص الفقر والضيق، وهو أمر طبيعي, مع أنه لا ذنب للابن في هذه الحالة غير انحراف والده فإذا فرضنا أن كنعان كان رجلًا صالحاً (وهو خلاف الحقيقة) فعقابه هو عقاب الدنيا، وهو لا ينافي أن الله سيجازي كل إنسان حسب عمله، خيراً كان أو شراً في الآخرة, وكثيراً ما يحل بالأمة كروب لانحراف ملكها، فيسلط الله على الملك العاصي من يخرب بلاده بسبب انحراف ملكها عن الصراط المستقيم,

وصحيح أن القرآن يتفق مع ما جاء في حزقيال 18:20 ، غير ان به الكثير مما عابه المعترض الغير مؤمن على عقاب كنعان,
الأبناء يُؤخذون بذنوب آبائهم: من العقائد الإسلامية المهمة أن الابن يؤخذ بذنب أبيه, ورد في الحديث: يا داود، أنا الله الودود, أنا الله ذو بكة، آخذ الأبناء بما فعله الجدود , وورد في الأنفال 8:25 : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة يعني تتعدى إليكم جميعاً، وتصل إلى الصالح والطالح, وأراد بالفتنة الابتلاء والاختبار,

وقال ابن عباس: أمر الله عز وجل المؤمنين أن لا يقرّوا المنكر بين أظهرهم فيعمّهم الله بالعذاب، فيصيب الظالم وغير الظالم , ومن الأحاديث: إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه فإذا فعل ذلك عذب الله العامة والخاصة , وقال ابن الأثير في الأصول إن محمداً قال: إذا خلت الخطيئة في الأرض، كان مَن شهدها فأنكرها كمَن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كمَن شهدها , قال علماؤهم: فإن قلت ظاهر قوله 'واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ` يشمل الظالم وغير الظالم، فكيف يليق برحمة الله وكرمه أن يوصّل الفتنة إلى من لم يذنب؟ قلت: إنه تعالى مالك الملك وخالق الخلق، وهم عبيده وفي ملكه، يتصرف فيهم كيف يشاء، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، فيحسن منه على سبيل المالكية، أو لأنه تعالى علم اشتمال ذلك على أنواع من أنواع المصلحة ,

وقال ابن حزم: إن قوله: ليس للإنسان إلا ما سعى (النجم 53:39) نُسخت بقوله: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان (الطور 52:21) فيجعل الولد الطفل يوم القيامة في ميزان أبيه، ويشفع الله الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء ,

وجرت العادة أنه إذا اقترف الأب ذنباً نُسب إلى ابنه مع أنه لم يفعله حقيقة، لكنه كان يقتدي بأبيه، فإن من شابه أباه فما ظلم، كان كأنه فعل ذنبه, كان محمد يشنّع في يهود عصره ويتهمهم بأنهم عبدوا العجل، مع أن آباءهم هم الذين عبدوه، فقال:

إن الذين اتخذوا العجل، سينالهم غضبٌ من ربهم وذلة في الحياة الدنيا (الأعراف 7:152), (القرطبي في تفسير البقرة 2:76), فقال علماء المسلمين: المراد بالذين اتخذوا العجل اليهود الذين كانوا في زمن محمد قال ابن عباس: هم الذين أدركوا النبي، وآباؤهم هم الذين عبدوا العجل , وقال عطية العوفي: سينال أولاد الذين عبدوا العجل وهم الذين كانوا على عهد محمد, وأراد بالغضب والذلة ما أصاب بني النضير وبني قريظة من القتل والجلاء ,

وعلى هذا القول ففي تقرير الآية وجهان:

(1) تُعيِّر العرب الأبناء بقبائح أفعال الأباء كما تفعل ذلك في المناقب، فتقول للأبناء: فعلتم كذا وفعلتم كذا وإنما فعل ذلك من مضى من آبائهم, فكذلك هنا وُصف اليهود الذين كانوا على زمن محمد بأنهم اتخذوا العجل، وإن كان آباؤهم فعلوا ذلك, ثم حكم على اليهود الذين كانوا في زمنه بأنهم سينالهم غضب من ربهم في الآخرة وذِلة في الحياة الدنيا

(2) أن تكون الآية من باب حذف المضاف، والمعنى أن الذين اتخذوا العجل وباشروا عبادته سينال أولادهم الغضب، ثم حُذف المضاف لدلالة الكلام عليه (الرازي في تفسير الأعراف 7:152),
وعلى هذا القياس اقترف حام الخطيئة فلعن نوح كنعان ابن حام لأنه كان شريراً مثل والده, فالله العادل الحكيم العليم لا يظلم أحداً، بل وسيجازي كل إنسان حسب عمله خيراً كان أم شراً, لقد كان كنعان شريراً استوجب اللعنة, كنعان عبد لغيره:

قال المعترض الغير مؤمن : وما سُمع أن كنعان ولا بنوه كانوا عبيداً ولا في وقت من الأوقات، بل كانوا سادة وملوكاً وجبابرة في فلسطين ,
وللرد نقول: التاريخ ناطق بأن كنعان صار عبداً لإخوته، كما هو واضح من تاريخ بني إسرائيل، فاستولى الإسرائيليون على بلادهم وأذلُّوهم، كما جاء في سفر يشوع, وقد فلق الله نهر الأردن لبني اسرائيل وأوقع أسوار أريحا وأذلَّ الكنعانيين,




AL-ATHRAM 10-15-2021 09:15 PM

saif


الفصل الرابع
خطية ابراهيم

قال المعترض الغير مؤمن : ورد في سفر التكوين12:10-20 أن إبراهيم لما دخل أرض مصر قال عن زوجته إنها أخته لأنه خاف أن يقتله المصريون بسببها، فطلب منها أن تقول إنها أخته ليكون له خير بسببها وتحيا نفسه من أجلها فأخبروا فرعون عنها فصنع إلى أبرام خيراً بسببها، وصار له غنم وبقر وحمير فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراي فاستدعى فرعون أبرام ووبخه على عمله، وأعطاه زوجته (إلى آخر ما هو مذكور في هذا الأصحاح), ولا يليق بخليل الله أبي الأنبياء وصفوة الأمناء أن يرضى بترك حريمه ويسلّمها للغير

وللرد نقول: قول إبراهيم عن سارة إنها أخته قول صدق، لأنها أخته من أبيه فقط, وكان يجوز في تلك العصور القديمة الاقتران بغير الشقيقات, ولم تكن غايته اقتناء المواشي والأتن، كما ادَّعى المعترض الغير مؤمن ، بل كانت غايته النجاة من جور ملوك ذلك الزمان، لأنه قال: أخاف أن المصريين يقتلونني بسببك، فقولي إنك أختي فيستبقونني ولا يقتلونني , ولا ننكر أنه قال ذلك لضعف الطبيعة البشرية، فالله هو الكامل وحده، والنقص ملازم لكل إنسان مهما كان, أما الخير الذي حصل له فلم يكن مقصوداً بالذات، ولم تنسب إليه التوراة غير هذه الكذبة، وكذبة أخرى, ولكن تكلم الكتاب المقدس عن عظمة تقواه وقوة إيمانه، وقال إنه أبو المؤمنين وغير ذلك, أما القرآن فنسب إليه الكذب والشك وعبادة الأصنام,

خطايا ابراهيم حسب القرآن:

(1) ورد في الأنعام 6:77 أن إبراهيم قال عن الكواكب إنها ربه,

فلما رأى القمر بازغًا قال: 'إنه ربي` فلما أفل قال:'إن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين`

وفي عدد 78 قال: فلما رأى الشمس بازغة قال:'هذا ربي, هذا أكبر` ,

فإذا قال هذا عن اعتقاد كان شركاً، وإلا كان كذباً، فاعتذر عنه علماء الإسلام بقولهم إن ذلك صدر قبل تمام النظر في معرفة الله، إذ لا يتصور نبوَّة إلا بعد تمام ذلك النظر, واعتذروا بعذر آخر: أنه قال ذلك على سبيل الفرض، كأنه قال: لو كانت الكواكب أرباباً كما تزعمون، لزم أن يكون الرب متغيراً آفلًا، وهو باطل! ولكن عبارة القرآن ناطقة بوقوعه في عبادة الأصنام,

(2) يقول القرآن إنه شك في قدرة الله, ففي البقرة 2:260

وإذ قال ابراهيم:'ربي أرني كيف تحيي الموتى` قال:'أولم تؤمن؟` قال:'بلى، ولكن ليطمئن قلبي` ,

قالوا: إنّ الشك في قدرة الله كفر , وورد في الحديث : نحن أوْلى بالشك من إبراهيم (ابن كثير في تفسير البقرة 2:260),

(3) يقول القرآن إنه كذب, قال مفسروهم: لما كسر إبراهيم الأصنام دعاه نمرود الجبار وأشراف قومه قالوا:'أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟` قال: 'بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون` , وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات اثنتين منهن في ذات الله قوله :'إني سقيم` وقوله:'فعله كبيرهم` وقوله لسارة:'هذه أختي` حين أراد الجبار القرب منها (رواه البخاري ومسلم وابن كثير في تفسير الصافات 89),

4 - ومن خطاياه ما ورد في الصافات 37:89 فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم قال ابن عباس: كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا يتعاطون ويتعاملون به، لئلا ينكروا عليه أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم، ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة, وكان لهم من الغد عيد ومجمع، فكانوا يدخلون على أصنامهم ويقربون لهم القرابين، ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم, وزعموا التبرك عليه فاذا انصرفوا من عيدهم أكلوه، فقالوا لإبراهيم: ألا تخرج معنا إلى عيدنا؟ فنظر في النجوم فقال: إني سقيم (أي مريض بالطاعون), وقال علماء الإسلام: النظر في علم النجوم حرام، وحكمه بأنه سقيم كذب, (الرازي في تفسير الصافات 37:89),

فهذه الأقوال ناطقة بأنه كان يعبد الكواكب، وأنه شك في قدرة الله، وأنه كذب عدة مرات وأهل الكتاب لا يسلِّمون بشيء من ذلك غاية الأمر أنه كذب مرتين من خوفه ويعتقدون أنه أبو المؤمنين ويضرب المثل بإيمانه، فإنه آمن بالله إيماناً ثابتاً، وأطاع أوامره طاعة كاملة، ولم يعتقدوا أنه كان يعبد الكواكب، ولا أنه شك في قدرة الله، ولا أنه نظر في علم النجوم,




AL-ATHRAM 10-27-2021 09:15 PM


Saif

الفصل الخامس
خطية إسحق ويعقوب

فاذا كان هذا حال خليل الله، أو كما قال المعترض الغير مؤمن أبو الأنبياء وصفوة الأمناء ، فلا عجب إذا وقع إسحق في ذات هذه الخطية، فلم يقو على التجربة لضعف الطبيعة البشرية كما قلنا ولم تُذكر هذه القصص إلا لتعلمنا وجوب التيقّظ، لأن إبليس عدونا كأسد يود افتراسنا, فإذا لم يحفظنا الله بنعمته ويرعانا بقوته نسقط في شر الخطايا

سأل رجل الحسن: يا أبا سعيد، أينام إبليس؟ فأجابه: لو نام لوجدنا راحة، فلا خلاص للمؤمن منه إلا بتقوى الله تعالى , وقال في الإحياء قبيل بيان دواء الصبر: من غفل عن ذكر الله تعالى، ولو في لحظة، فليس له في تلك اللحظة قرين إلا الشيطان وقال محمد: جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم بل أشد من الأعداء ولما سُئل: أي الجهاد أفضل؟ فقال: جهادك هواك وقال لبعض أصحابه: رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فجعل المجاهدة بالسيوف صغرى، فإن من ملك نفسه أعظم ممن يملك الحصون وورد أيضاً: أعدى أعدائك إليك نفسك التي بين جنبيك وهذه هي حالة الطبيعة البشرية، فلا عجب إذا وسوس الشيطان لإسحق وأغراه على الكذب كما فعل مع إبراهيم خليل الله ولا عجب أيضاً إذا استعان يعقوب بالمراوغة والخداع في نوال البركة من أبيه، وارتكن على الوسائط البشرية ولم يعتمد على الله وقد عاقبه الله بأن قيَّض له من خدعه، فإن الحصاد من جنس الزرع، فإن لابان غش يعقوب المرة بعد الأخرى وغاية الله هي أن يعلمنا أن نعتصم بالصدق في أقوالنا فانه أقوى لنا، وأن نهرب من الكذب في أفعالنا لأنه أفعى لنا

جاء في القرآن: أعطى كل شيء خَلْقه ثم هدى (طه 20:50) وورد فيه أيضاً: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً، ولكن الله يزكي من يشاء (النور 24:21), وعن جابر، قال رسول الله: لا يُدْخِلُ أحداً منكم عملُهُ الجنة ولا يُجيره من النار، ولا أنا إلا برحمة الله رواه مسلم, (مشكاة المصابيح تحقيق الألباني حديث رقم 237)

وقد ظهرت هذه الرحمة في يسوع المسيح، فإن الله أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية(يوحنا 3:16),

قال المعترض الغير مؤمن : إن الله بارك يعقوب لأنه لم يميز بينه وبين أخيه، مثل عدم تمييز أبيه ,
وللرد نقول: إن الله اختار يعقوب وجعله مباركاً بدون واسطة والده ولا غيره, وقد ذكرنا أنه أخطأ لاعتماده على الوسائط البشرية وعدم اعتماده على الله,



AL-ATHRAM 11-13-2021 09:07 PM

Saif

الفصل السادس
خطية لوط

أنكر المعترض الغير مؤمن وقوع الخطأ من ابنتي لوط، لما أسكرتا أباهما واضطجعتا معه، ولم يعلم باضطجاعهما ولا بقيامهما، وقال: إنها دسيسة في الكتب السماوية, وطلب الاستفهام عن الغرض من ذكر هذه القصة


وللرد نقول: لنوضح ظروف لوط وابنتيه:

كان لوط في الجبل، فتوهمت ابنتاه أنه سينقطع نسلهما لأن الله أهلك سدوم وعمورة بأهلهما، ففعلتا ما فعلتاه فالسُّكر هو سبب هذا الشر الفظيع، والرب أراد أن ينفرنا منه بالأمثلة التي تقشعر منها الأبدان والمعروف أنه إذا سكر الإنسان تاه عن الصواب، وكان والمجنون واحداً, قال أبو حنيفة: حدّ السُّكر أن يصير الإنسان لا يعرف السماء من الأرض، ولا الطول من العرض، ولا المرأة من الرجل , فلا عجب إذا لم يدر لوط بما فعله في حالة سكره لأنه لم يشعر بعمله ولا بشرِّه,

1 - ولقد أوقع السُّكر الصحابة في الكفر، وفي ضرب بعضهم بعضاً، فقد كانت الخمر جائزة أولًا يشربها أصحاب محمد في صدر الإسلام، فورد في البقرة 219 :

يسألونك عن الخمر والميسر وقال المفسرون: نزلت هذه العبارة في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وجماعة من الأنصار أتوا محمداً فقالوا: يا رسول الله أفتنا في الخمر والميسر، فإنهما مَذْهبة للعقل مسلبَةً للمال, فنزلت هذه العبارة (الكشاف في تفسير البقرة 219), وقالوا إن أصل الخمر في اللغة الستر والتغطية، وسُمّيت الخمر لأنها تخامر العقل أي تخالطه، وقيل لأنها تستره وتغطيه وجملة القول إن المسلمين كانوا يشربونها في أول الإسلام وهي حلال لهم وصنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً ودعى إليه ناساً من أصحاب محمد، فأطعمهم وسقاهم الخمر وحضرت صلاة المغرب فقدموا علي بن أبي طالب ليصلي لهم، فقرأ: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون بحذف حرف لا , فكان ذلك سبباً في نزول: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فحرم محمد السُّكر في أوقات الصلوات, فكان الرجل يشربها بعد صلاة العِشاء فيُصبح وقد زال سكره، فيصلي الصبح, ويشربها بعد صلاة الصبح ، فيصحو وقت صلاة الظهر (الكشاف في تفسير البقرة 219 وأسباب النزول للسيوطي سبب نزول النساء 4:34),


2 - مما يدل على أن السكر كان السبب في كفاحهم ووقوع البغضاء بينهم، هو أن عتبان بن مالك أَقام وليمة ودعا رجالًا من المسلمين وفيهم سعد بن أبي وقاص، وكان قد شوى لهم رأس بعير، فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، فافتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الأشعار، فأنشد سعد قصيدة فيها فخر قومه وهجاء الأنصار, فأخذ رجل من الأنصار لحْيَ البعير فضرب به رأس سعد فشجَّه, فانطلق سعد إلى النبي وشكى إليه الأنصاري، فقال عمر: اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً ويُروى أيضاً أن حمزة بن عبد المطلب شرب الخمر يوماً وخرج فلقى رجلًا من الأنصار وبيده ناضح له، والأنصاري يتمثل ببيتين لكعب بن مالك يمدح قومه وهما:

جمعنا مع الإيواء نصراً وهجرة فلم يُر حيٌّ مثلنا في العشائر
فأحياؤنا من خير أحياء من مضى وأمواتنا من خيرِ أهلِ المقابر
فقال حمزة: أولئك المهاجرون وقال الأنصاري: بل نحن الأنصار فتنازعا، فجرد حمزة سيفه وعدا على الأنصاري، فهرب الأنصاري وترك ناضحه فقطعه حمزة, فجاءه الأنصاري مستعدياً إلى محمد، فأخبره بفعل حمزة، فغرم له محمد ناضحاً فقال عمر: بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت: يا أيها الذين آمنوا، إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة (المائدة 5:90 ، 91),

ورووا أن قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا حتى ثملوا وعبث بعضهم ببعض، فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول: فعل بي هذا فلان أخي , وكانوا إخوة ليست في قلوبهم ضغائن، فكان ذلك سبب تحريمها (الطبري في تفسير المائدة 90),

3 - حرمت التوراة السُّكر بالخمر من أول الأمر, قال سليمان الحكيم : لمن الويل، لمن الشقاوة، لمن المخاصمات، لمن الكرب، لمن الجروح بلا سبب، لمن ازمهرار العينين؟ للذين يدمنون الخمر، الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج, لا تنظر إلى الخمر إذا احمرَّت، حين تظهر حُبابها في الكأس وساغت مرقرقة, في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان, عيناك تنظران الأجنبيات، وقلبك ينطق بأمور ملتوية، وتكون كمضطجع في قلب البحر، أو كمضطجع على رأس سارية, يقول: ضربوني ولم أتوجع، لقد لكأوني ولم أعرف! (الأمثال 23:29-35),

4 - فاذا وقع لوط في أقبح الخطايا، كان ذلك نتيجة السُّكر, على أن الأعمال بالنيات, والكتاب المقدس ناطق بأنه لم يدر بما فعل، والسكران يؤاخذ على سكره ولا يؤاخذ على ما يقترفه وهو سكران، فإن التكليف يسقط عنه,

فالسكران لا يدري ما فعل، ولكن إذا استفاق وجب عليه التوبة ولوط فعل ما فعله وهو لا يدري، ولما استفاق تاب وندم، وشهد له الكتاب المقدس بأنه كان باراً تقياً والمؤمن إذا وقع في خطيئة لا يهدأ باله إلا إذا تخلَّص منها، فخطيئته تكون مثل غبار أو قذى في عينه لا يرتاح إلا إذا خرج منها، بخلاف الشرير الذي يجد ارتياحاً ولذة في فجوره مثل قوم لوط، فلما أنذرهم المرة بعد الأخرى لم يكترثوا بنصيحته، ولم تؤثر فيهم مواعظه، فعاقبهم الله، وحافظ على هذا البار, وعلَّمنا بهذا المثال الامتناع عن السكر فانه يجرّس وينجس ويفلس ويوقع في الإشراك والهلاك,

5 - وقد نسب القرآن إلى لوطٍ عدم الاعتماد على الله، فقال إنه لما أتت الملائكة لوطاً بصورة رجال جمال الصورة، أراد قومه التعرُّض لهم، فقدم لهم بناته فلم يرضوا، فقال في عدد 80:

لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد (هود 11:80), وجواب لو محذوف، أي لقاتلتكم عن أبي هريرة قال رسول الله : يرحم الله لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد يعني أن الركن الشديد هو الله، فنسبوا إليه عدم الاعتماد على الله (ابن كثير في تفسير هود 80),



AL-ATHRAM 11-19-2021 08:23 PM


Saif

الفصل السابع
جدود المسيح

استقبح المعترض الغير مؤمن أن بعض جدود المسيح لم يكونوا منزهين عن الخطأ فقال إن عوبيد بن لوط هو جد لداود واسم أمه راعوث، وإنها كانت موآبية، وإن رحبعام بن سليمان من أجداد المسيح واسم أمه نعمة، وهي عمونية من أولاد بني عمّي بن لوط, ورحبعام جد المسيح، مع أن بن عمّي من أولاد الزنا, وأنه كان لا يجوز للموآبي والعموني الدخول في جماعة الرب، وأنهم إذا قالوا إن اعتبار النسب بالآباء لا بالأمهات، فيكون ترجيحاً بلا مرجِّح

وللرد نقول: إذا نظرنا إلى الطبيعة البشرية رأينا أن آدم أبا البشرية خالف أمر الله وطُرد من الجنة، وإبراهيم أبا الأنبياء كذب ثلاث كذبات حسب قول محمد، وقِسْ على ذلك غيره فاتَّخذ المسيح من هذه الطبيعة الفاسدة جسداً ليصلحها ويرفع شأنها، فلا عجب إذا كان في سلسلة نسَبه مَنْ أخطأ خطايا فاحشة ولا يُقدَح في وجود بعض الموآبيين في سلسلة المسيح، فالأساس هو الإيمان بالله الحي فيا له من إيمان حقيقي ظهرت نفحاته بالأعمال الصالحة أما قوله إنه كان لا يجوز للموآبي الدخول في جماعة الرب، قلنا: هذا إذا كان باقياً على إلحاده وكفره، أما إذا آمن فإنه يصبح مقبولًا، لأنه ليس عند الله محاباة

حال أبوي محمد وعشيرته: ورغم تنقيب المعترض الغير مؤمن في صفات الأفاضل الذين اتخذ منهم المسيح الطبيعة البشرية، فإنه لم يجد أن أحدهم أشرك بالله, وهذا بخلاف أبوي محمد وعمه وعشيرته، فقد كانوا مشركين قال العلماء:
والشِرك بالله أكبر الكبائر، لقوله: إن الشرك لظلم عظيم, ويليه القتل بغير حق , ورد في النساء 4:48 : إن الله لا يغفر أن يُشرَك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيمًا وفي (عدد 116): ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالًا بعيداً روي عن أبي ذر أنه قال: أتيتُ محمداً وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال:'ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ` قلت:'وإن زنى وإن سرق؟` قال: 'وإن زنى وإن سرق`, قلت:'وإن زنى وإن سرق؟` قال:'وإن زنى وإن سرق`, قلت:'وإن زنى وإن سرق؟` قال:'وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر` (مشكاة المصابيح تحقيق الألباني - حديث رقم 26),

إذاً الشرك من أعظم الكبائر التي لا تُغفر، ولكن الله يغفر ما دون ذلك وما نُسب إلى بعض الأفاضل من جدود المسيح من الخطايا هو من الهفوات والزلات التي لم يقووا على مقاومتها، بل كانت شديدة فغلبتهم، ولكنهم تابوا وندموا واستغفروا الله أما الشرك بالله فهو أعظم الآثام ويستوجب صاحبه جهنم النار، وقد كان والدا محمد مشركَيْن، ولما طلب محمد من الله ان يغفر لهما لم يُجَبْ إلى طلبه ورد في التوبة 9:113 : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيَّن لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه، فلما تبيَّن له أنه عدو لله تبرّأ منه ذهب المفسرون إلى أن هذه العبارة نزلت في شأن أبي طالب عم محمد، وهو والد علي، وفي والد محمد وأمه، فإن محمداً أراد أن يستغفر لهم بعد موتهم، فنهاه الله عن ذلك (أسباب النزول للسيوطي - سبب نزول التوبة 9:113),

استغفار محمد لأمه: قال أبو هريرة وبريدة: لما قدم محمد مكة أتى قبر أمه آمنة فوقف حتى حميت الشمس رجاء أن يُؤذَن له فيستغفر لها، فنزلت: وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين وروى الطبري وابن الجوزي عن بريدة، قال كل واحد منهما إن محمداً مرَّ بقبر أمه فتوضأ وصلى ركعتين ثم بكى، فبكى الناس لبكائه ثم إنصرف اليهم فقالوا: ما أبكاك؟ قال: مررت بقبر أمي فصليت ركعتين، فاستأذنت ربي أن استغفر لها فنُهيت، فبكيت ثم عدت فصليت ركعتين، فاستأذنت ربي أن أستغفر لها، فزُجرت زجراً، فأبكاني ثم دعا براحلته فركبها، فما سار إلا هنيهة حتى قامت الناقة لثقل الوحي، فنزلت : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى (أسباب النزول للنيسابوري - سبب نزول التوبة 113),

استغفار محمد لأبيه: وجاء أيضاً في أسباب النزول لجلال الدين السيوطي عن سبب نزول التوبة 113 : قال قتادة، قال محمد: لأستغفرنَّ لأبي كما استغفر ابراهيم لأبيه فنزلت هذه العبارة, وروى الطبري بسنده عنه، قال: ذكر لنا أن رجالًا من أصحاب الرسول قالوا: يا نبي الله، إن من آبائنا من كان يُحسِن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم، أفلا نستغفر لهم؟ فقال محمد: بلى، والله لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه فنزلت: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ثم اعتذر الله عن إبراهيم حسب قولهم، فقال: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه (التوبة 9:114),
فالآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة ناطقة بأن أبا محمد وأمه وعمه كانوا مشركين، ونهاية كل مشرك جهنم النار ولما حاول أن يستغفر لهم نُهي عن ذلك وزُجر زجراً أبكاه أما استغفار إبراهيم لوالديه فكان عن موعدة وعدها الله له، حسب كلامهم والمؤكد أنه لا شفاعة بعد الموت، فيُجازى كل إنسان حسب عمله، فالكافر مقره جهنم والمؤمن في النعيم الدائم، وعلماء المسلمين مسلِّمون بوجود والدي محمد في النار, وقال بعضهم: إنه لا يبعد أن يكون الله أقامهما من الموت ليؤمنا ثم أماتهما، وهي خرافة ونقول: إذا كان الله زجر محمداً عن الاستغفار لهما، فكيف يقيمهما؟ إن أبوي محمد هما في النار حسب شهادة القرآن، وشتان بين أبويه وجدوده الوثنيين، وبين العذراء القديسة مريم، وجدود المسيح - حسب الجسد - من أنبياء وملوك، مثل إبراهيم، وإسحق، ويعقوب، وداود، وسليمان، الذين اشتهروا بالتقوى الحقيقية ومعرفة الله الحي، وعندهم الكتب المقدسة والوحي الإلهي ولا عجب اذا وقع بعضهم في معصية ثم تابوا واستغفروا الله لأنهم بشر، والطبيعة البشرية تميل إلى الانحراف, والمسيح أتى واتخذ جسداً من هذه الطبيعة البشرية ليرفع قَدْرها كما قلنا,




AL-ATHRAM 11-26-2021 09:03 PM

Saif

الفصل الثامن
خطيئة إخوة يوسف

قال المعترض الغير مؤمن : ورد في التكوين 35:22 : وحدث إذْ كان إسرائيل ساكناً في تلك الأرض أن رأوبين ذهب واضطجع مع بلهة سُريَّة أبيه, وسمع إسرائيل , ومع ذلك لم يَجْر الحدّ والتعزير على رأوبين ,
وللرد نقول:

من جهة الحد والتعزير فقد لعنه أبوه، ولم ينس خطيئته وهو مشرف على الموت (تكوين 4) ورأوبين هذا لم يكن نبياً ولا رسولًا, نعم لا يُنكر أن أباه كان من المشهورين بالإيمان والتقوى، ولكن النار قد تخلّف الرماد فخلف آدم قايين، وخلف نوح حسب قولهم كنعان وهو شرير, والحقيقة هي أنه خلف حاماً ولم يكن تقياً, ونسب القرآن إلى رأوبين الغدر بأخيه كما ورد في يوسف 12: 8 ، 9 :

إذ قالوا ليوسف: وأخوه أحبُّ إلى أبينا منّا، ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين, اقتلوا يوسف واطرحوه أرضاً يخْلُ لكم وجه أبيكم - قال المفسرون: لما قوي الحسد وبلغ النهاية من إخوة يوسف قالوا فيما بينهم:'لابد من تبعيد يوسف عن أبيه، وذلك لا يحدث إلا بأحد طريقين: إما القتل مرة واحدة، أو التغريب إلى أرض يحصل اليأس من اجتماعه بأبيه بأن تفترسه الأسود والسباع، أو يموت في تلك الأرض البعيدة` , أما نسبة أبيهم إلى الضلال فهو محض العقوق، وهو من الكبائر,

قال قائل منهم: لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت (أي قعر) الجب يلتقطه بعض السيارة (الذين يسيرون في الأرض) إن كنتم فاعلين (يوسف 10), قال محمد بن اسحق: اشتمل فعلهم هذا على جرائم كثيرة من قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له، والغدر بالأمانة، وترك العهد، والكذب مع أبيهم , ثم ادعى أن الله عفا عن ذلك كله حتى لا ييأس أحد من رحمة الله !

ومن المعلوم أنه لا يوجد تفاوت في صفات الله، فليست صفة أعظم من صفة أخرى، فرحمة الله ليست أعظم من عدله، وعدل الله يستلزم قصاص المذنب ولا يمكن أن الله يعفو عن إخوة يوسف إلا بالكفارة والإيمان والتوبة,

خطايا إخوة يوسف حسب قول المسلمين: جاء في تفسير القرطبي على يوسف 12:15 فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ إن في موضع نصب، أي على أن يجعلوه في غيابة الجب, قيل في القصة: إن يعقوب عليه السلام لما أرسله معهم أخذ عليهم ميثاقاً غليظاً ليحفظنه، وسلمه إلى روبيل وقال: يا روبيل! إنه صغير، وتعلم يا بني شفقتي عليه، فإن جاع فأطعمه، وإن عطش فاسقه، وإن أعيا فاحمله ثم عجِّل برده إليَّ, قال: فأخذوا يحملونه على أكتافهم، لا يضعه واحد إلا رفعه آخر، ويعقوب يُشيّعهم ميلًا ثم رجع, فلما انقطع بصر أبيهم عنهم رماه الذي كان يحمله إلى الأرض حتى كاد ينكسر، فالتجأ إلى آخر فوجد عند كل واحد منهم أشد مما عند الآخر من الغيظ والعسف، فاستغاث بروبيل وقال: أنت أكبر إخوتي، والخليفة من بعد والدي عليَّ، وأقرب الإخوة إليَّ، فارحمني وارحم ضعفي فلطمه لطمة شديدة وقال: لا قرابة بيني وبينك، فادع الأحد عشر كوكباً فلتنجك منا , فعلم أن حقدهم من أجل رؤياه، فتعلق بأخيه يهوذا وقال: يا أخي! ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني، وارحم قلب أبيك يعقوب، فما أسرع ما تناسيتم وصيته ونقضتم عهده , فرقّ قلب يهوذا فقال: والله لا يَصِلون إليك أبداً ما دمتُ حياً، ثم قال: يا إخوتاه! إن قتل النفس التي حرم الله من أعظم الخطايا، فردُّوا هذا الصبي إلى أبيه، ونعاهده ألا يحدث والده بشيء مما جرى أبداً, فقال له إخوته: والله ما تريد إلا أن تكون لك المكانة عند يعقوب، والله لئن لم تدعه لنقتلنّك معه، قال: فإن أبيتم إلا ذلك فها هنا هذا الجب الموحش القفر، الذي هو مأوى الحيات والهوام فألقوه فيه، فإن أصيب بشيء من ذلك فهو المراد وقد استرحتم من دمه، وإن انفلت على أيدي سيارة يذهبون به إلى أرض فهو المراد , فأجمع رأيهم على ذلك,

قال علماء الإسلام: إن رأوبين (روبيل) لطم يوسف لطمة شديدة, والحقيقة هي أنه هو الذي أشار بالرأفة بأخيهم، ويهوذا هو الذي أشار ببيعه، ولم تأخذه عليه شفقة ولا رحمة فلا عجب إذا اقترف خطايا أخرى كخطية الزنا, وبيان ذلك أنه كان ليهوذا ابنان: عير وأونان, أما عير فكان شريراً فأماته الرب, ولما كانت شريعة موسى تقول: إنه إذا مات إنسان بدون عقب وجب على أخيه أن يقيم نسلًا له، حتى لا ينطفئ اسمه من عشيرته، تزوج أونان بامرأة أخيه لهذه الغاية, ولكنه أفسد على الأرض لكيلا يعطي نسلًا لأخيه، فقبُح في عيني الرب فأماته وكان ليهوذا ابن ثالث اسمه شيلة، فأخبر يهوذا امرأة ابنه، الذي مات بدون عقب، أن تمكث في بيتها إلى أن يكبر الابن الثالث, واتفق أن ماتت امرأة يهوذا، فمضت مدة مديدة ولم يقترن بزوجة ولما كانت ثامار امرأة ابنه الذي مات بدون عقب ترغب في إقامة نسل، وكان يهوذا قد ضرب عنها صفحًا، تزيَّت بزيّ زانية وأغرت يهوذا على الزنا بها، وأخذت خاتمه وعصابته وعصاه لتبرئة نفسها مما فعلته، ولتعاقبه على عدم مراعاة الشريعة التي كانت تجيز للعم الاقتران بزوجة ابن أخيه لإقامة النسل, فلما عرف يهوذا حقيقة الأمر قال: إنها أبرُّ مني، لأني حجبْتُ شيلة ابني عنها ولم أعطها له , فيتضح من هذه القصة أن يهوذا وقع في تجربة عظيمة، ولا سيما أنه كان مترملًا,

ومع كل ذلك فلا ننكر أنهما اقترفا إثماً عظيماً، فاستغفرا ربهما عن هذا الإثم، وقال الكتاب المقدس إنه لم يعد يعرفها، فندم كلّ منهما على عمله وتابا ولا يصح أن نعتبر كلًا منهما بمنزلة الزاني المصرّ على خطيئته,

قال المعترض الغير مؤمن : لا يتصور أن رذيلًا من الأرذال يعطي عمامته أجرة فعلٍ مثل هذا الفعل الشنيع ,

وللرد نقول: لم يرِدْ في التوراة أن ثامار أخذت عمامة يهوذا، بل أنها أخذت خاتمه وعصابته وعصاه, فالعصابة ليست هي العمامة، بل هي كل ما عُصبت به الرأس من عمامة أو منديل, والظاهر أنها كان منديلًا أو رباطاً على الرأس، فإن غاية ثامار كانت أخذ علامةٍ منه لتبرئة نفسها

وقال المعترض الغير مؤمن : لماذا قتل الله أونان الذي تزوج ثامار أرملة أخيه؟
,
وللرد نقول: إن الله عاقبه لأنه كره أخاه المتوفى، وأصرَّ على إطفاء اسمه وذكره، ففعل به الرب ما قصد أن يفعله بأخيه، فإن الحصاد هو من جنس الزرع,

وقال المعترض الغير مؤمن : داود من ذرية فارص بن ثامار المولود منها بالزنا، وابن الزنا لا يدخل في جماعة الرب حتى يمضي عليه الجيل العاشر، كما جاء في التثنية 23:2 , فكيف دخل داود وآباؤه في جماعة الرب، بل صار من رؤساء الأنبياء وصاحب كتاب والهام؟

وللرد نقول: الأمر الوارد في تثنية 23:2 خاص بالذين كانوا يستبيحون الفسق والآثام، فحذر الله بني اسرائيل من دخول أحدهم في جماعة الرب، بل حذرهم من مخالطتهم ومعاشرتهم لئلا تفسد أخلاقهم وآدابهم ولو سلمنا بأن المقصود من هذه العبارة العموم، لكان المراد منها أنه لا يجوز الدخول في جماعة الرب لمن يصرّ على الفسق، أما الذي يتوب فإن الله يقبل توبته ويجعله من جماعة المؤمنين به,



الساعة الآن 08:53 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir